السوريون بين التضحيات وإعادة البناء: روح الصمود والعطاء المستمر
حقّقت حملة "فداءً لحماة"، التي انطلقت يوم السبت 22 تشرين الثاني، نجاحاً لافتاً، مقدّمة دليلاً جديداً يضاف إلى سلسلة طويلة من الشواهد على حبّ السوريين لوطنهم، وتمسّكهم بروح العطاء واستعدادهم الدائم للبذل في سبيله.
وأظهرت هذه المبادرة أن السوريين، رغم سنوات الدمار والنزوح الطويلة، ما زالوا قادرين على المبادرة والمساهمة في إعادة إعمار مدنهم، وتعزيز صمود أهلها. هذا النشاط، شأنه شأن الحملات التي سبقتها في القصير وجرجناز ودرعا وإدلب وحلب وحمص وغيرها من المناطق، يعكس التزام السوريين المستمر بروح البذل والعطاء.
لكن هذا المشهد ليس جديداً؛ فهو يستحضر مساراً طويلاً من التضحيات التي بدأت مع انطلاق الثورة السورية. فقد دفع السوريون أثماناً باهظة من دمائهم وحرياتهم في سبيل وطنهم، مقدمين تضحيات عظيمة قبل هذه المبادرات الإنسانية، لتصل البلاد اليوم إلى مرحلة إعادة البناء بعد تحريرها من سيطرة نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
وكانت العائلات السورية قد ضحت بأبنائها الذين حملوا البنادق وشاركوا في ساحات المعارك ضد عصابات الأسد، مقدمين أرواحهم في سبيل نصر الثورة. لقد استذوق أولياء الأمور مرارة فقدان أولادهم سواء في المعارك أو القصف أو داخل معتقلات الأسد، وتجرعوا غصة غيابهم التي ما تزال ترافقهم حتى اليوم.
بعض الأسر تمكنت من دفن شهدائها، فيما لم يُتح لآخرين الوصول إلى جثامينهم، مما زاد حجم الأسى في قلوبهم. وفي الوقت نفسه، لم تتوقف معاناة الأهالي في سوريا على الفقد، خاصة أنهم صبروا على سنوات طويلة من النزوح القسري، وعاش الآلاف منهم في المخيمات تحت حر الصيف الشديد وقساوة برد الشتاء.
كما فقد آخرون ممتلكاتهم ومنازلهم مواردهم، وعاشوا ظروفاً قاسية، غير أنهم حافظوا على حلمهم بتحرير البلاد وأصرّوا على مطلبهم بإسقاط الأسد. وفي هذا السياق، لم تقتصر التضحيات على الفقد المادي والمعنوي، فخلال هذه الفترة الطويلة، تيتم آلاف الأطفال، وفقدت آلاف النساء أبنائها وأزواجها، واعتُقل العديد من الشباب.
خلاصة القول، قدمت العائلات السورية تضحيات مادية ومعنوية وإنسانية عظيمة على مدار 14 عاماً، حتى تمكنوا من إسقاط حكم آل الأسد، وتحرير المدن والقرى التي كان يسيطر عليها، واليوم، بعد التحرير، ينتقل السوريون إلى مرحلة جديدة من العطاء، ويواصلون الجهود في سبيل إعادة إعمار وطنهم، مؤكّدين أن روح الصمود والسخاء لديهم لا تنطفئ.