
ثروات الأسد إلى الخارج ... وأبطال الداخل بلا تقدير
لم يكن من المألوف في سوريا أن تُكرَّم المواقف النبيلة أو يُحتفى بالأوفياء. سنوات طويلة من الحكم الأمني والنهب جعلت من الكرامة عملة نادرة، ومن الوفاء تهمة لا وساماً. لذلك، لم يكن غريباً أن يثير خبر مكافأة رمزية وُجهت مؤخراً لمن تصدّى لمحاولة نهب المتحف الوطني ليلة سقوط النظام، تفاعلاً واسعاً بين السوريين، لا بسبب حجم المكافأة، بل لأن فكرة الاعتراف بجميل أحدهم بدت حدثاً غير مسبوق في ذاكرة وطن أنهكه التجاهل والنكران.
أكثر من خمسين عاماً من البخل والاستغلال
منذ أن استولى حافظ الأسد على الحكم بانقلابه، وحتى آخر أيام بشار، عاشت سوريا أشدّ أنواع القهر والتهميش. لم يكن النظام يُعير أي اهتمام لحياة السوريين، لا اقتصادياً ولا إنسانياً، بل كان كل همه جمع المال ونهب مقدرات البلاد. أكثر من نصف قرن لم يحصل فيه المواطن على حقه في الكهرباء، الدواء، التدفئة، أو حتى لقمة العيش، بينما كانت خزائن العائلة الحاكمة تغصّ بالثروات.
ترف القصر الجمهوري وسط بؤس الشعب
في الوقت الذي كان ملايين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، يُحرمون من الكهرباء في عزّ الشتاء، ويقفون في طوابير للحصول على الخبز أو الوقود، كانت أسماء الأسد زوجة الديكتاتور تنفق ببذخ على مظهرها، وتجلب ملابسها من أغلى وأشهر الماركات العالمية، في مشهد يعكس الانفصال التام بين ترف السلطة وبؤس الشعب.
ولم يتوقف هذا الترف عند أسماء فقط، بل امتد إلى أولادها. فابنة بشار، زين الأسد، كانت حديث المواقع الأجنبية ذات مرة، بعد أن نشرت منصة "ريديت Reddit" الأمريكية خبرًا عن شرائها حذاءً رياضياً من ماركة "كريستيان ديور" بقيمة 850 دولاراً أمريكياً (ما يعادل أكثر من مليوني ليرة سورية وفق سعر الصرف المتداول). وذكر الموقع أن زين اشترت الحذاء من موسكو فقط بدافع الغيرة من إحدى صديقاتها، في وقت كان ملايين السوريين لا يملكون ثمن ربطة خبز.
فساد منظم ونهب ممنهج
عرف السوريون بشار الأسد ليس فقط كمجرم حرب، بل أيضاً كلصّ محترف ومجرم اقتصادي. فقد راكم ثرواته من خلال غسل الأموال، وتهريبها، والسمسرة، والاحتكارات، والرشى، ونهب المال العام، والتربح غير المشروع، وفق تقارير دولية موثوقة. كما أظهرت تحقيقات غربية تورّط نظامه في شبكات تهريب المخدرات والوقود، محققاً منها عائدات ضخمة، بينما كان الشعب يئنّ تحت وطأة الجوع والحرمان.
وربما كانت أسماء الأخرس، زوجته والمصرفية السابقة في بنك "جي بي مورغان" الأميركي، إحدى أبرز مهندسي تلك العمليات المالية القذرة. فقد لعبت دوراً محورياً في إدارة شبكات النهب والتهريب، التي من خلالها تم تحويل مليارات الدولارات من أموال السوريين إلى الخارج، بينما كانت البلاد تغرق في أزمات اقتصادية خانقة.
وفي تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، كُشف أن النظام نقل 250 مليون دولار نقدًا إلى روسيا خلال عامي 2018 و2019، على متن طائرات خاصة، في وقت لم يكن لدى البنك المركزي السوري دولار واحد لتأمين استيراد القمح أو البنزين. لاحقاً، استخدمت هذه الأموال في شراء عقارات فاخرة في موسكو، وخاصة في حيّ المال والأعمال المعروف بـ"موسكو سيتي".
لا مكافآت للشعب... بل ذهب في الخزائن
لم يمنح بشار الأسد يومًا مكافأة حقيقية لصاحب إنجاز وطني، ولا كرّم ابن أحد الجنود الذين ماتوا في سبيل بقائه. كل ما كان يعنيه هو تأمين بقائه في الحكم وتضخيم أرصدته، وجمع سبائك الذهب، بينما كانت أسر قتلاه وجنوده بالكاد تؤمن لقمة العيش.
في بلد اعتاد أن يرى أصحاب المواقف النبيلة يُهمّشون أو يُطاردون، جاءت هذه المكافأة الكبيرة بمثابة حدث غير مألوف، لا من حيث حجمها، بل من حيث دلالتها. لم تكن خجولة، بل واضحة وصريحة في تقديرها لما فُعل، وهو ما جعل وقعها مختلفاً، وأثار موجة تفاعل بين السوريين الذين اعتبروا هذا التكريم إشارة – ولو متأخرة – إلى أن زمن الصمت عن الوفاء ربما بدأ يتزحزح.
وفي مقابل سنين من البذخ المحصور داخل القصور، يُمكن لمكافأة عادلة، تُمنح لمن يستحق، أن تعيد فتح نقاش قديم: هل يمكن لسوريا، بعد كل هذا الخراب، أن تبدأ فعلاً في تصحيح مسارها؟ أم أن جشع الذهب المكنوز لا يزال هو العنوان الأكبر؟