التسرب من المدارس: معاناة الأسر وتأثيرات طويلة الأمد على مستقبل الأطفال
اضطر آلاف الأطفال في سوريا إلى الانقطاع عن التعليم والتسرب من المدارس، مما حرمهم من فرصة الحصول على مستقبل أفضل وإكمال دراستهم. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، بعضها اقتصادي وبعضها مرتبط بأوضاع المدارس، إضافة إلى ظروف أخرى شكّلت عائقاً أمام الطلاب في متابعة مسيرتهم التعليمية.
أكثر من مليوني طفل متسرب من التعليم
وفي هذا الإطار، قال وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية، محمد عبد الرحمن تركو، في مقابلة تلفزيونية، إن عدد الأطفال المتسربين من التعليم يقدّر بنحو 2.4 مليون طفل. وأوضح أن أسباب التسرب تتوزع بين عوامل تعليمية تتعلق بغياب المدارس، وأخرى اقتصادية مرتبطة بالفقر واضطرار الأطفال إلى العمل، مؤكداً أن معالجة هذا الملف تتطلب تعاوناً حكومياً شاملاً وتحسناً في الظروف المعيشية.
الفقر سبب رئيسي الانقطاع عن التعليم
وبالتوازي مع ذلك، أسهمت الظروف القاسية التي عاشتها الأسر في سوريا خلال سنوات الثورة في زيادة أعداد المتسربين من المدارس، إذ أدت عوامل مثل النزوح، وفقدان المعيل، وخسارة الموارد، وغيرها من التبعات المباشرة للحرب، إلى دفع آلاف الأطفال بعيداً عن مقاعد الدراسة.
وفي سياق توضيح أثر هذه الظروف على حياة العائلات، تروي فاديا سليمان، وهي أرملة في الأربعين من عمرها وأم لخمسة أبناء، تقيم في مدينة قاح بريف إدلب الشمالي، أنها بعد وفاة زوجها اضطرت إلى إخراج ابنها الأكبر من المدرسة وهو في الصف السادس، وإرساله للعمل بعدما عجزت عن تأمين نفقات الأسرة.
وتوضح أن أبنائها الآخرين لا يزالون على مقاعد الدراسة، بينما تحول الابن الأكبر إلى المعيل الأساسي للعائلة. وتضيف أن ابنها تعلّم لاحقاً مهنة التبليط وأتقنها، ويعمل اليوم بشكل منتظم، قائلة: “لا أعلم إن كان سيتمكن من العودة إلى الدراسة في المستقبل، لكن ظروفنا فرضت علينا هذا الخيار”.
تداعيات التسرب من المدارس
ومن جهة أخرى، تشير رائدة العيسى، وهي معلمة صف، خلال حديثها مع شبكة شام الإخبارية، إلى أنها عندما تلاحظ وجود طلاب بدأوا يمتنعون عن الذهاب إلى المدرسة، تبادر إلى التواصل مع أولياء أمورهم والتحدث معهم، لشرح أهمية متابعة أبنائهم لتعليمهم وحرص المدرسة على استمرارهم في الدراسة.
وتضيف أن التسرب يخلّف آثاراً سلبية خطيرة على الأطفال، من بينها الاضطرار إلى الالتحاق بسوق العمل مبكراً بما يحمله ذلك من مخاطر جسدية ونفسية، إضافة إلى شعورهم بالحزن والحرمان عندما يرون زملاءهم يواصلون تعليمهم، فضلاً عن ضياع الفرص المستقبلية التي تتيحها الشهادات والعلم والمعرفة.
ختاماً، تزايدت ظاهرة التسرب من المدارس خلال السنوات الماضية بسبب الظروف القاسية التي واجهتها الأسر، من نزوح وفقر وفقدان مصادر العيش، ما حرم آلاف الأطفال من إكمال تعليمهم وترك انعكاسات واضحة على مستقبلهم ونفسيتهم. ويبرز ذلك الحاجة إلى حلول واقعية تشمل دعم العائلات الفقيرة وتوفير بيئة تعليمية آمنة وقريبة، للحد من اتساع هذه الظاهرة وحماية حق الأطفال في التعلم.