مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣ يناير ٢٠١٧
روسيا تُنَجِس طبق طعامها

بعد ان حاولت روسيا الكيل بمكيالين، ودفع المعارضة المسلحة للتوقيع على هدنة مزعومة برقابة تركية – روسية، جاء تصعيد قوات النظام السوري على وادي بردى، كنوع من لّي الئراع لإنهاء منطقة ريف دمشق بشكل شبه كامل، والسيطرة على مكنون المياه فيها، إلا أن الروس لم يتوقعوا صموداً من فصائل وادي بردى، خاصة أنها تضم 100 ألف مدني يمكن الضغط من خلالهم على الفصائل للانسحاب منها وتسليمها للنظام، في وقت قليل.

روسيا التي لم تستطع كظم غيظها، عادت الى قصفها الجوي في ادلب وريفها، كإشارة منها لنقض الهدنة الموقعة في ال29 من كانون الأول، وهذا النقض لم يكن الأول في عهد التواجد الروسي في سوريا، فقد سبقه نقض الهدنة الروسية - الأمريكية قبل أشهر، بعد استخدام ذات أسلوب الضغط الجوي، والتفنن في الاجرام ضد المدنيين، وهو امر متوقع في السياسة الروسية بل إنه الشيء الطبيعي على أقل تقدير.

روسيا التي "تبولت" في طبق طعامها، بعد أن حاولت أن تدفع بعجلة الحل السياسي لأنها لم تعد تحتمل المزيد من الخسائر، عادت الى أصلها ونجست طبق طعامها، لأنها لن تستطيع أن توصل سوريا الى الحل السياسي الذي يتلاءم ومصالحها، بالإبقاء على جذور النظام مع تغييرات طفيفة، وكأنها تريد أن توقد امبراطوريتها السوفيتية المزعومة من خلال اثبات حيويتها في سوريا، من خلال اتباع أسلوب الهمجية السوفيتية لإعادة أمجادها من جديد.

فلاديمير بوتين الذي خطط لإلباس قميص الإنتظار لكافة الفصائل الموقعة على الهدنة ، ليجبرها على الإلتزام بشروط مزيفة ، تتماهى الى جانب النظام السوري ، لم يتوقع في هذه الفترة من الحرب التي أنهكت الروس أنفسهم بالرغم من امتلاكهم ترسانة بحرية وجوية، ألا تكون قوى الفصائل قد أنهكت خاصة بعد معركة حلب الأخيرة، ما يجعلها أكثر سلاماً وقبولاً بالشروط المدرجة في الهدنة، خاصة بعد سيطرة النظام على حلب وعلى معظم المناطق المحيطة بدمشق، إلا ان الفصائل وبالرغم من هفواتها لم ترضى بمواصلة الإلتزام بالهدنة،  التي كان لتركيا دور في دس السم في المعارضة السورية بما يتناسب ومصالحها.

وماكان أمام روسيا إلا أن تعود من جديد الى القصف الجوي، خاصة مع التصعيد الأمريكي الأخير بطرد دبلوماسيين روس من الولايات المتحدة، لتثبت للرئيس الأمريكي الجديد الجديد "دونالد ترامب"، أنها محور البوصلة في الشرق الأوسط، وإن كان يتوجب عليها أن تتبول في طبق طعامها فليس هناك مشكلة، المهم ان تبقى امبراطورية بوتين تصدح في سوريا، حتى تتاح له الفرصة لعب لعبة جديدة من خلال عرض هدنة مزعومة جديدة، قد تؤدي الى حل سياسي في سوريا ذات يوم.

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٧
لماذا وصلت حركة "أحرار الشام" إلى حافة "الانهيار" ....

مع تصاعد السجال الحالي داخل التشكيل الأكبر و الأبرز في الثورة السورية ، بشأن الاندماج من عدمه مع المعروض حالياً في الساحة ، تدخل حركة “الأحرار” في نفق مظلم لا يبدو أنها ستخرج منه قريباً  كما كانت من قبل ، وسط توقعات بأن الانشقاق الداخلي قد ضرب أطنابه و تجذر.

تختلف النظرات و التحليلات التي تبحث في مسببات ما وصلت إليه الحركة ، التي قادت ، ولازالت (و إن كان بزخم أقل) مسيرة الثورة السورية ، واستطاعت أن تدير مفاصل مهمة من العمل الثوري بأنواعه المختلفة ، لكن هذا الأمر لم يدم على ذات السوية و بنفس النَفس ، إذ أن الخط داخل الحركة اختلف بطريقة ، يجعل البنيان العملي فيها آيلاً للسقوط.

يكفي أن تُطلق لحيتك و تتفقه ببعض الدين ، وبالطبع وجوب المبايعة بلا عودة أو ردة ، حتى تحظى بفرصة جيدة جداً ، لأن تكون ذو شأن و دور فاعل في مختلف مناحي الحياة (العسكري - المدني - الاغاثي - السياسي - الاعلامي …. ) ، ولا حاجة لشهادات اختصاصية ولاخبرات عملية ، فالأمر ليس بهذه الأهمية ، وهذه القضية لاتتعلق بـ “الأحرار” وحدها و لكنها دخلت مفاصل هذه الحركة ، وانتشرت.

قد يكون الانتقاد مزعجاً و يُتهم بأنه خبيث ، والأهم بأنه نابع عن “كاره” ، و لكن من يراجع مسار الحركة منذ أول كتيبة حتى وصولها إلى الانتشار الأوسع في كافة المناطق السورية ، ويستذكر قياداتها و آلية الادارة التي كانت تنتهج ، يشعر بواجب الانتقاد ووجوبه , علّه يفيد في تدارك ما يمكن تداركه.

اليوم حركة الأحرار التي تواصل عمليات تهميش الخبرات جميعها ، ووضعها في مفاصل غير ذات أهمية ، و الأهم لاتملك أي قرار بأي أمر مهما صغر أو كبر ، وظهرت طبقة كانت محصورة في نطاق ضيق بـ”الشرع” و الافتاء ، إذ بها اليوم تتصدر المشهد و تتخذ القرارات في أعقد الأمور ،حتى يصل إلى حد التدخل في سياسات الدول ، مع عنجهية مبنية على أوهام ، نتيجة الضعف في الخبرة و ضبابية النظرة.

اليوم تقف الأحرار أمام مشهد مصيري ليس لها كتشكيل أو مجموعة ما ، وإنما الأمر متعلق بشعب بأكمله تتحمل مسؤوليته  و وزره ، والغريب هو الاصرار على الاعتماد على أشخاص يتمتعون بنوع عالي من الولاء حد التبعية العمياء ، وابعاد أي خبرة حتى بات اليوم التعامل مع الحركة بحاجة لبدائية مقيتة حتى توصل فكرتك أو تفهم ما يرغبون.

لايقتصر الأمر على جناح معين في الحركة بل الأمر أشمل من أي يحصر ، والشق العسكري ليس ببعيد اطلاقاً بعد سلسلة من المعارك الغير موفقة سواء ضد النظام وحلفاءه أو الخوارج ، اضافة للجانب الأمني المتفلت ، وجميعها يصب في ذات السبب ألا وهو التركيز على الولاءات و استبعاد الكفاءات .


الشلل في حركة “أحرار الشام” ، هو أمر مريب و يتطلب وقفة جادة و حادة من الأصلاء الذين عاصروا القادة الشهداء ، الذين قدموا نموذجا أكثر من رائع في توزيع العمل تبعاً للاختصاص ، نجحت في تأسيس مناطق بإدارات مدنية و تنسيق الخدمات بالتوازي مع نشاط توعوي شامل ، واستيعاب للجميع لحد الاحتضان .

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٧
ما الذي سيفعله ترامب بوجه تمدد إيران؟!

مع قرب دخول ترامب للبيت الأبيض، أطلق أوباما آخر أوراقه بغية صناعة مجد أخير، كانت إدانة الاستيطان الإسرائيلي، ومن ثم طرد الدبلوماسيين الروس، وهي إجراءات شكلية لا تؤثر على جوهر التمدد الروسي، ولن توقف الاستيطان الإسرائيلي.

بالنسبة لترامب، فإن التفاهم مع الروس سيكون مهمًا فترة ولايته، وثمة أنباء عن أدوار مرتقبة لمن خبر الروس ودرسهم مثل هنري كيسنجر، لكن في ظل كل تلك التحليلات، كيف ستكون الأمور بين دول الخليج وزمن ترامب؟ وخصوصًا بعد أن أثبتت الدول الست قدرتها على تنظيم الاختلاف حول بعض الملفات، وبدا ذلك بعودة سلطنة عمان إلى البيت الخليجي، منضويةً مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب... كيف سيتعاطى ترامب مع دول الخليج؟!

ربما من أهم ما صرّح به فريق ترامب، عزمه الحقيقي على تأسيس حلف يضم دول الخليج ومصر وتركيا، وذلك للحد من مدّ إيران الطغياني، وتهيئة الأجواء لمحاصرة الإرهاب، وتأمين دول الخليج... المشروع كان رفضه أوباما المنعزل. الخطط المزمعة لدى ترامب في المنطقة ستصبّ في صالح دول الخليج وأمنها، قد نعيش عقبات الاتفاقية الإيرانية، وتغول المارد الطائفي بالمنطقة أكثر مما هو عليه الآن، غير أن الفارق يكمن في وجود رئيس قوي مثل ترامب، بفريق حكومي لديه وعي شديد بألاعيب إيران، على عكس تراخي أوباما، وكيري، الخطير مع إيران، ومحورها الأشر.

الضرب في الميت حرام، لكن يمكن التذكير باستسلام غير مسبوق، لإدارة أوباما أمام ملالي إيران! وذلك رغم إنشائها لأكثر من أربعين فصيلاً ميليشياويًا، يدربهم، ويصرف عليهم، ويقودهم الحرس الثوري الإيراني. بينما الحشد الشعبي الطائفي في العراق، يشكّل أكبر التهديدات التي تواجه دول الخليج، إذ جنّدت إيران، ومعها المحور الموالي لها بالعراق عشرات الآلاف من المقاتلين، أخذتهم من الحياة الطبيعية، والدكاكين، وممارسة اليوميات إلى جبهات القتال، وهي الآن تبشّر بالذهاب إلى سوريا، ومن بعدها الانتقال للقتال باليمن، وربما أطلقت هذه الذئاب الجائعة لدول الخليج، بغية ممارسة عمليات إرهابية، والانتقام من السعودية والبحرين، وربما استهدفت الكويت، ولن توفّر بقية الدول المنضوية مع السعودية في التحالف العربي، لإعادة الشرعية في اليمن.

أمام ترامب تحدٍ أساسي، يتمثل في إدراج الإرهاب الشيعي ضمن الحملة على الإرهاب، ليعكس النظرية الأوبامية الطائفية الناظرة للإرهاب فقط، بوصفه منتجًا سنيًا، بينما الميليشيات الشيعية «تحارب (داعش)»!

كنتُ اطلعت على دراسة مهمة لمريم سلطان لوتاه، عن «أمن الخليج، والتحديات الراهنة، والسيناريوهات المستقبلية»، وبقدر جدّية الطرح، فإن الخلاصة التي وصلت إليها الباحثة ترصد مخاطر حقيقية أمام الأمن الخليجي في المستقبل المنظور. الدراسة ترى أن «تجاوز حالة الضعف، والانطلاق نحو تحقيق الأمن بمفهومه الإنساني، لن يتأتى إلا من خلال علاقة تعاونية عربية، كفيلة بأن توفر لكل بلدٍ عربي عمقًا أمنيًا إقليميًا، يجعله أكثر صلابة في حال تعرضه لأي تهديد خارجي»، ثم تعوّل على أمر داخلي لدول الخليج، وهو «الاستقرار السياسي»، وهذا بالطبع أمر مهم، إذ إن الوحدة الداخلية للمجتمعات الخليجية مع الأنظمة السياسية، تسهم في رفع مستوى التحدي للتدخلات الإيرانية، وخصوصًا أن الإعلام المعادي يرسم سيناريوهات تقسيم كارثية، لكن سرعان ما ردّت مصادر من فريق ترامب، بأن التقسيم بالمنطقة ليس من أجندات ترامب السياسية.

مستقبل الخليج مع الإدارة الأميركية القادمة، يرجح أن يشهد تعاونًا أكبر مما كان عليه في الحقبتين الرئاسيتين لأوباما، ذلك أن الملفات المشتركة والتعاون الأمني والسياسي ضروري، لتحصين المنطقة من الإرهاب بأشكاله السنية والشيعية. لا فضل لإرهاب على آخر، ولا فرق بين إرهاب سني أو شيعي.

يدرك ترامب وفريقه، أن المدّ الإيراني يدمّر مصالح أميركا التاريخية، كما يقول هنري كيسنجر نفسه، وبالتالي فإن تعديل الاتفاق النووي الإيراني، وتقليم أظافر الملالي ونظامهم، يؤمّن مصالح الولايات المتحدة، وخصوصًا أن إيران تخدم حضور روسيا في الخليج، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، وهذا يضعف من الهيمنة الأميركية التاريخية، وتجعل حلفاءها أقل حضورًا وتأثيرًا.. وحين ينحسر الاعتدال تحضر قوى الظلام والقتل!

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٧
سورية وإطلاق الحوار

أغلقت سنة 2016 على إعلانٍ ثالث لوقف إطلاق نارٍ شاملٍ فوق الأراضي السورية.. الأمر يختلف قليلاً في المرة الأخيرة عن سابقيْه، فقد جاء الإقرار بعد اجتماعاتٍ بين روسيا وإيران وتركيا، ولهذه الدول قواتٌ عسكريةٌ على الأرض، ولها تداخل مباشر وفعال، ولكل منها مصالح قوية، بعضها متعارض. جرى الاتفاق بغياب قوى إقليمية ودولية مؤثرة، وإن لم تمتلك قوات عسكرية في الميدان، ولكن انجاز الاتفاق بغيابها لا يعني أنها غير موافقة. أما توقيع الإعلان فقد تم بواسطة قادة الفصائل العسكرية الرئيسية، واستُثني تنظيم الدولة الإسلامية. تبدو كل هذه الفعاليات ذات شكل عسكري، ابتداءً من الأطراف الراعية والضامنة، وهما روسيا وتركيا، المنخرطتان عسكرياً، ومن ثم الأطراف المقاتلة على الأرض، مثل جيش النظام مع المليشيات المتحالفة معه، وجبهات المعارضة المسلحة.

وعلى الرغم من بعض الاعتراضات التي رافقت الإعلان، إلا أن الالتزام يبدو واضحاً على الجبهات الرئيسية حتى هذه اللحظة. لا تتضمن الوثائق التي وقع عليها الطرفان بنوداً كثيرة، ولكنها تحمل التزاماً بتشكيل وفد، والبدء بالحوار لإقرار خريطة طريق. التوقيع على وقف إطلاق النار ليس مشكلةً لأحد، فيمكن العودة عنه، أو إليه في أية لحظة، وتحت أية ذريعة، وتشكيل الوفود أيضا مسألة في غاية السهولة. العقبة في خريطة الطريق، وهو الطريق الذي غابت معالمه بغياب كل آثار المدن الرئيسية والفرعية، الواقعة تحت تأثير القصف، وسُجل فيها نصف مليون قتيل، وتشريد لنصف السوريين المسجلين رسمياً في دوائر نفوس وزارة الإدارة المحلية.

المطلوب، بحسب الاتفاق الطازج، من جهات عسكرية الطابع ونزقة الطباع، إقرار خريطة طريق لمن تبقى في سورية، للخروج من تحت الأنقاض، وبداية حياة جديدة. تبدو المسألة عسيرةً لأن الطريق المطلوب رسم خريطة لها غائبة الملامح ومقطعة الأوصال، والتوقيع ذاته الذي أعقب أعنف هجوم على مدينةٍ عريقةٍ كحلب انتهى بتهجير ربع قاطنيها، بعد أن تحوّل جزؤها الأكبر إلى كومةٍ من الحجارة. التباينات واسعةٌ جداً بين الأطراف الموقعة للوثائق، وهي تبايناتٌ ستجعل الوصول إلى خريطة طريق موحدةٍ مهمة شديدة الصعوبة، تصل إلى مرتبة المستحيل، بالإضافة إلى وجود أطرافٍ عسكريةٍ أخرى، ذات حضور واسع وفعال، من الصعب على أي خريطة طريقٍ الظهور إلى الحياة، قبل أن يُعرف مصيرها، كتنظيم الدولة الإسلامية، وقوات سورية الديمقراطية، وهما قوتان إرهابيتان، بحسب تعاريف مختلفة للدول الراعية والجهات الموقعة على الإعلان. أما الخلاف الرئيس، والذي قد لا تتوفر له حلول مقبولة، فهو بشار الأسد نفسه، الذي لا زالت قوى المعارضة تصرّ على اختفائه بشكل كلي. أما طرف النظام، فلا يرى لنفسه وجوداً إلا بترؤس بشار الأسد زمام السلطة، وبالطريقة التي توحي بها قافية اسمه "إلى الأبد"، بالإضافة إلى الوضع الغائم للقوى السياسية المعارضة، الممثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والذي لا يقترب منه الاتفاق، وكأنه مدعوٌّ، بطريقةٍ خفيةٍ، إلى أن يحل نفسه، حيث لا مكان متوافرا له في المشهد العسكري الحالي. وهذا ما يمكن أن يُدخل الحل ضمن مضمار "الخطير"، وقد اصطبغ كل شيء بلون عسكري، ما يعني أن المشهد كله أصبح معقداً، ونحن نتحدث عن تطبيق الديمقراطية.

شكل الإعلان المقتضب المصرّ على وقف النار، وبالوضع الراهن، يبدو كأنه غاية بحد ذاتها، وليس وسيلةً لبدء المفاوضات، والشروع برسم معالم طريق الخروج، تريد منه روسيا تثبيت شكل جغرافي محدّد، وتسجيل بضع نقاط في الأمم المتحدة التي أصدرت للتو قراراً يثني على إعلان وقف النار. يساهم الإعلان، بالفعل، في تثبيت خطوط وقف النار، وربما تعميقها، وقد تتحول مباحثات خرائط الطريق في أستانا إلى محادثات هدنةٍ، تُضبط فيها المعابر، وتُرَسّم فيها الحدود. وهذه بكلام صريح محادثاتُ تقسيمٍ مؤقت، قد يتحوّل إلى وضع نهائي. وبهذا، نكون قد كسبنا وقفاً للنار مقابل خسارة سورية موحدة، وإلى الأبد.

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٧
مخابرات سورية ... وأوروبية

تفرض نفسها عبارة "شر البلية ما يُضحك"، فالسخرية وحدها تلطف الألم الشديد. ومثل ملايين من المتابعين للأحداث في عالمنا الذي يغلي بأفظع أشكال العنف، أقارن بين أداء المخابرات السورية وأداء المخابرات (أو الشرطة) في دول أوروبية عديدة. ومنها فرنسا وألمانيا اللتان شهدتا، في العام الماضي، جرائم مروّعة من دهس مواطنين عزّل إلى قتل قسّ في كنيسة (كان قد تبرع بأرض لبناء مسجد) إلى تفجير ملعب وإطلاق النار عشوائياً في مطاعم في باريس.

تتمتع المخابرات السورية بالسلطة المُطلقة، ويشعر كل سوري أنها تقبض عليه من عنقه. ويرتعب كلما اضطر أن يغادر سورية أو يعود إليها، إذ لا يعرف أي تهمةٍ قد تكون فُبركت ضده، ويشعر السوري أنه متهم دوماً من المخابرات، وعليه أن يقدّم براءة ذمة يومياً بأنه مواطن صالح، وشعاره في الحياة "الحيط الحيط ويا رب السترة". وكم من مواطن سوري أوقف على الحدود أو في المطار، بتهمة تشابه أسماء، واحتجزته أياماً أجهزة الأمن للتحقيق معه. وبعد أيام، وحين يكتشفون أن ثمّة خطأ وتشابه أسماء، يطلقون سراحه مع "لا تؤاخذنا". وأعرف مئات من هؤلاء المنكوبين قرّروا العودة من حيث أتوا، مضحّين بلقاء أهلهم، وتاركين بلدهم في قبضة الأمن.

لا تفوّت السلطة اللامحدودة للمخابرات السورية شاردة أو واردة، وأنا ممن لم أسلم من تحقيقاتهم، منعوني من السفر إلى البحرين، وأجبروني على مراجعة فرع أمن الدولة في دمشق (مع أنني أسكن اللاذقية)، ولا أعرف التهمة حتى اللحظة، لكن المحقق قال لي غاضباً: أنت تكتبين مقالات في جرائد معادية لسورية، وتنشرين الغسيل الوسخ. فقلت له إنني أفهم الكتابة بأنها نشر للغسيل الوسخ، كي ننقّي حياتنا من الأخطاء. واضطررت، لأحمي نفسي، ولخوفي من ألا أخرج من فرع أمن الدولة، أن أستشهد بقول حافظ الأسد: السكوت عن الخطأ مشاركة فيه. ويا للتأثير العجائبي لهذه العبارة. خرجت أدندن بأغاني الفرح بأنني لم أعتقل. بل في اليوم التالي كتبت مقالاً عن شجرة الفتنة الرائعة في حديقة فرع أمن الدولة، وكنت قد شعرت بالدهشة والصدمة إذ كيف تجرؤ شجرة الفتنة هذه على أن تنمو هناك.

لا يوجد نشاط ثقافي أو اجتماعي في سورية إلا ويحتاج لموافقة الأجهزة الأمنية، وأذكر أنني قدمت محاضرة في المركز الثقافي في اللاذقية (قبل بداية الثورة) عن الأدب النسائي، ويبدو أن عنصري الأمن المُكلفين بحضورها وكتابة تقرير عنها لم يتمكّنا من الحضور، لأسباب أعاقتهما. ثم فوجئت بعد ساعتين، في عيادتي، بدخول شابين مذعوريْن، طلبا مني أن ألخص المحاضرة، لأنهما من المخابرات ولم يتمكّنا من الحضور. حتى السفر وتقديم طلب إجازة إدارية لموظف أو طلب استقالة يحتاج موافقةً أمنية، من دمشق تحديداً، وقد ينتظر المواطن أياماً طويلة، وربما أشهرا، لكي يحصل عليها. باختصار، يشعر كل سوري أن عنصر أمن يشاركه العيش في بيته، أو بفرع مخابرات صغير محفور في دماغه، حتى أن أسرا كثيرة تصرخ بأولادها بأن يُخفضوا صوتهم، وهم يتكلمون عن فظاعات الأمن بأن للجدران آذانا.

عجيب أداء المخابرات الفرنسية والألمانية (مثلا) الرحيم، وغير المنطقي، فكل الذين ارتكبوا عمليات إرهابية في فرنسا أو ألمانيا كانت لهم سوابق جنائية وإجرامية والدولة على علم بها، ومع ذلك، ظلوا طليقين، يتنقلون من دولة إلى دولة. وأسخف حجة قرأتها أن المجرم المشتبه به (الطليق طبعا) يضعون في يده إسوارة معينة تدل على مكانه، ويبدو أنها تزيينية، فمن قتل الكاهن العجوز في الكنيسة كان يلبس الإسوارة، وارتكب جريمته من دون أن تفيد الأجهزة الأمنية بشيء. كيف يمكن تبرير بقاء هذا المجرم طليقاً بتنقلاته ولقاءاته مع العقول المدبرة، ويكون الحل الأمني والتفكير المخابراتي الفرنسي بأن يضعوا في معصمه إسوارة تدل على مكانه. وكانت لمن دهس بشاحنته أكثر من مائة شخص في مدينة نيس سوابق إجرامية كثيرة، ومع ذلك أطلق سراحه القضاء الفرنسي. وكم بدا مضحكاً وسخيفا لكثيرين اقتحام نحو ثلاثمئة عنصر أمني مسلح في الرابعة فجرا منزل شقيقة المجرم الذي ارتكب التفجير في ملعب باتلاكان في باريس، واستغرق الاقتحام ساعات. ورجحت معظم الصحف الفرنسية أن المرأة هي من فجرت نفسها. لو أن هذه المشكلة في سورية لكان الحل يستغرق ثانية واحدة (لا مبالغة)، يقصفون البناية التي تسكنها أخت المجرم ببرميل متفجر وينتهي الأمر. ويكون كل سكان البناية شهداء.

على أي أساس يتم إطلاق سراح هؤلاء والسماح لهم بالتنقل من دولة إلى دولة، بينما القوانين شديدة الصرامة، حين ينتقل طبيب مثلاً حاصل على تأشيرة إلى السويد، ليقيم ويعمل في فرنسا، لا تتوانى السلطات الفرنسية عن إعادته إلى البلد الذي أعطاه التأشيرة خلال 48 ساعة، كما لو أنه المجرم.

الفرق شاسع بين سلوك المخابرات السورية وتلك التي في ألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، كما المسافة بين الأرض والسماء. وكان صديق جاداً في مزاحه بقوله إن على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إرسال عناصر من مخابراتهم، ليتم تدريبهم في سورية، حيث كل مواطن مُتهم حتى يثبت العكس.

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٧
تكهن بقاء "الأسد" عام 2017 تتزامن مع صفعة المعارضة

جاءت الصفعة الكبرى لفصائل المعارضة السورية مع بداية العام الجديد، ولم تبخل روسيا وتركيا بهدية "بابا نويل" على الشعب السوري، أرسلتها لهم في زوبعة من المكر مستبعدة هيئة المفاوضات، لتستغل هشاشة السياسية لدى الفصائل، وتجرفهم لتوقيع وثيقة مختلفة عن تلك التي وقع عليها النظام السوري مع ابرة مخدر يذهب مفعولها مع فوات الأوان.
 
الاختلاف في لب الوثيقتين، يشد حبل الحل السياسي باتجاه "النظام السوري"، في الوقت الذي كانت فيه كلمة "تأييد وإقرار" الفصائل المعارضة واضحة في الوثيقة التي وقعوا عليها، لتبدوا الفصائل المعرضة وكأنها تابعة لرأي النظام السوري، وما يزيد الطين بلة هو أن وثيقة النظام تضمنت بند يؤكد على تشكيل النظام لوفد في 31 كانون الأول، ليقوم بمفاوضات التسوية السياسية في أسيتانة، لتقدمه في اجتماع مجلس الأمن، فيما جاء في وثيقة المعارضة تشكيلهم وفد حتى 6 كانون الثاني، الأمر الذي سيجعلهم "مثل الأطرش بالزفة"، في ذات المجلس.
 
الصدمة التي لن تصحوا منها فصائل المعارضة حتى يكون السم قد أخذ مفعوله في المعارضة، في الوقت الذي شمتت بعض "الفصائل الخارجة عن الاتفاق" بالطعنة التي تلقتها الفصائل الموقعة، ليكون النظام وروسيا نجحوا في عملية الشرذمة وشق الصفوف بين المعارضة بامتياز.
 
في هذه الأثناء ومع الإبرة الصاعقة التي تعطى للحامل عند الولادة لتخدر طرفها السفلي ريثما يتم توليدها، تجد طريقة جديدة متبعة في الأعوام الأخيرة لا سيما مع سنوات "الربيع العربي"، تروج لأمر خطير، إنه إعلام "التكهن"، الذي يستمع له الناس على أنه نوع من الفضول، إلا أنه في الحقيقة إعلام مدروس يؤثر في العقل الباطن للإنسان، ويجعل العوام يرددون كلام "توقعات المنجمين لبداية العام" كالببغاء لينتشر الهدف من هذا الإعلام، إنه الإعلام الذي يصدر للأفكار التي يرغب بها صاحب النفوذ أو توجيه الدفة باتجاه إرادة الدول الكبرى.
 
المنجمون العرب الذين اشتهروا على مدار الأعوام الأخيرة رددوا على القنوات الفضائيات، فكرة "بقاء الأسد بدعم روسي إيراني عراقي"، وهي رسالة سياسية مبطنة بأن الحل السياسي سيفضي ببقاء الأسد وبوجود النظام، الأمر الذي يؤثر في اللاشعور لدى الإنسان السوري بأن وجود الأسد هو أمر حتمي لا مفر منه.
 
يعتبر الكثيرون أن فكرة التنجيم أقرب للشعوذة ودليل عن قلة الوعي والثقافة، إلا أن أكثر من 70 بالمائة من الشعوب العربية تتفاعل وهذه التوقعات، وتؤثر عليها سلباً أو إيجاباً بفعل علم الطاقة والعقل اللاواعي، التكهن الذي يحرك بعجلة العقول باتجاه السياسات المفروضة والمقررة من قبل المجتمع الدولي.
 
وأكبر دليل على ذلك تزامن الخدعة الروسية التركية لفصائل المعارضة بوثيقة مغايرة عن وثيقة النظام، مع عرض شاشات التلفاز لتوقعات المنجمين ببقاء الأسد، وعودة العلاقات بينه وبين الأنظمة العربية، الأمر الذي يحمل رسالة في المرتبة الأولى لقادة الفصائل المعارضة بأن الشعب السوري سيبرمج بما يتلاءم مع المرحلة المقبلة، والأخيرة بدورها ستضغط باتجاه الحل الذي تروج له الجهة الأقوى إعلامياً ودولياً، ولا نستطيع أن ننكر أن النظام السوري هو المالك للإعلام الأقوى في هذه المرحلة من خلال حلفائه دون منازع.

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٧
الروس ... ورحلة البحث عن شريك

لا شك أنّ عمليات التشكيك بالقيادات السياسية التوافقية المعارضة التي لاقت قبول الرأي العام السوري، هو أسلوب مخابراتيّ هدفه التشويش و إسقاط كل القيادات المعتدلة وغير المتطرفة القادرة على قيادة المرحلة الانتقالية وإعادة بناء سوريا على أساس ديمقراطي خال من تجارة الدماء والاستبداد والعسكرة والأجهزة الأمنية مسلوبة الإرادة والتابعة للإرادة الخارجية التي لا تتقاطع مصالحها مع مصالح ومتطلبات الحراك الشعبي السوري.


لذا ملحوظ لدى متابع الواقع والإعلام أنّ المافيا السياسية وتجار الدم والسلاح والمخدرات يفلّتون صبيانهم المأجورين في مرحلة صناعة الحل السوري للتشهير بهذا وذلك، وإيقاع الثورة  بهذه المرحلة الحرجة في مصيدة الاستنزاف  الداخلي لصالح الروس والنظام، وما يبدوا أنّ استراتيجيتهم هؤلاء الصبية هي الشكيك بالقيادات المشهود لها بالاعتدال والالتزام والقدرة على انتزاع حق الثورة وإرادة الحراك دون تفريق أو تمييز أو اعتداء، وبذات الوقت يسعون لتعويم قيادات غير مقبولة شعبياً ولا يمكن أن تتقاطع مصالحها إلّا مع إرادة النظام السوري وأجهزته الأمنية المدجنة ومسلوبة الإرادة والتي يتحكم فيها كل زناة الأرض إلّا السوريين!.


فدعوة هؤلاء الصبية المأجورين لصالح تجار السلاح والدم والقرار السوري، إلى ضرورة وصد الأبواب في وجه ما يصفونه تعنت الفريق التفاوضي لهيئة التفاوض العليا ، بحجة أن مفاتيح الحل اليوم أمست بيد الدب الروسي ولا بدّ أن نغيّر فريق المعارضة بما يتفق مع إرادة الروس كقائد عسكري أثبت وجوده في المشرق العربي!.


متناسياً هذا السياسي الفذ أنّ الدب الروسي ورغم قوته وسلطانه العسكري لا يمكنه تحقيق الاستقرار إلّا بتنفيذ إرادة السوريين وتطلعاتهم، وإنّ ما يصفونه بتعنّت الفريق التفاوض هو ليس بتعنّت، ولكن هذا الإصرار السياسي للفريق التفاوضي على ثوابت الثورة "قسم"  لا يمكن الحنث فيه و أمر لا يمكن تجاهله أو الالتفاف عليه لأنّ شرعية حجاب وفريقه التفاوضي متعلّق وجوده بمدى نجاحه في المحافظة على ثوابت الحراك وعدم المتاجرة بها، لأنّه لا يملك حق التنازل عنها، خاصة وأنّ مثل هذه الخطوة لن تزيد الواقع إلا دماء ومماطلة لا يعرف حدّ لها.


لكن ما يبدوا أنّ الرصاص الروسي والطيران الحربي استطاع أن يفقد بعض المتثورنين ثقتهم بإرادة السوريين كشعب مقهور دفع الفاتورة من دمه وأولاده وكل ما يملك، والغريب أنّهم يستخسرون عليه أن يقبض الثمن، بل يريدون تحويله من شارٍ للحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، لمجرد ورقة ضغط يتجاذبها السياسيون لتحقيق مصالحهم الشخصية المغمّسة بدماء الأطفال وقهر الرجال.


على السوريين أن يدركوا بأنّ النصر صبر ساعة وأنّ الأطراف الأخرى تابعة لإرادة السوريين وليس العكس، ولولا أنّها فقدت صبرها وتزعزع كيانها وفقدت صوابها لما أقدمت على التفاوض، وعلينا أن نؤمن ونيقن بأنّ الروس يحتاجوننا ولا نحتاجهم، وأننا الأساس وهم التابع، وغايتهم التفرد بالأشخاص وهدمهم للفريق ومفاوضة أنفسهم بانتقاء أدعدائهم!، فحجاب ليس هو المستهدف بل الثوابت والفريق الذي يقوده باحترافية. وأخيراً وباختصار، هناك حقيقة واحدة لا يمكن لأحد التشكيك فيها، وهي أنّ الكل يسقط ويبقى الشعب والجميع متغيرات ثانوية في حضرة صاحب الأرض.

اقرأ المزيد
٢ يناير ٢٠١٧
التفاوض على أطلال سورية

لا يملك المرء أمام حالة الدمار التي وصلت إليها سورية سوى الوقوف برهة، والتأمل في مآلات الثورة، متنقلاً بين محطاتها وتعرّجاتها وانتكاساتها ومآسيها. وهي الثورة التي أعادت تعريف موازين القوى في المنطقة وخارجها، ليس لصالح السوريين للأسف، وإنما على حساب حريتهم وأرواحهم وديارهم. وهو الأمر الذي تلمحه في الاتفاقات الثلاثة التي تم توقيعها أخيراً (اتفاق وقف إطلاق النار، واتفاق مراقبة خروق الهدنة، واتفاق المفاوضات السياسية أو اتفاق أنقرة كما بات يُسمّي) بين الروس ممثلين عن النظام السوري، والأتراك ممثلين عن الفصائل السورية.

وبمعنى من المعاني، سوف تنتهي الثورة إلى حالةٍ تفاوضية بين طرفين لم يكونا يوماً في حسابات من أطلقوها. فمن كان يتخيّل يوم أن بدأت الثورة أواخر فبراير/شباط 2011، بشعارات الحرية والكرامة التي رسمها أطفال درعا على جدران مدارسهم قبل أن تنطلق رسميا منتصف مارس/ آذار التالي، أن يصبح مصيرها معلّقاً على أبواب الكرملين والقصر الرئاسي في منطقة بشتبيه في أنقرة؟ ومن كان يعتقد أن يقبل السوريون بتركيا التي كانت، عقوداً، جارة غير مرغوبة فيها، إن لم تكن عدوّة، بسبب استيلائها علي لواء الاسكندرون الذي كان تابعاً لولاية حلب ضمن سورية العثمانية في ثلاثينيات القرن الماضي، أن يقبلوا بها ملجأ أخيراً لهم إنسانياً وسياسياً، والمفاوض باسمهم ضد نظام بلدهم؟ ومن كان يتخيّل، من شباب الثورة وحركاتها، أن تكون روسيا التي تبعد عنهم آلاف الأميال هي التي سوف تحدّد مصير ثورتهم ومستقبلهم؟ إنه مكر التاريخ الذي لم يترك شيئاً على حاله.

لا يختلف حال السوريين كثيراً عن حال بلدانٍ كثيرة عاشت تحت وطأة أنظمةٍ عفنةٍ سياسياً وساقطة أخلاقياً، لا تعبأ بالكثير بالتفريط في سيادتها وأرضها وقرارها، من أجل البقاء في السلطة بأي ثمن. لا يهم، هنا، أن يكون المحتل فرنسياً أو بريطانيا أو روسياً، وإنما الأهم هو السلطة، ولو كانت لعائلة أو طائفة، والسيادة ولو كانت ناقصةً ومنتهكة. سوف يضع التاريخ بشار الأسد وعائلته ضمن الإطار الذي وُضعت فيها عائلاتٌ وطوائفُ كان الأجنبي أقرب لها من بني جلده ووطنه، كما كانت الحال مع عائلات وطوائف وجماعات عملت لصالح الاحتلالين، الفرنسي والبريطاني، مطلع القرن العشرين في سورية ولبنان ومصر وغيرها. وهي حال قرأنا عنها ولم نعشها، حتى جاء اليوم الذي نرى فيه حكوماتٍ وأنظمةً تذبح شعوبها، وتفرّط في سيادتها، وتغتال أطفالها من أجل السلطة.

جرى التفاوض بين الروس والأتراك حول مصير الثورة، وتوصلا إلى اتفاق هشّ للهدنة، كغيره من الاتفاقات السابقة التي لم يلتزم فيها الأسد ولا بوتين بالتوقف عن ذبح السوريين. وجرى الاتفاق بينهما، بينما العرب غائبون عن المشهد، وكأن سورية لم تعد عربية، بعد أن مزقتها الصراعات السياسية والطائفية. في حين ينظر الإيرانيون والأميركيون بحذرٍ إلى "اتفاق أنقرة" المفترض أن يمهد الأجواء إلى الجولة الأولى من المفاوضات في العاصمة الكازاخية، أستانة، أواخر يناير/كانون الثاني الجاري. في وقتٍ يبدو أن قوى المعارضة استسلمت للأمر الواقع، بعد الخسارة الموجعة في حلب التي سقطت في أيدي النظام قبل أسبوعين. وحسب وثيقة الحل السياسي أو التفاوض، فإن على فصائل المعارضة تشكيل وفد للتفاوض بحلول منتصف يناير الجاري. وهو أمر تبدو فيه شكوك كثيرة في ظل حالة الانقسام التي تبدو عليها المعارضة السورية، والتي كانت سبباً فيما آلت إليه أوضاع الثورة. وهي المعارضة التي تبدو شكوكها أصلاً في جدوى التفاوض، وأن بقية الأطراف سوف تلتزم به، في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية، خصوصاً من جانب نظام الأسد لتنفيذ أي قراراتٍ قد يتم التوصل إليها بعد انتهاء المفاوضات. وقطعاً، لن يكون التفاوض في صالح هذه الفصائل، بقدر ما سيكون للطرف الآخر في المعادلة، وهو الأسد، ومن خلفه روسيا وإيران.

ينظر المرء إلى الخلف، ويسأل: إذا كان مآل الثورة السورية قد انتهى، ليصبح مجرد لعبة سياسية على رقعة شطرنج إقليمية ودولية، فهل كانت تستحق كل هذا الثمن والأرواح التي دُفعت لأجلها؟ صحيحٌ أن أي صراع سياسي لابد وأن ينتهي بالتفاوض. ولكن، بشرط أن تكون الأطراف المتفاوضة على قدم المساواة نفسه، أو على الأقل قريبة منها، بحيث لا يطغى طرفٌ على آخر، وهو أمر غير متحقق في الحالة السورية التي تبدو فيها قوى المعارضة على درجة كبيرة من التفكّك واليأس وعدم الانسجام. حتى وإن افترضنا أن اتفاق الحل النهائي سوف يتم تحت سقف بيان جنيف 1، والذي يشترط رحيل بشار الأسد من السلطة، وعدم وجود أي دور مستقبلي له، فإن الأسد، بعد معركة حلب وخسائرها، لن يقبل بهذا الشرط، مهما كان الثمن.

ويظل العائق الرئيسي في كيف يمكن تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، فضلاً عن تحديد إطاره الزمني. وهو أمر قد يبدو الآن ثانوياً، لكنه أحد المطالب الرئيسية لقوى المعارضة، في حين لا تهتم به روسيا أو تركيا، لانشغالهما بملفات أخرى.
سيجري التفاوض، إذا، على ما تبقّى في سورية من أطلال، بعد أن حوّلها الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس وغيرهم إلى كومةٍ من التراب الذي لو نطق للعن كل من أراق دماء الأبرياء فوقه.

اقرأ المزيد
٢ يناير ٢٠١٧
في راهنية المشهد السوري

بعد أكثر من خمسة أعوام من معاداة الشعب السوري، وقتل نسائه وأطفاله وشيوخه ورجاله، وتدمير مدنه وقراه، والدعم الكامل لنظام الاستبداد دبلوماسياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، تخرج علينا طغمة فلاديمير بوتين الحاكمة في موسكو بلعبةٍ جديدةٍ، وبلبوس الحمل الوديع، وسيط سلام وراعي اتفاقياتٍ، أغلب الظن أنها تمضي في مخطط تصفية الثورة السورية، وتشتيت شمل الثوار والمعارضين وتحقيق ذلك سلماً، بعد عجزها عن تحقيقه حرباً عاماً، وهي، بكل لفها ودورانها، تبحث عن ضمان مصالحها، وتعزيز نفوذها وترويج أسلحتها. ولو كانت هذه الطغمة ذات نية صافية، وترغب في تصحيح مواقفها بهذه السرعة القياسية، لأعلنت اعتذارها للسوريين ولذوي الشهداء، واستعدت لدفع التعويضات عن الخراب والدمار، ولدانت نظام الاستبداد، وطالبت بطرد القوات الإيرانية ومليشيات حزب الله والعراقية، وقبل هذا وذاك سحب قواتها الغازية المحتلة.

تفسيرنا لوقف إطلاق النار (إن تم التنفيذ) هو توقف نظام الاستبداد والعدوين المحتلين، إيران وروسيا، والمليشيات الطائفية، عن قصف السوريين وتقتيلهم وتدميرهم بلادهم، وهو أمر مطلوب بإلحاح. أما التسرّع الروسي بفرض تسويةٍ سياسيةٍ مع فصائل مسلحة، كانت "إرهابية" حتى الأمس القريب بنظر موسكو، وبتزكية وضمانة تركيتين، في معزلٍ عن إرادة السوريين، ومن دون متسعٍ من الوقت لإجراء المراجعة وترتيب البيت الداخلي، وإعادة إنتاج من يعبّر شرعياً عن مطامح الشعب، ومنتخب منه في الأطر المعروفة. وفي استحضار الجانب المصري، وقوى وعناصر قريبة من النظام، ما يثير الارتياب. ويبدو أن طغمة بوتين تستعجل الخطى، مستغلة الوقت الأميركي الضائع، وإخفاق المعارضة السورية، وغياب النظام العربي الرسمي، لتثبت أقدامها في سورية المدمرة التي لن تكون إلا مقبرةً لجميع الغزاة. وعلى الأغلب، فإن الطريقة الروسية هذه لن تحقق السلام في بلادنا.

ما يجري في سورية صراع سياسي بالأساس بين الشعب، بأغلبيته الساحقة، من أجل الحرية والكرامة والتغيير الديموقراطي في سورية التعدّدية الجديدة من جهة، ونظام الاستبداد المتشبث بالسلطة من الجانب الآخر. أما بعد تطورات أكثر من خمسة أعوام، وظهور عوامل جديدة، وتدخلات مليشياوية مذهبية، واحتلالات عسكرية أجنبية إيرانية وروسية لمصلحة النظام، أدّت إلى اختلالٍ في موازين القوى، وانحسار مجال الفصائل المسلحة المحسوبة على الثورة والمعارضة، فإن من الخطورة بمكان معالجة التراجع الحاصل بالمنطق العسكري، وتحت عنوانٍ مزعوم باسم الجيش الحر، في معزلٍ عن الجانب السياسي، وبغفلةٍ من الحراك الثوري، والكتلة الوطنية المستقلة الغالبة. وبكلمة أوضح الاستمرار بالمنطق السابق بتنفيذ كل فصيل على حدة توجهات النظام الإقليمي الرسمي الداعم الذي أدّى إلى الهزيمة العسكرية. لذلك على كل فصيل يؤمن بالثورة تسليم أمره للقرار السياسي الشرعي في إطار المؤتمر الوطني المنشود الذي يعتزم عقده الوطنيون السوريون، بكل أطيافهم، من مدنيين وعسكريين في الجيش الحر.

بعد هزائمها العسكرية، بمختلف أسمائها وإماراتها ومرجعياتها الشرعية، في معظم المناطق السورية، ومن ضمنها جماعات من صنع "الإخوان المسلمين" الذين أبعدوا نشطاء الجيش الحر، وفرضوا عليه الحصار المالي والسياسي، تعود فصائل "الإسلام السياسي" الآن إلى التغطّي باسم هذا الجيش الذي ما زال يحظى باحترام الوطنيين السوريين، وكأن شيئاً لم يكن، ومن دون أية مراجعة أو مصارحة أمام الشعب السوري الذي لن يأبه أبداً بكل هذه الأضاليل، بل ينتظر اجتماع كل من يؤمن بمواجهة الاستبداد، واستمرارية النضال بكل الأشكال المتاحة، في إطار المؤتمر الوطني الشامل لوضع البرنامج السياسي المتوافق عليه، وانتخاب مجلس سياسي – عسكري لإدارة العمل الكفاحي المشترك.

أمام التزاحم المنقطع النظير في صفوف "البازار" الروسي – التركي – الإيراني للحوار مع نظام الاستبداد الأسدي الذي ما زال في نشوة انتصاره المزعوم في تدمير حلب، وإبادة أهلها، فإن الأحزاب الكردية في المجلسين، وكما كنا نتوقع منذ خمسة أعوام (وبدون أن نظلم أحداً) تتصدّر صفوف التهافت، فجماعات حزب العمال الكردستاني نفذت شروط النظام، حتى بتبديل شعاراته التي ضللت بها الناس أعواماً، لتحظى بشرف المشاركة. أما جماعة المجلس الوطني الكردي فليست ضد الحوار مع النظام من حيث المبدأ، ولم ترفضه، بل تبحث عن ظرفٍ أفضل، يؤهلها لتولي موقع تمثيلي ما، إضافة إلى انتظار مشاركة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.

اقرأ المزيد
٢ يناير ٢٠١٧
انقلاب الحسابات والأدوار وطريق الحل السوري

بعيداً عن السؤال المركزي بشأن فرص نجاح الاتفاق الروسي/ التركي حول وقف إطلاق النار في سورية، والذي تجاهل إيران، والسؤال الآخر الأهم بشأن نجاح فرص التفاهم الروسي/ التركي/ الإيراني الذي تجاهل واشنطن والاتحاد الأوروبي والرياض والدوحة، نجد أنفسنا أمام حدثٍ جديدٍ ومباغت، لم يكن أحد يفكّر فيه قبل "ملحمة حلب الكبرى" التي كان هدفها تحرير حلب من الروس والنظام والإيرانيين، فإذا بالمحرّرين يتحوّلون إلى محاورين للروس والإيرانيين والنظام بشأن وقف إطلاق النار، يستعيد محاولة فبراير/ شباط الماضي الفاشلة التي توافقت الدول الكبرى والإقليمية والعربية مع الطرفين السوريين المتحاربين، وعبرت عن توافقها عليها من خلال قرار مجلس الأمن 2254، من دون أن توفر له الزخم الكافي، فهل الاتفاق الجديد الذي تقف وراءه روسيا ضامن النظام، وتركيا ضامن الفصائل، سيتكفل بوقف الحرب، على الرغم من إبعاد إيران والنظام عن مداولات أنقرة، وإشراف الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان اليومي عليها، وإبقاء أو بقاء الولايات المتحدة بعيدة أو مستبعدة عنها، وكذلك اوروبا والمملكة العربية السعودية ودولة قطر؟

تنبع أهمية الاتفاق الصغرى من بنوده المتفق عليها، والكبرى من تبدّلات مواقف الدول المنخرطة في الصراع السوري، بعد نجاح روسيا في إقامة وضعٍ تعتقد أنه يتيح لها التحكّم بحسابات (ومصالح) الأطراف التي تخوض حرباً مباشرة في الساحة السورية، وهي روسيا وإيران وتركيا والنظام والفصائل المعارضة، وتنظيمات مرتزقة طهران.

روسيا: وضعت نفسها في موقع يتيح لها الإمساك بخيوط المتحاربين مباشرة، أو من خلال تركيا، بما في ذلك خيوط الفصائل المعارضة التي تحولت من مقاتلة روسيا إلى مفاوضتها، ومن المراهنة على إخراجها من سورية بالقوة إلى القبول بها حاكماً على الشأن السوري، تتعامل معه باعتباره طرفاً تأمل أن يمكّنها من بلوغ بعض أهدافها المعادية للأسد وإيران. وقد أجرت موسكو تبدلاً مهما في موقفها، بعد عام اعتبرت فيه كل مقاتل ضد النظام إرهابياً، وها هي تتفاوض معها على مستقبل هذا النظام وسورية، بصفتها طرفاً عسكرياً، وسياسياً لديه شرعية تمثيلية في نظر الروس، بينما سيرى هؤلاء منذ اليوم في الأسد مجرد طرف سوري آخر، لم يعد الممثل الشرعي الوحيد والمعترف به للدولة السورية! تعتمد روسيا في نجاحها ضد مقاومة إيران مشروعها على تكامل موقفها مع موقف الرئيس الأميركي المرتقب، دونالد ترامب، المرجح، والذي سيمكّن موسكو من تسويق نفسها منقذاً للملالي الإيرانيين من بطش أميركا التي لن تبقي لهم اي موقع في المشرق، ومن مصلحتهم قبول ما يبقيه الكرملين من دور ومكانة سورية لهم، وإلا انحاز إلى ترامب وأخرجهم، بالتعاون معه، من سورية وبقية محافظاتهم العربية، وتركهم لمصيرهم المحتوم، بعد نقل معركتهم الخارجية إلى داخل إيران.

إيران: هي الطرف الرئيس الذي لا يريد حلاً سياسيا في سورية، ناهيك عن حلٍّ يتم بين النظام والمعارضة وفق وثيقة جنيف والضمانات الدولية، الروسية وغير الروسية. تدرك إيران أن اي اتفاقٍ لوقف إطلاق النار يعني منعها من توسيع دورها في حربٍ أرادت لها أن تتواصل بعد "انتصارها "في حلب، وكبح خطتها الرامية إلى القضاء على الثورة، من خلال انتصارٍ ساحق على فصائل المعارضة. بكلمات أخرى: سيكون أي اتفاق ينهي الصراع السوري بحل متوازن ضربةً لطهران التي يستحيل، في حال نجاحه، أن تحافظ على حضورها ونفوذها الراهنين في سورية، والعلاقة التي تربط النظام بها، وأن تحول دون قيام نظامٍ لا يرتبط بها أو يتبع لها، أو يمثل جزءاً تكوينياً من منظومتها التوسعية المنتشرة في المشرق العربي، التي جعلت بعض قادتها يتحدّثون عن سورية، بصفتها المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين. لهذا كله، يُرجح أن تضع إيران جميع أنواع العراقيل في وجه الاتفاق، وأن تستميت لإفشاله، بالتعاون مع النظام الذي يرفضه ويخشاه أيضا، ما دام تحقيقه يحبط حله العسكري، باعتباره الحل السياسي الوحيد الذي يقبله، بينما يفتح الحل الباب أمام قيام نظام انتقالي هو نهاية أسدية حافظ الأسد التي ذبح ابنه ثلاثة أرباع السوريات والسوريين من أجل المحافظة عليها. وعليه، من الآن فصاعدا، إلقاء نظرة وداع عليها، وعلى نفسه ورئاسته.

تركيا: بدأت تركيا تحصد النتائج الإيجابية لانعطافتها نحو موسكو، وتنسيقها معها في الشأن السوري. ولعل أولى الثمار التي ستجنيها تتمثل في الاتفاق مع جارها الشمالي على إحباط أي مسعىً لفدرلة الدولة السورية، أي لإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، وفي حصول أنقرة على دعم روسي لحربها ضد "داعش"، ولمنطقتها الآمنة، كما قرّرت إقامتها شمال سورية. بينما أثبتت أنها صاحبة الكلمة والتأثير الأكبر على جميع فصائل المعارضة المسلحة التي أخذت تمارس، بعد حلب، تنسيقاً مفتوحا معها، قرّر الذهاب معها إلى نهاية الشوط في كل ما يتعلق بتفاهماتها السورية مع الروس. أخيراً، نجح الرئيس أردوغان، ليس فقط في إخراج مفاعيل المعضلة السورية المدمرة من داخل بلاده، وشرع يلعب دوراً مقرّراً في سورية والعراق، بل وأبعد كذلك روسيا عن إيران، وإنْ بصورة نسبية، وتحول إلى شريكٍ قوي لها في أي جهد يتصل بحل الصراع، بما في ذلك العربي والإقليمي منه، وفتح الباب أمام مشروع استراتيجي يجمعهما، يرجح أن يعين صورة المشرق الجديد، ويضمن دعم أنقرة ضد ضغوط أميركا، من دون إفقادها خيار التفاهم مع واشنطن، في زمن لا بد آتٍ.

الفصائل: لعل التطور الأهم سيتجلى، من الآن فصاعداً، في التبدّل الذي أصاب أداور سياسيي الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة السورية والهيئة العليا للتفاوض وعسكر الفصائل. بعد أن كان الساسة الطرف الذي افترض دوما أنه هو الذي سيفاوض وينجز الاتفاق على الحل، صار العسكر هم هذا الطرف الذي تفاوض مع الروس، واتخذ القرارات بمفرده، بينما وقف الساسة جانباً. ومن المرجح أن يتحولوا إلى جهةٍ مساعدة أو رديفة، لم تشارك في اتفاق الهدنة، وقد لا تشارك في مفاوضات الحل في حال استمر موقف موسكو السلبي حيال الهيئة العليا للتفاوض. هل يعني هذا أن من سيلعب الدور الأكبر في تقرير شكل النظام الانتقالي هو العسكر، وأنهم يمكن أن يتحولوا إلى طرف سيتولى إنجاز الانتقال، وتولي المسؤوليات في مؤسساته وعنها؟ يرجع هذا التحول إلى هامشية دور "الائتلاف"، وأداء هيئة التفاوض الذي يعتبره العالم، بالحق أو بالباطل، متشدّدا، ويرفض التفاوض من دون التسليم بحتمية تحقيق قراءته لوثيقة جنيف والقرارات الدولية الملحقة بها، وهذا ما قوّض فرص التفاوض والتسويات المحتملة التي تمليها التوازنات المحلية، والمصالح العربية والإقليمية، والصراعات الدولية. هل سيتطور دور الفصائل، ليغطي المسألة السياسية برمتها، بعد أن أنجزت اتفاقاً حول وقف إطلاق النار من دون تدخل "الائتلاف" والهيئة؟ هذا ما أرجحه، على الرغم مما يعلن عن تعاون بين العسكر والساسة في المفاوضات المقبلة.

روسيا جادة في جني ثمار عدوانها على سورية، وستفعل كل ما هو ضروري لإرغام الجميع على قبول خطتها لوقف إطلاق النار، ليس لانها حريصة على السوريين، دولةً ومجتمعا، بل لأن نجاحها هو الذي يضمن بقاءها في سورية قاعدة لها، يمكنها الانتشار منها إلى المنطقة، ومن المنطقة الى بلدان كثيرة، وهو الذي يخرجها من واقعٍ شديد الهشاشة، ستغرق فيه أكثر فأكثر، إذا واصلت حربها المفتوحة ضد الشعب السوري التي تحمل علاماتٍ على أن جيشها ليس حصيناً ضد استنزاف أشد بكثير مما تعرّضت له في أفغانستان.
ويبقى السؤال: هل يفتح وقف إطلاق النار الشامل طريق الحل السياسي، أم يكون هو الوضع المنشود الذي تهدّد استمراره خلافات الروس والإيرانيين والأتراك، ومواقف واشنطن وبروكسل والرياض والدوحة.

اقرأ المزيد
٢ يناير ٢٠١٧
السوريون بين إدارتين أميركيتين

بتتويج دونالد ترامب رئيساً في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري، تنتهي حقبة من الأوبامية المنكفئة والباردة، لندخل عوالم الفانتازيا السياسية بكل ما تحمله «الترامباوية» من مفاجآت سياسية جاءت في سلة واحدة مع الصدمة الكبرى لانتصاره على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، ما خالف الاستقراءات والتوقعات.

من نافل القول أن السوريين الذين عاصرت أزمتهم العسيرة، بل تعاملت مع وزيري خارجية أميركيين خلال عهدين متواليين لإدارة أوباما، لم يتمكنوا من كسب الودّ الأميركي المفترض لحليف استراتيجي يدعم قضيتهم العادلة بما تحتاج إليه في حربها العظمى مع الاستبداد.

ومن نافل القول، في الضفة الأخرى، أن التدخل الأميركي المباشر في ليبيا لإسقاط نظام القدافي، وما ترتب عليه من انتشار للفوضى الأمنية والسياسية في البلاد، وتعاظم سيطرة الفصائل الإرهابية المسلحة، ثم مقتل السفير الأميركي في بنغازي على يدها، شكلت العقدة التاريخية، النفسية والعسكرية التي ابتلي بها الوجدان الأميركي على المستويين الرسمي والشعبي، لتضاف إلى العقدة الأعظم في تاريخه المعاصر بدخوله العراق غازياً في 2003، وخروجه منه في 2015 منسحباً في ليل.

السقطتان الأميركيتان هاتان، في جانبيهما العسكري والسياسي، جعلتا الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، يميل إلى التريث والحرص المبالغَين من دون لعب دور حاسم في تحييد النظام السوري وآلته العسكرية التي وجهها ضد شعبه الأعزل، مروراً بجريمة ارتكابه استخدام السلاح الكيماوي في 2013، والتي كان من المفترض أن تكون نقطة انعطاف في تعاطي أوباما مع المعضلة السورية - الأمر الذي لم يحدث: فلا هو أسقط النظام الذي تجاوز خطوط البيت الأبيض الحمر بعدما وجّه بوارجه إلى السواحل السورية لضرب معاقله في العاصمة دمشق، ولا هو انتصر للمعارضة بحزم وساندها لإسقاطه فعلاً، بل أبرم وزير خارجيته، جون كيري، صفقة مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، اقتضت تسليم النظام سلاحه الكيماوي بالكامل (وهذا الأمر كان علنياً ومراقباً دولياً) مقابل صفقة غامضة ومبهمة (لا نعرف تفاصيلها حتى اليوم) بإطالة عمر النظام ومحاولة غض النظر عن مسألة رحيل بشار الأسد عن السلطة، مع سعي غير معلن لتعطيل الغطاء السياسي للمعارضة وفرملة دعمها لوجيستياً وعسكرياً من حلفائها الدوليين أو الإقليميين.

منذ إبرام الاتفاق، بدأت الحالة السورية الميدانية والسياسية تأخذ منحى جديداً على طاولة اللاعبَين الدوليين الأساسيين، وغدت الغلبة واضحة لإرادة موسكو المناهضة للثورة السورية على حــساب تذبذب واشنطن، ما مهّد الميدان الدولي لتدخل عــسكري مباشر لجيش بوتين وقواته الجوية. وبالفعل تمكنت موسكو من القضاء على تجمعات المعارضة ابتداء بريف دمشق ومرتفعات القلمون ومروراً بحمص وحماة ووصولاً إلى حلب، حيث أنهت الغارات المتصلة على شرقها كل وسائل البقاء في المدينة، وحملت المقاتلين على القبول باتفاق الخروج إلى الريف بسلاحهم الفردي بلا ذخيرة، في عملية تهجير قسري جماعي أمام آلة قتل روسية - أسدية وحصار ميليشياوي مذهبي من جانب العصائب الإيرانية. وسقطت حلب في قبضة بوتين، وغادرها الحلبيون في مشهد جنائزي داخل حافلات التهجير الخضر السيئة الذكر.

وعلى رغم دخول تركيا على خط التفاهمات الروسية - الإيرانية في شأن حلب تحديداً (نيابة عن الغائب الأميركي)، فإن أنقرة ستنقل آلاف النازحين المدنيين من حلب الشرقية إلى مخيمات أعدتها لهم داخل الأراضي السورية في منطقة استراتيجية يشكّلها مثلث منبج – الباب – جرابلس، حيث سيفصل ذاك المثلث الجيوسياسي محيط روجافا عن عفرين، ويؤمن تالياً أرضية بشرية وإنسانية وسياسية لتحقيق نظرية أردوغان التي كثيراً ما تعثرّت بالرفض الأميركي لها، وليظهر أردوغان صياداً ماهراً لعصافير عدة بحجر روسي واحد!

وفي توقيت لافت، وبعد أن تجنب ترامب وضع منهج واضح لسياسته حيال الأزمة السورية قبل انتخابه وبعده، نسمعه يصرّح عن رغبته في إيجاد مناطق آمنة في سورية حال وصوله إلى السلطة. فترامب المعجب برجب أردوغان بشدة يتجاوب فوراً مع خطوة أنقرة في إقامة تلك المخيمات الحلبية، والتي ستضمن وقف الهجرة السورية إلى أوروبا عبر تركيا كما أوحى له وحي أردوغان.

أما نحن السوريين المغلوبين على أمرنا، فلن نطالب حالياً الرئيس ترامب بأية تفاصيل عن طبيعة فهمه وتناوله للقضية السورية، بل سنكتفي في الوقت المستقطع بين شوطي الإدارتين الأميركيتين الراحلة والمقبلة بالإشارة إلى ما لا نريد أن نراه في إدارته المنتظرة للملف السوري. فنحن لا نريد مواقف خطابية متذبذبة، مضلّلة، وفاقدة المضامين كما فعل سلفه أوباما، ولا نريد دعماً لمناطق آمنة مرتجلة، غائية وضيقة لها مساحة المطامح السياسية لشخص أردوغان الذي هو موضع إعجاب ترامب وابنته أفانكا، ولا نريد تنازلاً مخزياً وملتبساً لموسكو كما جرت عليه سياسة جون كيري المتمادية في تبعيتها لإرادات لافروف الاستعلائية، ولا أن نشهد تعاظماً لغطرسة ملالي إيران متمترسين خلف اتفاق نووي دولي مهندساه بامتياز كانا حصراً السيدين كيري ونظيره جواد ظريف.

هذا بعض ما لا يريده السوريون من الرئيس ترامب، فهل سنجد لدى سيد البيت الأبيض الجديد أذناً صاغية على خلاف سلفه الذي أراد أن يغادر مكتبه البيضاوي حاملاً لمعة وسام نوبل للسلام على صدره، فارتضى أن يكون شاهداً معصوب العينين ومربوط اليد أمام هول أبشع حرب شُنت على الإنسان والإنسانية؟

اقرأ المزيد
٢ يناير ٢٠١٧
هل يحمل أمين الأمم المتحدة الجديد حلاً لسوريا عام 2017 ؟

نبدأ عام 2017 مع أمين عام جديد للأمم المتحدة، لا ندري هل علينا التفاؤل بقدوم من تعاطف مسبقاً مع السوريون أم علينا ألا نتفاءل كثيراً، لكن ما تعلمناه خلال السنوات الست من الثورة هو أنه لا مكان للتفاؤل ولكن الأمل في قلوب شعب عاش تحت القصف وتعايش مع الدمار لا ينضب.

بدء  أنطونيو غوتيريس الدبلوماسي البرتغالي والرئيس السابق لها، مهمته كأمين عام بأمنياته بعام من السلام، ربما تلك الكلمة باتت مهمشة في قاموس السوريين، ولكن عمله الإنساني وخدمته للأحياء الفقيرة في لشونة قد تجعل منه أفضل حالا من بان كي مون على كل الأحوال، وإن كانت الخديعة الروسية التركية لا تبشر بالخير مع بداية العام

بان كي مون الذي ختم فترة ولايته، بأنها كانت فترة تشبه "رواية خيالية"، لم يكذب لأنه فعلاً جعل الشعب السوري يعيش الخيال المدمر، وتشبيه نفسه بالسندريلا كان غير لائق به، فلكم كان أفضل أن يشبه نفسه بالأميرة النائمة، التي قضمت تفاحة نشرت الظلم، فما كان دوره إلا انتعال المؤامرة ضد الشعب السوري مع الروس والأمريكان، لذا فخروجه عن الخدمة هو بحد ذاته مفترق طرق لسوريا التي لم تعد تجد ما يواسيها، والتي قضت نحبها في فترة توليه الأمانة العامة للفترة الماضية بعلامات تعجب ودهشة دائمة، حملت تهكم لا مجدي من كافة دول العالم مع الثورة السورية.


غوتيرس الذي كان زعيما للحزب الاشتراكي قد يكون أكثر شعوراً بمعاناة الناس، وهذا ما بدا في تصريحه الصحفي قبل نجاحه في انتخابات الأمانة العامة للأمم المتحدة حين قال "للأسف لا يلاحظ الأغنياء وجود الفقراء إلا بعد أن يدخل الفقراء باحات ‏الأغنياء" في تعليق منه على تعامل الدول الغنية مع أزمة اللاجئين السوريين، ما يجعلنا نتساءل هل ستكون تلك العبارة انطلاقة لنهاية الحرب السورية؟

وهل سيتمكن مهندس الكهرباء، من هندسة الحل السياسي بما يتلاءم وتعب دام ست سنوات، كان آخرها إحباط آمال السوريين الذين علقوا طموحاتهم على اتفاق هدنة بني على باطل؟ لا ندري الأيام القادمة هي القادرة على الاجابة وان كانت القلوب السورية قد جفت كما بدأ نهر بردى بالجفاف مع قصف النظام لآماله التي بناها طيلة مئات السنين الماضية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٦ نوفمبر ٢٠٢٥
"أنا استخبارات ولاك".. حادثة اختبار مبكر لهيبة القانون في مرحلة ما بعد الأسد
أحمد نور الرسلان
● مقالات رأي
٣ نوفمبر ٢٠٢٥
فضل عبد الغني: عزل المتورطين أساس للتحول الديمقراطي في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٨ أكتوبر ٢٠٢٥
"فضل عبد الغني" يكتب: شروط حقوقية أساسية لتطبيع العلاقات السورية - الروسية
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٦ أكتوبر ٢٠٢٥
زيارة إلى العدو.. لماذا أغضبت زيارة الشرع لموسكو السوريين؟
أحمد ابازيد - رئيس تحرير شبكة شام
● مقالات رأي
١٣ أكتوبر ٢٠٢٥
هل تتعارض العدالة الانتقالية مع السلم الأهلي في سوريا.. ؟
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٢ أكتوبر ٢٠٢٥
بيان الهجري يكشف الرفض الداخلي له رغم محاولات شرف الدين تحويله لـ "آله" غير قابل للنقد
فريق العمل
● مقالات رأي
٥ أكتوبر ٢٠٢٥
فضل عبد الغني: "العلم" الرمز الوطني الأسمى لتجسيد الهوية الوطنية في البروتوكولات والدبلوماسية
فضل عبد الغني