محاكمة كوبلنز لحصار اليرموك… خطوة جديدة في مسار العدالة السورية
قالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز بدأت يوم الأربعاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر أولى جلسات محاكمة جديدة تتعلق بالجرائم التي ارتكبها نظام الأسد البائد في سوريا، حيث يناقش القضاء الألماني للمرة الأولى حصار وتجويع سكان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، باعتباره جريمة ممنهجة ارتكبت خلال الحرب في سوريا.
ووفق بيان الشبكة، فقد وجّه مكتب الادعاء العام الاتحادي الألماني اتهامات بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية لخمسة أشخاص، بينهم أربعة منتمين إلى ميليشيا “حركة فلسطين الحرة” وشخص يعمل مع أجهزة مخابرات الإرهابي الفار بشار الأسد، بتهم القتل العمد والتعذيب والاحتجاز غير القانوني واستخدام أساليب حرب محظورة.
ويُشتبه بأنهم شاركوا في القمع العنيف لمظاهرة سلمية يوم 13 تموز/يوليو 2012، وما تلاها من حصار خانق ومنع للطعام والدواء والمساعدات الإنسانية عن عشرات آلاف المدنيين في اليرموك، ضمن سياسة “التجويع والإجبار على الاستسلام” التي اعتمدها النظام في مناطق عدة.
وأكدت رهام هواش، المديرة الإقليمية لبرنامج اليرموك وسوريا في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، أن ما جرى في اليرموك “لم يكن ضرراً جانبياً”، بل “مشروع تدمير متعمد”، مشيرة إلى أن هذا المسار القضائي يشكّل أول محاولة لسدّ الفجوة في رواية ما جرى، بعد أن تم إسكات معظم من كان يمكنه توثيق الحقيقة عبر التعذيب والقتل والتهجير.
ورغم رمزية اليرموك في توثيق وحشية النظام السابق، لم تُعالج أي محكمة ألمانية حتى الآن سياسة الحصار بوصفها جريمة منهجية. ففي عام 2023 أدانت المحكمة الإقليمية العليا في برلين أحد أفراد ميليشيا مؤيدة للأسد بارتكاب جرائم حرب وقتل في المخيم، لكنها لم تتناول الحصار نفسه، وهو ما عُدّ خطوة مهمة لكنها غير مكتملة.
وقال أندرياس شولر، المدير المشارك لبرنامج الجرائم الدولية والمساءلة في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، إن الإجراءات الجديدة “ستسدّ هذه الفجوة وتسمح بتناول الحرب التي شُنّت على مناطق بأكملها”، مؤكداً أن ما تكشفه قضية اليرموك يحمل أصداءً مشابهة لما يجري في غزة حالياً من تدمير للبنى الإنسانية وحرمان المدنيين من مقومات الحياة، مشدداً على أن استخدام التجويع كسلاح “جريمة حرب أينما حدثت”.
وعلى مدى سنوات، شكّل مبدأ الولاية القضائية العالمية إحدى الأدوات الرئيسية للتعامل مع جرائم نظام الأسد البائد. أما اليوم، ومع انتهاء الحقبة السابقة وبداية مرحلة جديدة، فإن المحاكمة تمثل خطوة ضرورية لدعم مسار العدالة الانتقالية داخل سوريا نفسها.
وأكد فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن تركيز محكمة كوبلنز على الحصار الممنهج لمخيم اليرموك “لحظة محورية” في مسار العدالة السورية، لأنها ترسّخ لأول مرة معايير إثبات قانونية خاصة بالتجويع كجريمة حرب، ويمكن للمؤسسات القضائية السورية المستقبلية أن تبني عليها في عمليات المحاسبة، بوصفها جزءاً من الانتقال نحو سوريا القادرة على مواجهة الجرائم الجماعية دون إفلات من العقاب.