
إزالة رموز النظام البائد في سوريا: خطوة نحو التحرر البصري والوطني
تواصل القوى المدنية والمجتمعية في سوريا، لا سيما في المناطق التي تحررت من قبضة بشار الأسد المجرم، جهودها في إزالة رموز النظام البائد، سواء من الشوارع أو المباني العامة أو الفعاليات التجارية، في مشهد يعكس رغبة شعبية جذرية في اجتثاث كل ما يُذكّر بمرحلة الاستبداد التي عاشها السوريون لعقود تحت حكم المجرم الأب حافظ وأبنائه وأعوانهم.
تحرر من التلوث البصري والتشويه الحضاري
تُعد هذه الخطوة أكثر من مجرد إزالة لصور وتماثيل وشعارات حزبية؛ إنها تحرر بصري ونفسي من مرحلة سوداوية من تاريخ سوريا، ارتبطت في وعي الناس بالقمع، والتسلط، وغياب العدالة، والانهيار الخدمي والاقتصادي. لطالما كان النظام البائد حريصاً على فرض وجوده القسري في الفضاء العام من خلال الصور والتماثيل والعبارات التي تمجد "القائد إلى الأبد"، وتُقصي الوطن والشعب من المعادلة.
ويؤكد المواطنون أن بقاء هذه الرموز بعد سقوط النظام يشكل إساءة بالغة لذاكرتهم الجمعية، ويقف عائقاً أمام بناء مستقبل لا يحمل رواسب الطغيان، ولهذا جاءت إزالة هذه الرموز كخطوة موازية للخلاص من الشخص المستبد ذاته.
مبادرات إزالة الرموز
شهدت الآونة الأخيرة تسارعاً في إطلاق المبادرات المدنية والرسمية لإزالة رموز النظام السابق، وتنوعت في أشكالها وأهدافها:
في 19 أيار/مايو 2025، أصدر مجلس مدينة اللاذقية تعميماً يُلزم أصحاب المحال التجارية والفعاليات الاقتصادية بإزالة كافة الصور والشعارات والرايات التي ترمز للنظام البائد، تحت طائلة المساءلة القانونية، خلال مهلة لا تتجاوز 48 ساعة.
وفي 12 نيسان/أبريل الفائت، أطلق عدد من شباب مدينة حمص مبادرة رمزية تهدف إلى إزالة الصور والشعارات من شوارع المدينة، في خطوة وُصفت بأنها بداية فعلية لطيّ صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة أساسها الحرية والعدالة.
أما في مدينة حلب، فقد بادر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) يوم 11 نيسان/أبريل، بإطلاق حملة تحت عنوان "رجعنا يا حلب"، شارك فيها أكثر من 100 متطوع و30 آلية خدمية، تهدف إلى إزالة التشوهات البصرية التي خلّفها النظام من جدران المرافق العامة، بمشاركة رسمية من محافظة حلب.
وقد لاقت هذه المبادرات تأييداً واسعاً من السكان المحليين، الذين رأوا فيها ضرورة أخلاقية وثقافية، ومقدمة لإعادة بناء هوية المدن من دون شوائب تمجيد الفرد وتقديس السلطة، وهي الممارسات التي أرساها النظام البائد لعقود.
قرارات رسمية صارمة ضد التمجد للنظام
وفي السياق ذاته، أصدرت محافظة حلب قراراً رسمياً في 8 نيسان/أبريل يُلزم كافة الجهات بإزالة رموز النظام السابق، بما في ذلك الصور، الشعارات، والعبارات، من على المحال، الجدران، واجهات الأبنية، وغيرها، على نفقة أصحابها، مهددة بمساءلة قانونية صارمة بحق من يخالف القرار. ويُطبق القرار حتى نهاية شهر نيسان الجاري.
وترافق هذه الحملة مع رفض قاطع من قبل المجتمع المحلي لأي تمجيد للنظام السابق أو إساءة لرموز الثورة، حيث بات أي تصرف في هذا الإطار يُواجه إما بالعقوبة القانونية أو بالرد الفوري من الأهالي.
رسالة رمزية وسياسية في آن
تُشكل هذه التحركات الشعبية والرسمية رسالة بالغة الدلالة على رغبة السوريين في القطيعة التامة مع إرث الاستبداد، وتُعيد التأكيد على أن الثورة السورية لم تكن مجرد ردة فعل على أزمة سياسية، بل حركة تحرر متكاملة تهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع على أسس المواطنة والحرية والعدالة.
ويرى ناشطون أن إزالة الرموز ليست عملاً تجميلياً فحسب، بل ضرورة ثقافية وتربوية لتحرير الأجيال القادمة من عبادة الأشخاص وتقديس الزعماء، تلك الظواهر التي سادت طيلة عقود، وساهمت في تكريس حكم الفرد وتحويل الوطن إلى مزرعة سلطوية.
إن إزالة رموز النظام البائد ليست مجرد "إزالة صور وتماثيل"، بل تحرير للوعي والفضاء العام من مخلّفات الاستبداد، ومقدمة ضرورية لفتح الطريق نحو سوريا جديدة، تحترم الإنسان، وتُعلي قيمة الوطن، وتنبذ كل مظاهر الطغيان والتقديس القسري، لقد قالها أحد المواطنين ببساطة وعُمق: "رجاءً، نبتعد عن تقديس الأشخاص والتطبيل للأفراد، الانتماء يجب أن يكون للوطن فقط."