حب في زمن القمع: قصص لم تكتمل بسبب المجرم بشار الأسد
حب في زمن القمع: قصص لم تكتمل بسبب المجرم بشار الأسد
● أخبار سورية ١٠ مايو ٢٠٢٥

حب في زمن القمع: قصص لم تكتمل بسبب المجرم بشار الأسد

في خضم ركام الحرب السورية، لا تقتصر الخسارات على الأرواح والمنازل، بل تمتد لتطال القلوب، فتخنق الأمنيات، وتبعثر الحكايات قبل أن تكتمل. قصص حب كثيرة لم تنتهِ بالفستان الأبيض ولا بزغاريد الأمهات، بل كانت نهاياتها بين ظلام السجون أو لهيب المعارك أو غبار المنافي. في زمن القمع والرصاص، تصبح حتى الأحلام البسيطة مثل الزواج، ترفاً قد لا يُكتب له أن يتحقق.

نوال ومحمود: حبٌ خنقته الزنازين
في ريف إدلب، كانت نوال تعيش على وعود قلبها، تحادث محمود، العسكري الذي يخدم في دمشق، عبر الهاتف بصعوبة، في زمن لم تكن فيه التطبيقات الحديثة قد فتحت الأبواب للمراسلة بسهولة. كانا يتحادثان خلسة، يتقاسمان الحلم، ويخططان للحظة إعلان الخطبة، خاصة بعد أن أخبرها أنه جمع ما يكفي من المال للزواج.

لكن آخر مكالمة بينهما كانت ثقيلة بالقلق، طلب منها الدعاء، ثم انقطع صوته إلى الأبد. عرفت لاحقاً أنه اعتقل بعدما اكتُشف نيّته في الانشقاق عن الجيش. عامان مرا وهي تنتظر خبراً، تقاوم ضغط العائلة وتتحاشى أعين الناس. لكنها في النهاية استسلمت، بعدما أيقنت أن لا أحد يعرف مصيره، فتزوجت بعد عام من صمت القهر. 


حين خرج محمود من السجن بعد سنوات، كانت أولى صدماته أن يرى نوال – حلمه – واقفة أمام منزل أهلها، تحمل رضيعها إلى صدرها وتخفض نظرها إليه. كان ذلك كفيلاً بأن يترك في قلبه ندبة لا تبرأ.

سلام وحسام: عمر الورد لم يُكتب له الربيع
في حمص، كانت سلام في العشرين من عمرها حين خُطبت لحسام، وبعد 15 يوماً فقط استُشهد خلال عملية عسكرية في أواخر عام 2011. كانت تلك أول صدمة تصفع قلبها، وتركت في داخلها فراغاً لم يملؤه الزمن. نزحت مع عائلتها إلى الشمال السوري، أمضت هناك 13 عاماً، تزوجت خلالها وأنجبت صبيّاً وبنتاً. لكنها ما زالت تقول: "ما حدث يبقى ذكرى مؤلمة في القلب، لا تموت".

سمر وعمار: وداع غير معلن
في مدينة حلب، وسط القصف والدمار، عاشت سمر قصة حب مع خطيبها عمار، زميلها في الجامعة. لكن الحرب فرّقت بينهما، وعاد كل منهما إلى مدينته دون وداع. وبينما كانت تتصفح فيسبوك، سقط الهاتف من يدها حين قرأت خبر استشهاده منشوراً على صفحته. لم يكن لديها حتى لحظة وداع، ولا قبر لتزوره. اليوم، سمر أم لثلاثة أطفال، لكنها كلما تذكرت تلك اللحظة، عادت مشاعر الانكسار وكأنها تعيشها من جديد.

منار وعبد الله: الفرح الذي مات
كانت منار في الثامنة عشرة من عمرها، حين خطبت لعبد الله من قريتها. لم تتحدث معه من قبل، لكن قلبها فرح بأول نبض للحب، وبدأت تستعد ليوم الزفاف. قُرئت الفاتحة، وانهالت الهدايا والمصوغات، وحددوا موعد عقد القران. قبل الموعد بأسبوع، توفي عبد الله بسبب القصف في عام 2013. أعادت كل الهدايا، ودخلت في عزلة طويلة لم تخرج منها إلا للضرورة. بعد سنوات، تزوجت وأنجبت، لكنها تقول: "لا تزال الذكرى تعيش في داخلي، في كل دعوة لحفلة خطوبة، يعود ذلك اليوم بوجعه الكامل".


أرقام تكشف حجم المأساة
آلاف القصص المشابهة لما ذكرناه حصلت في سوريا، فحجم الكارثة التي حلّت في البلاد كان هائلاً، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن الأسد متهم في قتل ما لا يقل عن 202 ألف مدني سوري، بينهم 15 ألفا قتلهم تحت التعذيب، وإخفاء 96 ألفا آخرين، وتشريد قسري لقرابة 13 مليون مواطن سوري، وغير ذلك من انتهاكات فظيعة، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية.

وذكرت الشبكة أن 96 ألفا و321 شخصا اختفوا قسراً على يد النظام السوري من بينهم 2329 طفلاً و5742 سيدة، في حين اختفى 8684 شخصاً قسراً على يد تنظيم الدولة الإسلامية من بينهم 319 طفلا و255 سيدة. كل ذلك ساهم في تغذية المواجع لدى السوريين وأدخلهم في موجة من الآلام.

نهايات مؤلمة، وحب لم يُمهل
قصص نوال وسلام وسمر ومنار، ليست سوى جزء من مأساة كبيرة تشاركتها قلوب كثيرة في سوريا. قصص حب انتهت لا بسبب الفشل أو الخلافات، بل لأن الموت والاعتقال والنزوح كانوا أسرع من القلوب التي تحلم وتنتظر. إن الحرب لا تقتل الناس فقط، بل تقتل القصص أيضاً، وتدفن الأفراح قبل أن تولد

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ