التنمر الإلكتروني في سوريا: جراح رقمية تحتاج إلى حلول عاجلة
التنمر الإلكتروني في سوريا: جراح رقمية تحتاج إلى حلول عاجلة
● أخبار سورية ١ أغسطس ٢٠٢٥

التنمر الإلكتروني في سوريا: جراح رقمية تحتاج إلى حلول عاجلة

شهدت سوريا، كغيرها من دول العالم، تحوُّلاً رقمياً واسعاً، تمثّل في انتشار الأجهزة الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي التي قصّرت المسافات وسهّلت تدفق المعلومات، إلا أن هذا الانفتاح التقني جاء في سياقٍ معقّدٍ تزامن مع سنوات الحرب الطويلة وما خلّفته من انقسامات اجتماعية وسياسية حادّة. 

في هذا المناخ المشحون، برز التنمر الإلكتروني كواحدة من أبرز الظواهر السلبية التي استشرت على المنصات الرقمية، متخذاً أشكالاً متنوّعةً من الهجوم والتحريض، ما خلّف تداعياتٍ عميقةً على الأفراد والمجتمع على المستويات النفسية والاجتماعية وحتى السياسية.

والتنمر الإلكتروني، يتجلّى استخدام التقنيات الرقمية مثل الإنترنت، الهواتف الذكية، أو منصات التواصل الاجتماعي لإلحاق الأذى النفسي أو الاجتماعي بشخص ما بشكل متعمد ومتكرر. يتميز عن التنمر التقليدي بكونه: أسرع انتشاراً (قد يصل لمئات الأشخاص في دقائق)، صعب الإزالة (المحتوى قد يبقى على الإنترنت لفترات طويلة)، يمكن أن يكون مجهول المصدر (مما يزيد صعوبة المواجهة).

أشكال التنمر الإلكتروني متعددة وخطيرة، وتشمل: المضايقة والتهديدات عبر الرسائل أو التعليقات المسيئة، والتشهير بنشر صور أو معلومات خاصة لإحراج الضحية، وانتحال الشخصية بإنشاء حسابات مزيفة لنشر الأكاذيب، بالإضافة إلى الاستبعاد المتعمد من المجموعات أو المنصات الاجتماعية، إلى جانب الاختراق والابتزاز بتهديد الضحية بكشف بياناتها الشخصية، عدا عن التنمر في الألعاب الإلكترونية عبر الشتائم أو الترهيب.

أفاد مواطنون سوريون بتعرضهم لشتى أشكال التنمر الإلكتروني، بدءاً من التعليقات المسيئة والشتائم على منصات التواصل الاجتماعي، مروراً بحالات ابتزاز إلكتروني من مجهولين هددوا بنشر بياناتهم وخصوصياتهم، ووصولاً إلى نشر معلومات كاذبة أساءت لسمعتهم وشوّهت صورتهم الاجتماعية. هذه الانتهاكات الرقمية تركت آثاراً نفسية عميقة لدى الضحايا.

ويرى مراقبون أن الحرب في سوريا، وما خلَّفته من انقسامات سياسية وحادة، بالإضافة إلى سياسات النظام البائد في تعميق الانقسام الطائفي بين أبناء الشعب السوري، ساهمت في تفاقم ظاهرة التنمر الإلكتروني على منصات التواصل الاجتماعي. ولم تقتصر تأثيرات هذه الظاهرة على تشويه صورة شخصيات عامة وجماعات فحسب، بل امتدت لتؤثر سلباً على حياة الأفراد اليومية، مما زاد من حدة التوتر الاجتماعي وزعزعة النسيج المجتمعي.

يُخلّف التنمر الإلكتروني العديد من الآثار المدمرة على الضحايا نفسياً واجتماعياً وجسدياً، منها الاكتئاب والقلق وضعف الثقة بالنفس، وقد يصل إلى الأفكار الانتحارية في الحالات الشديدة. كما يسبب عزلة اجتماعية وتدهوراً في التحصيل الدراسي أو الأداء الوظيفي، بالإضافة إلى مشاكل جسدية كالأرق والصداع. وتتفاقم هذه الآثار في المجتمعات التي تعاني من الأزمات مثل سوريا،، بينما تزيد الوصمة المجتمعية من معاناتهم. إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب وعياً جماعياً وتشريعات رادعة لحماية الأفراد من تداعياتها الخطيرة.

حلول فعالة لمواجهة التنمر الإلكتروني تتطلب تضافر الجهود على كافة المستويات. على الصعيد الفردي، يجب تعزيز الوعي الرقمي وثقافة الإبلاغ عن الحوادث، بينما يمكن للأسر تعزيز الحوار المفتوح مع الأبناء. للمدارس دور محوري في التوعية عبر ورش العمل وبرامج الإرشاد النفسي. 

على المستوى المجتمعي، نحتاج لإنشاء خطوط مساعدة ومراكز دعم نفسي، خاصة في المناطق المتضررة مثل سوريا. تقنياً، يجب تشجيع استخدام أدوات الخصوصية والإبلاغ عن المحتوى المسيء. أما قانونياً، فالتشريعات الرادعة وتفعيل وحدات الشرطة الإلكترونية تشكل رادعاً مهماً. الحل الأمثل يكمن في نهج متكامل يجمع بين الوقاية والحماية والردع.

يُعد التنمر الإلكتروني تحدياً كبيراً للمجتمعات عامة وللمجتمع السوري خاصة في ظل التحديات الراهنة. مواجهته تتطلب تضافر الجهود بين الأفراد والمؤسسات والحكومات، من خلال تعزيز الوعي الرقمي، تفعيل آليات الحماية القانونية، وتقديم الدعم النفسي للضحايا. بهذه الركائز نستطيع بناء عالم رقمي أكثر أماناً واحتراماً، حيث تُصان الحقوق وتُحفظ الكرامات.

الكاتب: فريق العمل - سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ