
ريف دمشق يئنّ تحت وطأة العطش: جهود محلية متعثرة وأزمة مائية تتفاقم
بين موجة الجفاف الشديد وتراجع البنية التحتية، يعيش سكان ريف دمشق واحدة من أسوأ أزماتهم الخدمية، في ظلّ نقص حاد في مياه الشرب ومياه الاستخدام اليومي، وسط غياب حلول جذرية وفعالة من الجهات المعنية.
منطقة الحجر الأسود، كمثال صارخ، تُجسّد واقع المعاناة، حيث يلجأ السكان إلى حلول جماعية كحفر الآبار وتقاسم تكاليف تشغيلها، إلا أن هذه المبادرات، بحسب "هشام الأحمد" المقيم في المنطقة، "تستنزف قدرات الناس ولا تكفي لمعالجة أزمة بهذا الحجم".
وأضاف في حديثه لموقع العربي الجديد أن "الوضع يحتاج إلى تدخل حكومي عاجل، فالمعاناة لا تقتصر على المياه فقط، بل تشمل الكهرباء وسائر الخدمات".
في محاولة للحد من الأزمة، لجأ كثير من الأهالي إلى تركيب خزانات إضافية فوق أسطح المباني، لتخزين كميات أكبر من المياه خلال فترات الضخ القليلة، لكن هذه الخطوة خلقت خلافات بين السكان.
كما يقول "سامي القاضي"، من سكان المنطقة: "حتى مع وجود خزانين، لا تزال المياه غير كافية، والمشكلة تتجاوز القدرة الفردية على المعالجة".
ومع تقطّع ضخ المياه، يتزايد اعتماد الأهالي على شراء المياه من الصهاريج بأسعار مرتفعة، حيث يبلغ سعر المتر المكعب 50 ألف ليرة سورية، ما يشكل عبئاً إضافياً على العائلات محدودة الدخل.
ويصف "القاضي" أيضاً مشكلة الريّ غير المنضبط، مطالباً بتشديد الرقابة على الآبار غير المرخصة واستخدام تقنيات ري حديثة تحد من الهدر.
وأكد "فريد القسوم" وهو أب لأربعة أطفال، أن عائلته لم تعد تنتظر وصول المياه عبر الشبكة منذ سنوات، مضيفاً: "نشتري المياه للاستخدام المنزلي عبر صهاريج، ونستخدم القوارير للشرب.
وحتى جلب الصهريج يتطلب تنسيقاً بين عدة عائلات، لأن الكمية الصغيرة غير مجدية للسائقين"، زإحدى الإشكاليات المقلقة أيضاً تتمثل في تعارض جدول ضخ المياه مع ساعات توفر الكهرباء، ما يحول دون تعبئة الخزانات.
ويقول "وسام الحمود"، من منطقة القلمون الغربي: "نعيش ازدواجية أزمات، فحتى عندما تصل المياه، لا توجد كهرباء لضخّها". ويرى الخبير الجغرافي "أحمد حمو"، أن الأزمة الحالية غير مسبوقة من حيث الانخفاض الحاد في معدلات الهطل المطري.
ويكشف أن ريف دمشق لم يتجاوز 5 ملم من الأمطار هذا العام، مقارنة بـ160 ملم سابقاً. كما تراجعت مستويات المياه الجوفية بشكل لافت، بحيث أصبح من الضروري الحفر لأعماق تصل إلى 150 متراً لاستخراج المياه، وهو ما يعكس استنزافاً خطيراً للموارد.
ويحذر من أن بعض المناطق لا تحصل على مياه الشبكة سوى مرة كل 7 إلى 10 أيام، فيما المياه الواصلة – في مناطق مثل زملكا وجرمانا – غير صالحة للشرب نتيجة ارتفاع نسبة الكلس. "حتى من تصلهم المياه، يُضطرون لشراء مياه صالحة للشرب من الخارج، ما يفاقم الضغوط الاقتصادية على العائلات"، يقول حمو.
ويذكر أن أزمة المياه في ريف دمشق ليست وليدة اللحظة، لكنها اليوم دخلت مرحلة الخطر وفي ظل تراجع الموارد الطبيعية، وغياب إدارة مستدامة للمياه، تبقى الحلول المجتمعية مجرد محاولات إسعافية، لا تغني عن ضرورة وجود خطة وطنية متكاملة تُنقذ ما تبقى من الأمن المائي في البلاد.