عودة النازحين إلى قراهم: المخيمات تفرغ والحنين لا يشيخ
عودة النازحين إلى قراهم: المخيمات تفرغ والحنين لا يشيخ
● أخبار سورية ١٩ مايو ٢٠٢٥

عودة النازحين إلى قراهم: المخيمات تفرغ والحنين لا يشيخ

في الشمال الغربي من سوريا، تروي صور المخيمات الفارغة قصةً جديدة ومختلفة، تلك الخيام البيضاء التي كانت قبل شهور فقط تغصّ بآلاف العائلات، إلى جانب مخيمات احتوت غرفاً صغيرة مسقوفة بلوح التوتياء وأخرى سقفها صبة إسمنتية، بدأت تفرغ شيئاً فشيئاً. 


تخلّت عنها الأسر تدريجياً، وكأنها تترك خلفها سنوات من الانتظار والتعب، تحوّلت هذه الأماكن التي كانت مأوى للنازحين إلى مساحات صامتة، تلوّح للعائدين بأن وقت الرجوع إلى القرى المنسية قد حان.

النازحون الذين هجّرتهم آلة النظام السوري بقيادة بشار الأسد المجرم، لم ينسوا قراهم رغم سنوات التيه والخيام والغرف المتواضعة ذات الأسقف المؤقتة. منذ أسابيع، بدأت موجة جديدة من العودة الطوعية، على الرغم من قساوة الواقع في المناطق الأصلية: بيوت مهدّمة، انعدام للكهرباء والمياه، ونقص في الخدمات الأساسية. لكن رغم كل شيء، تظل رائحة التراب أغلى من دفء البطانية المبلّلة بالدموع في المخيم.

"لقد اشتقنا لجدراننا حتى وإن كانت مهدّمة"، يقول أحد العائدين إلى قرية التريمسة بريف حماة، والتي هجرت بالكامل قبل سنوات. ويتابع: "فككتُ سقف غرفتي في المخيم، واستخرجت الحديد بيدي لأحمله معي إلى قريتي، وسأستخدمه في ترميم منزلنا المدمر. حتى الحديد من الخيمة له قيمة حين نعود إلى أرضنا".

 لم يقتصر الأمر على تفكيك غرف المخيم فقط؛ بل بدأ الأهالي أيضًا بنزع الحديد من أماكن سكنهم في المخيم، مشهد الأطفال وهم يهدمون السقف لاستخراج ما يمكن إعادة استخدامه لاقى انتشاراً واسعاً. كل قطعة تُنتزع من الدمار تُصبح رمزاً على الإصرار في وجه النسيان، ولبنة أولى في حياة تبدأ من تحت الركام.

أطفال يرون قراهم لأول مرة
لدى الأطفال قصة موازية تماماً: "هذه هي قريتي؟" يسأل عمر (8 سنوات) وهو ينظر إلى بقايا منزل جدّه في قرية التريمسة. لم يرَ قريته إلا في صور الجوال التي كانت تملأ ذاكرة هاتف والدته في المخيم. يقول الطفل بدهشة: "كنت أتخيل قريتي كبيرة وجميلة... لم أتوقع أن أراها هكذا، لكن مع ذلك أشعر بسعادة لأني عدت إليها أخيراً."

مشهد الأطفال وهم يلعبون في ساحة كانت بالأمس ساحة حرب، يعيد الأمل بأن الحياة يمكن أن تولد من تحت الركام. في قرى مثل التريمسة وكفرنبل وحيان، يُسمع ضحك الأطفال بجانب أصوات المجارف والمعاول، كأن صوت الحنين أقوى من ذاكرة الرعب.


تتجلى فرحة العودة في صورٍ مؤثرة، حيث تزدحم الطرق بسيارات وشاحنات محملة بالعفش والأثاث، تنقل العائلات من المخيمات إلى قراهم ومدنهم القديمة. يرافق هذه القوافل مشاهد بشرية مفعمة بالسعادة والدموع، حيث يودع النازحون بعضهم البعض بمشاعر مختلطة من الفرح والحنين، في لحظات يبكي فيها البعض من شدة الامتنان لاستعادة جذورهم.

الإصرار على العودة رغم الكارثة
رغم غياب البنية التحتية شبه الكامل، وانعدام الخدمات الأساسية من كهرباء وتعليم ورعاية صحية، لم يتردد كثير من الأهالي في اتخاذ قرار العودة. الطرق المؤدية إلى القرى ما تزال محفوفة بالخطر، حيث تنتشر الألغام ومخلفات الحرب، ما يجعل كل رحلة عودة مغامرة حقيقية. ومع ذلك، تجاوز الأهالي كل ذلك مدفوعين بالحنين، وبالرغبة في إنهاء حياة الخيمة إلى الأبد.

في فترات سابقة، لم ينتظر البعض استقرار الأوضاع، بل سارعوا إلى نصب خيامهم داخل قراهم التي لم تكن مؤهلة بعد للسكن. نُقلت تلك الخيام كما هي من بلدان اللجوء، في مشهد رمزيّ أراد منه الناس إيصال رسالة واضحة: نحن هنا، وسنبقى هنا، وسنواجه الظروف مهما كانت قاسية. كان ذلك المشهد كافياً ليُفهم أن الكرامة لا يمكن تأجيلها، وأن الأرض إن كانت مدمرة هي أكثر أماناً من المنافي المؤقتة.

وتكشف إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما يقارب 400 ألف لاجئ سوري عادوا من دول الجوار إلى بلادهم منذ سقوط نظام المجرم بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، في حين تجاوز عدد العائدين من النازحين داخليا عتبة المليون، ليصل إجمالي العائدين إلى أكثر من 1.4 مليون شخص خلال الأشهر الماضية. وهذا الرقم يعكس إرادة السوريين في إعادة بناء حياتهم رغم كل الصعوبات.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ