حملات تضليل ممنهجة تستغل رواية “سبي العلويات” لإثارة الفتنة الطائفية
يواظب الموالون للنظام البائد، الترويج لما يُعرف بـ “قضية السبي والخطف” المزعومة للفتيات العلويات، في محاولة واضحة لجعلها تتصدر المشهد الإعلامي عبر استخدام صفحات صفراء ووسائل مشبوهة تواصل حملات التحريض على أسس طائفية ومذهبية.
ويهدف هؤلاء من وراء هذا الخطاب إلى خلق حالة من الفوضى وعدم الثقة والأمان داخل المجتمع السوري، وإثارة الشكوك حول السلطة الجديدة، رغم أن معظم الحالات التي جرى الترويج لها إعلامياً على أنها عمليات خطف، تبيّن لاحقاً زيفها بالكامل واتضح أنها قضايا عائلية متكررة لا علاقة لها بالخطف أو السبي.
أمثلة على قضايا تم التلاعب بها إعلامياً
من أبرز القصص التي تم الترويج لها مؤخراً، قصة الفتاة آية جعفر التاسع، التي خرجت من منزلها ولم تعد بسبب خلاف عائلي داخلي، وقد نشر شقيقها على صفحتي “حمص الآن” و”حمص لحظة بلحظة” منشوراً ذكر فيه أن شقيقته خرجت ولم تعد. عندها استغل البعض الحادثة وصوّرها على أنها عملية اختطاف، بهدف تأجيج الخلافات الطائفية وإثارة الرأي العام.
لكن الحقيقة اتضحت لاحقاً بعد عودة آية إلى منزل عائلتها، حيث أكدت أنها كانت تقيم عند صديقتها لينا دنيا في حي الزهراء، ولم تتعرض لأي عملية خطف. وقد قام شقيقها بإبلاغ فرع المعلومات في مكتب العباسي بعودة شقيقته إلى المنزل، مما نفى بشكل قاطع كل الادعاءات التي روّجت عن “اختطافها”.
وفي حادثة أخرى، استغل البعض اختفاء السيدة شادية خضر صطليلة من قرية دير شميل بريف حماة الغربي، ليزعموا أنها تعرضت للخطف. إلا أن نتائج التحقيقات التي أجراها الأمن الداخلي في منطقة مصياف بيّنت أن القضية لا تمتّ بصلة للخطف، بل كانت اتفاقاً مسبقاً بين السيدة وشخصين آخرين لادعاء عملية خطف بهدف الاحتيال المالي على ذويها.
كما برزت سابقاً قصة أخرى أثارت جدلاً واسعاً في الشارع السوري، وهي قصة أحمد وميرا ثابت جلال، حيث تناولتها بعض الجهات على أنها حادثة خطف، مما تسبب بحالة من البلبلة. إلا أن الحقيقة التي تكشفت لاحقاً كانت أن ميرا وأحمد شابان تربطهما علاقة عاطفية، وأن الشابة قررت الذهاب مع أحمد والزواج منه بكامل إرادتها رغم اعتراض عائلتها بسبب اختلاف الطوائف بينهما. كل الادعاءات التي روّج لها موالون للنظام البائد حول “الخطف والسبي” في هذه القصة كانت مختلقة بالكامل.
ناشطة نسوية تثير الجدل وتعيد خطاب التحريض الطائفي
في وقت سابق، كانت أثارت الناشطة النسوية هبة عز الدين، المديرة السابقة لمنظمة “عدل وتمكين” العاملة في شمال سوريا، جدلاً واسعاً بعد منشور لها على “فيسبوك”، قالت فيه إنها شاهدت سيدة غريبة عن المنطقة ترافق أحد المقاتلين في مدينة إدلب، وادعت أنها علمت أن السيدة من قرى الساحل السوري، وأن المقاتل أحضرها معه بعد “أحداث الساحل الأخيرة”، مشيرة إلى أنها تعرف الشخص المعني.
هذه الرواية التي حملت اتهامات مباشرة لأبناء محافظة إدلب بـ “سبي العلويات”، جاءت استكمالاً لسردية دعائية تبناها أتباع النظام البائد في محاولاتهم المستمرة لتصوير أنفسهم كضحايا وادعاء “المظلومية الطائفية”. وسبق أن سارت على نهجها شخصيات أخرى مثل غادة الشعراني في السويداء، التي روجت المزاعم نفسها، إلى جانب مظاهرات نظمها موالون للنظام في جنيف رفعوا فيها شعارات تتحدث عن “سبي النساء العلويات”.
استغلال سياسي لمأساة الطائفة العلوية
ورغم كل ما عاناه أبناء الطائفة العلوية من تهميش واضطهاد على يد نظام بشار الأسد نفسه، الذي زجّ بأبنائهم في جبهات القتال وتركهم فريسة للفقر والعزلة، إلا أن هناك من يحاول اليوم استثمار هذا الإرث المأساوي سياسياً من خلال استخدام ورقة “حماية الأقليات” لتبرير مواقف معادية للسلطة الجديدة في سوريا.
ويشير مراقبون إلى أن أتباع النظام السابق يسعون عبر هذه الروايات إلى إعادة تدوير خطاب المظلومية واستثماره على الساحة الدولية، بهدف كسب التعاطف الغربي وعرقلة جهود الاستقرار، خصوصاً بعد أن أعلن بعض رجالات النظام السابق مسؤوليتهم عن الانقلاب الأمني الأخير في الساحل السوري، دون أن يتحملوا أي مسؤولية قانونية أو سياسية عمّا جرى.
واللافت أن الطائفة العلوية ذاتها كانت من أكثر المتضررين من سياسات الأسد القمعية خلال العقود الماضية، وأن محاولات استخدام قضيتهم كأداة للابتزاز الإعلامي والسياسي ليست سوى استمرار لنهج النظام البائد في تقسيم السوريين وإحياء النعرات التي غذّاها لسنوات طويلة.
تؤكد الوقائع أن ما يُروّج حول “سبي العلويات” ليس إلا حملة تضليل طائفية منظمة يقودها فلول النظام البائد وأذرعه الإعلامية، هدفها تشويه النسيج الاجتماعي السوري وزعزعة الاستقرار، وإعادة إنتاج خطاب الخوف والكراهية الذي حكم به الأسد البلاد لعقود.
ويجمع الحقوقيون والنشطاء المدنيون على أن مواجهة هذه الأكاذيب تتطلب وعياً مجتمعياً ومحاسبة قانونية للمحرّضين، لضمان عدم تكرار التجارب المأساوية التي عاشها السوريون تحت سلطة النظام الطائفي المنهار، ولحماية سوريا الجديدة من أي محاولات لإحياء الماضي الأسود باسم “الطائفة” أو “الهوية”.