
"وول ستريت جورنال" تناقش خيارات الولايات المتحدة في سوريا في ظل التحولات السياسية
سلّطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء في افتتاحيتها الأخيرة على الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام الولايات المتحدة في سوريا، بعد التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد مؤخراً، وبخاصة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. التقرير تناول أبرز المواقف الدولية تجاه الوضع السوري، مشيرًا إلى عدة عوامل تؤثر على التوجهات الأمريكية في المنطقة.
الزيارة الفرنسية وأولويات الشرع
في تطور دبلوماسي لافت، استقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حاكم سوريا الجديد، أحمد الشرع، في باريس. ورغم أن الشرع كان يُعتبر من قادة المعارضة الذين تم تصنيفهم من قبل الولايات المتحدة كـ"إرهابيين"، إلا أنه أظهر نبرة بناءً خلال اللقاء، حيث ارتدى بدلة رسمية وزار برج إيفل، وهو ما يمثل تحولًا في خطابه وموقفه. الرئيس الفرنسي رحب به ودعا إلى إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا.
موقف الشرع من الجهاديين الأجانب
عندما سُئل الشرع عن الجهاديين الأجانب الذين لا يزالون يتواجدون في سوريا، لم يقدم خطة واضحة لطردهم، بل اكتفى بالقول: "الذين بقوا معنا سيلتزمون بالقانون السوري ولن يشكلوا أي تهديد". كما أشار إلى أن بعضهم أصبحوا قادة في الجيش السوري، مما يعكس تعقيد المسألة ويعزز من صعوبة اتخاذ خطوات ملموسة نحو تخفيف العقوبات.
الاستراتيجية الأوروبية والمصلحة في إعادة اللاجئين
تستفيد المصلحة الأوروبية من التغيرات في سوريا، حيث تسعى القارة إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. لكن العقوبات المفروضة على سوريا تشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق هذا الهدف، وهو ما يعكس توجهًا أوروبيًا نحو تخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية على دمشق.
الانسحاب الأمريكي وتوجهات ترامب
رغم الجدل الدائر حول السياسة الأمريكية في سوريا، يظل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ميالًا نحو الانسحاب من المنطقة. يرى البعض أنه من الممكن أن يعمل الشرع، بدعم مالي قطري ورعاية تركية، على توحيد سوريا وتوفير الاستقرار الكافي الذي يسمح بانسحاب القوات الأمريكية. وتدعم تركيا هذا التوجه، حيث ترى في الشرع شخصية محورية لتحقيق الاستقرار في سوريا.
إسرائيل تحذر من التهديدات الجهادية وأطماع تركيا
إسرائيل، من جهتها، تبدي توجسًا كبيرًا تجاه الأوضاع في سوريا. إذ تحذر من المخاطر التي قد تشكلها الجماعات الجهادية على أمنها، خاصة بعد تزايد الوجود الجهادي في بعض المناطق السورية. كما تنبه إلى نوايا تركيا في سحق الأكراد وتحويل سوريا إلى قاعدة عمليات متقدمة. وفي الوقت نفسه، تدعو إلى فرض حكم ذاتي في المناطق الجنوبية من دمشق للدروز، فيما يطالب الأكراد في الشمال الشرقي بالحكم الذاتي أيضًا.
سوريا لا مركزية: هل هي الحل؟
يعتبر التقرير أن نموذج سوريا اللامركزية ليس حلاً سحريًا، بل قد يفتح الطريق أمام فراغات في السلطة قد تستغلها التنظيمات الإرهابية مثل داعش، أو حتى إيران. مما قد يحوّل القلق من العنف الجهادي إلى نبوءة تتحقق إذا لم يتم اتخاذ تدابير فعّالة.
الآراء الأكاديمية: ما هو الحل؟
برنارد هيكل، أستاذ في جامعة برينستون، أشار إلى أنه قد لا يكون هناك حل مثالي للوضع في سوريا، مؤكدًا أن الأمريكيين يجدون صعوبة كبيرة في تقبل هذا الواقع الصعب.
الموقف السعودي: مراقبة وتقييم الوضع
فيما يتعلق بالموقف السعودي، يرى العديد من المراقبين أن المملكة قد تميل إلى منح الشرع فرصة لإثبات قدرته على حماية الأقليات وتجنب الصراعات الخارجية، مع مراقبة تطورات الوضع قبل اتخاذ أي خطوات إضافية.
خيارات الولايات المتحدة في تخفيف العقوبات
يُقترح على الولايات المتحدة أن تخفف العقوبات تدريجيًا وفقًا للالتزامات التي يمكن أن تتخذها سوريا في ملفات حيوية مثل مكافحة الجهاديين الأجانب والحد من استخدام الأسلحة الكيميائية. مع ذلك، لا يتعين على واشنطن أن تتخلى عن أوراق الضغط السياسية دفعة واحدة، خاصة إذا كانت سوريا لا تقدم ضمانات أمنية للأكراد.
التقارب الإسرائيلي والسوري: المحادثات السرية
أحد الأخبار الإيجابية التي ظهرت هو أن إسرائيل وسوريا قد أجروا محادثات سرية، كما فعلت إسرائيل مع تركيا، وهو ما يعكس تطورًا مهمًا في العلاقات بين الأطراف الفاعلة في المنطقة.
دور الولايات المتحدة: منع التصادم الإقليمي
أحد الأدوار الأكثر أهمية التي يمكن أن تلعبها الولايات المتحدة في سوريا، حسب التقرير، هو المساعدة في منع تصادم القوى الإقليمية مثل إسرائيل وتركيا. كلا البلدين لديهما خلافات مع إيران، ومن الممكن أن يسهم التدخل الأمريكي في تقليل حدة الصراع بين هذه القوى.
خاتمة: خيارات صعبة وأفق ضبابي
تستمر التحديات والفرص أمام الولايات المتحدة في سوريا في ظل المشهد المعقد، مع ضرورة اتخاذ قرارات دقيقة في وقت حساس. الخيارات الأمريكية في سوريا تبدو محكومة بالتوازن بين حماية مصالحها وحماية الاستقرار الإقليمي، في وقت تتعدد فيه الأصوات الدولية والإقليمية التي تدفع باتجاه حلول مختلفة.