
العاملون في المجال الإنساني والإعلامي خلال الحروب والأزمات: ما بين التحديات الجسدية والأمنية والنفسية
في خضم الحروب والنزاعات، حيث تشتد وطأة الظروف الإنسانية والأمنية، يجد العاملون في المجال الإنساني والإعلامي أنفسهم في مواجهة تحديات جسيمة. هؤلاء الأفراد، الذين يكرسون جهودهم لدعم المجتمعات المنكوبة ونقل الحقائق في مناطق الصراع مثل سوريا، يواجهون مخاطر أمنية، وضغوطاً نفسية.
هذه المادة تستعرض بعض هذه التحديات التي واجهها النشطاء الإنسانيون والإعلاميون في سوريا خلال الحرب التي استمرت لأربعة عشر عاماً، وتنوعت ما بين صعوبات تؤثر على الحياة الشخصية، وأُخرى على الحالة النفسية نتيجة ما يعايشونه من ظروف قاسية، بالإضافة إلى مخاطر أمنية تهدد حياتهم، مثل القصف، أو الاختفاء القسري، أو الإصابات أثناء القصف والاشتباكات.
وبالرغم من سقوط الأسد، ما تزال العقبات قائمة، نظراً لما شهدته البلاد من صراعات واشتباكات عسكرية مثل محاولة انقلاب الفلول في الساحل، وأحداث جرمانا وصحنايا. بالإضافة إلى أحداث السويداء الأخيرة التي اختفى ضمنها أحد متطوعي الدفاع المدني، حمزة العمارين الذي كان يقوم بمهمة إنسانية، ثم انقطع التواصل بينه وبين أسرته ومؤسسة الدفاع المدني التي يعمل فيها.
فطالبت عائلته من الخوذ البيضاء والجهات المعنية التدخل وإعادة ابنهم إليهم، وأكدّوا أنه مسؤولية الدولة والحكومة والرئيس أحمد الشرع. كما تم تنظيم وقفة احتجاجية في منطقة الغاب للمطالبة بكشف مصيره بعد تعرضه للاختطاف على يد ميليشيات الهجري.
حمزة، واحد من عشرات الأشخاص الذين تعرضوا لحوادث مشابهة خلال الأحداث الدامية في سوريا، سواء خلال تأدية أعمالهم الإنسانية أو توثيق الأحداث عن طريق الصحافة والإعلام، والأمر لم ينعكس فقط على أبناء المنطقة، وإنما على أي شخص آخر دخلها، كالصحفي الأمريكي أوستن تايس الذي اختفى لأكثر من عقد، ليتبيّن فيما بعد أن الأسد المخلوع كان وراء اختفائه.
إلى جانب حالات الاختفاء القسري، يواجه العاملون في سوريا مخاطر الموت أثناء أداء مهامهم جراء القصف أو الاشتباكات العسكرية. والظروف القاسية للنزاع تزيد هذه المخاطر، وسبق ونعت مؤسسة الدفاع المدني ومنظمات أخرى موظفون فقدتهم خلال الحرب والنزاعات. كما خسر إعلاميون وصحفيون حياتهم خلال التغطيات الميدانية ونقل الأحداث.
وبعد المخاطر الجسدية، عاني العاملون في سوريا خلال الحرب من تحديات سلبية انعكست على حالتهم النفسية، خاصة أنهم في ظل ذلك الوضع يواجهون أشخاص متأثرين بالصراعات بشكل مباشر، ويكونون في حالة يُرثى لها، ويسمعون قصصاً مأساوية متنوعة مثل فقدان أفراد العائلة، وظروف الفقر والحاجة، الخسارات المادية والمعنوية وغيرها.
وسبق وشاهدنا في مقاطع مؤثرة كيف انهار متطوعون وصحفيون أمام الكاميرات، فلم يستطيعوا كبح دموعهم حين واجهوا آلام الضحايا عن قرب. وبحسب شهود عايشوا هذه المواقف، تظل بعض تلك القصص المحزنة محفورة في الذاكرة، لا تثير فقط مشاعر الحزن، بل تترك وراءها قلقاً دائماً وخوفاً لا يزول.
كما تنعكس ظروف العمل والضغوطات على حياة الفرد بشكل شخصي، وتفرض عليه أعباء ومسؤوليات ثقيلة، وذلك ما لاحظناه خلال اللقاء المصور الذي ظهرت فيه شقيقة حمزة العمارين، التي قالت إن شقيقها كان منشغلاً مع زملائه المتطوعين بإخماد الحرائق في ريف اللاذقية. وما إن انتهى من تنفيذ مهمته، اندلعت الاشتباكات في مدينة السويداء، فسارع إلى الالتحاق بعمله على الفور، ولم يتسنى لهم الفرصة بأن يروه حتى.
في ظل الأوضاع الصعبة التي تشهدها سوريا، تبرز حماية العاملين في المجال الإنساني والإعلامي كأولوية أساسية لضمان استمرارية عملهم الحيوي. وتتمثل هذه الحماية في تعزيز آليات التنسيق مع الأطراف المعنية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتمكين الصحفيين من أداء مهامهم بنزاهة.
كما يتطلب ذلك توفير الدعم اللوجستي والتدريبي الكافي لضمان سلامتهم، إلى جانب تفعيل الضمانات القانونية التي يكفلها القانون الدولي لحمايتهم. ولا تقتصر أهمية هذه الحماية على الحفاظ على حياة الأفراد فحسب، بل تمتد إلى ضمان استمرار تدفق المعلومات الموثوقة وإيصال المساعدات للمتضررين، مما يسهم في تخفيف معاناة المدنيين ويعزز مبادئ العدالة والشفافية في ظل الأزمات.