من سيطبع العملة السورية الجديدة؟ مؤشرات متباينة وغياب إعلان رسمي
لم تُعلن الحكومة السورية حتى الآن بشكل رسمي عن الجهة التي ستتولى طباعة العملة السورية الجديدة المقرر طرحها نهاية العام الجاري، في إطار خطة شاملة لإعادة هيكلة النظام النقدي بعد سنوات من الانهيار الحاد.
وبينما تشير تقارير صحفية متقاطعة إلى أن الإمارات وألمانيا تتقدمان كموقعين محتملين للطباعة، تؤكد مصادر أخرى أن اتفاقاً تم توقيعه مع شركة روسية، ما يعكس حالة من التضارب في المعطيات حول هذا الملف الحساس.
وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت في تقرير لها بتاريخ 16 أيار/مايو 2025 عن مصادر مصرفية سورية أن دمشق دخلت في محادثات متقدمة مع شركة “أومولات” الإماراتية، إلى جانب اهتمام أبدته شركتا “جيزيكه أند ديفريَنت” و”بوندسدرَكا” الألمانيتان.
وأشارت التقارير إلى أن هذه التحركات جاءت بعد تخفيف العقوبات الأوروبية والأميركية على القطاع المالي السوري، مما فتح الباب أمام خيارات جديدة بعيداً عن الاعتماد الطويل على موسكو.
وتعززت هذه الفرضيات لاحقًا من خلال زيارة رسمية قام بها محافظ مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية إلى الولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر، التقى خلالها مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي وممثلي شركات مصرفية عالمية.
وفي تصريحات نُقلت عنه عبر وسائل إعلام محلية، أشار حصرية إلى إشراف وفد أميركي متخصص على تنفيذ خطة شاملة لإصلاح النظام المالي، تشمل إصدار العملة الجديدة، دون أن يحدد الجهة التي ستتولى طباعتها.
لكن بعد نحو ثلاثة أشهر من تلك التسريبات، نشرت “رويترز” تقريراً جديداً بتاريخ 23 آب/أغسطس 2025 نقلت فيه عن سبعة مصادر مصرفية سورية تأكيدهم أن اتفاقاً نهائياً قد أُبرم مع شركة “غوزناك” الروسية المملوكة للدولة، خلال زيارة وفد سوري إلى موسكو أواخر تموز/يوليو.
وذكرت المصادر أن الشركة الروسية ستتولى طباعة الأوراق النقدية الجديدة التي ستُطرح للتداول في كانون الأول/ديسمبر، بعد إزالة صفرين من قيمتها الاسمية.
وبينما لم يصدر حتى اللحظة أي إعلان رسمي من مصرف سورية المركزي أو الحكومة السورية يؤكد هوية الطرف الذي سيقوم بطباعة العملة، فإن المعطيات تشير إلى أن الملف بقي مفتوحًا لفترة طويلة أمام خيارات متعددة، ربما بهدف تحسين شروط التعاقد أو تحقيق توازنات سياسية إقليمية.
ويُشار إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع كان قد زار موسكو، إلا أن محور الزيارة – بحسب مصادر مطلعة – تركز على التعاون العسكري والطاقة، دون التطرق إلى الجانب الاقتصادي بشكل أساسي.
وفي حال تأكدت المعلومات المتداولة حول تكليف موسكو بطباعة العملة الجديدة، فإن لذلك أبعادًا سياسية تتجاوز الجانب التقني أو اللوجستي. إذ ترى جهات إعلامية ومراقبون، أن روسيا سعت منذ تدخلها العسكري في سورية إلى توسيع نفوذها عبر أدوات غير تقليدية، منها الاعتماد على مجموعات قتالية غير نظامية مثل “فاغنر”، التي ارتبط اسمها بانتهاكات موثّقة ضد مدنيين سوريين.
وحتى بعد تحوّل المشهد السياسي في دمشق، تسعى موسكو إلى الحفاظ على وجودها الاستراتيجي في البلاد، ليس فقط عبر قواعدها العسكرية ، بل من خلال السيطرة على مفاصل اقتصادية حساسة، مثل إنتاج العملة الوطنية.
ولهذا فإن تمسّك موسكو بالمشاركة في ملف طباعة العملة السورية يعكس رغبتها في تأكيد حضورها كمصدر وحيد للسيادة النقدية، وضمان استمرار ارتباط الاقتصاد السوري بها.
من جانب آخر، تعكس اللقاءات المتكررة لمسؤولي الحكومة السورية مع شركات ومؤسسات مالية غربية وخليجية – كما حصل في زيارات للإمارات وأوروبا – سعيًا واضحًا لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي، وتقليل الاعتماد على شركاء تقليديين مثل روسيا، دون أن يعني ذلك قطيعة تامة معهم.
ويبدو أن الحكومة السورية، وفي ظل بيئة إقليمية ودولية متغيرة، تتبع سياسة “تنويع الخيارات” بدلًا من حسم المسارات بشكل مبكر. لذلك، تبقى مسألة تحديد الجهة التي ستطبع العملة الجديدة معلّقة حتى صدور بيان رسمي، وهو ما قد يحدث في أي وقت خلال الأسابيع المقبلة مع اقتراب موعد طرح العملة الجديدة رسميًا.