مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ مايو ٢٠١٧
نصرالله يعلنها: عدونا الأول ليس إسرائيل

شكل إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الانسحاب من خط الحدود اللبنانية السورية في منطقة بعلبك الهرمل، إيذانا بتطور جديد في تعامل حزب الله مع التطورات الجارية في سوريا ومحيطها، فتسليم مواقع حزب الله العسكرية على جزء من خط الحدود الشرقية للجيش اللبناني، مهد له حزب الله بمقدمات وصفت ما سيعلنه نصرالله بأنه موقف مهم، وتركز هذا التمهيد في دائرة محازبيه ومناصريه الذين تلقوا في وسائل التواصل المختلفة عشية الخطاب الذي ألقاه في الذكرى السنوية لاغتيال القيادي في حزب الله مصطفى بدرالدين قبل أسبوع، رسالة مفادها ترقبوا القرار المهم الذي سيعلنه الأمين العام.

القرار لم يكن في إنهاء اللغط الذي دار حول عملية اغتيال بدرالدين، عبر تقديم نتائج التحقيقات في ما خفي من عملية الاغتيال التي جرت في محيط مطار دمشق، ولا في طي ملف الشكوك التي تدور حول هذه العملية التي قيل إن بدرالدين ذهب ضحية تصفيات داخلية، تجاوز نصرالله كل هذه الشكوك التي تشغل بال جزء من جمهوره، وذهب مباشرة إلى مخاطبة هذا الجمهور بعبارة “أنجزنا المهمة” وهي العبارة التي صارت تعويضا عن عبارة سابقة واختفت، كان يرددها نصرالله في سنوات سابقة وفي بداية تدخله في سوريا وهي: كما وعدتكم بالنصر دائما أعدكم بالنصر مجددا.

الأخيرة هذه التي غابت عن خطابات نصرالله منذ مدة بعيدة، تعكس إدراك اللبنانيين عموما وجمهور حزب الله على وجه التحديد أن الأزمة السورية لن تجلب نصرا لحزب الله، وقصارى ما يطمح إليه هؤلاء هو التخلص من الرمال السورية بأقل ما يمكن من خسائر وأضرار.

“أنجزنا المهمة” لم تنطوِ على إعلان نصرالله الانسحاب من سوريا، ولكن لا يمكن فصلها عن كونها تمهيدا يستهدف الإشارة إلى عنوان وجوده العسكري في سوريا من دون أن يحدد نصرالله تعريفا لإنجاز المهمة، فهو مفهوم مطاطي وقابل لتفسيرات مختلفة تتيح لحزب الله أن يحدد مضمونه بحسب ما تقتضي الظروف.

هذه المرة ربط نصرالله هذا المفهوم بأن سلم الجيش اللبناني مواقع على الحدود مع سوريا في مساحة محددة، ولكن أبقى على وجوده في سوريا وعلى انتقاله السلس عبر هذه الحدود في الاتجاهين، لقد سلم الدولة اللبنانية مواقع عسكرية له على هذه الحدود، لكنه أبقى على وجوده داخل سوريا وفي المقلب اللبناني من هذه الحدود، بدا الأمر في واقعه الفعلي، تحميل الجيش اللبناني مسؤولية هذه الحدود، من دون أن يلتزم حزب الله بأي شرط من شروط السيادة وقواعدها في لبنان.

إذن هو انسحاب بغاية تحضير نفسي للجمهور القلق من أفق مفتوح لا نهاية له للأزمة السورية ولتورط حزب الله فيها. تحضير مفاده أن طريق العودة إلى لبنان فتحت، والأهم أنه رسالة سياسية إلى من يعنيهم الأمر دوليا وإقليميا، تقول إن حزب الله ليس طرفا معرقلا للتفاهمات الجارية من تحضير لمناطق آمنة، لكنه يشير إلى أنه متخوف من أن يكون كبش فداء لهذه التفاهمات، ويعلن بطريقته الملتبسة احترامه للحدود الدولية.

علما أن هذه الحدود التي انسحب منها حزب الله تخضع إلى مراقبة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية اللتين أخذتا على عاتقهما منذ سنوات توفير شروط مراقبة ميدانية وتقنية عبر اتفاقيات عسكرية عقدتاها مع الجيش اللبناني، أتاحت تأمين محطات مراقبة تشرفان عليها ويديرها الجيش اللبناني مباشرة.

البقاء في سوريا مستمر حتى اليوم، لكن من دون أفق انتصارات يعد حزب الله مناصريه بتحقيقها، وإنجاز المهمة صار رهن الاتفاقيات الإقليمية والدولية، وحزب الله ليس إلا طرفا تابعا لإيران وقد نذر نفسه لأن يكون ورقة في يد قيادتها، وبالتالي فإنه ربط مصيره إلى حدّ بعيد بمستقبل النفوذ الإيراني في سوريا، ومن هنا يصبح قرار العودة أو البقاء شأنا تقرره المصالح الإيرانية، بعدما طويت “أحلام النصر” الإيراني في سوريا، وبات الحلم أن تبقى العلاقة وثيقة بروسيا التي تربعت على عرش حلفاء بشار الأسد، فإيران وكذا حزب الله باتا عنصرين تابعين ومنضبطين بسقف روسيا، ويدركان أن ما تبقى لهما هو الدرع الروسي في مواجهة السياسة الأميركية وهجومها الاستراتيجي في عهد الإدارة الجديدة التي ساوت، إلى حدّ بعيد، بين النفوذ الإيراني ووجود داعش في المنطقة العربية

الأحلام الإيرانية تتهاوى ومعها يتراجع دور ونفوذ حزب الله الذي يبدي إلى حدّ بعيد ليونة تجاه الخطرين اللذين طالما بشر بمواجهتهما منذ نشأته، أي أميركا وإسرائيل، فعلى الرغم من العقوبات الأميركية المتدرجة ضده، ورغم الضربات الإسرائيلية المتكررة لبعض مواقعه في سوريا، فإن لهجة العداء تتركز لدى نصرالله ضد المملكة العربية السعودية، فنبرة الصوت هادئة تجاه أميركا وإسرائيل ولا تنطوي على أي تهديد، بينما تعلو وترتفع حينما يتناول الموقف السعودي.

ففي خطابه في يوم 2 مايو، ذكرى يوم الجريح، قال حسن نصرالله كلاما يمكن أن يندرج في إطار الفضيحة السياسية، إذ أكد أن المجتمع الذي يقوده أو يتحدث عنه لم يكن مقتنعا بقتال الاحتلال الإسرائيلي بين 1982 و2000 كقناعته اليوم، بغرقه في الحرب التي أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها حرب أهلية بسمات مذهبية وطائفية.

وهذا النص الحرفي لما قاله الأمين العام لحزب الله “أود أن أقول أمرا اليوم، إننا خلال 6 إلى 7 سنوات لم أقدّم خطاباً تعبوياً، أنا أقوم بخطاب تحليلي، توصيفي، نحن كنا نقاتل إسرائيل منذ العام 1982 حتى 2000 كان لدينا يومياً خطاب تعبوي، نحن غير محتاجين في سوريا لخطاب تعبوي لأن البصيرة والوعي والقناعة وسلامة وصوابية الخيارات عند مجتمعنا وشبابنا ومقاتلينا وعائلاتهم واضحة إلى حد لا يحتاج إلى خطاب تعبوي”.

لا يمكن أن يكون هذا الخطاب عفويا بل هو مقصود ومدروس ولا سيما أنه خطاب غير صحيح وينطوي على محاولة لإلباس المشروع الإيراني في سوريا والمنطقة عموما شرعية شيعية، ولكن الأهم من كل ذلك هو أن نصرالله يريد أن يقول للأميركيين والإسرائيليين إن عداء جمهورنا يتركز بالدرجة الأولى على أعدائنا في الداخل الإسلامي والعربي، وأن هذه القناعة تتركز في المجتمع الذي سهل عليه أن يقاتل أعداءه من السوريين أكثر من مشروع قتال إسرائيل وبالتالي الغرب.

ترسيخ الانقسام المذهبي وتعميقه في منطقتنا يبدوان الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المشروع الإيراني لكي يجد مبررا لدوره ونفوذه، فالليونة حيال السياسات الأميركية والإسرائيلية التي تقابل بها إيران ما تسميهما بالشيطانين، لا يقابلها إلا إعلاء من وتيرة الصراعات الأهلية في العالم العربي عبر المزيد من الاستثمار الدموي والطائفي فيه من قبل القادة الإيرانيين وأتباعهم في المنطقة.

اقرأ المزيد
١٨ مايو ٢٠١٧
آخر الفرص أمام الائتلاف السوري

بانتخاب الأستاذ رياض سيف وفريقه لقيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، تدخل إدارة القضية الوطنية السورية بواسطة الائتلاف في لحظة مفصلية حاسمة، فإما أن تحوله قيادته الجديدة إلى مؤسّسة قادرة على إنتاج عمل وطني وقيادة ثورية/ إنقاذيةٍ لشعبٍ يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو أن يوصله عجزه إلى مثواه الأخير غير مأسوفٍ عليه، تاركا مكانه للفوضى، أو لمبادراتٍ يرجّح أن تفضي إلى مؤسساتٍ متنوعةٍ أو بديلة، إن اتحدت. وهذا مستبعدٌ جدا، انفردت بالساحة، كما كان ينفرد الائتلاف الحالي، من دون أن تنال ثقة الشعب السوري، لأنها ستكون مفروضة عليهم مثله، علما أن مهمته الرئيسة كانت طيلة القسم الأكبر من سنوات وجوده، وخصوصا منها السنوات الثلاث الأخيرة، منع تخلق قيادة ثورية للشعب، تحل محله، بحجة أنه الممثل الشرعي لشعب سورية، على الرغم من أن شرعيته كانت وبقيت خارجية، ولم تغدو يوما شرعية داخلية/ وطنية، تقوم على إدارة القضية السورية بالنجاح المطلوب لانتصارها، بل تآكلت حتى غدا تآكلها تاما على وجه التقريب، في ظل عجز قياداته المتعاقبة عن أداء المهام التي تنجزها عادة قيادة ثورية للشعب والوطن.

ليست مهمة رياض سيف وفريقه سهلة، وليست، في الوقت نفسه، مستحيلة. وليس رفض الشعب الائتلاف حقيقة نهائية، لا يمكن التعامل معها وتغييرها، بل إن الفراغ الذي يسود الساحة السياسية يمكن أن يكون عاملا يساعد قيادة الائتلاف على إخراجه من عنق الزجاجة الحالي، في ظل عدم تخلق بديل له خلال سنوات الثورة الماضية، ودور الفراغ القيادي في تحريض حاجة الثورة إلى قيادة، يرجّح أن يدفع العمل الجدّي والصادق إلى إيجادها بقطاعاتٍ شعبية واسعة للالتفاف حولها، في حال بادرت حقا إلى معالجة الأسباب التي عزلت الائتلاف عن السوريات والسوريين، وأولها تناقض بنيته وآليات عمله وسياساته، مع ما تحتاج إليه ثورة لم تستمر بفضله، بل بقوة ما قدمه الشعب من تضحيات، وعاناه من تنكيلٍ وتهجير وقتل، بينما تصرف الائتلاف خلال سنوات الحسم، كما تتصرّف جهة تستمتع بمشاهد الموت، ولا تكترث لما يجري، لم تستطع يوما تغطية القضايا الرئيسة ومعالجتها، وهي القضايا التي أثارتها الثورة، أو طرحتها على نفسها وعلى الائتلاف الذي بدا كأنه تعمد أن ينأى بنفسه عنها.

أعتقد أن الخطوة الأولى التي لا بد أن تبدأ رئاسة الائتلاف بها وضع خطط وبرامج لا بد أن تكون لها الأولوية على أي شيء عداها، ما دام سيتم في ضوئها تطوير بنية وآليات عمل وسياسات الائتلاف وتغييرها، وتحديد مراكز ثقل العمل الوطني الديمقراطي، والجهة التي سيستند إليها، وسيستمد وجوده وقواه منها، وهل هي الخارج الذي لطالما انتظر المجلس الوطني والائتلاف قيامه بما توهما أنه سينجزه: إسقاط النظام وتسليم السلطة لأحدهما، أم الداخل، الذي لطالما أهملاه واستهانا بدوره، على الرغم من أن الثورة لم تستمر بفضل أعمالهما وخططهما ومؤهلات قياداتهما، بل لسببٍ وحيد، هو التضحيات التي بذلها الشعب، من دون أن تكون لديه قيادة تستحق اسمها، إلا إذا اعتبرنا شطّار (وعيّاري) معظم الفرق السياسية العاجزة والمتصارعة والتنظيمات المسلحة المتقاتلة، المحكومة بعشوائية ومزاجية أمراء حرب وتجار دم، قيادةً ثورية، وتجاهلنا رغبة هؤلاء في ردّنا إلى العصر الحجري باسم الدين، وما أملته نصرته المزعومة من عسكرةٍ لم توفّر أحدا، ألغت السياسة، وأبسط التدابير والأفكار العقلانية، وأبطلت أي دور لحامل الثورة الحقيقي: شعب سورية الذي لم يقصّر أنصارها في البطش به، وفي إطالة عمر نظام الظلم الأسدي.

أما الخطوة الثانية، فلا بد أن تكون إعادة النظر في علاقات الائتلاف مع مختلف فئات الشعب، في كل مكان توجد فيه، وإلا فإنه لن يكون هناك أي معنىً للمطالبة بتطبيق خطط وبرامج عملية على واقع الشعب السوري وثورته في وضعهما الحالي الذي صاغته سنواتٌ من تضحيات الناس، وافتقار من تصدّوا لقيادة العمل السياسي والعسكري إلى عملٍ ثوريٍّ مبرمج ومنظم، ساده الانقسام، وهيمنت عليه خلافاتها ورهاناتها المتناقضة التي أتبعتها بجهاتٍ خارجيةٍ متضاربة الإرادات، ومنحت النظام هوامش عمل واسعة، لعبت دورا مهما في نجاته. أليس من المنطقي أن يطالب الائتلاف مختلف أوساط المعارضة والثورة بالموافقة على برنامجه وخططه، في مقابل منحها دورا وازنا في أعماله وقراراته، تمهيدا لتوحيد النخب والفئات المجتمعية التي تنتمي إليها، ولا بد من الإفادة من علاقاتها ووطنيتها في بناء علاقات وطيدة وفاعلة وتبادلية مع القاع المجتمعي السوري في جميع أماكن وجوده، داخل سورية وخارجها، في إطارٍ يجعل من قيادة الائتلاف قيادةً للشعب وتنظيماته، على أن تتم الاستعانة بعلاقاته مع المجتمع السوري، في الضغط من أجل دمج المجالين، السياسي والعسكري، المعادة هيكلتهما، تحت قيادة وطنية الهوية والدور، تقدم أنموذجا من العمل العام، يتفوق ثوريا وأخلاقيا ومدنيا على أنموذج النظام، الأمر الذي يحتم القضاء التام على ممارسات أي طرفٍ تشبه ممارسات النظام، إنقاذا لأخلاقيات الثورة وقيمها.

هل ستستقيم الأمور من دون علاقات مصارحة شفافة وتفاعلية إلى أبعد حد مع السوريين، إناثا وذكورا، تتبناها قيادة الائتلاف، وتعبر من خلالها عن إيمانها بأن الشعب السوري، أي الداخل، هو مرجعيتها ومصدر شرعيتها، وأنها تلتزم بالعودة إليه في كل أمر، من خلال تقنيات عمل وتواصل سياسية، تتفق والمستجدات التي أنتجها الشعب، بفضل حراكه الثوري/ السلمي، وصموده الأسطوري ضد إرهاب الأسدية والغزو الروسي والإيراني، فلا تعمل بالخفاء عن ممثليه وجماهيره، وتتفاعل بأعلى درجةٍ من الإيجابية مع أنشطته المتباينة، وتتعاون معه في الرد على ما يطرحه الصراع مع الأعداء من أسئلة، ومن تحديات ومخاطر، بحيث يكون الائتلاف حاضرا معه في حله وترحاله، وينخرط عبر مؤسساته في حياته اليومية، ويقيم حوارا دائما ومفتوحا معه، بصفته السلطة البديلة المسؤولة عنه، التي تقود صراعه ضد السلطة الأسدية، وتعبر عن مواقفه ومصالحه، وتعمل بنزاهة لخدمته، مباشرةً أو عبر ممثلين له، يعملون في أماكن وجوده وعيشه، أو أدواته التنفيذية، وخصوصا منها حكومته المؤقتة، ومنظمات المجتمع المدني التي تخدم السوريين. هل من الضروري لفت نظر رئيس الائتلاف إلى أنه لا يمثل من انتخبوه في هيئته العامة، بل يمثل السوريين جميعا، وإن عليه التصرّف، بدلالة دوره هذا ومتطلباته؟

هل ستتمكن قيادة الائتلاف الجديدة من وضع هذا البرنامج وتنفيذه؟ أعتقد أنها تستطيع الإفادة من قدرات السوريين الهائلة، وخبراتهم الكبيرة في شتى المجالات، لوضع خطط وبرامج تنفيذية وطنية الطابع، تعتمد ممارساتٍ يتطلبها تطبيقه بنجاح، فإن دعت إلى لقاء وطني وأدارته كلقاء عمل، وكان تمثيله معبّرا عن القوى السورية الفاعلة التي يدعوها إلى الانخراط في مؤسساتٍ مشتركة، تمثل قطاعات من الشعب، وتعينه على تحقيق مشاريعه، وتوطيد علاقاته مع الشعب، يصير إنجاز هذا البرنامج مرجحا، مهما كانت الصعوبات.
يتركّز دور الائتلاف اليوم على العجز عن قيادة الثورة، ومنع تخلق بديل له، يتولى هذه القيادة. هذا الحال لن يدوم.

أخيرا، كنت قد قدّمت شخصيا أوراقا متعدّدة لإصلاح بنيوي للعمل الوطني وللائتلاف، أنصح قيادته الجديدة بإلقاء نظرة عليها، فربما وجدت فيها ما يفيد مشروعها الذي أعلنه رئيسها رياض سيف، ويتقاطع، في بعض فقراته التقنية، مع ما جاء فيها.

اقرأ المزيد
١٧ مايو ٢٠١٧
في السباق إلى الحدود العراقية… من يصل أولاً الأسد أم ترامب؟

لعل العنوان الراهن في الصراعات الأممية هو: دونالد ترامب يتخبّط في سياسته الداخلية ويتسابق مع بشار الاسد للوصول الى الحدود العراقية.

في أمريكا أقدم ترامب، عشيةَ زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لواشنطن، على إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي. هل ثمة علاقة بين إقالة كومي وزيارة لافروف؟ ليس بالضرورة. الأرجح ان السبب الرئيس هو قيام كومي بمطالبة وزارة العدل الأمريكية بتزويده وسائل وتسهيلات أفعل لتوسيع تحقيقاته في اتصالات مشبوهة جرت بين اركان فريق ترامب وروسيا قبل معركة الرئاسة الأمريكية بقصد دعمه في وجه منافسته هيلاري كلينتون.

صحيح ان كومي طلب، قبل 11 يوماً من بدء انتخابات الرئاسة، التوسع في التحقيقات حول استعمال هيلاري كلينتون لموقعها الالكتروني الخاص بعيداً من وزارة الخارجية اثناء توليها مسؤوليتها ما أدّى الى تقليص مؤيديها، لكن كومي لم يتقاعس أيضاً في تحقيقاته الجارية لمعرفة طبيعة الاتصالات التي اجراها اركان حملة ترامب مع روسيا وما اذا كانت اساءت الى الأمن القومي الأمريكي.

بإختصار ، كومي كان متوازناً في عمله. الخوف من تحقيقات كومي واحتمال ان تتوصل الى حقائق من شأنها الإساءة الى ترامب ومكانته وسلطته بعدما اصبح رئيساً هو، على الأرجح، السبب الذي حمل الرئيس الأمريكي على إقالة كومي كونه المشرف الاول على التحقيقات التي تمسّ جماعته وذلك لقطع الطريق على ما يمكن ان تتوصّل اليه من حقائق وتفادياً لكشفها على الملأ. الضجة التي اثارتها إقالة كومي وملابساتها لم تمنع ترامب، رغم تخبّطه المتواصل في قضاياه الداخلية، من محاولة إقناع ضيفه لافروف بأن تقوم روسيا «بكبح جماح ايران وسوريا». اين؟ في سوريا نفسها، كما في العراق وسائر انحاء الاقليم.

كبحُ جماح ايران وسوريا يعني، في الواقع، منع جيش الاسد وحلفائه من استعادة محافظة دير الزور من «داعش»، كما منع الجيش السوري وحلفائه من التوجّه الى الحدود مع العراق لتحريرها من «داعش» وضمان إقامة تواصل جغرافي آمن بين البلدين وتالياً مع ايران.
بكلام آخر، ثمة سباق بين الأسد وترامب على من يصل أولاً الى الحدود مع العراق. ترامب يريد ان يصل اولاً لمنع فتح الحدود بين البلدين تفادياً لترسيخ التعاون بينهما في محاربة «داعش»، ولمحاولة إقامة كيان إسفين بينهما يحول دون تواصلهما الجغرافي مع ايران، بينما يريد الأسد، بدعم سخي من ايران وروسيا، تحرير مناطق الحدود بين البلدين تعزيزاً لأواصر التحالف والتعاون بين القوى التي تشكّل محور المقاومة: سوريا وايران وحزب الله وتنظيمات المقاومة الفلسطينية.

يضاف إلى ذلك، أن ترامب لا يكتفي بمجابهة ايران ومحور المقاومة في بلاد الشام بل يريد ايضاً تعزيز المحور المضاد، «محور المحافظة»، الذي تتزعمه السعودية ويضم الاردن وبعض دول الخليج ويتطلع الى ضم دول إسلامية اخرى في آسيا وافريقيا. في هذا السياق، يعتزم ترامب زيارة السعودية، مفتتحاً نشاطه السياسي الخارجي بزيارة عالم الإسلام، تماماً كما فعل سلفه باراك أوباما الذي افتتح نشاطه الخارجي بزيارة تركيا ثم مصر.

ليس من شك أن عالم الإسلام يضجّ في الحاضر والأرجح في المستقبل المنظور أيضاً، بأكثر قضايا العالم المعاصر حساسيةً واهميةً. ولئن كان ترامب منغمساً وبالتالي منشغلاً بقضاياه ومتاعبه الداخلية، فإنه يجد نفسه مضطراً الى إعطاء قضايا عالم الإسلام اولوية في سياسته الخارجية. مردُّ ذلك إلى أسباب عدة، جيوسياسية واقتصادية.

فروسيا التي نهضت من كبوتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عادت إلى منافسة الولايات المتحدة على مسرح السياسة الدولية وأخذت تنكر عليها وحدانيتها القطبية وتزاحمها على الموارد والأسواق. تجلّى ذلك في تدخلها السافر في أوكرانيا ودورها المحوري في الحرب الدائرة في سوريا وعليها. أما «اسرائيل» التي تعتبرها واشنطن جزءاً من الأمن القومي الأمريكي، فتنشط اقليمياً على نحوٍ يؤثر في مصالح دول الاقليم المتحالفة مع أمريكا ما يستدعي مراعاتها ودعمها في حمأة الصراع مع اعدائها.

ثم ان صعود ايران، سياسياً وعسكرياً، وتأثيرها المباشر في جوارها الجيوسياسي الممتد من شواطئ بحر قزوين شمالاً الى شواطئ البحر المتوسط جنوباً، يحمل الولايات المتحدة على التحرك لدعم حلفائها الإقليميين، ولا سيما «اسرائيل» ودول الخليج، التي ترى في ايران تهديداً لمصالحها ونفوذها وحتى لكياناتها السياسية.

وفي هذا السياق، تتعاطف واشنطن مع قيام «محور المحافظة» بقيادة السعودية للحفاظ على مصالح حلفائها الإقليميين من جهة ولمساعدتها في مجابهة ايران من جهة اخرى. ولذلك تتزامن زيارة ترامب المقبلة للسعودية مع مبادرة الرياض الى تعزيز «محور المحافظة» بالدعوة الى عقد قمة في 21 الشهر الجاري تجمع دولاً عربية وأخرى اسلامية في آسيا وافريقيا هدفها الرئيس تنسيق الجهود مع الولايات المتحدة لمجابهة إيران ونشاطها ونفوذها المتوسع في العراق وسوريا واليمن.

في سعيه لكبح سوريا ومنعها من الوصول قبله الى حدودها مع العراق، قام ترامب بتدبيرين لافتين: الاول تزويد «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية بمزيد من الاسلحة النوعية الثقيلة بدعوى مساعدتها على محاربة «داعش» واقتلاعه من الرقة، والثاني تسليط الاضواء على مناورات «الاسد المتأهب» في الاردن على مقربة من الحدود مع سوريا بقصد الإيحاء باحتمال تدخلها عبر قوات مؤلفة من عناصر وعشائر مناوئة لـِ»داعش» بقصد الاندفاع باتجاه موقع التنف الحدودي العراقي ومن ثم التوجّه الى محافظة دير الزور للالتقاء مع قوات الاكراد السوريين الموالين لها وإحكام السيطرة تالياً على مناطق الحدود بين سوريا والعراق.

موسكو اخذت علماً خلال زيارة لافروف لواشنطن بكل ما ينتوي الأمريكيون فعله وما لا يستطيعون في سوريا، وردّت بأن عززت دعم سوريا سياسياً عسكرياً، ومثلها فعلت طهران ما يؤكد تقدير بعض الخبراء الاستراتيجيين بأن موازين القوى في سوريا أخذت تميل نحو محور المقاومة، وان آخر الأدلة اتصال وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي بلافروف ليؤكد له ان بلاده لا تريد منظمات ارهابية ولا ميليشيات مذهبية على حدودها، وان وقف القتال يجب ان يكون اولوية، وانها «تدعم حلاً يحفظ وحدة تراب سوريا وتماسكها واستقلالية قرارها».

اقرأ المزيد
١٧ مايو ٢٠١٧
هل هي ضربة استباقية روسية؟

تتموضع خطة روسيا في سورية بشأن البقاء في دائرة الحل، حتى عندما يكون أميركياً، بالقفز إلى الأمام لاستباق أي مبادرةٍ من إدارة الرئيس دونالد ترامب، قد تؤدي إلى تقليم أظافر إيران أو النظام أو حتى أظافرها. ولا تحاول موسكو في ذلك التشبث بكامل وجودها في سورية، بقدر ما تتمسك بدورٍ محوري، ومداور، ينزع عنها صفة الحماية المطلقة للنظام، ويوفر لها غطاءً لخطة تحجيم دور إيران في المنطقة، امتثالاً لرغبتها المضمرة من جهة، والرغبة الدولية التي تتزّعمها إسرائيل صراحةً من جهة ثانية.

وتأتي اتفاقية "مناطق خفض التوتر"، في المناطق السورية المتفق عليها في أستانة 4، ووقعت عليها ما سميت الدول الضامنة (روسيا، إيران، تركيا)، تفسيراً روسياً لما أعدّته الإدارة الأميركية في يناير/ كانون الثاني 2017، استجابة للرئيس الأميركي ترامب الذي طلب من وزارتي الدفاع والخارجية وضع خطةٍ لإنشاء مناطق آمنة داخل سورية، وفي دول الجوار في غضون 90 يوماً. فهذا التوجه الذي جاء لحماية الولايات المتحدة من "إرهاب الأجانب"، كما جاء في تعليل الخبر الأميركي، وقتها، يتوافق بل ينسجم مع كثيرٍ من رغبات الدول الأوروبية التي ضغطت موجات اللجوء السورية على برامجها الخدمية، وأفقدت مرشحين أوروبيين أصواتهم الانتخابية.

ويأتي الحماس الإيراني للخطة، على الرغم من الإعلان الروسي المباشر أنها سوف تؤدي إلى خروج مليشيات إيرانية من سورية، بمثابة خط دفاع إعلامي، يبرّر اضطرار إيران لإعادة انتشارها سورياً وعراقياً أيضاً، تنفيذا لرغبة إسرائيل وأميركا وحلفائها في الخليج العربي، وقد بدت ملامحها جديةً على الأرض، بعد ازدياد الحضور العسكري الأميركي في شمال وشرق سورية والموصل، لقطع أوصال التمدّد الإيراني من جهة، ومحاصرة ما سميت الدولة الإسلامية (داعش) من جهة ثانية.

هكذا يبدو نص الاتفاق الذي أعلن عنه في أستانة 4 مايو/ أيار الجاري، وحاولت روسيا كسب شرعيةٍ له عبر مجلس الأمن، لضمان تنفيذ خطتها، وعرقلة ما يمكن أن ينتج عن تنفيذ المناطق الآمنة التي أرادتها الإدارة الأميركية، والذي انجرت إيران مرغمة إليه، وتقاطعت مصالح تركيا. هدفه ليس عرقلة الحل السياسي، أو الاستعاضة عنه بتقسيم سورية، حسب مناطق نفوذ الدول الضامنة، أو اعتباره بديلا عن مفاوضات جنيف، وإنما هو بمثابة محاولةٍ روسية للعودة إلى طاولة مفاوضات، تفرد عليها موسكو كامل الملفات، من إعادة الإعمار في سورية إلى طريق الغاز وأسعار النفط، إلى التفاوض حول الدرع الصاروخية، والمسألة الأوكرانية، والعقوبات التكنولوجية، ليتم تبادلها مع الملف السوري، لإعادة ترتيب العلاقات الروسية الأميركية، ولاحقا أو ضمناً العلاقات مع أوروبا المستفزة روسياً، والمتجاوزة أزمة "اليمين الحاكم"، بإبعاده عن حكم فرنسا، واستعادة الدور الفرنسي في شد أواصر الوحدة الأوروبية، والتي لن تتنازل عن حصتها في الشرق الأوسط الجديد.

على الضفة الثانية، وبينما لقي الاتفاق ترحيب النظام، لأنه، حسب النداء الخامس لمجموعة العمل الوطني الديمقراطي (تضم شخصيات معارضة سورية وفلسطينية، منهم ميشيل كيلو وأنور بدر وزكريا السقال وماجد كيالي، وآخرون من القوى الشبابية)، والتي سارعت إلى إعلان رأيها في الاتفاق الذي شارك بحضوره الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الصامت عنه، وحذّرت الهيئة العليا للتفاوض، في بيان دبلوماسي، من مضمونه، فإن هذا الاتفاق، حسب النداء، لم يتضمن أي تعهدٍ بتطبيق القرارات الدولية ذات الشأن حول سورية، فالمناطق تبدو كأنها لتقطيع سورية إلى جغرافيات، يحكم مناطقها الأربع ضامنوها، بينما تحكم روسيا وإيران، بالتعاون مع النظام، المناطق الأخرى التي ستعتبر قضاياها في حكم المحلولة، وليست خاضعةً لقرارات دولية واجبة التنفيذ، معتبرين ذلك ترسيخا لحكم النظام وسياساته المستمرة في تهجير السوريين.

واعتبرت مجموعة العمل الوطني الديمقراطي المعارضة أن ما يجب فعله عملياً هو: توقف الدولتين الضامنتين، روسيا وإيران، عن قصف السوريين، بدلاً من تقطيع أوصال سورية وتقاسم النفوذ على أراضيها، معتبرين أن أي حلٍّ سياسيٍّ، ينبغي أن يشمل كل المناطق، وكل الأعمال القتالية، وهو ما يعطي المصداقية لأي دولةٍ راغبةٍ منهما في إيجاد حل للصراع في سورية. ولم يخف بيان المجموعة أن خروج المعارضة من أي دورٍ في هذه الاتفاقيات التي تبحث في حل الصراع سببه واقع المعارضة المشتتة والمرتهنة، بشقيها العسكري والمدني، داعية إلى الإسراع في عقد مؤتمر وطني تأسيسي، لإجراء مراجعةٍ نقديةٍ مسؤولة، والتوافق على بناء كيان وطني جامع للسوريين، وإعادة الاعتبار للأهداف التي قامت من أجلها الثورة السورية.

اقرأ المزيد
١٧ مايو ٢٠١٧
شعارات النظام الأسدي ودلالاتها

لا شك أن لكل نظام سياسي شعاراته التي تفصح عن طبيعته، وماهية نظرية حكمه، منها من يلتزم بها، ومنها من يجعل منها سراباً بعيداً يظن الناظر إليها أنها ماء. فالثورة الفرنسية مثلاً حين قامت اتخذت شعار «حرية، مساواة، أخوة » الشعارات الثلاثية ذات جذور فرعونية، إزيزيس، اوزوريس، حورس، ويعتقد أن فرنسا التي وضعت هذا الشعار الثلاثي استندت ايضاً إلى ثلاثي ديني: الأب والابن والروح القدس ـ ووضعت الحرية كأولوية تقوم عليها الجمهورية الوليدة بعد سقوط الملكية، لأنها الركيزة الأساسية في الأنظمة الديمقراطية.

وقد تبنى ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث هذه الثلاثية في الشعار، فوضع شعار الحزب من ثلاثية: «وحدة، حرية، اشتراكية» فأولى الأولية لوحدة الشعب قبل أن ينال حريته، ووضعه على طريق الاشتراكية التي كانت «موضة العصر آنذاك». وقد ألحق هذا الشعار بشعار آخر اكثر عمومية: «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» ويعني به أن العرب أمة واحدة من المحيط إلى الخليج، وأنهم حاملون لرسالة الإسلام الخالدة.

وهذا الشعار القومي بامتياز أغفل كل القوميات الأخرى التي تعج بها البلاد العربية، من أكراد وتركمان وشركس وأمازيغ،… ودينياً هناك إغفال ايضاً للديانات الاخرى، المسيحية واليهودية وسواهما.

ومنذ الانقلاب البعثي في سوريا في العام 1963 ولغاية انقلاب حافظ الأسد في العام 1970 لم ينعم الشعب السوري بتطبيق أي من هذين الشعارين، حافظ الأسد الذي ورث الحزب وجد فيه خير مطية لتركيز دعائم حكمه فظل الشعاران سراباً، ففي عهده بدأ تطويف الجيش السوري وكل مرافق الدولة بسياسة طائفية «علوية» تفرز وتستبعد السنة، وتتقرب من بعض المكونات الأخرى للوقوف في وجه اكثرية مسلمة، فتحولت إلى بناء سجون ومعتقلات في كل انحاء سوريا، وارتكاب المجازر بحق المساجين (مجزرة سجن تدمر في العام 1980) وإنشاء اجهزة ومراكز أمنية وجيش من الشبيحة والمخبرين يتتبعون كل شاردة وواردة، حتى بات الأخ يشك في أخيه. وارتكاب مجازر جماعية ترقى الى مستوى جرائم حرب (حماة 1982) السيطرة التامة على وسائل الاعلام والتعبير التي لا تبث سوى خطاب السلطة، وما يخص الاشتراكية فكانت مجرد كلمة تخفي وراءها عمليات فساد لم تشهدها سوريا من قبل (عائدات النفط السوري مثلاً لم تكن تدخل في الميزانية السورية ولا أحد يعلم أين تذهب هذه الأموال ولا يتجرأ ان يسأل حتى وزير الاقتصاد نفسه).

أما فيما يخص الشعار الثاني فإن نظام الأسد الأب جعل من سوريا دولة تعادي معظم الدول العربية، دفع بالجيش السوري إلى لبنان في العام 1976 (بتفويض من الجامعة العربية، وكان هذا خطأ جسيماً من الجامعة التي أدخلت الدب إلى الكرم ثم لم تتمكن من إخراجه حتى تبنت الأمم المتحدة القرار 1559 بعد ثلاثين عاماً وطرد الجيش السوري ذليلاً من لبنان) بحجة طرد الجيش الاسرائيلي من لبنان، وضرب حزب الكتائب، وتطبيع الوجود الفلسطيني، وإنهاء الحرب اللبنانية، فإذا بالجيش السوري يتعامل مع اللبنانيين كمحتل، ويضرب الفلسطينيين في تل الزعتر، ويُتهم باغتيال كمال جنبلاط الى جانب سلسلة طويلة اخرى من الاغتيالات السياسية، ويفقر البلد اقتصادياً بعد استغلالها، ثم يقف في وجه مصر بعد كامب ديفيد في ما سمي بجبهة الصمود والتصدي، والوقوف فيما بعد الى جانب ايران ضد العراق في حرب الثمانينات، والى جانب امريكا ضده في عاصفة الصحراء.

شعار آخر أطلقه الأسد كي يحافظ على قانون الطوارئ المطبق في سوريا منذ العام 1963 هو شعار «التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل» ففي ظاهره أن سوريا تحضر نفسها عسكريًا لتكون موازية في القوة لإسرائيل لتكون قوة رادعة لأي اعتداء، وربما التحضير لهجوم لاستعادة الجولان على أقل تقديرـ وليس تحرير فلسطين من الماء الى الماء كما كان يوهم البعض ـ فإذا بالجبهة السورية تتحول الى الجبهة الأكثر أماناً منذ أكثر من اربعة عقود، واتضح ان اتفاقاً ضمنياً بين الطرفين بالحفاظ على النظام مقابل عدم فتح جبهة الجولان (وهذا ما نوه إليه رامي مخلوف في قوله إن أمن سوريا من أمن إسرائيل في بداية الثورة السورية).

ثم طالعنا الأسد الكبير بشعار آخر: «الأسد إلى الأبد» واعتقد السوريون على خطأ أن ما يعنيه هو حكم الأسد مدى الحياة، ومنوا النفس بأن يتخلصوا خلال أقصر مدة ممكنة من حكم ديكتاتوري طائفي يعد عليهم أنفاسهم، لكنهم اكتشفوا أن الآخر يتعلق بعهد أسدي أي تأسيس جمهورية توارثية على الطريقة الكورية الشمالية، ووجدوا أن «بابا حافظ» يحضر ابنه باسل لخلافته، لكن القدر كانت له حسابات أخرى، وبعد موت حافظ تم اختيار «الدكتور» بشار الذي تفاءل الشعب السوري به خيراً وانطلقت حملات «منحبك» وانبرى «المحبكجية» بترويج هذا الشعار الجديد بالصورة الضاحكة لجزار سوريا المستقبل، مع اندلاع الثورة السورية في العام 2011 ورغم زج الجيش والشبيحة، والمخابرات، والمأجورين، في حرب همجية ضد المتظاهرين العزل فشل بشار في قمع الثورة، وشعر أن نظامه بدأ يهتز، فخرج في خطاب أمام برلمان المصفقين المنافقين بشعار جديد: «الأرض لمن يدافع عنها وليس لساكنيها» حتى أن أحد النواب الحاضرين قال له ممتناً ومعجباً بهذه الشخصية الفذة التي لم تلدها امرأة: «سيادة الرئيس يجب أن تحكم العالم فسوريا صغيرة عليك» وتبين أن هذا الشعار لم يقل عن عبث بل أن هناك مخططاً لجلب المرتزقة بجميع أصنافهم مع الروس والايرانيين كي يطردوا سكان المدن المنتفضة وإحلال سكان من جاؤوا من وراء الحدود ليحتلوا أراضيهم ومنازلهم ويهجروا ويصبحوا لاجئين في كل انحاء العالم، ورافق هذا الشعار شعار آخر: «الأسد أو نحرق البلد» وهذا القول لم يكن تهديداً بل كان واقعاً فقد أحرق البلد، وشرد أهلها، وخنق أطفالها بالكيميائي، وشنق المعتقلين وقتلهم تحت التعذيب، ولم يُبقِ في سوريا حجراً يستند على حجر، كي يبقى وفياً لشعار بابا حافظ «الأسد إلى الأبد».

اقرأ المزيد
١٦ مايو ٢٠١٧
إدلب ليست تورابورا

تحرص العديد من الوسائل الإعلامية على تصوير محافظة إدلب بصورة خبيثة، ووصفها بمنطقة “توحش” تغوّلت فيها الفصائل وحوّلتها إلى غابة لا يحكمها قانون، وتفوح من أرجائها رائحة الجثث المتفسخة التي أزكمت أنوف متابعي وسائل التواصل حول العالم، وحوّلت المنطقة في نظر الكثيرين إلى سجن كبير لن ينجوَ منه أحد.

أفلام تعرض، وتقارير تكتب، ومقالات تنتشر في عدة وسائل إعلامية، تُشبّه مدينة إدلب بـ “تورا بورا” أو “بالرقة” وكأنها تحت سيطرة داعش؛ التي تمارس أسوأ الانتهاكات بحق المدنيين والإعلاميين والصحفيين.

تحاول الكثير من القنوات حمل لواء محاربة التطرف بأي ثمن؛ لكسب ثقة الداعم وحصد المزيد من الأموال على حساب الشعب السوري المنهك، فتذهب لاختلاس الصور بكاميراتها على أنها صور مسربة من داخل محافظة إدلب، رغم أن شبكات التغطية التركية تمتد من الشمال على الحدود التركية إلى ريف حماة الشمالي وتتوفر أحدث أجهزة الهواتف بيد الكثيرين من المواطنين، وتنتشر الكاميرات الرقمية بكثرة ويمكن لأي شخص البث مباشرة من أي نقطة في الداخل السوري.

تحاول تقارير تلك القنوات تصوير “جبهة النصرة” أي القاعدة على أنها تحتكر الساحة، وتفرض هيمنتها على جميع الفصائل الثورية، كما حرصت تلك القنوات سابقاً على تصوير القاعدة بأنها تتفرد بقتال نظام بشار الأسد دون سواها كما ظهر ذلك واضحاً في معركتي حلب وحماة الأخيرتين.

تسقط تلك القنوات مرة أخرى في فخ تقمص نظرية النظام وترويج ما يدعيه من بداية الثورة؛ بأنه لا يقاتل شعبه بل يقاتل  تنظيمات إرهابية وتكفيرية أجنبية مهاجرة، بينما يتكلف النظام لإثبات تلك النظرية بكل الوسائل المتاحة له، تقدم تلك القنوات المحسوبة على الثورة خدماتها المجانية، وتحاول نقل الصورة أسوأ سيناريو ممكن لتتصدر قوائم الدعم المخصص لمشاريع مكافحة الإرهاب الدسمة.

إن إنكار الأخطاء التي ترتكبها الفصائل في المناطق المحررة ضرب من الجنون وغير منطقي لمن يريد الحياد أو الموضوعية، لكن محاولة شيطنة المنطقة برمتها هي أكبر هدية تقدم لنظام بشار الأسد والمليشيات الشيعية والكردية التي تعزف على هذا الوتر لتتلقى الدعم وتجتاح المنطقة بغطاء جوي روسي أو أمريكي، وتحول إدلب لرقة سورية ثانية وخاصة بعد أن حشر فيها كل المعارضين من المناطق الأخرى.

اقرأ المزيد
١٦ مايو ٢٠١٧
بشار الكيماوي وقمقم اليسار

في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، صرّح نيرون سورية الثكلى بأنّ الأطفال الذين قضوا نحبهم في فاجعة استخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون هم "بالفعل أطفال ممثلون يتظاهرون بأنهم موتى"، وذلك في سياق مجادلته بأنّ "كل ما حدث هو من اختلاق الغرب لأجل تبرير قصف قاعدة طيران النظام السوري في الشريعات". وهذا خطابٌ متوقع من طاغيةٍ لا يرى في أبناء شعبه سوى حفنةٍ من الأغيار الذين لا مقام لهم في وطنهم إلا عبيداً وأقناناً من دون أصفاد ظاهرة. وهو، في الوقت نفسه، خطاب مثير للحسرة على ما آل إليه خطاب اليسار، على المستويين، العربي والعالمي، في توصيفه الكارثة السورية عموماً، ومجزرة خان شيخون الكيميائية خصوصاً؛ معبراً عن نفسه عبر الصحف ووسائل الإعلام المحسوبة على ذلك التيار، سواء من خلال ما يقوله ويكتبه المشاركون فيها ضمن سياق ترديدهم الببغائي التبريري قول الطاغية السوري جهاراً أو مواربةً. وقد يكون توصيف الصحافي الطليعي، آلان نيرن، الخارج عن السرب الأكثر دقةً في اختزال أزمة المقاربة اليسارية الغربية، حين قال "من غير المنطقي الدخول في مماحكات ومساجلات بشأن من الذي أباد الأطفال والمدنيين في خان شيخون، وتضييع مسألة الإبادة الجماعية في سورية بتلك السجالات التقنية، فالإبادة الجماعية حاصلة يومياً في سورية بالبراميل المتفجرة، والدبابات، والمدفعية الثقيلة، والتعذيب في سجون النظام؛ وكلها وسائل للإبادة الجماعية لا تختلف عن الأسلحة الكيميائية، إلا بشكل الأداة المستخدمة في عملية الإبادة، من دون أن تختلف في نتائجها عن الأدوات الأخرى شيئاً".

قلما تجد نظيرا لنسق هذا التحليل الثاقب في المنافذ الإعلامية المحسوبة على اليسار في الغرب، والتي حشرت أفق تحليلها ونقاشها الكارثة السورية في إطار "تحديد المسؤول عن مجزرة خان شيخون: هل هو النظام السوري فعلاً أم جهة أخرى"، بالتوازي مع أسئلة مرتبطة بمدى "قانونية استخدام الولايات المتحدة صواريخها لقصف قاعدة الشعيرات، وهل هو مخالفة للقانون الدولي". وعلى المستوى العربي عموماً، والسوري خصوصاً، فإنّ هناك عسر هضم مزمناً لدى التيارات السياسية والفكرية المنخرطة ضمن مظلة طيف اليسار، سواء من ذلك الماركسي بشكله السوفييتي اللينيني، أو الإثني الأقلّوي المتلبس بلبوس ماركسي ستاليني على شاكلة حزب العمال الكردستاني وإصداراته المتعدّدة، أو حتى ذلك القومي، بشقيه الناصري والبعثي المعارض بطبعاتهما المختلفة، لحقيقة إيغال النظام السوري في تزييف صورته في ذهنية أولئك الأخيرين، ممانعاً مناهضاً المشروع الصهيوني، وعلمانياً مقاوماً التطرّف الديني.

وقد يستقيم توصيف المفكر الطليعي، جون سميث، في كتابه الجديد "الإمبريالية في القرن الواحد والعشرين" ذلك الموشور اليساري، المشروخ بنيوياً عندما يتعلق الموضوع بتحليل الأزمة السورية، انطلاقاً من ثوابت تاريخية مضمرة غير معلنة، متعلقة "برياء كل التيارات اليسارية الغربية" عندما يتعلق الموضوع بأحقية المظلومين في العالم الثالث بالحصول على الحقوق نفسها التي ترى الطبقة العاملة في الغرب أنها من مسلمات حقوقها في المجتمعات المتحضرة، أو حتى من "حقوق الإنسان البديهية" التي أسست لمبادئها الثورة الفرنسية في العالم الغربي؛ من دون أن ننسى أن مبادئ الثورة الأخيرة نفسها هي التي جلبت قائد موجتها الثانية نابليون بونابرت ليحتل أرض مصر، وقادت الفرنسيين أنفسهم إلى إبادة جماعية في الجزائر وبلاد الشام لم تثر مفارقة في وعي اليسار الغربي، بشكل فعلي ملموس، كما تشي مراجعة المؤرخ الموسوعي، جون ماك هوغو، في كتابه "تاريخ مقتضب عن العرب"، ومراجعته لسياسات الاستعمار الغربي في سورية في مطلع القرن العشرين ضمن كتابه الجديد "سورية.. تاريخ معاصر".

وعلى المستوى الداخلي، سورياً وعربياً، لا يستطيع المراقب المتفحص إلا تلمس حالة انفصال شاخص يفقأ العين بين مقولات كل أطياف اليسار العربي وأفعاله، بأشكالها الماركسية والقومية والإثنية الأقلّوية، ومطالب الجماهير العربية في سياق ربيعها الموءود بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهو ما تجلى، بشكل عياني مشخص، في انتظام رهط كبير من لفيف جسم المعارضة الوطنية قبل الثورة السورية في نسق المعارضة البلاغية التنظيرية للنظام، ظاهرياً خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية، والالتحام به عضوياً فيما تلاها من أطوار دموية، والتخلي عن واجبها الحقيقي في توجيه الدفة السياسية للمجتمعات الثائرة، والتي لم يكن لدى كوادرها أي خبرة تنظيمية سياسية في ضوء واقع التصحّر السياسي في سورية، منذ استيلاء البعثيين على سدة الحكم في سورية في 1963، وتركها فريسة لأولئك الخبثاء من ربيبي النظام السوري، وأجهزة مخابراته، وآليات فساده وإفساده الشاملة عمقاً وسطحاً في كل تفاصيل المجتمع السوري، للتصدّر في قيادة الجبهة السياسية للمعارضة السورية بالشكل نفسه الذي تجتاح فيه الجراثيم الخبيثة الجسم المضعف الموهن، عندما تفنى الجراثيم الطبيعية التي تتعايش معه وتدافع عنه ضد تلك الأخيرة، عندما يحل السقم العضال فيه. وهو سلوك نكوصي، يشي بأن كل تلك التشكيلات اليسارية لم تكن ترى في النظام القمعي السوري سوى سبب لوجودها، وأنّ استبداله بنظام آخر ديمقراطي تعدّدي، قد يؤدي بها إلى الاندثار في ضوء معرفتها الحقيقية بضآلة عديد قواعدها التي كان معظمها من الشخصيات الهرمة التي تكونت تاريخياً من دون أن توازيها على مستوى تكوينها الهرمي قواعد حركية فعلية، قادرة على توسيع امتدادها، حينما كانت الفرصة سانحةً لذلك، إبّان الأشهر الأولى من الثورة السورية، فكان الخيار الذرائعي الأكثر سلامةً في ظنها هو الحفاظ على نوعها السياسي، وربط بقائها ببقاء النظام السوري نفسه، وترك عيون الشعب السوري المظلوم لتقاوم المخرز وحدها.

ومن الناحية البنيوية، هناك عطب ذاتي عميق في أُسّ تكوينات طيف اليسار العربي، يتعلق عضوياً بمفهومها الفكري والعقائدي لمبدأي الديمقراطية والحرية، إذ ظلت أدبياتهم تجاهد لتأطير مفهوم الحرية بأنه تحرّر من الاستعمار استقلالاً، ومناهضة (خطابية) للمشروع الصهيوني، واستعارة مكنية لأدلجة النظام السوري وشركاه من الممانعين والمقاومين الخلبيين في تبرير إفناء الكينونة السورية وطناً وشعباً، من دون مقاربة إلا سطحيةً من "باب رفع العتب" عن حرية الإنسان في وطنه من القهر والاستغلال والاستعباد.

كما ظلت مكونات اليسار العربي الهجينة أسيرة عسر نضجها التاريخي الطبيعي الذي يفصح عن نفسه بأن كل عقائدها، بمختلف أشكالها الاشتراكية الشعبوية، أو الماركسية اللينينية، أو القومية العرقية، لم تنم طبيعياً في البيئة الاجتماعية العربية، وإنّما تم استجلابها في مطلع القرن العشرين من منابعها الأوروبية الاشتراكية والفاشية، وتمّ توطينها على عجل بشكل إرادوي قسري قافز فوق شروط التاريخ، فولدت بتكوينات عقائدية عمادها "الهجانة والقصور"، حسب توصيف شيخ المفكرين السوريين، طيب تيزيني، فأصبح القائد الرمز والطليعة الثورية التي تقود الجماهير الكادحة والدولة والمجتمع كيانات تخيلية في واقع هي فيه مافيات حاكمة، ونظم عسكرية أمنية، يرأسها زعيم مخوّل بإدارة شؤون الفساد والإفساد في مجتمعه، وهو ما أدى إلى علاقة حساسية مزمنة بين كل أطياف اليسار العربي المنتظم حزبياً ومبدأ الديمقراطية فكرة ونهجاً سياسياً، ما انعكس في تأبيد قياداتها المترهلة التي ظلت تحاول إخفاء شغفها بأمثولة "الرئيس للأبد"، والتي طالما لم يجد طاغية سورية الممانع ضيراً في إعلانها.

وإلى حين تأصيل فكرتي الديمقراطية والحرية بشكلها الذي يحترم حق الإنسان في الانعتاق من القهر والاستبداد في وطنه، والتعبير عن أحلامه و طموحاته، وتحقيق ذاته من دون قيود مختلقة، بحجة المقاومة الممانعة وتحقيق إرادة الطليعة الثورية، سوف يبقى اليساران، السوري والعربي، أسيري قمقم سرمدي سيد أمره هو بشار الكيماوي، إلى أن يغير أصحاب ذلك الفكر ما بأنفسهم قبل أن يقودهم قطار الفاجعة السورية إلى مزبلة التاريخ.

اقرأ المزيد
١٦ مايو ٢٠١٧
أمين «الائتلاف السوري» وجوازات السفر

في أيار (مايو) 2015 عملت الماكينة الإعلامية المعارضة على الترويج لما سمي حينها «جوازات سفر للسوريين يصدرها الائتلاف»، وتنفس السوريون الصعداء، لإعادة الأمل بحل مشكلتهم التي بدت إلى ما قبل إعلان الائتلاف عقيمة ولا حل لها.

وعلى رغم أن استصدار الائتلاف جوازات السفر وتجديدها لم يكن رخيصاً، (230 دولاراً للجواز غير المستعجل، 430 دولاراً للمستعجل، 100 دولار للتجديد) إلا أن الخبر ذاته كان أشبه بسفينة إنقاذ لشعب يغرق.

أسس الائتلاف مكتباً رئيسياً لاستخراج الجوازات وتجديدها في إسطنبول، ومكتباً آخر في الريحانية، وبدأ العمل على تجديد جوازات سفر واستصدارها، وكان بطل الملحمة السابقة هو السيد نذير الحكيم، الأمين العام الحالي للائتلاف.

بالتأكيد لسنا طموحين إلى الدرجة التي نعتقد فيها أن رئيس الائتلاف وقتها، السيد خالد خوجة، والسيد نذير الحكيم، حامل الجنسية الفرنسية، يمكن أن يعرفا شيئاً عن معنى أن تكون سورياً بلا أوراق ثبوتية وبلا جواز سفر، وبالتالي أن تكون ملاحقاً ومعرضاً للاعتقال في أي بلد تسكنه.

وضعف طموحنا ذاك سببه بالطبع أننا كنا قد بدأنا ندرك الواقع الفعلي البعيد من التنظيرات والبروباغندا السياسة، لكننا، وانطلاقاً من الواقع ذاته، لا نفهم كيف تجرأ هذا الائتلاف والسيد الحكيم على تجاهل كل الكوارث الانسانية التي حدثت بعد «الاحتيال» الذي مورس على السوريين، وبعد استخراج كل تلك الجوازات والتي أدت إلى اعتقال 37 ألف سوري بتهمة تزوير جواز السفر، بعدما تشدق الائتلاف بأن هذا الجواز معترف به في 56 دولة حينها.

الآن، تم انتخاب نذير الحكيم أميناً عاماً للائتلاف قبل أيام قليلة، ولم تكد تمضي 24 ساعة على استحواذه على لقب أمين عام، حتى اتجه سوريون إلى المطالبة بمعاقبته «شخصياً» بوصفه مسؤولاً عن فضيحة جوازات السفر، والتهمة التي وجهها إليه المطالبون والموقعون على العريضة على موقع «أفاز» كانت «الاحتيال»، وتم توجيه الرسالة إلى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية، والدول العربية.

ووفق بيان الحملة فإن الجوازات التي أصدرها مكتب الحكيم في إسطنبول، «تسببت بالملاحقة القانونية لـ37 ألف شخص، ممن حصلوا على جواز سفر.

وعلى رغم فضيحة الجوازات، وتوقيف السوري بعد السوري وسجن بعضهم وملاحقة بعضهم الآخر، ووصول رقم الملاحقين إلى 37 ألف شخص، إلا أن الائتلاف «المتصل بالشعب والمندمج معه» لم يحاول الاعتذار، أو الاعتراف بالخطأ الفادح ومحاولة حل تلك المشكلة، وأكثر من ذلك فإن الحكيم بقي في الائتلاف بمنصب سفير في تركيا، واليوم بات أميناً عاماً.

وإن كان السوريون وصفوه بـ «أبو لصاقة»، فمن الواضح أن الائتلاف لم يسمع بتلك الصفة، ولم يوقع أي من أعضائه على رسالة المطالبة بمحاكمته «عدا حاملي ضغينة شخصية ضده وما أكثر الضغائن في الائتلاف». بكل الأحوال ليست هذه أول ولا آخر مرة يتابع الائتلاف مسيرته غير مبال بما يقول السوريون، فكل نقد له هو «تآمر ضد الثورة»، وكل مديح أو صمت هو «مبايعة إلى الأبد»، وهذا الائتلاف منذ أن كان مجلساً لم يعط الشعب السوري ولا حتى كلمات على اليوتيوب، فهو يعتبر نفسه، بقياداته، الممثل الأوحد والأصدق للسوريين، ومن يقترب من حماه بغمزة، إنما يوهن الإرادة والوحدة الوطنية الثورية، أفلا يحق له إهمال تواقيع حتى مليون سوري؟ لربما يذكرنا هذا بشيء نريد نسيانه من تاريخنا الحديث.

شخصياً لم أكن سعيدة بتبوؤ المعارض العتيق رياض سيف منصب رئيس الائتلاف، ليس لأن سيف ليس الشخص المناسب لترؤس كيان يتكلم باسم المعارضة السورية، وإنما لأن نظافة يد سيف لا تتناسب مع ما وصل إليه «الائتلاف» في مستنقع الفساد وتجاهل السوريين، والذي لم يعد يشكل عند غالبية المعارضين للأسد سوى كوميديا سوداء، وربما وجود رياض سيف في رئاسة الائتلاف لم يترك لنا مجالاً لنقاش بقية الأسماء بدءاً من النائب «سلوى كتاو»، التي سمعنا باسمها يوم تسلمها منصب نائب الرئيس «على رغم شهادة النائب السابق سميرة المسالمة بها على صفحة فيسبوكية بأنها أفضل الموجودات»، وإن كانت شهادة المسالمة لا تعنينا كثيراً بعد بقائها في هذا المنصب لسنوات، من دون أن يكون لها أي تأثير واضح، فإن وجود كتاو أو غيرها لن يقدم ولا يؤخر في مكان كالائتلاف، يبدو أن صلاحيته انتهت.

اقرأ المزيد
١٦ مايو ٢٠١٧
حرب التغير الديمغرافي واستحقاقات المجالس المحلية تجاهها

أدى تأزم الصراع السوري بفعل التدخل الخارجي إلى تشظي الجغرافية السورية لمناطق نفوذ تديرها عدة قوى خارجية بامتداداتها المحلية، علاوةً عن تفتت النسيج المجتمعي السوري وتآكل الهوية السورية لصالح انبعاث هويات فرعية على أسس مذهبية أو عرقية. وفي حين يبدو الواقع السوري كارثياً بلغة الأرقام من حيث حجم الخسائر في البنية المادية والرأسمال البشري، فإن بناء المستقبل يتطلب معالجة الملفات الكبرى سواءً تلك المؤجلة منذ تشكيل الدولة السورية فيما يتصل باستحقاقات الحكم والتنمية والهوية الوطنية، أو تلك الناجمة عن الصراع وفي مقدمتها التغير الديمغرافي. وفي هذا الصدد، تتجلى أهمية مشروع المجالس المحلية كحامل وطني قادر على التعامل مع الاستحقاقات الكبرى المطروحة، ومنها ملف التغير الديمغرافي لما تمتلكه من كمون يرتكز على شرعيتها وإمكانياتها.  

انخرطت عدة قوى في ممارسات التغير الديمغرافي، ولكن ما يضفي على الممارسات الإيرانية سمة خاصة أنها تعد جزء أساسي من استراتيجية متكاملة للتحكم بسورية من خلال التمكين، حيث تسعى إيران جاهدة ما أمكنها لاستغلال ظروف الصراع لإحداث تغير ديمغرافي في عدد من العقد الاستراتيجية الواقعة ضمن محيط العاصمة دمشق وداخلها وعلى امتداد الخط الذي يصلها بالساحل، إضافة للمناطق الحدودية المحاذية للبنان، والعمل على رعاية تلك المناطق سياسياً وأمنياً، وتضمين المستوطنين الجدد "الوافدين" ضمن مؤسسات الدولة وبالأخص الأمنية والعسكرية منها، بما يعزز قدرتها على التحكم بالجغرافية السورية راهناً من جهة، والتأثير على معادلات السياسية السورية مستقبلاً من جهة أخرى.

يمكن التأريخ لبدء عمليات التغير الديمغرافي مع حملة القصير "أيار 2013"، ليشهد هذا المسار نمواً مضطرداً مع مطلع 2014، حيث يقدر عدد المناطق المستهدفة بالتغير الديمغرافي بما يزيد عن 127 منطقة، كان لمحافظات حمص ودمشق وريفها النصيب الأكبر منها. أما عدد السكان المهجرين قسرياً فيتجاوز 2 مليون نسمة، ومن أكبر عمليات التهجير التي تمت تلك التي شهدها حي الوعر وأحياء حلب الشرقية إضافة للمناطق المشمولة باتفاقية المدن الأربعة. أما الأدوات المستخدمة لإنفاذ عمليات التغير الديمغرافي فمتنوعة وتشتمل على المجازر والحصار والضغط العسكري كآليات عسكرية، إضافة لاتفاقيات الإخلاء والتسوية كآليات سياسية، علاوةً عن الآليات القانونية كشراء العقارات وإحداث مناطق جديدة للتنظيم العقاري، كما هو قائم في المزة وكفرسوسة في محافظة دمشق (المرسوم التشريعي رقم /66/ تاريخ 18/9/2012)، إضافة لمناطق باب عمرو والسلطانية وجوبر في محافظة حمص (المرسوم رقم 5 لعام 1982 وتعديلاته) فيما يعرف باسم مشروع حلم حمص!؟

أما عن مراحل التهجير، فتبدأ بإنزال العقاب الجماعي بحق المناطق المستهدفة، ثم تطهيرها مكانياً من سكانها المحليين لتصبح البيئة جاهزة للمرحلة الأخيرة والأخطر من عملية التغير الديمغرافي وهي الإحلال السكاني، الذي تم جزئياً في مناطق عدة أهمها، القصير والسيدة زينب وداخل أحياء دمشق. ولتمكين المستوطنين الجدد "الوافدين"، يتم العمل على تسخير مؤسسات الدولة لخدمتهم ونقل الملكيات العقارية لهم، واختلاق الأعذار والحجج للحيلولة دون عودة السكان الأصليين من خلال فرض ما يعرف بالموافقة الأمنية.

تتمثل خطورة عمليات التغير الديمغرافي بالآثار الكارثية التي أحدثتها في بنية المجتمع السوري، من حيث ترسيخها لخطوط الانقسام بين السوريين على أسس مذهبية وعرقية، إضافة لعرقلتها إنجاز ملفي عودة النازحين والمهجرين وإعادة الإعمار مستقبلاً.

وفي ظل التعاطي السلبي من قبل المجتمع الدولي، بل وتواطؤه المفضوح في عمليات التغير الديمغرافي، وضعف فعالية المعارضة السياسية في إثارة الملف تفاوضياً، وأمام مثابرة إيران وأذرعها المحلية لنسف ما تبقى من عرى تماسك المجتمع السوري، تبدو المسؤولية كبيرة على عاتق القوى المحلية وفي مقدمتها المجالس المحلية للاعتماد على نفسها، والتعاطي مع ملف التغير الديموغرافي بمسؤولية نابعة من تمثيلها لمجتمعاتها المحلية التي هُجرت والدفاع عن حقوقها. وفي حين تواصل عدة مجالس محلية مهام التوثيق العقاري والمدني من خلال مديريات تُعنى بهذا الأمر، سواءً على مستوى مجالس المحافظات أو المجالس الفرعية كما في دوما، الأتارب، إعزاز، درعا، سراقب والرستن..إلخ، فإن المسؤولية أكبر على عاتق المجالس المهجرة، إذ أنها معنية أكثر من غيرها في حفظ الذاكرة المحلية لمجتمعاتها والاستمرارية بالمطالبة بحقوق سكانها المهجرين، وهو ما يمكن العمل عليه من خلال إعادة تفعيل نفسها من جديد في البيئات التي وفدت إليها، وممارسة دورها في رعاية شؤون سكانها، إضافة لإثارتها لموضوع التهجير القسري في المحافل الدولية الحقوقية والقانونية، علاوةً عن متابعتها لملف الملكيات العقارية في مناطقها.

إضافة لما سبق، يمكن استغلال الاتفاقيات السياسية المؤقتة راهناً "الهدن، مناطق وقف التصعيد" وإدراج بند خاص بالعودة الطوعية للاجئين والنازحين لأماكن إقامتهم الأصلية دون قيد أو شرط وبرعاية أممية تستند لدور محوري للمجالس في عملية التنفيذ، إضافة لمنح المجالس المهجرة الحق بالعمل من جديد ضمن مناطقها الأصلية، كذلك الحد من تسرب السكان المحليين لخارج سورية من خلال العمل على إيجاد مناطق توطين مؤقتة لهم كما في مناطق درع الفرات، علاوةً عن الاستمرار في توثيق جرائم التهجير وجمع القرائن والأدلة اللازمة لتشكيل ملف قانوني متكامل، يتيح إمكانية متابعته دولياً لملاحقة ومحاسبة المسؤولين عن هذه العمليات باعتبارها جرائم حرب.

 

اقرأ المزيد
١٥ مايو ٢٠١٧
نصرالله يحاول «وصل ضفتي الحرب» بصوته

لا قيمة لبنانية لما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن انسحاب عناصر حزبه من مواقعهم على الحدود اللبنانية- السورية، ودعوته الجيش اللبناني لتسلمها. فالجميع يعلم أن الفارق بين أن تكون هذه المواقع بيد الحزب وأن تكون بيد السلطات اللبنانية ليس كبيراً. لا بل إن استبدال الحزب بالجيش هناك سيكون مضياً في مثابرة دأب الحزب عليها، وتتمثل في توظيف لبنان في مهمات حزب الله الإقليمية، بعدما شعر الأخير أن لعناصره على هذه الحدود أدواراً يمكن أن يؤديها غيرهم من دون أن ينعكس ذلك على الوضع الميداني هناك.

لكلام نصرالله قيمة أخرى، فما وزعه «الإعلام الحربي» لحزبه من صور عن حشود «أميركية وبريطانية» على الحدود السورية - الأردنية، قبل يوم واحد من خطاب نصرالله الأخير، ينفي ما قاله الأمين العام لجهة أن الحزب غير قلق من ضربة في سورية أو في لبنان. الحزب شديد القلق من هذا الاحتمال، وهو على كل حال محق في قلقه على نفسه وعلى دوره. كلام نصرالله الأخير يوحي بإرباك يتخبط به حزبه في المهام الكثيرة الموكلة إليه من السيد الإيراني. وسبق أن كشفت الزيارة التي نظمها للصحافيين إلى الحدود اللبنانية- الإسرائيلية عن هذا الإرباك وعن هذا القلق.

من الواضح أن جميع الأطراف في الحرب السورية يعيدون النظر في مواقعهم، وفي طموحاتهم. حزب الله يبدو عاجزاً عن ذلك، فهو يؤدي مهمة هناك لا قرار له في تحديد وجهتها، وإذا كان نصرالله جزءاً من وجهة القرار الإيراني، فهذا لا ينسحب على موقع حزبه، ذاك أن بنية الحزب وتركيبته لا يمكن قطعها عن جذرها اللبناني، ووصلها بالمصلحة الإيرانية من دون ارتدادات ستصيب مهمة يؤديها الحزب في لبنان. ويبدو أن نصرالله عالق هنا. أي بين المهمة الإيرانية المطلقة لحزبه في سورية، والارتدادات اللبنانية لهذه المهمة. طُلب منه حرباً في مناطق القلمون، فانتصر هناك وارتدت الحرب على بيئته المذهبية في لبنان، بأن صار الشيعة أقلية في البقاع بعد أن نزح أهل القلمون إليه، بفعل حرب حزب الله في مناطقهم.

يجري اليوم شيء مشابه. انتشر حزب الله في الجنوب السوري من القنيطرة وصولاً إلى درعا. هذه المهمة أوكلت إلى الحزب من قبل الراعي الإيراني. واليوم انعقد تحالف لمواجهة هذا الانتشار. فإسرائيل تنفذ غارات بشكل متواصل هناك، والولايات المتحدة تشعر أن إيران تحجز مقعداً لنفسها في مستقبل سورية عبر هذا الانتشار، والأردن لن يقبل بأن تكون طهران على حدوده. واليوم ثمة فرصة للأطراف كلها لفرض واقع جديد. حزب الله شعر بذلك، وها هو مجدداً يبحث عن مخرج «لبناني» لهذا المأزق غير اللبناني.

دعوة نصرالله الجيش اللبناني لتسلم مواقع الحزب على الحدود اللبنانية - السورية، هي مناسبة جديدة قال فيها نصرالله إن «الأمر لي» في لبنان، وهذا صحيح إلى حد بعيد. فالجميع في لبنان يعلم أن تسلم الجيش هذه المواقع لن يعني أكثر من عملية تبديل روتيني للوحدات. أما تصويره الدعوة بصفتها جزءاً من «تسويات» يشهدها ريف دمشق بين جيش النظام وفصائل معارضة له هناك، فهذا ينفي ما تضمنه خطابه من دعوة لأهل الطفيل للعودة إلى بلدتهم. ما يجري في ريف دمشق هو عملية مبادلة سكانية مذهلة في وضوحها. هو تتويج واضح لحرب تهدف إلى تهجير السكان السنة وإرسالهم إلى إدلب. سقوط نصرالله في هذه المقارنة كاشف لحجم الإرباك الذي يتخبط به في مهمته السورية.

العودة إلى الجنوب السوري مفيدة لمساعي تفسير الخطبة الغامضة للسيد. هو يستعين بـ «لبنان» كي يُنجده في سورية. ولبنان هنا ليس دولة أو مجتمعاً أو شراكة. لبنان هنا رهينة، والرهينة يبدو أنها بيد من لا يعرف اليوم كيف يوظفها. فهو متنازع بين مهمة لا قدرة له على الانسحاب منها، لكن لا قدرة له أيضاً على حماية نفسه من تبعاتها. وهنا، ومرة أخرى، ربما كان المفيد التمييز بين نصرالله كشريك في القرار الإيراني، وحزب الله كأداة لبنانية في يد إيران. فالفارق هنا يصنع مشهد الإرباك، فكيف للسيد أن يُوفق بين مصلحة طهران في «الحضور» في جنوب سورية، والأخطار على جسم الحزب اللبناني جراء هذه المهمة الخطيرة؟

تجرى في بادية الشام، على الحدود المشتركة بين سورية والأردن والعراق، تحضيرات لحرب الأرجح أن تمتد إلى مناطق في جنوب سورية. طرد «داعش» من المدن في سورية والعراق، سيدفع بمقاتليها إلى هذه المنطقة. حزب الله جزء من مشهد القلق الدولي هذا، وانتشاره في جنوب سورية يُعزز الاقتناع الإسرائيلي - الأميركي بأن يكون جزءاً من صفقة الحرب هذه. ومن الواضح أن موسكو لن تقبل بقطع رأس النظام في سورية، لكنها ستكون أكثر ليناً إذا ما حصرت المهمة بالقضاء على النفوذ الإيراني في جنوب سورية، لا سيما إذا ما تم ذلك ضمن صفقة أكبر تشمل حرباً على «داعش» في بادية الشام.

هذا ليس سيناريو أكيداً، إنما محاولة لتفسير خطوات المجهول التي أتى بها حزب الله في الآونة الأخيرة. الأكيد أن ثمة تحضيراً لحرب في جنوب سورية، والأكيد أن ورقة الحدود مع لبنان سُحبت من يد حزب الله، وها هو يحاول تعويضها عبر النفخ في خطاب الحرب المستحيلة هناك، وعبر بحث متعثر عن «تسوية» لبنانية لموقعه الحرج في سورية. دعوة الجيش اللبناني لتسلم الحدود مع سورية، أرفقها نصرالله بحقيقة أن عناصر حزبه سيستمرون في القتال في سورية! والحدود بهذا المعنى ستكون طريق مقاتلي الحزب الذي يحميه الجيش إلى سورية.

ثم ماذا لو شملت الغارات الإسرائيلية مواقع الجيش في هذه المناطق، لا سيما أن إحدى الوظائف الرئيسية لهذه الغارات منع وصول السلاح إلى لبنان؟ فعلى هذا النحو لطالما جرى وصل لبنان بطموحات غيره من الدول، وعلى هذا النحو جرى تدمير التجربة اللبنانية غير مرة، بدءاً من عبدالناصر مروراً بياسر عرفات وصولاً إلى قاسم سليماني.

اقرأ المزيد
١٥ مايو ٢٠١٧
النظام الإيراني والدور التخريبي

الإرهاب لا دين له، ولا طائفة ولا مذهب، هو تعبيرٌ عن رغباتٍ مجرمة ترتدي رداءً دينيا لتمارس من خلاله القتل والترويع والوحشية خدمة لأهدافٍ سياسية ما، ومن المؤذي الاضطرار إلى التحدث بلغة تستخدم مفردات طائفية، ولكن المشهد المتقهقر حضاريا في المنطقة يفرض استخدام تلك المفردات لإيصال الأفكار.

شهد الأسبوع الماضي أحداثا مؤسفة في حي المسوّرة في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف شرق السعودية التي ينتمي أغلبية سكانها للمذهب الشيعي الكريم، فقد قتل إرهابيون في هذه المنطقة طفلا سعوديا ومقيما باكستانيا وأصابوا عشرة مدنيين وبعض رجال الأمن، وذلك عبر إطلاق نارٍ عشوائي وكثيفٍ على المارة ورمي لقنابل المولوتوف واستهداف مباشر لآليات الهدم والتطوير العاملة في الحيّ.

غريبة قصة هذا الحي مع الإرهابيين، فهو حي قديمٌ متخلفٌ تنمويا، وقد قامت الدولة بالاتفاق مع المواطنين على تطويره بشكلٍ كاملٍ، ولكن الإرهابيين رفضوا ذلك بكل شراسة، لأنهم يجدون في خرائب الحي شبه المهجور ملاذا يختبئون فيه ويديرون خططهم الإرهابية من هناك، وهدم الحي وتنميته وتطويره يحرمهم من ملاذٍ آمنٍ بالنسبة لهم، وبالتالي فهم على الرغم من المطالب التنموية التي يرفعونها شعارا، فإنهم يحاربونها في هذا الحي بالتحديد.

المواطنون السعوديون الذي ينتمون للمذهب الشيعي واقعون تحت نوعين من الإرهاب الذي يستهدفهم، الأول هو إرهاب المتطرفين السنة ممثلين بتنظيم داعش، والثاني هو إرهاب المتطرفين الشيعة ممثلين بهذه المجموعات الشيعية التي تقتلهم لمجرد الاختلاف، وتقتلهم بسبب وطنيتهم الراسخة وحبهم لبلادهم ورغبته في السلام والنجاح.

فلمن تتبع هذه المجموعات الإرهابية الشيعية؟ إنها تتبع بكل وضوحٍ للنظام الإيراني الذي كانت ولم تزل السعودية هي الهدف الأكبر للإرهابيين التابعين له من التنظيمات الإرهابية السنية والشيعية، على حد سواء.

النظام الإيراني الطائفي بعد ما كان يعرف بـ«الثورة الإسلامية» التي قادها الخميني اعتمد مبدأ «تصدير الثورة»، وكان المقصود به تصدير الفوضى والخراب والإرهاب إلى الدول العربية وتحديدا السعودية ودول الخليج، والفرق بين الخميني وخامنئي هو أن الأول سعى لذلك عبر حرب نظامية مع نظام صدام حسين في العراق التي استمرت لثماني سنوات اعترف بعدها الخميني بتجرعه للسم من أجل إيقاف تلك الحرب.
أما خامنئي فقد اعتمد فكرة أخطر، وهي فكرة دعم الجماعات الأصولية السنية مثل حركة حماس الإخوانية أو الجماعات العنفية مثل تنظيم القاعدة وإنشاء ميليشياتٍ شيعية إرهابية تابعة له في الدول العربية مثل «حزب الله» في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن و«الحشد الشعبي» في العراق والميليشيات الشيعية في سوريا، وخطط بكل جهدٍ لنشر خلايا التجسس والإرهاب في دول الخليج العربي.

تنتمي هؤلاء الإرهابيون في المنطقة الشرقية من السعودية إلى القسم الأخير، ويراد لها أن تتطوّر لتصبح ميليشيا مسلحة، ولكن دون ذلك خرط القتاد، فهي مجموعاتٌ مكروهة من بيئتها الحاضنة أي من المواطنين الشيعة أنفسهم، لأن هذه المجموعات تستهدفهم بالتهديد والقتل، وتمارس عليهم ديكتاتورية إرهابية مجرمة، وهم يلتجئون للدولة لحمايتهم من هذا الإرهاب الشيعي، كما نجحت من قبل في القضاء على إرهاب القاعدة السني، وقد ذكر بيان الداخلية السعودية الصادر يوم الجمعة الماضي أنها «تشيد بما يقدمه الشرفاء من أهالي العوامية من تعاون مع رجال الأمن».

سبق لولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف أن زار المنطقة إثر حادث إرهابي وقال كلمة واضحة لأحد المتحمسين بأن «الدولة ستبقى دولة»، وأن «من يحاول القيام بدور الدولة فسوف يحاسب كائنا من كان»، وهو ما تؤكده كل العمليات الأمنية التي تواجه الإرهابيين في تلك المنطقة، فالإرهاب واحدٌ كيفما تسمّى وحيثما كان، والرد عليه واحد يقوم على الحزم والقوة وقطع الشرور وفرض الأمن لجميع المواطنين.
كان بيان الداخلية واضحا بالقول: «لن تعيقنا الأعمال الإرهابية التي لا يراد منها إلا الدمار من قبل أياد ارتضت أن تكون أداة لتنفيذ أجندة خارجية»، والإشارة هنا واضحة كل الوضوح للدور الإيراني التخريبي الذي يستهدف السعودية ودول الخليج والدول العربية.

إن هذه الحادثة هي عملية إرهابية مكتملة الأركان، إرهابيون مسلحون يستهدفون شركة تطوير تنموية ويقتلون الأبرياء عشوائيا، ويهاجمون رجال الأمن بالأسلحة والقنابل لتحقيق أهدافٍ سياسية وخدمة أجندة خارجية، إنها نفس الأدوات وذات المجرمين وعين الأساليب التي يستخدمها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وكما لم يحم التنظيمين انتماؤهم للأكثرية السنية فلن يحمي هذه المجموعة انتماؤها للأقلية.

يخطئ الطائفيون في التعامل مع مواقف إرهابية مثل هذه الحادثة، فالطائفيون السنة يرفعونها شعارا لاضطهاد المواطنين الشيعة، والطائفيون الشيعة يرفعونها شعارا ضد أي تقصيرٍ تنمويٍ، وهي شعاراتٌ وتبريراتٌ مرفوضة من حيث المبدأ، فالمواطنون سواءٌ في الحقوق والواجبات، والدولة لا تفرق بين مواطنيها، بحسب طوائفهم، بل بحسب ولائهم لأوطانهم وحرصهم على أمن وسلامة مجتمعاتهم.

السعودية دولة كبيرة، وفيها تنوعٌ طائفي ومذهبي ومدارس سلوكية عاشت وتعيش كلها بسلامٍ ومحبة تحت ظلّ دولة تعامل الجميع كمواطنين كاملي المواطنة، وقد شارك كثيرٌ من رجال هذه الطوائف في بناء السعودية الحديثة، وكانت لهم أدوارٌ مهمة ومعروفة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز إلى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، مرورا بملوك السعودية السابقين، هذا أمرٌ واضحٌ والشواهد عليه كثيرة ومتنوعة.

الطائفيون لا يبنون الأوطان بل يدمرونها، والطائفية فتنة عمياءٌ، وعلى المستوى السياسي فإن إيران قد تبنّت الطائفية كسلاحٍ سياسي وعجزت عن الانتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة، وهي تجني أكثر ما تجني على البعض ممن يطيعها من أبناء الطائفة الشيعية حين تحوّلهم إلى عملاء وخونة لبلدانهم، وحين تسلّطهم على المواطنين الشيعة الموالين لأوطانهم، حدث هذا في لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن، وأفضل علاجٍ لذلك هو بتعاون المواطنين المخلصين الكامل مع سلطات بلادهم بالتبليغ عن الإرهابيين العملاء ومحاصرتهم اجتماعياً ودفعهم لتسليم أنفسهم.

أخيراً، فقد اختطفت هذه المجموعات الإرهابية من قبل، القاضي محمد الجيراني، وحاولت اغتيال المهندس نبيه الإبراهيم، وعاثت فسادا وشرورا في العوامية والقطيف وغيرها من المدن والبلدات فقتلوا ودمروا، ولكن الأمن سيفرض نفسه رغم أنوف الإرهابيين، فـ"الدولة ستبقى دولة".

اقرأ المزيد
١٥ مايو ٢٠١٧
الاستثمار الأميركي في إيران.. تعزيز بالعراق وتحجيم بسوريا

لا يمكن إحالة صعود نفوذ إيران في المشرق العربي إلى قوتها العسكرية، إذ إنها أخفقت في حربها مع العراق (1980ـ1988)؛ ولا إلى قوتها الاقتصادية، إذ ثمة دول إسلامية -مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا- أكفأ منها وأفضل اقتصادا؛ ولا إلى نموذجها في الحكم، إذ هي دولة دينية طائفية ومذهبية منذ قيامها (1979) وفق وصفة "الولي الفقيه".

وطبعا، لا يمكن إحالة ذلك إلى تغطّيها بالقضية الفلسطينية، لأن أثر هذه المسألة ظل محدوداً ويغلب عليه التوظيف الدعوي، من دون التقليل من مقاومة "حزب الله" في لبنان لأن هذا البلد صغير بحجمه وتأثيراته، والتأثير فيه لا يتعدى حدوده.

أما تفسير ذلك بوجود طائفة دينية مذهبية تتبع لها أو تتماهى معها في هذه الدولة أو تلك، فهو تفسير قاصر لأن هذه الطائفة لا تستطيع وحدها تغيير المعادلات السياسية القائمة في بلدانها.

تفسير الصعود
إذن، ثمة مجموعة أسباب أسهمت في صعود نفوذ جمهورية إيران الإسلامية في المشرق العربي، منها: أولاً، توفّر إرادة سياسية إيرانية بتصدير الثورة. ثانياً، وجود قاعدة اجتماعية مذهبية في البلدان المجاورة لديها شعور بـ"المظلومية"، لا سيما في العراق ولبنان.

ثالثاً، امتلاك إيران ثروة مالية متأتية من ثروتها النفطية، تمكّنها من الصرف على الجماعات المليشياوية والمدنية والخدمية التي تتبعها في هذا البلد أو ذاك.

رابعاً، التوظيف في القضية الفلسطينية والصراع ضد إسرائيل، في ظل انحسار الاهتمام الرسمي العربي. خامساً، الاستثمار في تيار الإسلام السياسي الصاعد في تلك المرحلة بعد أفول التيارات اليسارية والقومية.

بيد أن كل هذه العوامل إنما مهدت أو سهّلت لإيران التغلغل في البلدان المجاورة، أما العامل الرئيس الذي مكّنها من ذلك فهو قيام الولايات المتحدة الأميركية بغزو العراق واحتلاله عام 2003، والذي تم بالتوافق مع حكام طهران مثلما حصل في الغزو الأميركي لأفغانستان 2001.

أي أن سقوط الدولة العراقية واحتلالها هما اللذان شكّلا المنصّة التي صعّدت نفوذ إيران في المنطقة، والتي مكّنت الميلشيات المذهبية التابعة لها من أخذ السلطة في العراق من ساعتها وحتى الآن؛ هذا أولاً.

ثانياً، وتأسيساً على هيمنتها في العراق؛ عملت إيران على تعزيز نفوذها في لبنان، ثم في سوريا بالاستناد إلى تحالفها مع نظام بشار الأسد (الأب والابن)، إلى الدرجة التي باتت معها تتحكّم في هذين البلدين.

ثالثاً، وبناء على النقطتين السابقتين؛ يمكننا أن ندرك أن إيران تتصرّف من واقع معرفتها بأن خسارتها لأي من المواقع المذكورة -لا سيما في العراق أو سوريا- ستفضي حتماً إلى خسارتها نفوذها في المنطقة، وتالياً إعادتها إلى حجمها الطبيعي أو إلى خلف حدودها.

ولعل ذلك يفسّر محاولاتها فرض سياساتها في العراق وسوريا ولبنان، ومن ضمنها إحداث تغييرات ديموغرافية في هذه البلدان، وإنشاء قوى مليشياوية مذهبية مرتهنة لها وموالية لها، والحفاظ على الأنظمة السائدة في كل منها بكل ثمن وبكل ما أوتيت من قوة؛ ومثال ذلك السياسة التي تنتهجها في سوريا ضد ثورة السوريين ودفاعا عن نظام الأسد.


توظيف إيران
السؤال الآن هو: لماذا سهّلت أو سمحت الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل طبعاً) لإيران بتعزيز نفوذها في المنطقة، أي في العراق ولبنان وسوريا؟ أو لماذا سكتت عن ذلك طوال الفترة الماضية؟

طبعاً، لا يمكن تفسير ما جرى بعقلية المؤامرة أي بتوافق أميركي إيراني، ولا بعقلية التبعية أي تبعية طهران لواشنطن، وإنما يمكن تفسيره وفق عقلية التشابكات والتقاطعات والمصالح السياسية الإستراتيجية.

وقد شهدنا أن الولايات المتحدة قدمت العراق لقمة سائغة لإيران وجماعاتها وعلى ظهر دبابة أميركية، وأنها تساهلت مع برنامجها النووي.

ثم هي فوق هذين الأمرين سكتت عن تدخلها المباشر والفج في سوريا بعد اندلاع ثورة السوريين، رغم معرفتها بادعائها مناهضة أميركا ورفعها شعار "الشيطان الأكبر" ومقاومة إسرائيل، مما يستنتج منه أن ثمة عوائد أميركية -وتالياً إسرائيلية- أهم وأكبر وأعمق تأثيراً من ضرر تلك الادعاءات أو تلك المقاومة.

وقد ثبت في ميدان التجربة -وليس فقط بالتحليل السياسي- أن ذلك السماح الأميركي والإسرائيلي كانت غايته تحديداً استدراج إيران للتورط والاستنزاف في البلدان المذكورة، وتاليا توظيف هذا التورط في تقويض بنية الدولة والمجتمع في بلدان المشرق العربي، الأمر الذي قدم خدمة كبيرة لإسرائيل.

ففي المحصلة؛ أدت السياسات التي انتهجتها إيران في المنطقة إلى إثارة النعرة الطائفية المذهبية، وشق وحدة مجتمعات المشرق العربي بين "شيعة "و"سنة"، وإضعافها وزعزعة استقرار دولها، وهو الأمر الذي لم تستطعه إسرائيل منذ قيامها.

وفي المحصلة؛ فإن الولايات المتحدة نجحت -عبر الإستراتيجية التي انتهجتها في عهد باراك أوباما- في تحقيق مكاسب كبيرة لها دون أن تخسر جندياً ولا فلسا واحـدا؛ إذ تمكّنت من استدراج أو توريط القوى المناكفة لها في المنطقة -وتحديدا روسيا وإيران وتركيا- في الصراع السـوري، بل ووضعتهم في مـواجهة بعضهم بعضا.

الأهم من ذلك أنها استطاعت -عبر تلك الإستراتيجية- إفقاد إيران نقاط قوتها بكشـف تغطيها بالقضية الفلسطينية، وفضح مكانتها كدولة دينية ومذهبية وطائفية في المنطقة، بعد أن استنفدت دورها في تقويض وحدة مجتمعات المشرق العربي، وإثـارة النـزعة الطائفية المـذهبية بين السنّة والشيعة، إذ لم يعد أحد ينظر لإيران باعتبارها دولة مناهضة لإسرائيل، أو كدولة يجدر الاحتذاء بها.

وفوق ذلك؛ نجحت الولايات المتحدة في تأمين بيئة إقليمية آمنة لإسرائيل عقودا من الزمن، بعد تفكّك الدولة والمجتمع وخـرابهما في أهـم دولتين في المشرق العربي، أي في سوريا والعراق.


انتهاء المهمة
ما يحدث الآن أن المعطيات تغيرت، وتالياً لذلك ثمة تغيّرات في الإستراتيجية الأميركية إزاء سوريا، بحسب ما بات يتكرر في تصريحات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب وأركان إدارته.

أما محاور هذه الإستراتيجية فتتمثل في الآتي: أولاً، مواجهة جماعات الإرهاب، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق؛ علماً بأن ثمة في إدارة ترمب من يربط بين شبكات الإرهاب وإيران.

ثانياً، تحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا. ثالثا، إنهاء القتال في سوريا وتحقيق الاستقرار في هذا البلد على أساس التغيير السياسي الذي يتضمن إنهاء حكم عائلة الأسد، وهو ما سيؤدي إلى تحجيم نفوذ إيران في سويا ولبنان.

هذه الإستراتيجية تفيد بأن مرحلة السماح الأميركي (وضمنه الإسرائيلي) لتمدد إيران في المنطقة قد انتهت، أو حققت أهدافها أميركياً وإسرائيلياً على الأرجح، وهذا ينطبق على أذرعها المليشياوية العراقية واللبنانية، الطائفية والمسلحة.

وهكذا نجد أن ما حصل مع مجيء إدارة ترمب هو أن الإستراتيجية السابقة آتت أكلها من وجهة نظر الإستراتيجيين الأميركيين، وبات يمكن الآن التدخل بشكل أكثر فعالية لاستثمار ما حققته الإستراتيجية السابقة، بعد أن تم إنهاك روسيا وإيران وتركيا.

والمقصود أننا إزاء إدارة أميركية تشتغل على نحو آخر، أي بطريقة التدخل المباشر، وعبر تعزيز دورها إن على مستوى الصراع العسكري على الأرض، وهو ما تمثل في قصفها مطار الشعيرات. أو من خلال إعادة تدوير عجلة الحل السياسي لوضع نظام الأسد أمام حقيقة انتهاء صلاحيته، وانتهاء زمن السماح له بالاستمرار.

وهذا ما وضحته التسريبات لخطة أميركية من أربع مراحل، تقوم أولا على محاربة الإرهاب. وثانيا وقف الصراع المسلح وإيجاد مناطق آمنة. وثالثا إيجاد حل انتقالي يرحل في نهايته بشار الأسد (بالتفاهمات أو بالقوة)، ورابعا تنظيم الأوضاع وبدء إعادة بناء سوريا. ولعل هذا ما حاولت استباقَه -على الأرجح- اتفاقيةُ أستانا 4، المتعلقة بخفض الصراع بأربع مناطق سورية.


الدور الإسرائيلي
هذه الرؤية الأميركية لتوظيف الدور الإيراني في المنطقة تنطبق على إسرائيل أيضاً، أي أن الطرفين الأميركي والإسرائيلي يريان اليوم أن على إيران أن تعود إلى حجمها الطبيعي خلف حدودها، وأن على مليشياتها أن تنزع سلاحها.

ويُستنتج من ذلك أن التسهيل الأميركي والسكوت الإسرائيلي سابقاً عن تغلغل إيران في المنطقة كان محسوباً؛ أولاً، لجهة عدم السماح بخلخلة أمن إسرائيل، وإبقائه عند حدود خلخلة أمن المنطقة فقط (أي دولها ومجتمعاتها)، وهو ما حصل عملياً.

وثانياً، إبقاء كلفة مقاومة إسرائيل -عبر "حزب الله" وادعاء مناهضة الولايات المتحدة- أقل ضرراً أو كلفة بالقياس مع العوائد التي تنجم عن ذلك سياسيا وعسكريا وأمنيا بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما حصل أيضاً.

وذلك مع علمنا بتوقف مقاومة حزب الله منذ عام 2000، أي منذ 17 عاماً، باستثناء لحظة خطف جنديين إسرائيليين عام 2006 الذي جرّ حرباً على لبنان.

في خضم كل ذلك؛ بديهي أن تبدو إسرائيل في غاية الارتياح، سواء في الإستراتيجية القديمة أو الجديدة للولايات المتحدة، إذ هي في الحالين بمثابة الفائز الأكبر من استمرار الصراع المسلح والمدمِّر في العراق وسوريا، كما من تحجيم النفوذ الإيراني.

ويتجلى ذلك خاصة في موضوع نزع السلاح النووي والكيميائي (في إيران وسوريا)، وهذا ما بدا واضحا من حماسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسياسة الأميركية، التي عبّر عنها لدى استقباله وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في إسرائيل مؤخراً.

وفي هذا الإطار؛ يمكن اعتبار سلسلة الغارات الإسرائيلية الجوية أو الصاروخية المتكررة على سوريا -والتي استهدفت قوافل إمداد ومستودعات أسلحة وقادة لحزب الله داخل سوريا- مؤشّرا عمليا على سياسة إسرائيلية وأميركية جديدة (مع قصف مطار الشعيرات وزيادة القوات الأميركية في شمال وشرق سوريا)، هدفها تحجيم نفوذ إيران ومليشياتها بسوريا والعراق، وربما في لبنان أيضاً.

واللافت أن الضربة الإسرائيلية في محيط مطار دمشق حدثت ووزير الدفاع الإسرائيلي في زيارة عمل لروسيا، التي تعطي الدعم الأساسي لنظام الأسد.

وبحسب عاموس هريئيل (المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، 28/4) فقد "أكد ليبرمان -في محادثاته بموسكو- على الخط الأحمر الجديد الذي وضعته إسرائيل، وهو أنه لا للوجود العسكري الإيراني أو وجود حزب الله قرب الحدود السورية في هضبة الجولان..، إضافة إلى منع تهريب السلاح".

ويبدو أن هذه الخطوط الحمر هي التي تفسر الزيارات التي قام بها نتنياهو إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتباحث معه بشأن الوضع في سوريا وضمان أمن إسرائيل.

وعلى ما يبدو؛ فإن تحجيم إيران ليس مطلبا أميركيا وإسرائيليا فقط، بل بات مطلباً دوليا وإقليمياً؛ إذ هو يلتقي مع رغبة روسية وتركية أيضاً، لا سيما أن روسيا تعتبر سوريا ورقة في يدها، لا في يد إيران التي تنافسها على ذلك.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى