الذكرى الحادية عشرة لتأسيس (الخوذ البيضاء)... قصة وطن نهض من بين الركام
أكد وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري رائد الصالح، في حديث لوكالة سانا، أن مرور أحد عشر عاماً على تأسيس منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) يمثل محطة وطنية هامة تجسّد قدرة السوريين على التنظيم والمبادرة رغم الألم والدمار، مشيراً إلى أن المنظمة التي وُلدت من رحم المأساة تحوّلت اليوم إلى ذراع وطنية فاعلة في إدارة الكوارث، وصورة حقيقية عن صمود السوريين في وجه التحديات، رغم غياب التمويل وحملات التشويه والاستهداف السياسي.
من المبادرة الشعبية إلى العمل المؤسسي
قال الوزير الصالح إن فكرة الدفاع المدني انطلقت عام 2012 عبر فرق تطوعية تشكلت في مختلف المناطق السورية، ضمّت أطباء ومحامين وطلاباً وعمالاً من مختلف المهن، تحت مسميات محلية متعددة مثل “الهيئة العامة للدفاع المدني” في الغوطة بريف دمشق، و“فوج الإطفاء الحربي” في حمص، و“الدفاع المدني الحربي” في حلب.
وفي عام 2013، جرى لقاء تأسيسي ضمّ 72 قائداً ميدانياً من فرق الدفاع المدني، شارك بعضهم حضوراً وبعضهم الآخر عبر الإنترنت من المناطق المحاصرة، وتم خلال الاجتماع توقيع الميثاق التأسيسي للدفاع المدني السوري الذي عُرف لاحقاً باسم “الخوذ البيضاء”، قبل أن يُدمج رسمياً ضمن وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث، في خطوة وصفها الوزير بأنها تحوّل تاريخي نحو العمل المنظم والمؤسسي.
إنقاذ 128 ألف مدني واستشهاد 325 متطوعاً
استعرض الوزير الصالح الدور الإنساني الكبير الذي قامت به فرق الدفاع المدني خلال السنوات الماضية، موضحاً أن المنظمة أنقذت أكثر من 128 ألف مدني منذ تأسيسها، فيما ارتقى 325 متطوعاً أثناء أداء مهامهم الإنسانية في إنقاذ الأرواح وإطفاء الحرائق وإزالة الأنقاض.
"الخوذ البيضاء" ... 11 عاماً على توقيع الميثاق التأسيسي للدفاع المدني السوري
وخلال كارثة الزلزال في شباط/فبراير 2023، أوضح الوزير أن فرق الدفاع المدني كان لها الدور الأبرز في نقل صورة الكارثة إلى العالم، ما ساهم في فتح المعابر الإنسانية بعد ستة أيام فقط من وقوع الزلزال، وإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، رغم ضعف الإمكانيات التقنية واللوجستية.
وأشار الصالح إلى أن فرق الدفاع المدني خاضت أيضاً معركة طويلة ضد الحرائق الكبرى التي اندلعت هذا الصيف في الساحل السوري وعدد من المناطق، حيث عملت الفرق على مدار الساعة بمشاركة كوادر من عدة دول صديقة، وقدّمت تضحيات كبيرة أثناء عمليات الإخماد وإزالة الألغام وفتح الطرقات.
وبيّن الوزير أن هذه الجهود أسهمت في تعزيز الثقة المتبادلة بين المجتمع والمؤسسات الحكومية، وأثبتت أن الدفاع المدني السوري لم يكن مجرد مؤسسة إنقاذية، بل رسالة وطنية تُجسّد قيم التضامن والمسؤولية.
مرحلة جديدة من التدريب والتنظيم
وفي حديثه عن المرحلة الراهنة بعد اندماج الدفاع المدني ضمن وزارة الطوارئ، أوضح الصالح أن العمل جارٍ على إعادة هيكلة الكوادر وضمّ أفواج الإطفاء ضمن منظومة واحدة بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، وذلك في إطار قانوني يضمن استدامة العمل الحكومي التطوعي.
وأضاف أن الوزارة أطلقت برامج تدريب ومناورات مشتركة مع الدفاع المدني القطري والفرنسي، وتعمل حالياً على التحضير لبرامج جديدة في السعودية والأردن، بهدف رفع كفاءة الفرق الميدانية وتعزيز جاهزيتها لمواجهة الكوارث الطبيعية والإنسانية، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستركّز على بناء القدرات المحلية وتعزيز ثقافة الاستجابة السريعة داخل المجتمع السوري.
رسالة وفاء إلى المتطوعين
واختتم الوزير رائد الصالح حديثه برسالة مؤثرة إلى متطوعي الدفاع المدني السوري، قائلاً: "شهداؤنا هم سراجنا في العتمة... ضحّوا بأرواحهم لنكمل الطريق ونبني دولة تقوم على أسس الإدارة الرشيدة والحوكمة والعدالة. في كل محنة يظهر بطل، وفي كل كارثة ينهض الشعب السوري ليكون أول المستجيبين وأول الداعمين".
وأكد أن الخوذ البيضاء ستبقى رمزاً للإنسانية السورية التي لا تعرف الانكسار، ودليلاً على أن العمل التطوعي النبيل قادر على تحويل الألم إلى طاقة بناء، وأن الدفاع المدني سيظل خط الدفاع الأول عن حياة السوريين أينما كانوا.