
مناشداً جهات خارجية.. بيان "الرئاسة الروحية" يثير الجدل بدعوته تدويل ملف السويداء
أثار بيان صادر عن الرئاسة الروحية في السويداء موجة من الجدل بعد أن وجه نداءً إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، طالب فيه بـ "التحرك العاجل لرفع الحصار عن السويداء وتمكين سكانها من ممارسة حق تقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة" وفق نص البيان.
وتضمن البيان الذي حمل توقيع "حكمت الهجري"، دعوات اعتبرتها أوساط وطنية دعوة صريحة للتدخل الخارجي ومحاولة لإضفاء طابع انفصالي على القضية المحلية في السويداء، وتحدث البيان عن حصار شامل يعانيه سكان السويداء، وتدهور حاد في الأوضاع المعيشية والخدمية، مع اتهامات وُجّهت إلى ما سمّاها "الحكومة المؤقتة والميليشيات التابعة لها" بارتكاب "جرائم وانتهاكات ضد المدنيين".
كما ناشد البيان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية للتحرك، مطالبًا بفتح "معابر إنسانية دولية" و"محاسبة المسؤولين أمام القضاء الدولي" وصولًا إلى طرح فكرة تقرير المصير تحت إشراف أممي.
ويرى مراقبون أن البيان يحمل إشارات سياسية خطيرة تتجاوز الطابع الإنساني المعلن له، إذ تضمّن دعوات واضحة إلى التدويل والانفصال عن سلطة الدولة السورية، في تجاهل تام لجهود الحكومة السورية التي تواصل إرسال المساعدات الإنسانية إلى السويداء وتعمل على تحسين الواقع الخدمي والاقتصادي في المحافظة رغم الظروف الصعبة والعقوبات المفروضة على البلاد.
كما تجاهل البيان، وفق محللين سياسيين، المبادرات الوطنية المتكررة التي أطلقتها الدولة السورية لإعادة الهدوء إلى السويداء، والدعوات المستمرة للحوار والحل الداخلي بعيدًا عن أي تدخل خارجي، مؤكدين أن اللجوء إلى المنظمات الدولية في قضايا داخلية يُعدّ تجاوزًا لمبدأ السيادة الوطنية المنصوص عليه في القانون الدولي.
ويرى خبراء أن استخدام البيان لتوصيفات مثل "الإبادة الممنهجة" و"الحصار القاتل" و"التجويع القسري" يعكس لغة تصعيدية تهدف إلى خلق رأي عام خارجي ضاغط، في وقت تؤكد فيه الدولة السورية التزامها بحماية جميع المواطنين وتقديم المساعدات عبر القنوات الرسمية، مشددة على ضرورة تفويت الفرصة على كل محاولات التحريض أو التقسيم التي تستهدف وحدة البلاد.
وظهر في البيان الذي أصدره "الهجري" تسمية جبل العرب بمصطلح "جبل باشان"، وهو اسم يهودي مستوحى من التراث التوراتي، وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أطلق على حملته العسكرية على سوريا بعد سقوط النظام البائد "سهم باشان".
وكانت شدّدت مصادر حكومية على أن سوريا كانت وما تزال حريصة على وحدة أراضيها ونسيجها الاجتماعي، مؤكدة أن الحل الوحيد للأزمة في أي منطقة من البلاد يكون تحت سقف الدولة السورية، بعيدًا عن أي أجندات خارجية أو دعوات انفصالية.
وتشهد محافظة السويداء توتراً متزايداً بعد تداول وثائق منسوبة لما يُعرف بـ"اللجنة القانونية"، التابعة لحكمت الهجري تُظهر فرض قيود على مغادرة المدنيين للمحافظة، في خطوة اعتبرها ناشطون تضييقاً جديداً على الأهالي ومحاولة لفرض سلطة موازية للجهات الرسمية.
الوثائق التي جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل توقيع العقيد نزار الطويل، قائد قطاع شهبا، والشيخ معين رئيس اللجنة الأمنية التابعة لما يُعرف بحكمت الجهري، وتنص على منح موافقات خاصة للمواطنين الراغبين بمغادرة السويداء لأسباب علاجية فقط، شريطة مراجعة المكتب الأمني التابع للجنة.
وبحسب ما ورد في تلك الوثائق، يُمنع خروج أهالي المحافظة من دون تصريح رسمي، ولا يُسمح بالسفر إلا لأسباب مرضية موثقة أو بهدف السفر إلى الخارج بعد تقديم جواز السفر وتذكرة الطيران، ما أثار موجة انتقادات واسعة في الأوساط المحلية التي رأت في القرار تعدّياً على حرية التنقل وفرضاً لسلطة أمر واقع خارج إطار الدولة.
في المقابل، أعلنت الجهات الحكومية السورية أن طريق دمشق – السويداء يشهد تحسناً ملحوظاً في حركة المسافرين المدنيين ووسائط النقل العامة، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن الجهود التي يقودها محافظ السويداء الدكتور مصطفى البكور وقوى الأمن الداخلي لتعزيز الأمن والاستقرار في المحافظة.
وكان نفى المحافظ في تصريح رسمي أي علاقة للجهات الحكومية بما يُعرف بـ"اللجنة القانونية"، مؤكداً أنها ليست جهة معترفاً بها قانونياً، ولم يُكلّف أي من أعضائها بمهام رسمية.
وأضاف أن كل الإجراءات والتصاريح في المحافظة تصدر حصراً عن المؤسسات الحكومية المختصة، داعياً المواطنين إلى عدم التعامل مع أي جهة غير رسمية أو فصائل محلية تدّعي امتلاك صلاحيات أمنية أو إدارية.
تزامناً مع ذلك، بدأت صفحات تابعة للمجموعات المسلحة المحسوبة على الجهري بالترويج لمزاعم تفيد بأن المحافظة "خالية من الطحين"، متهمةً الحكومة السورية بـ"تجويع السكان"، فيما تجاهلت الإشارة إلى الانتهاكات والسرقات التي تمارسها هذه المجموعات بحق المواد الأساسية والمساعدات المخصصة للأهالي.
ويرى متابعون أن القرارات الأخيرة الصادرة عن "اللجنة القانونية" تهدف إلى إحكام السيطرة على السكان وفرض واقع إداري موازٍ داخل المحافظة، في وقت تعمل فيه الدولة على بسط الأمن وإعادة انتظام الخدمات العامة والمرور الآمن بين السويداء ودمشق.