
الإسكان في سوريا: استراتيجية وطنية لرسم ملامح عمرانية مستدامة
تعمل وزارة الأشغال العامة والإسكان وفق رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء مجتمعات عمرانية متكاملة وآمنة، قادرة على مواجهة التحديات المناخية ومتطلبات التخطيط الحضري المتجدد، وذلك بالتوازي مع تنمية قطاع الإسكان وتطويره ليكون ركيزة أساسية في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.
وأكدت مصادر حكومية في حديثها لوسائل إعلام رسمية أن العمل جارٍ على تطوير الرؤية المستقبلية للتخطيط المكاني على المستويات كافة، من خلال مشروع تحديث الاستراتيجية الوطنية للإسكان بما يواكب التحولات الديموغرافية والاقتصادية، وينسجم مع مؤشرات وأطر الاستدامة العالمية، ولا سيما الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة المعني ببناء مدن ومجتمعات شاملة وآمنة ومستدامة.
كما أشارت المصادر إلى أن الوزارة تتابع تنفيذ مخرجات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي للفترة الممتدة من 2020 إلى 2035، من خلال إعداد خارطة تنمية مكانية شاملة تتناول مختلف المجالات الحيوية، بدءاً من التخطيط العمراني والإقليمي، مروراً بالبنى التحتية والنقل والموارد المائية والطاقة، ووصولاً إلى ملفات الزراعة والتنمية الريفية والسياحة والبيئة والهوية الثقافية.
وفي قطاع البناء والتشييد، تواصل الوزارة جهودها لتحسين فعالية هذا القطاع وجعله أكثر تنافسية، من خلال تمكين الشركات العامة الإنشائية وتحديث عمل الجمعيات التعاونية السكنية عبر الإشراف المباشر وتحديث الأطر القانونية، إلى جانب دعم التدريب المهني والأتمتة، والإشراف على أداء نقابتي المهندسين والمقاولين، وذلك بالتوازي مع استمرار المؤسسة العامة للإسكان بتنفيذ مشاريع السكن الاجتماعي، التي تستهدف شريحة ذوي الدخل المحدود.
الاستراتيجية الوطنية للإسكان تمثل الإطار التنفيذي الذي يرسم سياسات وبرامج الإسكان خلال فترة ما بعد الحرب، وتستند إلى تقييم معمق لحالة القطاع على المستوى الوطني وفق منهجيات معتمدة دولياً من قبل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، بما يعكس الواقع الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي والعمراني، ويأخذ بعين الاعتبار التحديات والفرص في مرحلة ما بعد التحرير.
ووفقاً للمصادر، تنطلق رؤية الوزارة في هذه الاستراتيجية من هدف بناء مستقبل عمراني آمن وشامل، يتيح لجميع السوريين إمكانية الوصول إلى سكن ملائم، ويعزز الاستقرار والتماسك الاجتماعي. وتقوم هذه الرؤية على مبادئ أساسية في مقدمتها اعتبار السكن حقاً، ودمج الأبعاد البيئية والاقتصادية، وتحقيق التوازن بين إعادة الإعمار والتحول المؤسسي، مع ضمان العدالة وعدم التمييز.
تشرف وزارة الأشغال على تنفيذ هذه الاستراتيجية بالتعاون مع الجهات الإدارية التابعة لوزارة الإدارة المحلية والبيئة، وبمشاركة مباشرة من المؤسسات والشركات العامة، والجمعيات السكنية، وشركات التطوير العقاري والمقاولين والأفراد، إضافة إلى دور غير مباشر للمكاتب والشركات الهندسية، وشركات تصنيع مواد البناء. أما التمويل، فيتوزع بين صندوق الدين العام، المصارف العامة والخاصة، شركات التمويل العقاري والتأجير التمويلي، ومدخرات الأفراد، مع وجود مساهمة من جهات أخرى مثل المصالح العقارية، والمقيمين العقاريين، ومالكي الأراضي.
الوزارة أعدّت خارطة طريق لإطلاق تقرير شامل عن حالة السكن في سوريا بالتعاون مع برنامج الموئل لعام 2024، وقد تم تقسيم البرنامج التنفيذي إلى ثلاث مراحل تبدأ بالتحضير وجمع البيانات وتستمر حتى أيلول 2025، حيث ستُختتم بإعداد التقرير النهائي وتنظيم ورشة وطنية لعرض النتائج والتوصيات، بما يدعم بناء "بروفايل" محلي لحالة السكن في المحافظات ويعزز مخرجات الاستراتيجية الوطنية.
وتستند منهجية إعداد الاستراتيجية إلى تحليل فجوات الإسكان، وتحديد الأهداف العامة، وصياغة برامج تنفيذية تشتمل على إعادة المساكن المتضررة، إطلاق برنامج للسكن الميسر، تطوير مخططات تنظيمية للمناطق الجديدة، وإشراك القطاع الخاص والمغتربين في مشاريع تمويل وبناء السكن.
وتنقسم الاستراتيجية إلى ثلاث مراحل زمنية رئيسية المرحلة الأولى، قصيرة الأمد، تركّز على تلبية الاحتياجات الإسكانية العاجلة للعائدين والنازحين، وتأهيل المساكن المتضررة والبنية التحتية في مناطق العودة.
أما المرحلة الثانية، متوسطة الأمد، فتركز على إعادة الإعمار وتعزيز العرض السكني، وإطلاق مشاريع عامة وخاصة، وتشجيع الاستثمارات، وتحسين منظومة التمويل والتشريعات، ودمج معايير الاستدامة.
بينما تتمثل المرحلة الثالثة، طويلة الأمد، في تحقيق الاستدامة والتحول المؤسسي وتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال تقليص الفجوة السكنية، وتطوير سوق العقارات، وتعزيز الشفافية، والارتقاء بمناطق السكن العشوائي، واعتماد التخطيط الحضري الذكي والطاقات النظيفة.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الأشغال العامة والإسكان في الحكومة السورية تسعى إلى تحويل ملف الإسكان في سوريا إلى رافعة للتعافي الاجتماعي والاقتصادي، وإعادة تشكيل البنية العمرانية على أسس العدالة والشفافية والاستدامة، بعد سنوات طويلة من الحرب والدمار وانعدام المسكن والمأوى لكثير من الشعب السوري.