برهان غليون من دمشق: زوال الرعب أهم إنجاز بعد سقوط النظام البائد
أكد المفكر السوري الدكتور برهان غليون، خلال استضافته في ندوة نظمها منتدى بردى ومبادرة نرتقي في بيت فارحي بدمشق القديمة، أن المرحلة الحالية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد المخلوع تتطلب توجيه الفعل الاجتماعي والسياسي نحو بناء مستقبل جديد بدل الإدانة فقط، مشدداً على أهمية استيعاب الواقع السوري المتغير واستثمار المساحات المتاحة من الحريات لتعزيز العمل الوطني.
وأشار غليون إلى أن أبرز إنجاز تحقق خلال العام الأول بعد سقوط النظام هو زوال حالة “الرعب المطلق” التي كانت تخيم على السوريين، موضحاً أن الناس الذين كانوا يميلون للفرار من البلاد تحولوا إلى من يتحدثون بصراحة عن أخطائهم وتطلعاتهم، وبرزت في الشارع معارضة حقيقية وإن لم تكن منظمة بالكامل، ما يشير إلى وجود مساحة من الحريات تسمح ببدء إعادة بناء القوى الاجتماعية والنقابية والسياسية.
وأكد أن ارتفاع سقف التوقعات الشعبية نحو تحسين الأوضاع المعيشية وتوسّع فضاءات التواصل المجتمعي يعكسان تحوّلاً إيجابياً، معتبراً أن “الأمل أصبح القاطرة التي تدفع السوريين نحو العمل بعد سنوات من اليأس”.
وركّز غليون في نقده على أداء السلطة الانتقالية، معتبراً أنها أخفقت في معالجة ملفات كانت قابلة للحل، وعلى رأسها العدالة الانتقالية. وقال إن العدالة الانتقالية تشكّل المدخل الأساسي لدولة القانون، ملمّحاً إلى أن تجاهلها سيُبقي جراح الماضي مفتوحة ويزيد رغبة الضحايا في الانتقام، مضيفاً أن الخطوات الرمزية، مثل استقبال رئيس الجمهورية لأهالي الضحايا وتحويل السجون المروعة إلى متاحف تحفظ الذاكرة الجمعية، من شأنها أن تعزز المصالحة وتُرسّخ ثقافة الاعتراف بالجرح.
وانتقد غليون أيضاً إدارة ملف التفاوض مع إسرائيل، معتبراً أن التفاوض بدأ دون تفاهم مسبق مع الدول المؤثرة، مما سمح للتوغّل الإسرائيلي بالوصول إلى أبواب العاصمة، كما انتقد الإعلان الدستوري الحالي، مقترحاً أن تُصاغ السلطة إعلان مبادئ بسيط يلتزم بالقانون لحين إقرار تشريعات جديدة، مشدداً على ضرورة إعلان أن الوضع استثنائي وأن قرار مصير الشعب يجب أن يُتخذ عبر انتخابات حقيقية خلال فترة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاث سنوات.
ولفت غليون إلى تحديات عميقة في بنية المجتمع السوري، محذراً من خطورة الاستقطاب الذي يحوّل الخلافات السياسية البسيطة إلى نزاعات حادة، كما لاحظ عودة بعض صور العصبيات العشائرية والطائفية والإثنية التي تتجذر في الحياة الاجتماعية. وشدّد على أن تغيير هذه البنى الراسخة لا يمكن أن ينجز بواسطة النخب وحدها، بل يتطلب عملاً ثقافياً وإعلامياً متواصلاً لتعزيز فكرة أن “الشعب هو مصدر السلطة”، وهي فكرة لا تزال غير متأصلة كلياً في الوعي الجمعي لدى كثيرين.
وفي ختام مداخلته، أبرز غليون الدور المحوري للمجتمع المدني، واصفاً إياه بأنه “المروحة الواسعة” التي تتضمن النقابات ولجان الأحياء والأحزاب ومنظمات المجتمع، معتبراً أن المجتمع المدني يمكن أن يكون قوة ضاغطة وفاعلة في صناعة المستقبل السياسي والديمقراطي لسوريا.
وأقرّ بفشل بعض النخب المعارضة السابقة في قيادة الثورة، لكنه أكّد أن الثورة نفسها لم تفشل، لأن تطلعات الشعب نحو الحرية والتخلص من الاستبداد لا تزال حية، وأن وصول أفراد غير منتمين سابقاً إلى مواقع الحكم هو في جوهره نتيجة طبيعية لانخراط الشعب السوري في العملية السياسية.
جاءت تصريحات غليون في سياق نقاش شامل حول ما تحقق من تغيير وحرية نسبية بعد سقوط النظام السابق، وما تزال البلاد تواجهه من تحديات على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، في وقت يرى فيه المفكر أن المجتمع المدني والبناء المؤسساتي الديمقراطي هما السبيل الأهم لتحقيق الانتقال الحقيقي نحو دولة القانون والمشاركة الشعبية.