"بين الذكاء الاصطناعي والقدرة الشخصية: كيف يعيد الطلاب السوريون تعريف العلم في عصر التكنولوجيا؟
"بين الذكاء الاصطناعي والقدرة الشخصية: كيف يعيد الطلاب السوريون تعريف العلم في عصر التكنولوجيا؟
● أخبار سورية ١٦ مايو ٢٠٢٥

"بين الذكاء الاصطناعي والقدرة الشخصية: كيف يعيد الطلاب السوريون تعريف العلم في عصر التكنولوجيا؟

خلال استماع المعلمة صفاء لمواضيع التعبير الكتابي التي قدمتها طالبات الصف السابع، فوجئت بأن المواضيع كانت بمستوى يفوق قدرات الطالبات الإبداعية والعلمية، حيث كُتبت بعبارات منمقة خالية تماماً من الأخطاء الإملائية والنحوية. هذا الأسلوب المتقن بدا غير منسجم مع المستوى المعتاد للطالبات في هذه المرحلة. وبعد نقاش طويل وإلحاح، اعترفت الطالبات بأنهن لم يكتبن المواضيع بأنفسهن، بل استعَنّ بالذكاء الاصطناعي في إعدادها.

اشتكت معلمات سوريات من تزايد اعتماد الطلاب على برنامج Chat GPT في إنجاز بعض الواجبات الدراسية، مما يحرم الطالب من فرصة الاعتماد على نفسه وتطوير قدراته الذهنية من خلال البحث، والكتابة، والتجريب، وارتكاب الأخطاء ثم تصحيحها والتعلّم منها، هذا الاعتماد الزائد يؤدي إلى خلق شخصية اتكالية، تميل إلى إنجاز المهام دون فهم حقيقي للفكرة أو الاستفادة التعليمية منها.

في زمن يتسارع فيه التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق، برز الذكاء الاصطناعي كأداة قوية في شتى مجالات الحياة، ومنها التعليم. لكن هذا التطور، ورغم فوائده، أفرز تحديات تربوية جديدة، خصوصاً بين طلاب سوريا الذين بات بعضهم يعتمد عليه بشكل مفرط، ما أثار قلق الأهل والمعلمين على مستقبل العملية التعليمية.

ذكاء اصطناعي أم اجتهاد شخصي.؟
خلال السنوات الأخيرة، انتشرت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي" وغيرها بين الطلاب السوريين، وخاصة طلاب المرحلة الثانوية والجامعية، كوسيلة سريعة للحصول على المعلومات وحل الواجبات. إلا أن هذه الأدوات، التي يفترض أن تكون مساعدة، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى بديل كامل عن التفكير والبحث، وهو ما انعكس سلباً على قدرات الطلاب العلمية والعقلية.

النتائج السلبية تظهر مبكراً
تقول الأستاذة "مرام المحمد"، معلمة لغة عربية في إحدى مدارس إدلب:"تفاجأت من مستوى بعض الطلاب في الامتحان الشفهي مقارنةً بالأبحاث التي سلّموها لي. واضح جداً أن هناك مَن كتب عنهم، أو أنهم استخدموا برامج تكتب بدلاً عنهم. هذا أمر مقلق جداً، نحن نربّي عقولاً، لا نبحث فقط عن أوراق مليئة بالكلمات".

من جهتها، تقول السيدة "أم محمد"، والدة طالب في الصف العاشر: "أصبح ابني يحصل على علامات جيدة في الاختبارات الشفهية، لكنه عندما أسأله عن كيفية حلّه للسؤال، لا يستطيع الشرح. يقول دائماً: (هكذا كتب لي الذكاء الاصطناعي). إلا أن علاماته في الامتحانات الكتابية، التي لا يُسمح فيها باستخدام الأجهزة الذكية، تكون أقل من ذلك بكثير."

أما الطلاب الذين تحدّثنا إليهم، فيُقرّون بالأمر ويقولون صراحة:"نلجأ إلى استخدامه لأنه الأسهل!". ورغم وعي بعضهم بالمشكلة، إلا أن ضيق الوقت وكثرة الضغوط الدراسية تدفعهم إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. تقول "رهف"، طالبة في الصف الحادي عشر: "أعلم أن الاعتماد عليه في كل شيء ليس صحيحًا، لكن أحياناً يكون لدي الكثير من الواجبات، فألجأ إليه كي أتمكن من إنجازها في الوقت المحدد". ويرى "كريم"، طالب جامعي في كلية الإعلام: "أحياناً بستخدمه حتى أفهم موضوع معقّد، بس إذا ما راجعت وفكّرت لحالي، بلاقي حالي عم أنسى كلشي بسرعة".

الجانب المضيء: فوائد لا تُنكر
ورغم هذه التحذيرات، لا يمكن تجاهل الفوائد الكبيرة التي قد يقدمها الذكاء الاصطناعي عند استخدامه باعتدال: يسهّل على الطلاب الوصول إلى المعلومة بسرعة، ويقدّم شروحات مبسطة في حال غياب المعلم أو صعوبة المادة، ويشجّع بعض الطلاب على التعلّم الذاتي من خلال البحث عن إجابات وتوسيع المعرفة.

بين الفائدة والضرر: ما الحل؟
لمعالجة هذه الظاهرة، يقترح تربويون وأخصائيون مجموعة من الخطوات العملية التي تبدأ بتوعية الطلاب عبر حملات مدرسية وإعلامية تركز على أهمية الاعتماد على الذات وتحذر من مخاطر الاستخدام العشوائي للتكنولوجيا.

وذلك إلى جانب تدريب المعلمين على كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في الحصص الدراسية بشكل فعّال بحيث يكون أداة مساعدة تدعم الشرح والتفكير بدلاً من أن يحل مكانهما، مع التأكيد على أهمية مشاركة الأهل في مراقبة استخدام أبنائهم للتقنيات الحديثة ومساعدتهم على تنظيم وقتهم بين الدراسة واستخدام الأدوات الذكية، بالإضافة إلى تعزيز مهارات التفكير النقدي من خلال أنشطة صفية تشجع على النقاش والتحليل بدلاً من الحفظ والتلقين.

يبقى الذكاء الاصطناعي سلاحاً ذو حدين. وفي سوريا، كما في كل دول العالم، يقف الطلاب والمعلمون على مفترق طرق: إما تحويله إلى أداة داعمة للعلم، أو السماح له بأن يصبح بديلاً خطيراً للعقل والتفكير. الاختيار اليوم في يد المجتمع التربوي، وعلى الأسرة والمدرسة أن يتشاركا في توجيه أبنائنا لاستخدام التكنولوجيا بوعي، قبل أن يتحوّل التعليم إلى مجرّد "نسخ ولصق".

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ