
تحركات جوية روسية مكثفة نحو القامشلي تثير تساؤلات حول استراتيجية موسكو في شرق سوريا
رصدت منصة "إيكاد" سلسلة من التحركات الجوية الروسية باتجاه مطار القامشلي شمال شرقي سوريا، خلال الفترة الممتدة بين آذار وأيار 2025، في مؤشر على نشاط متزايد يعكس إعادة تموضع استراتيجية وليس انسحابًا، وفق ما أظهره تحليل صور الأقمار الصناعية والبيانات المرئية المفتوحة.
ووفقاً للمنصة المتخصصة في تحليل المعلومات مفتوحة المصدر، فقد تم توثيق ما لا يقل عن 18 رحلة جوية روسية إلى مطار القامشلي خلال ثلاثة أشهر، معظمها باستخدام طائرات شحن خفيفة من طرازي "AN-26" و"AN-72"، انطلقت من قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية.
تحوّل لافت في وتيرة النشاط
بعد فترة من الهدوء خلال شهري كانون الثاني وشباط، شهدت القامشلي بدءًا من السابع من آذار تصاعدًا في النشاط الجوي الروسي، حيث لوحظت رحلات شحن متكررة ترافقت مع رصد طائرة مقاتلة من طراز "SU-35S" فوق المدينة، في خطوة نادرة توحي بمتغيرات أمنية أو لوجستية في المنطقة.
تكرار الرحلات الجوية، خاصة خلال شهر أيار، حيث تم تسجيل أربع رحلات خلال الأيام الأولى منه فقط، يشير إلى أن التحركات الروسية لم تكن عشوائية، بل جزء من نمط ثابت قد يرتبط بتغييرات على مستوى الانتشار العسكري أو الدعم اللوجستي في الشرق السوري.
مؤشرات دعم إضافية
إلى جانب صور الأقمار الصناعية، اعتمد تحليل "إيكاد" على مشاهد مصورة من الإعلامي محمد حسن، أظهرت تحليق طائرات شحن من طراز "AN-26" ومروحيات هجومية من طراز "KA-52"، بالإضافة إلى صور نشرها "المرصد السوري" لطائرة "AN-72" داخل مطار القامشلي، ما يدعم مصداقية الرصد ويوفر معطيات بصرية داعمة.
وفي الوقت ذاته، لوحظ اختفاء هذه الطائرات من قاعدة حميميم، ما يدعم فرضية إعادة نشرها إلى شرق سوريا، خاصة في ظل غياب طائرات الشحن الثقيلة "IL-76"، التي عادة ما تُستخدم في عمليات الانسحاب، وعدم وجود أي مؤشرات على عمليات إخلاء أو تفكيك مواقع.
أهداف إعادة التموضع
ترى منصة "إيكاد" أن النشاط الروسي يعكس توجهًا جديدًا لتثبيت نفوذ موسكو في الشرق السوري، بالتزامن مع محاولات لتحريك ضباط من بقايا النظام المخلوع، ربما في محاولة لإنشاء واجهة محلية تمثل مصالح روسيا، دون الظهور المباشر لقواتها في المواقع الحساسة.
ويرتبط هذا النهج بتحولات كبرى شهدتها الساحة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث أعادت موسكو مراجعة تموضعها العسكري. فقد سحبت قواتها من عدة قواعد، بينها مطارات القنيطرة والشعيرات وتدمر، وعززت وجودها في قاعدة حميميم، التي باتت تُستخدم كمحطة مركزية للربط بين عملياتها في سوريا وأفريقيا.
سياق أوسع لإعادة التموضع
وتسعى روسيا حالياً إلى حماية ما تبقى من مصالحها في سوريا، وسط تراجع نفوذها في الجنوب، وتنامي التنسيق بين دمشق وعدد من العواصم الإقليمية والدولية في ملفي إعادة الإعمار وإدارة الموارد.
ويشير رصد الطائرات الروسية وتحركاتها إلى أن موسكو تعمل على ترسيخ وجودها في الشرق السوري، حيث تكتسب مناطق النفوذ أهمية متزايدة، في ظل التنافس بين فواعل إقليميين ودوليين على مواقع النفوذ بعد انهيار النظام السابق.
الرحلات الروسية إلى القامشلي، وفق تحليل "إيكاد"، ليست مجرد إعادة انتشار لوجستي، بل جزء من محاولة أوسع للحفاظ على دور فاعل في مستقبل سوريا. وتُظهر المؤشرات أن موسكو لا تزال تعتبر الساحة السورية جزءاً من عمقها الاستراتيجي، وتسعى لإعادة تنظيم حضورها بما يتماشى مع التوازنات الجديدة التي فرضها التغيير السياسي في دمشق.