
صانعات الأمل: نساء سوريا يجتزن صعاب الحرب ويثبتن أن الأمل لا ينكسر
شهدت سوريا خلال حربها ضد نظام بشار الأسد ظروفاً قاسية عصفتْ بمختلف جوانب الحياة، من الاقتصاد إلى المجتمع والتعليم وغيرها، وقد كان الثمن الذي دفعه الشعب السوري في سبيل نيل حريته وكرامته، والتخلص من عباءة من سمّى نفسه "إلى الأبد"، باهظاً للغاية.
ومع ذلك، لم يستسلم السوريون في الداخل والخارج، بل تحدّوا الصعوبات وحققوا إنجازات لافتة، ومن بين هذه النماذج، برزتْ نساء في شمال غربي سوريا تركن بصمة مميزة في ميدان العلم والتعليم. في هذا التقرير، نسلّط الضوء على بعض من هؤلاء النساء.
ندى سميع مؤسسة بارقة أمل
نبدأ أولاً بذكر ندى سميع، التي نشطت في مجال التعليم وأسهمت في تأسيس منظمة "بارقة أمل" في مدينة إدلب، وهي منظمة عُرفت بنشاطاتها الداعمة للمجتمع، ولا سيما النساء. ولا تزال حتى اليوم تقدّم دورات مهنية تستفيد منها النساء في مجالات متنوعة، مثل محو الأمية، والكمبيوتر، واللغة الإنجليزية، إلى جانب دورات في القيادة المجتمعية والتوعية الصحية والاجتماعية.
ويُشهد لها بأنها سخّرت قبو منزلها في بدايات الثورة السورية كمكان لتعليم أبناء المعتقلين والشهداء. كما وفّرت المنظمة، تحت إدارتها، منحاً دراسية لأكثر من 70 طالبة في جامعة رشد الافتراضية، في اختصاصات مثل إدارة المنشآت الحكومية، والعلوم السياسية، وإدارة الأعمال. إضافة إلى ذلك، حقّقت إنجازات عديدة تعود بالنفع على المجتمع وأفراده.
مبادرة أصوات حرة
ننتقلُ الآن للحديث عن نورا الجاسم، مشرفة مبادرة "أصوات حرة"، التي انطلقت عام 2024 بهدف دعم النساء السوريات وتمكينهن من خلال ورشات تدريبية وجلسات توعية تتعلق بالأمن الرقمي، والابتزاز الإلكتروني، والجرائم الإلكترونية.
أُطلقت هذه المبادرة من قبل فريق "إنسانيتي" التطوعي بالتعاون مع منظمة "بنفسج" وشبكة "صناع الأثر" في مدينة أعزاز شمال حلب. وقد حرصت وسائل إعلامية في حينها على التحاور مع الجاسم، التي أوضحتْ أن المبادرة شملت ست ورشات تدريبية ركزت على الإجراءات الأمنية للفرق والمنظمات الناشئة، والاستخدام الآمن والصحيح للإنترنت، إضافة إلى محاور متعلقة بالابتزاز الإلكتروني. وقد استهدفت هذه الورشات 18 فريقاً تطوعياً ومنظمة ناشئة، وشاركت فيها نساء من فئات عمرية متنوعة.
من متدربة إلى صاحبة عمل خاص
كما سعتْ بعض السيدات إلى الاستفادة من التدريبات المقدَّمة لتعلُّم مهنة وافتتاح مشاريعهن الخاصة، بهدف الاعتماد على أنفسهن، والوصول إلى مرحلة من الاكتفاء الذاتي، وتمكينهن من إعالة أسرهن. من بينهن عائشة شعبو، التي شاركت في تدريب بمجال الخياطة ضمن مشروع "المساحة الآمنة"، المقدم من منظمة "إحسان للإغاثة والتنمية" في شمال سوريا. وقد اجتهدت عائشة حتى أتقنت هذه المهنة، وبدأت بإنتاج أعمال خياطة تساعدها على إعالة أسرتها. وتسعى حاليًا لتعلُّم مهارات التسويق، بهدف توسيع نطاق عملها وتأمين سوق لتصريف منتجاتها.
واحدة من النساء المؤثرات في العالم
نختتم مادتنا بالحديث عن واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في شمال غربي سوريا، أحلام الرشيد، الناشطة الاجتماعية والمدرّسة السورية التي تنحدر من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي، عملت على تأسيس مراكز للتدريب والتعليم في بلدة أطمة، حيث قامت بتعليم عشرات الطلاب في مجالات إنسانية وتعليمية. كما درّبت ما يقارب 4800 متدرّب في المناطق المحررة من سوريا، وتمكن أكثر من 1000 منهم من الحصول على فرص عمل. وإلى جانب ذلك، نشطت في التعاون مع منظمات دولية في مجالات حماية المرأة والطفل. وفي عام 2017، تم اختيار السيدة أحلام ضمن قائمة "بي بي سي" لأكثر 100 امرأة تأثيراً في العالم، تقديراً لإنجازاتها الإنسانية والتعليمية.
تتميّز النساء السوريات بشجاعتهن وحبّهن للعمل، بغض النظر عن خلفياتهن الاجتماعية أو الثقافية أو العلمية. وقد أثبتن، خلال سنوات الحرب، قدرتهن على مواجهة التحديات وتجاوز الصعاب، وتحقيق إنجازات تستحق التقدير. من التعليم إلى التمكين المهني، ومن المبادرات المحلية إلى الحضور في المحافل العالمية، تظهر هذه النماذج النسائية أن المرأة السورية ليست مجرد متأثرة بالأزمات، بل فاعلة وشريكة أساسية في صناعة التغيير وبناء المستقبل.