كان الأمل كبيراً في بداية الثمانينيات أن تكون نهاية الحرب الباردة فرصةً تاريخية، وربما الأخيرة، لتدشين مسارٍ جديد للبشرية التي أنهكتها الحروب والنزاعات القومية والأيديولوجية، ولفتح الطريق أمام تعاون دولي، يضمن الأمن والحرية والعيش الكريم لجميع سكان المعمورة. وعلت بالفعل أصوات عديدة مطالبة بتطوير منظومة الأمم المتحدة التي شلتها الحرب الباردة من قبل، وتعزيز قدراتها وصلاحياتها، وتحويلها إلى شبه إدارة دولية قادرة على ايجاد الحلول المتوازنة للنزاعات الدولية المتقرحة، وإطلاق برامج أصبحت أكثر من ضروريةٍ للرد على تحديات ومعالجة مشكلات البيئة ونقص التنمية في أكثر مجتمعات العالم، والقضاء على الفقر، ودعم جهود التربية والتقدم التقني والعملي لملياراتٍ من البشر الذين لا يزالون مستبعدين منها، على مستوى المعمورة بأكملها.
ما حصل كان معاكسا تماما لذلك. استغلت الولايات المتحدة، تفرّدها بالقوة لإعادة ترتيب الأوضاع الدولية، بما يعزّز هيمنتها ونفوذها العالميين، فخاضت حروباً عديدة، كلها مدمرة، في أفغانستان والعراق وغيرهما، فاقمت من المشكلات العالمية، ثم ما لبثت روسيا أن ردّت بالمثل، بعد أن تحرّرت من أزمة الدولة السوفييتية، وتيقنت من انكفاء واشنطن وانطوائها على مشكلاتها الداخلية. وهي تخوض اليوم في سورية، بالتعاون مع إيران، وتغطية صينية، حرباً دولية دامية لفرض نفسها من جديد قوة عالمية كبرى، على الأقل في أوروبا والشرق الأوسط، بينما تكاد منظومة الأمم المتحدة تنهار من تلقاء نفسها، بسبب عجزها المحزن عن القيام بأي دورٍ لتخفيف المحنة عن الشعوب التي تتعرّض لإبادة حقيقية، وفي مقدمها الشعب السوري الذي أصبحت أراضيه مسرحا للمواجهة بين عديد الجيوش والمليشيات الطائفية وغير الطائفية، المحلية والإقليمية والدولية، بينما يتعرّض أكثر من مليون إنسان لحصار جوع قاتل، وتدمير منهجي لأبسط شروط الحياة الطبيعية في حلب والغوطة ومناطق أخرى، في عملية تهجير قسري مقصودة للسكان، وباستخدام جميع الأسلحة الكلاسيكية والكيميائية، بينما لم يبق للأمم المتحدة دور سوى الإعراب عن قلق أمينها العام وهي عاجزة حتى عن ضمان إدخال المساعدات الغذائية والأدوية، وإخراج المصابين من تحت الأنقاض، فما بالك بضمان استقلال الدول وسيادة الشعوب، كما تنص عليه مواثيقها.
لكن، في موازاة هذا التصعيد المتسارع والخارج عن السيطرة للعنف، والصراع بين الدول والحكومات والطوائف والجماعات، والتنافس عبر الحدود والسيادات على السيطرة والنفوذ ونهب الموارد التي لا تستطيع الشعوب الصغيرة حمايتها، تتفاقم أزمةٌ عالميةٌ متعدّدة الأبعاد، تنذر بانهيار النظام الدولي والتهميش الكامل للأمم المتحدة، والتنكّر لآخر ما تبقى من الأعراف والقوانين وقواعد العمل بين الشعوب والمجتمعات، تحاول الدول أن تخرج منها، أو تخفّف خسارتها فيها، بتخليها عن مسؤولياتها الدولية، وإعادة صوغ أجندتها القومية، كما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر، أي في أكثر صورها بدائيةً، بحيث لا تراعي فيها الحكومات أي مصالح أخرى غير مصالحها الخاصة، ولا تنظر من خلالها إلى مدىً أبعد من سنوات الولاية الانتخابية وحدها، أي لأقل من عقد. وهو ما يدفع العالم، بزخمٍ لا حدود له، نحو وضعٍ تزداد فيه الفوارق والاختلالات بين الطبقات والشعوب والمجتمعات على كل المستويات بشكل انفجاري، ويجعل من المواجهات المتعدّدة الأشكال مصدر فوضى معممة، تهدّد بزعزة استقرار جميع القارات. وذلك مع انهيار الايمان بوجود حاضنة قانونية وسياسية، قادرة على ضمان حقوق الأفراد وصون أمن الدول وسيادة الشعوب.
في هذا السياق، تبرز النزوعات القوية نحو الديكتاتورية، ويدفع انهيار الثقة بوجود حاضنةٍ قانونية بضمان حقوق الأفراد وصوت أمن الدول وسيادة الشعوب إلى انبعاث الهويات التقليدية، الإثنية والدينية، وفيه أيضاً تنمو الرغبة في التقوقع على الذات وفقدان الأمل بقيمة التكتلات الدولية. وفيه أيضا يبرز معنى تصويت الناخبين البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي شكل درعاً للدول الأوروبية جميعا في مواجهة الرياح العاتية للأزمات المتعددة الأشكال التي من المممكن أن تتمخض عنها التحولات الاقتصادية العالمية، في إثر ما سمي بالعولمة وسياسات الانفتاح المتسارع وتكوين سوقٍ عالمية واحدة. ولا يقتصر الأمر، كما يبدو الآن، على بريطانيا. فتيار الانكفاء على السياسات القومية ينمو بشكل مضطرد في إيطاليا وفي بلدان أوروبية أخرى، حتى لو لم يتخذ شكل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وليس فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعيداً عن هذا التوجه، بل إنه التعبير الأكثر فجاجةً عنه، حيث تعلن الولايات المتحدة، على لسان رئيسها الجديد، انسحابها من كل التزاماتها الدولية الجماعية. ومن الطبيعي ألا يكون حامل هذا التوجه من الفئات والشرائح الاجتماعية المندمجة في الاقتصاد المعولم أو المستفيدة منه، وإنما جمهور المهمشين الذي شعر بأنه في طريقه إلى أن يخسر مكانه وموقعه ووزنه في الدولة والمجتمع معاً، بسبب إعادة توزيع علاقات السطلة والنفوذ والثروة على قواعد عولمية جديدة، أعني الجمهور الذي لم يعد يشكّ في أنه مهدّد بأن يصبح من بين الجماعات الواسعة العديدة القابعة منذ عقود على قارعة الطريق، لا مستقبل لها ولا قيمة ولا اعتبار. وهذا هو أيضاً درس الانتخابات الأولية الفرنسية التي فاز فيها رئيس الوزراء السابق، فرنسوا فييون، وهو الذي حرص على أن يظهر في خطابه ذاك التكنوقراطي الذي لا تهمه سوى حماية المصالح الفرنسية، بصرف النظر عن أي مبادئ أو معايير أو قيم إنسانية، أخلاقية أو سياسية.
لا يعرف الجمهور الحائر ما يريده من المرشّحين الذين يصوّت لهم، لقدرتهم على ترجمة مشاعر الخوف والقلق التي تستبدّ به عن حق، إلى كلام سياسي أو شبه سياسي، فهو ليس لديه معرفة كبيرة بأبعاد السياسة الاقتصادية الدولية، وبالاستراتيجيات المتنافسة والمتنازعة على مستوى التكتلات القارية. على الأغلب إن ما ينتظره من هؤلاء الطامحين للحكم، باسمه، هو تطمينه فحسب. وغالبا ما يتخذ هذا التطمين، من الساعين إلى حصد ثمار هذا الخوف والقلق، وإعادة إنتاجه وتضخيمه في الوقت نفسه، لتحويله إلى رصيد سياسي ثابت، أحد شكلين: الأول شرعنة العداء للأجنبي واللاجئ والمختلف، والثاني تفعيل النزعة القومية التي تخفي الفوارق الطبقية والتمايزات داخل البلد الواحد ضد الدول الأخرى والتكتلات وتعزيز الضخ في مشاعر الهوية والخصوصية، على حساب القيم والتقاليد والتوجهات الإنسانية الكونية الانفتاحية المتهمة بتسبيب التدهور في شروط الحياة والمستقبل.
فالأول يقدم للمرشحين لقيادة المجتمعات المتازمة في العقد المقبل كبش الفداء المطلوب الذي لا يفدي بالضرورة أحداً، فتحويل حياة اللاجئين والمهاجرين إلى جحيم لن يحمي أحداً من الخائفين والناقمين، وإنما يفعل العكس تماما. لكنه يقدم للقادة مسرباً إضافيا للتهرّب من المسؤولية أو التغطية على الفشل.
أما الثاني فبمقدار ما ينمّي الشعور بالأنانية والعظمة، ويشجع على التحلل من الأخلاقيات السياسية، وبشكل خاص مبادئ الالتزام بحقوق الإنسان التي أقامت عليها الدول الكبرى، خلال العقود الماضية، سياساتها لتضفي على هيمنتها العالمية صبغةً أخلاقية وإنسانية، يبرّر عمليات السرقة والنهب وصرف النظر عن المذابح التي تجري في عالم مفتوح على كل احتمالات النزاع، ومن وراء ذلك استعادة الروح الاستعمارية والامبريالية الفجة، والتحوط ضد تأنيب الضمير.
إنها العودة إلى روح القرن التاسع عشر الاستعماري، حيث ضاعت القواعد والأعراف، واختلطت القومية بالعنصرية، وصارت تتجلى في العداء للآخر المختلف، بدل أن تتحوّل إلى التزام بالتضامن الداخلي، وحيث استعادت الرأسمالية في طورها الأخير سيرتها الأولى، وتحوّلت مضاربات ومكائد وسطو مسلح أو شبه مسلح على موارد الشعوب والجماعات ونهب واحتلال.
ما يجري في المشرق اليوم هو نموذج مبكّر وفج، أي متوحش ككل نموذج بدائي، لهذا النزوع الذي يدفع العالم إلى التحلل من التزاماته الجماعية، والجري وراء المصالح في صورتها القريبة والمباشرة والآنية وعدم الاكتراث بأي نتائج للأعمال، ولا أي مبدأ أخلاقي أو قيمة إنسانية. وهذا ما يفسر لماذا استمرت الحرب السورية، ولماذا بقي العالم متفرجاً على اجتياح بلد آمن وتدميره من مئات المليشيات المتعدّدة الأجناس والمذاهب التابعة والممولة من دول أعضاء في الأمم المتحدة وموقعة على مواثيقها، ووقوفه اليوم غير عابئ اليوم لاغتيال مدينة الحضارة العالمية بامتياز حلب، وتدميرها على رؤوس أطفالها ونسائها.
إنه عالم ترامب وبوتين وخامنئي وشين جين بينغ (الرئيس الصيني). عالم: انجُ سعد فقد هلك سعيد. عالم أصبح فيه العنف والتطرّف والأنانية سياسة دولية، وصار كبار قادته من أكابر المتطرفين.
قَلَّ من قرأ المشهد العام في بلدان الربيع العربي بشكله الصحيح، نظرًا للتداخلات الكثيرة والمتغيرات الداخلية والخارجية اليومية، أمر جعل الغالبية الساحقة من مواطني هذه الدول مشدوهين بما يجري، فذهب البعض إلى جلد الذات والإسهاب في ذلك؛ ما تجلى في موجة الإحباط التي تنتاب الغالبية إن لم يكن الجميع.
وبدا لكثيرين أن الأمور وصلت إلى طريق شبه مسدود في كثير من الثورات (سوريا - ليبيا - اليمن)، فهدف هذه الثورات بطبيعة الحال لم يكن الحروب والقتل والدمار، وإنما البحث عن الحرية والديمقراطية والكرامة. وما لبثت مشاريع هذه الثورات أن تحولت إلى حروب طاحنة بعد تقاعس قوى كبرى عن دعمها كما يجب من جهة، ودعم طرف على حساب طرف، والعكس صحيح، من جهة أخرى، إضافة إلى خلق الإرهاب العابر للقارات من جهة ثالثة.
في الملف السوري، وبعد ما يقارب ست سنوات من بدء الثورة، وخروج الأمر عن السيطرة، لتعقيداته وتداخلاته الدولية والإقليمية والداخلية، أصبح من الواضح أن الأمر لم يعد بيد السوريين ولا حتى دول الإقليم، بل وصل إلى أن يكون صراعًا دوليًا، وتصفية حسابات بين الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، وكان من مظاهر ذلك، عدم مبالاة الولايات المتحدة، وسماحها بالتمدد الروسي في المنطقة وأوروبا، كما كان من مظاهره احتلال روسيا لمناطق في أوكرانيا، وما يمثله ذلك من تهديد للاتحاد الأوروبي في حال بقائها في المناطق المحتلة.
في الداخل السوري، الذي أصبح ساحة صراع معقد متعدد الأطراف والأجندات، لا يزال الثوار متمسكين بمطالب الثورة، ضد نظام القتل والإجرام، الذي استخدم جميع الأسلحة وصولاً إلى صواريخ سكود والسلاح الكيماوي المحرم دوليًا؛ أكثر من 150 مرة في مناطق يسيطر عليها الجيش السوري الحر، وقد أثبتت المنظمات الدولية في تقارير كثيرة مسؤولية نظام الأسد عن ضربات كيماوية، وكذلك ضد ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، التي تسيطر على مناطق عدة في سوريا، وتستخدم سياسة التغيير الديموغرافي، وضد تنظيم القاعدة (جبهة النصرة)، و«داعش»، الذي سيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق، ومارس خروقات وانتهاكات ونفذ عدة عمليات في دول أخرى، كتركيا ودول أوروبا؛ ما جعله تنظيمًا عابرًا للقارات.
لقد تحول القتل والدمار ليصبح جزءًا من المشاهد المعتادة، ليس على صعيد الأفراد فقط، بل على مستوى المجتمع الدولي والأمم المتحدة، التي يفترض بها أن تتحمل مسؤولية الأمن والسلم الدوليين، وتحوّلَ السلم والأمن إلى مفهوم غريب لا يكاد يجد له مكانًا في المشهد.
يكشف هذا الواقع عن التقاعس الكبير والمواقف الباردة وغض الطرف عن الإجرام، الذي يقوم به نظام الأسد والميليشيات اللبنانية والعراقية والإيرانية بحق الشعب السوري، والانشغال بالقشور، التي لا تتعدى بعض المساعدات الإنسانية، والقلق المستمر الذي يعتصم به الأمين العام للأمم المتحدة، كل ذلك مقابل ترك الأصل والعجز عن تنفيذ القرارات الأممية على هشاشتها وفشلها في الوقوف الصارم إلى جانب الحق، والتي باتت حبرًا على ورق، ولا تساوي قيمة الورق الذي تكتب عليه.
وقد ظهر هذا العجز وانكشفت تلك الهشاشة بأفدح الأثمان التي سددت، ولا تزال تسدد من دماء السوريين ومستقبلهم، كما ظهرت على مستوى آخر في توالي ثلاثة مبعوثين دوليين؛ كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، وآخرهم ستيفان دي ميستورا، الذي عبّر في مرات عدة من خلال سلوكه عن تخبط واضح وعن عدم نجاح في تولي المهمة المسندة إليه، ظهر ذلك في إطلاقه المبادرة تلو الأخرى، معبرًا من خلال كل ذلك عن فشل جوهري في كيان المنظمة التي اختارته وابتعثته، وفضّل أن يتنازل عن الحياد في بعض الحالات واتهم بأنه تورط في مخططات النظام الرامية لإجراء التغيير الديموغرافي والتهجير الممنهج في مناطق عدة، منها ريف دمشق الغربي وحي الوعر في مدينة حمص وسط سوريا، والمساهمة في هذا الأمر من خلال ممارسة الضغط بهذا الاتجاه كما حصل في داريا غرب دمشق وحي الوعر في حمص، عندما قدم فريق دي ميستورا في مكتب دمشق النصائح للثوار من أجل تسليم حي الوعر المحاصر للنظام؛ بدل الضغط على النظام لفك الحصار، أو على أقل تقدير إدخال المساعدات الإنسانية. وفي داريا شارك فريقه في تفريغ المدينة من أهلها بشكل كامل لصالح النظام!
نحن أمام عجز للمجتمع الدولي، وأمام تداخل بين الملفات والأجندات المختلفة.. نحن أمام تدخل إيراني يدعم النظام كخيار استراتيجي لا يرى بديلاً عنه.. نحن أمام أحلام روسية قيصرية واحتلال لمناطق في سوريا، احتلال تفرضه قرابة مائة طائرة حربية، وطرادات وسفن وبوارج، وحاملة طائرات ترسو على السواحل السورية، تدمر الحجر وتقتل البشر في ظل الصمت الدولي على هذه الجرائم.
الملف لا يزال مفتوحًا على مزيد من الإضافات، فالمعارضة السياسية السورية لا تزال بعيدة عن الآمال، وهي تستمر في التخبط على بعض المستويات، بين تخوين بعض الأطراف في الداخل السوري، ومؤامرات المجتمع الدولي، ويبدو للبعض أنها تبحث عن أمل وسط كومة قش طالتها ألسنة اللهب وبدأت بالاحتراق بفضل سلاح أبدعت في تأمينه دول العالم.
المعطيات، المحلية والإقليمية وكذلك الدولية، تشير إلى عدم وجود حل في المدى المنظور، وإلى أن القتل والدمار وتوسيع دائرة الصراع ستستمر إلى أجل غير معلوم.
الخطر الأكبر قد يأتي من التغيير الديموغرافي، الذي يجتاح الكرة الأرضية بجميع الاتجاهات جرّاء الحروب والظلم والاضطهاد، ما سيكون له الأثر السلبي والثمن الأفدح والتهديد الأكبر للأمن والسلم الدوليين.
غيّر الاستهداف الذي قامت بها طائرات الأسد ، اليوم، على مواقع للجيش التركي بالقرب من الباب شرق حلب، وخلف 3 قتلى و 10 جرحى، المعادلة التي يُعمل على تنفيذها من خلال الاتفاق بين روسيا و تركيا حول حلب، اتفاق لا يحظى بقبول من ايران الذي يسحب البساط من تحتها و بطبيعة الحال الأسد، الذي بموجبه سيكون مكبلاً و غير قادر على تحقيق أي نصر ميداني.
لاشك أن توقيت القصف، الذي قالت رئاسة الأركان التركية أنه تم من قبل طائرات تابعة للأسد، و ما سبقه و رافقه من تصريحات من ايران و الأسد، يأخذ الأمور نحو منحى واضح ، وهو عبارة عن تعبير فعلي عن رفض أي اتفاق يتم حاليا تطبيقه بشأن الأحياء المحررة و المحاصرة في حلب ، والذي ينص على خروج بضع مئات من المقاتلين المنتمين لفتح الشام إلى ادلب و بقاء الثوار في الأجزاء المحررة مع ادارة مدنية من المجلس المحلي التابع للثوار.
ووفق صيغة الاتفاق التركي الروسي، فإن لا رأي لإيران بالموضوع ولا قرار للأسد فيه ، و بالتالي استبعادهما يعني أن الأمور لن تقف هنا، و ربما يُعمل على تنفيذ تبعيات الاتفاق التي قد تصل إلى حد تحويل حلب لمنطقة منزوعة السلاح تماماً، وفق مقترح تم تدارسه دولياً، و لن يكون أفضل من روسيا لتأمن الحماية الجوية له ، و تركيا البرية، الاثنين غير معترض عليهما من أي طرف دولي، بخلاف الوضع اذا ما كانت ايران و تلك المليشيات التي تدعهما.
الأسد أعلنها جهاراً وبوضوح عندما رد على مقترح الادارة الذاتية لحلب ، الذي تقدم به المبعوث الأممي إلى سوريا استيفان دي مستورا ، وقال حينها حلب موحدة و سيتم اخراج جميع المقاتلين منها و سيعيد أجهزته إليها، كما كان طوال أربعين عاماً من حكمه.
أما ايران التي التزمت الصمت طويلاً، و رافقها بعض التصريحات، و يبدو أن دي مستورا قد لمس رفض ايران حول حلب، خلال زيارته الأخيرة، في حين أعلن اليوم رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية محمد باقري أن مئات الآلاف من قوات التعبئة “البسيج” مستعدين التوجه إلى سوريا ، في حال أعطت القيادة الاذن بذلك، في اشارة واضحة لجاهزية عالية للتصعيد، بدون أن يكون هناك مساندة جوية من قبل روسيا، والتي خففت من حدة القصف على حلب الساعات الماضية.
و لعل ليس من باب المصادفة البريئة اختيار التوقيت في ٢٤ تشرين الثاني ، وهو ذات التاريخ الذي أسقطت فيه تركيا طائرة حربية روسية في ريف اللاذقية، والتي تسببت بحرب دبلوماسية كبيرة بين الدولتين، استمرت لأشهر طويلة، واعادة فتح الجرح من جديد بحادثة كهذه سيكون سلاح اضافي لإعادة استمالت روسيا، بتذكيرها بما وُصف بـ”صفعة قوية” للجيش الروسي.
قصف القوات التركية في مدينة الباب ، وفق لما سبق، ليس من نتاج قرار الأسد فحسب، و إنما بدعم ايراني و توجيه حقيقي منها، لتعكير الأجواء الايجابية التي تسود بين تركيا و روسيا ، و تغيير النظر عن تنفيذ الاتفاق إلى اشعال المنطقة بحرب غير متوقعة، اذ كان من المفروض أن ننتظر بعد تحرير الباب من “داعش”، أن نشهد حرباً مع الفصائل الكردية الانفصالية وفق ما كرره المسؤولون الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، و لكن مع هذا الاستهداف باتت تلك الفرضية غير موجودة، وبات الأمر متعلق بحرب فعلية مع قوات الأسد و ايران ، الأمر الذي يضع روسيا مأزق كبير لاختيار أحد الطرفين، ويعّول الأسد و روسيا على تفضيلهما على تركيا، و بذلك تكون المدة الزمنية الموضوعة قبيل استلام ترامب ،كافية لتحقيق “سحق” حلب وفق وصف دي مستورا.
تتابع الآلة العسكرية لجيش النظام الأسدي في سورية محاولة حصد ما تبقى في حلب (الشرقية)، من أرواح وأبنية، بإصرارها على انتهاج سياسة "الأرض المحروقة"، وفقاً لشعارها "الأسد أو نحرق البلد"، أو "الأسد أو لا أحد"، عبر حربٍ مفتوحةٍ بأسلحة التدمير الشامل البراميلية والصاروخية، وبمشاركةٍ روسيةٍ إيرانية، وبمظلة صمتٍ لا تبددها بعض تصريحات أميركية أو أوروبية، تندّد أو تهدّد بعواقب هذا القصف الهمجي على مدينةٍ في الشمال تارة، وفي الوسط تارة أخرى، أو في الجنوب تارة ثالثة.
وإذ يراهن المندّدون إعلامياً على تفهمّنا عجزهم عن أكثر من ذلك أمام خطةٍ روسية هدفها محاكاة تجربة غروزني، وتعويم نظام الأسد، فنحن، في الآن نفسه، نسأل أنفسنا للمرة المليون ربما: أما تعلمنا الدرس بعد؟
تسير الخطة إذن بإحكام شديد، وفقا لمساراتٍ وتصعيداتٍ مبرمجة، لاستنزاف وإنهاك ما تبقى من حاضنةٍ شعبيةٍ للثورة، عبر تصعيد العنف في مكان، وإلزام مناطق متفرقة للإذعان لما باتت تعرف بأنها "هدن محلية"، يستعيد عبرها النظام سيطرته إدارياً، ويعيد من خلالها هيكلة المناطق ديمغرافياً، مقدّماً للعالم المتفرج، أو اللامبالي، نموذجاً آخر للحل السياسي، بصيغته الاستسلامية أمام جيوش متكئةٍ على سلاح متطور، وسياسة تجويعٍ طالت حتى الحيوان والشجر إضافة إلى البشر.
في الغضون، وبينما نزيف الدم السوري يستمر، والدمار يحصل بأقسى صوره في حلب، يتحرك المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، باتجاه دمشق، وتستضيف منسّقة العلاقات الخارجية الأوروبية، فريدريكا موغريني، وفود المعارضة السورية في بروكسل، للحديث عن مبادرةٍ سياسيةٍ، من شأنها، حسب قراءة النظام، أن تعيد الأمل له باستعادة سورية "الأسد"، حيث تتجاوز المبادرة الحديث عن مصيره، إلى الحديث عن صلاحياته، وفق طرح النظام الرئاسي البرلماني بديلاً للنظام الحالي، وحيث يصبح الحديث عن رحيل الأسد مغيباً، أو مكتوماً.
هكذا، وبينما يتصاعد القصف الوحشي على حلب، تقوم الآلة الدبلوماسية بنسج خيوط النهاية في سيناريو واضح بكل تفاصيله لديها، وتنتقل إلى ما بعد الحرب مباشرةً، باحثةً عن تفاصيل تقاسم السلطات، وتوزيع أدوار ما بعد الهدوء الذي جاءت به عاصفة الحرب الهوجاء على الشعب السوري، إضافة إلى الحديث عن الإعمار.
على ذلك، يبدو أن موغريني ودي مستورا، ومن خلفهما المجتمع الدولي، يعرفون مواقيت الحرب، وإلى أين سيذهب النظام، أو يصل، ومعه الآلة الحربية الروسية، من خلالها، حيث العدوان على حلب، على الرغم من بشاعته ونوعية أهدافه ذات الطبيعة الخدمية، كالمشافي والمدارس، ظل يترافق مع صمتٍ دوليِّ مريب، هو أشبه بموافقة عليه، أكثر مما هو عجز هذه الدول عن أداء دورها في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين، أو في ادّعائها المعروف بمساندة الثورة السورية، أو طلب السوريين على الحرية والتخلص من الاستبداد.
ستتتابع المعركة على حلب، على الأرجح، على الرغم من احتجاجات الإدارة الأميركية والدول الأوروبية، وهي عموماً احتجاجات خجولة، ولا تهدف إلا إلى ستر عورة هذه الدول، ومداراة موقفها اللاأخلاقي وغير المفهوم.
تتعلق المسألة، الآن، بمدى صمود المقاتلين في حلب، ومدى مضي روسيا في خطتها دعم النظام لإسقاط حلب، ومدى جدّية الضغوط الدولية في هذا الاتجاه. هذا أولاً. ثانياً، تتعلق المسألة بمدى صلابة المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، وخصوصاً قدرتهما على مواجهة هذه الهجمة الشرسة، ليس فقط في البيانات والمناشدات، وهي حال المعارضة اليوم، وإنما في تجسيد ذلك على الأرض، في وحدة الموقف السياسي، ووحدة الجهد العسكري، وفي تقديم خطاباتٍ سياسيةٍ واضحةٍ، تركّز على طلب السوريين حقوقهم المشروعة، في الحرية والكرامة والمواطنة، وتضع حداً للاضطرابات والتباينات والتشوهات التي أحاقت بالثورة السورية، نتيجة هيمنة بعض الجماعات ذات الأيديولوجية والأجندة الطائفية والدينية المتعصبة التي ترفض الآخر، ولا تقبل التعدّدية والتنوع، وتحاول صوغ مستقبل سورية وفقا لهواها ومقاييسها.
أخيراً، بوضع حد لمعركة حلب، بهذا الشكل أو ذاك، لن يكون الأمر قد انتهى، إذ ستستمر الثورة السورية، وسيبقى النظام موجودا بسبب دعمه من روسيا وإيران، أي أن الواقع تغيّر كثيراً. كذلك لن يسمح المجتمع الدولي، على علاته، باستمرار سورية الأسد، على النحو الذي كانت عليه، أي أننا سنكون إزاء تسويةٍ ما، وهذا ما تحاوله موغريني والمبعوث الأممي، وكذا تلميحات المسؤولين الأميركيين والأوروبيين. يتعلق السؤال، إذن، بالمعارضة ومدى أهليتها، أو مدى إعدادها ذاتها لمواجهة هذا الاستحقاق، وهل هي حقاً في أوضاعها الراهنة على قدر هذه المهمة؟ طبعاً أشك في ذلك. لذا، تقف المعارضة أمام لحظةٍ تاريخية، فإما تعيد ترتيب أحوالها وبناها، وتعيد صوغ خطاباتها بطريقةٍ تتقاطع مع القيم الدولية والإنسانية، أو أن الزمن سيتجاوزها، وستنشأ حقائق جديدة.
إذا وصل فرانسوا فيون الفائز في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين الديغولي إلى الرئاسة في فرنسا في أيار (مايو) المقبل، فسيعني ذلك أن سياسة فرنسا الخارجية ستتغير في الشرق الأوسط وخصوصاً في سورية. فيون أعلن مرات عدة أنه سيعيد فتح سفارة فرنسا في دمشق وسيعاود التعامل مع بشار الأسد، إذ إن هناك طرفين في سورية، من يريدون نظاماً توتاليتارياً إسلامياً والآخرين الذين يمثلهم بشار الأسد. وقال فيون إنه يختار الأسد. ويعزز ذلك قربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تربطه به علاقة ود وثقة وصداقة حتى أنه يلعب البليار معه ويمضي إجازات معه في منزله الريفي في سوتشي. وكل ذلك يؤكد عزم فيون على تغيير التوجه الفرنسي في سورية. كما أنه في الحوار الأخير مع المرشحين السبعة قبل فوزه أعلن أنه يحبذ التقارب مع إيران، وانتقد الدبلوماسية الفرنسية الحالية، مطالباً وفق قوله، بـ «إعادة توازن هذه الدبلوماسية التي هي أساس الظاهرة الأصولية في الإسلام».
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال ترؤسه الحكومة في عهد ساركوزي خلال خمس سنوات، زار السعودية والتقى العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله. وفيون يطالب منذ حوالى سنتين بالتقارب مع إيران و «حزب الله». وبعض النواب المقربين منه مثل تييري مارياني وفاليري بوايي كانوا زاروا سورية للقاء الأسد. ويرى فيون أنه من أجل حماية المسيحيين في سورية ينبغي الحفاظ على بقاء بشار الأسد. وإذا وصل إلى سدة الرئاسة فسيكون مسؤولاً عن عهد جديد من علاقات فرنسا في الشرق الأوسط، علماً أن منافسه في الانتخابات ألان جوبيه، استغرب كيف يمكن بناء مستقبل سورية مع رئيس تسبب برحيل نصف السوريين عن بلدهم. ولكن السياسة الخارجية لا تلعب دوراً في اختيارات الناخب الفرنسي الذي تهمه الضرائب والبطالة والتقاعد. وبرنامج جوبيه أكثر اعتدالاً وحداثة من فيون اليميني المحافظ الذي حصل في الجولة الأولى على أكثر من ٤٣ في المئة من الأصوات بعكس ما كانت تتوقع استطلاعات الرأي، والأرجح أن يفوز في الجولة القادمة، خصوصاً أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي شهد هزيمة كبرى في هذه الانتخابات، أعطى إشارة لمؤيديه وهم أكثر من ٢٠ في المئة بالتصويت لفيون الذي كان رئيس حكومته وتحول لاحقاً إلى خصم ومنافس له. ورغم ذلك أسرع ساركوزي الأحد الماضي إلى تأييده، بالقول إنه أقرب إلى توجهه السياسي من جوبيه. ولكن فوز فيون لا يعني أنه سيصل حتماً إلى سدة الرئاسة، لأن اليسار الفرنسي لم يمت بعد. وكل شيء ممكن، على رغم أن فرانسوا هولاند يحظى بتأييد ضعيف جداً في استطلاعات الرأي ولكنه لم يقل بعد إذا كان سيترشح للانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي، ومن سيكون مرشح اليسار، وماذا عن شعبية وزيره السابق للاقتصاد إيمانويل ماكرون الذي قرر خوض المعركة الرئاسية متجاوزاً الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي.
أما إذا انتهت المعركة الرئاسية إلى منافسة بين فيون ومارين لوبن رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» فسيعني ذلك أن التغيير حتمي في سياسة فرنسا الخارجية مع انطلاقة جديدة في علاقات فرنسا مع الأسد على رغم مجازره في حلب والمدن السورية. فهناك عهد جديد مخيف، وتحول السياسة الفرنسية على الأبواب، إلا إذا حصلت أعجوبة وفاز جوبيه يوم الأحد القادم، وهذا مستبعد، أو إذا استطاع هولاند أن يفوز مرة أخرى في انتخابات الرئاسة، وهذا مستبعد أيضاً، ولو أن كل ما جرى في الانتخابات التمهيدية اليمينية كان مفاجئاً.
يضيّع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الفرصة لاحتفاء كثيرين في العالم، خصوصاً العرب، بوداع عهد سلفه باراك أوباما. الرئيس المغادر شجّع مزيداً من الكوارث في المنطقة العربية، لا سيما سورية المنكوبة بنظامها وحلفائه الروس والإيرانيين... وأسرف في بيانات استجداءٍ كاذب للعطف على ضحايا الحروب السوريين.
الآتي إلى البيت الأبيض بعد أسابيع، لا يعِد إلا بمزيد من الكوارث، مستخدماً شعارات لتضليل شعبه، والإيحاء بعطفه على الفقراء والطبقة الوسطى التي سحقتها العولمة. لم يبدّل حرفاً بعد في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة حروب سورية وليبيا واليمن، بل أن «أميركا أولاً» من شأنها ممارسة مزيد من الإغراء لقيصر الكرملين، الرئيس فلاديمير بوتين، لتشجيعه على التشبّث بسياسة روسيا أولاً، وأصدقائها ثانياً وثالثاً ورابعاً.
الأنكى أن أوباما تفرّغ لإسداء نصائح إلى ترامب، من نوع تنشيط الذاكرة، لئلا ينسى الرئيس «المعجزة» أن أميركا «أمة لا غنى عنها في نظامنا العالمي»... ما يقتضي النأي عن الانعزال. فالفارق بين السلف والخلف يكون في هذه الحال بين مَنْ يتفرّج على المجازر، ومَنْ يتخلّى حتى عن دور شاهد الزور، حرصاً على مشاعره، من الضحايا.
ربما لن يختلف معدَّل القتل اليومي في سورية، لكن الأكيد أن أحداً من ساسة أميركا لم يلعن طبقتها السياسية ونخبتها ويدينهما الآن بالتنكُّر لقيم الإنسانية والعدالة التي تغنّت بها الولايات المتحدة لعقود طويلة، حتى حين كانت تمارس القتل دفاعاً عن أنظمة.
ويكفي لتلمُّس أحد أوجه المأزق الأميركي اليوم، مثالان عن وجهين مرشَّحين لإدارة العلاقة بين أميركا ترامب والعالم: ميت رومني الذي قد يتولى حقيبة وزارة الخارجية، اعتبر الرئيس البليونير «مشعوذاً»، قبل فوزه في الانتخابات، و «جنرال الجنرالات» جيمس ماتيس المرشح لحقيبة الدفاع والذي يثير إعجاب ترامب، كان وصفَ القتل يوماً بأنه «مسلٍّ». تُرى، أين سيتسلّى في المنطقة العربية؟
حتى الآن، ومن أميركا إلى أوروبا، يبدو «الفائز» الأول زعيم «تيار» ينقلب على النظام العالمي، على وحدة أوروبا، ومَنْ يدري، ربما على وحدة الولايات المتحدة يوماً. إنه القيصر الذي يمشي بخطى ترامب، لا على خطاه، ويجعل الكرملين مدرِّساً لـ «الأصدقاء». في مدرسته، بعد ترامب حل فرنسوا فيون رئيس الوزراء الفرنسي السابق الذي أطاح أحلام ساركوزي في انتخابات اليمين التمهيدية... قبله مارين لوبن التي تغزّلت بالثلاثي بوتين- ترامب- لوبن للعالم «المفيد». ويضيف البليونير الى المدرسة- التيار، زعيم «حزب الاستقلال» البريطاني نايجل فاراج، متجاوزاً الأعراف الديبلوماسية في ترشيحه سفيراً لدى الولايات المتحدة.
الأرجح أن قائمة الترشيحات معولمة، على طريقة الكرملين الذي يبدو مبتهجاً بصعود القوميات واليمين المتطرف، بعدما كان «أبا اليسار» في العالم، حتى تفكيك الاتحاد السوفياتي. الأرجح أننا أمام تفكيك النظام العالمي الذي كان في قبضة قوة عظمى «وحيدة». ولكن، إن كان ذلك جلياً، بعيداً من نظريات المؤامرة، فالتحولات الصاخبة تُنذر بما هو أبعد بكثير من «الزلازل» السياسية، تارة بنسخة فرنسية لترامب، وأخرى بنسخ «روسية» في فضاء الكرملين وحدائقه الخلفية.
لعلنا نسمع يوماً عن «انقلابات» تمارسها إدارة ترامب لتنصيب «نخبة» عنصريين، أو يفاجئ هو العالم بأن تهريجه لم يكن سوى ذرّ للرماد، في عيون القيصر!
الاحتمال الأخير هزيل، لكن مفاجآت البليونير ما زالت في بداياتها، وفي عصر هواة السياسة، يتعاظم الخطر من أطماع العسكر في كل مكان.
هل يمكن تخيُّل العالم بلا أوروبا موحّدة، لأن «فرنسا أولاً»، و «بريطانيا أولاً»...؟ وبلا حلف أطلسي يلجم شهية القيصر لتوسيع نادي الأصدقاء؟
ومرة أخرى، مَنْ يتحمّل انفلات قنبلة العنصرية «النووية» في قوة عظمى باتت «ناعمة»، وفي أوروبا الجارة لجنوب الفقراء؟
القيصر ما زال يلعب على كل حافة للهاوية.
جاءت دعوة الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية للرئيس الجدلي المنتخب دونالد ترامب حول ضرورة المحافظة على الاتفاق النووي مع إيران في سياق طويل من رؤيته حول ضرورة التعامل مع الخطر الإيراني من زاوية أخرى تتمثل في تطوير مشاريع نووية تضطلع بها دول الخليج وعلى رأسها المملكة، الأمير قبل تصريحه للرئاسة ألقى محاضرة عن مستقبل العالم العربي في ضوء المتغيرات، في جامعة الملك سعود، وشدد فيها الأمير على ضرورة تعاون دول الخليج لمواجهة مشروع إيران لتطوير السلاح النووي، وتطوير قدراتها الذاتية في مجال البحوث النووية، مؤكدًا أن ما قامت به السعودية من إنشاء منظومة للصناعات النووية خلال العشرين سنة المقبلة، أمر حيوي وملح، مؤكدًا خطورة سعي إيران للهيمنة السياسية على المنطقة، وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية ونشر أفكارها الطائفية، ومحاولة تصدير أزماتها إلى البلدان العربية، ودعمها للإرهاب الطائفي.
والحال أن قراءة التصريح في سياقه السياسي تصب في صالح الضغط على التمدد الإيراني، فلا يشكل الاتفاق النووي عذرًا في إطلاق اليد لملالي إيران في المنطقة، فهو لم يكن مجرد هدية أوبامية كما يتردد، بل يمكن القول إنه جاء في سياق رؤية جديدة للإدارة الأميركية التي تفكر في تحقيق مصالحها في المنطقة مع ضمانة منع إيران من امتلاك السلاح النووي طيلة فترة الاتفاق المقدرة بخمس عشرة سنة وبرقابة دولية.
إشكالية الاتفاق النووي من زاوية أميركية ضيقة هي النظر إلى إعادة فتح أسواق إيران أمام الشركات العملاقة وما تمثله من إنعاش للاقتصاد الإيراني، وبالتالي الضغط على المحافظين والمتشددين، وهو أمر يتردد عادة في تبرير تغير الموقف الأميركي، في محاولة لتضخيم تأثيرات انتعاش الأسواق الإيرانية على خنق تيار الصقور، إلا أن المسكوت عنه هو أن الاتفاق النووي من جهة أخرى اعتراف بحجم إيران وتأثيرها في المنطقة ورغبة أميركية حفزها تولي أوباما في التخفف من ضغط ملفات المنطقة وتقليص حجم التدخل العسكري الأميركي إلى أقصى حدوده.
النقطة التي لا تذكر عادة في مسألة الاتفاق النووي أنه اكتسب صفة الإطلاقية بانتقاله من اتفاق أميركي إيراني إلى اتفاق دولي بقرار مجلس الأمن الدولي الذي يلزم باقي الدول الخمس، روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كما أن التفريط من قبل ترامب في الاتفاق ومراقبة السلوك النووي الإيراني هو من جهة ثانية إعطاء مبرر لنظام طهران في تطوير برنامج نووي وتخصيب أكبر قدر من اليورانيوم وإطلاق اليد للعبث بالمنطقة، فإشكالية العالم وعلى مقدمتهم دول الخليج أكبر من القضية النووية.. إنها قضية سلوك عدائي وتدخلات سيادية وتصدير لمشاريع الدولة داخل الدولة كما هو الحال مع تجربة «حزب الله» اللبناني.
الإشكالية الحقيقية فيما يخص المجتمع الدولي والولايات المتحدة مع إيران أنها عادة ما تتطلب اشتراطات أقل تشددًا من الأطراف الإقليمية في المنطقة، وعلى رأسها إيقاف العبث والتدخلات المعادية في دول تتمتع بسيادة كاملة، كما أن جزءًا من أزمة الدبلوماسية الأميركية والصحافة الأميركية هو التركيز على استدعاء التحالف مع المعتدلين في إيران، وهو حديث يهمل جزءًا مهمًا من القصة نفسها المتمثل في أن طموحات معظم المعتدلين لو صحت التسمية لا يمكن لها أن تؤثر على قرار الحرس الثوري بفيالقه التي تشكل سلطة مستقلة.
الوضع السياسي المقلوب في إيران هو أن الرئاسة اليوم دبلوماسية، بينما القرار السياسي يصنع داخل أروقة الأطراف المؤثرة في النظام وتحديدًا في الحرس الثوري وكل مؤسسات حماية نظام الملالي، وهو أمر يعلمه الأميركيون جيدًا، لكنهم سيقدمون أوراقهم وشروطهم على أمل أن تتجاوز شخصية روحاني الدبلوماسية إلى التأثير الفاعل على القرار السياسي.
يتطلع الأميركيون إلى الحد الأدنى السياسي وهو القدرة على اختراق جدار الصمت السياسي بينهم وبين إيران، لكن هذا الحد الأدنى لا يكفي اللاعبين الأساسيين في المنطقة: دول الخليج والاعتدال العربي التي تملك هواجس أمنية تتصل بالتدخل الإيراني في المنطقة، وتركيا التي لا تريد أن تواجه منافسًا إقليميًا معيقًا لمشروعها، ويبدو أن مخرجات الأزمة السورية تلامس أمن المنطقة أكثر من تأثيرها على القرار الأميركي، وهذه معطيات تجعل من الصعب اختزال العلاقة مع إيران في الحد الأدنى من المرونة السياسية بعد كل هذه السنوات التي خلقت إرثًا ثقيلاً من الأزمات والملفات السياسية، واقع اليوم يقول لنا إن معضلتنا مع إيران أكبر من اتفاقية السلاح النووي، إنها أزمة سلوك سياسي ورؤية توسعية تهدد استقلال الأوطان.
كتبتُ في صحيفة الاتحاد الإماراتية عام 2000 مقالاً بعنوان (نحو عقد اجتماعي جديد) دعوتُ فيه إلى قيام عقد اجتماعي جديد في الدول العربية كافة، يتنازل بموجبه المواطنون عن بعض حقوقهم الجوهرية مقابل حقوق أخرى لا تقل أهمية.. كما يتنازل فيه الحكام عن بعض امتيازاتهم من أجل مصالحهم ومصالح أوطانهم.. فمثلاً، يقر المواطنون ومنظماتهم السياسية بشرعية حكامهم ويتعهدون بعدم الخروج عليهم.. ويتعهد الحكام بآليات تكفل العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة، وضمان الحريات الشخصية والعامة، كما يتعهدون ببناء أقطارهم بناء حديثاً قوياً يردع الأعداء ويكفل استقلالية تلك الدول، وتتم صياغة هذه المبادئ الأولية في عقد اجتماعي جديد في كل قطر، بحيث يرتاح الحاكم من القلق على منصبه ويرفع سطوة أجهزته وممارساته القمعية ويتفرغ لبناء دولة قوية صلبة تستطيع مواجهة المخاطر الخارجية بدل ذلك.. في حين يأمن الناس على حياتهم وأرزاقهم وحرياتهم الأساسية على الأقل!
مثل هذه الأفكار لم تكن غريبة في ذلك الوقت عن الفكر السياسي العالمي. فكثير من الحركات السياسية في أمريكا اللاتينية مثلاً، دعت إلى مقاربات مماثلة في مواجهة العولمة التي تهدد السيادة الوطنية وتفرض قوانينها الخاصة على الدول بالضد من مصالح الشعوب.. (اتفاقيات منظمة التجارة العالمية المجحفة بحق الدول النامية، واتفاقيات الملكية الفكرية التي تدعم سلطة الأقوياء، وغير ذلك من الاتفاقيات العابرة للحدودة)! وشبّهت تلك الحركات السياسية المعارضة دولَها وأنظمتها بالقفص الذي يتهدده وحش خارجي كاسر (هو العولمة).. وبدلاً من كسره (طلباً للحرية) يمكن الاتفاق مع الحاكم لتدعيمه وجعله بيئة سعيدة آمنة!!!
ولكني في ذلك الوقت لم أكن أفكر في هجوم العولمة على العرب، بل في هجوم القوى الإقليمية والعالمية على بلدانهم ونفطهم وسيادتهم
وهو هجوم كان حاصلاً بالفعل، وإن لم يكن بالشراسة والشمولية التي نراها اليوم.
واليوم يدرك العرب الحقيقة الكبرى، بعد أن تأخر الوقت، وأصبحوا في عين العاصفة! يدركون حقيقة أن الدول لا تُبنى وتستمر عبر التحالفات الخارجية وحدها.. فالمصالح تتغير، وينقلب الصديق عدواً، والحليف خصماً عندما تنتهي مصالحه. والدول القوية العظيمة تقوم على الجد والعمل الدؤوب لبناء القدرات الذاتية في كل المجالات. وأول تلك المجالات الحكم الرشيد العادل، المؤدي إلى تماسك الشعب وولائه، وبناء القدرات العسكرية الرادعة، والقدرات الاقتصادية الحقيقية المنتجة، القائمة على العلم.. ففي عالم اليوم (كما كان العالم دائماً) لا مكان للضعفاء، ولا يحمي أحد أحداً لسواد عيونه! فالوطن عادة ما (يُحرّمه لمعُ الأسنّة حوله) كما أشار المتنبي في معرض حديث آخر.. ولا يُحرّمه على الطامعين لا ضعفه، ولا تحالفاته، ولا ميله للسلام والمحبة والأخوة العالمية.. فالسلام والتسامح والمحبة مفاهيم لا تصلح في السياسة دون مطارق تكسر رؤوس من يفكر بخرقها!
يدرك العرب اليوم، وخاصة أشقاؤنا في الخليج العربي، لحظة الحقيقة واستحقاقاتها بعد أن كشرت إيران عن أنيابها على الملأ.. وبعد أن شهدوا أعتى حلفائهم يتواطؤون مع إيران ويتنازلون لها طائعين عن المنطقة بأسرها.. وبعد أن تضاءل كثيراً اعتماد أمريكا على نفطهم.. يدركون أن أحداً لا يمكن أن ينفعهم في هذا العالم سوى شعبهم وقوتهم.. فيدعو مفتي السعودية مثلاً إلى تطبيق التجنيد الإجباري في المملكة، وهي خطوة كان ينبغي أن تتم منذ عشرات السنين، ليس في المملكة فحسب، بل في كل بلد عربي. ولكن ذلك يجب أن يبدأ بالشرط الأول المشار إليه أعلاه: شرط الحكم الرشيد العادل الحازم!!
هذا الربيع العربي الذي تآمرت عليه جميع قوى الردة، الداخلية والخارجية حتى انقلب كابوساً وحول كثيراً من الدول العربية إلى دول فاشلة تمزقها الصراعات والحروب.. ربما كان بالإمكان تجنبه لو قدر لمثل ذلك العقد الاجتماعي أن يتطور بين الحاكم والمحكوم!
هو أكثر من رسالة، كما اعتبرت غالبية التعليقات على عرض «حزب الله» العسكري في بلدة القصير على الحدود اللبنانية - السورية، وكما قال أيضاً نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم. إنه البلاغ الرقم 1، كما في البلاغات التي يصدرها عادةً الانقلابيون في بلدان العالم الثالث، عن تسلم السلطة بالقوة المسلحة، أو أقله التوجه لتسلمها، لكن بالنسبة الى «حزب الله» في بلدين اثنين في وقت واحد هما سورية ولبنان. وكالعادة أيضاً، فالهدف هو الدفاع عن البلدين في مواجهة العدوانية الإسرائيلية، كما حرص إعلام الحزب على القول، من دون أن تكون له (لإيران، في الواقع) رغبة في إعلان احتلالهما رسمياً أو حكمهما باسم «الولي الفقيه».
والبلاغ الرقم 1 هذا من كلمة واحدة لا غير: نحن هنا!.
لماذا؟ في التوقيت أولاً، لا بد من ملاحظة أن ما قامت به ميليشيا «حزب الله» في هذه البلدة السورية تم بعد حدثين اثنين: أولهما، إعلان إيران رسمياً أن لديها مصانع صواريخ باليستية في سورية والعراق، وفي غيرهما أيضاً، وما يعنيه هذا الإعلان من «رسالة» قوة الى العالم، بخاصة الى الإدارة الأميركية المقبلة التي لمحت الى إمكان إلغاء الاتفاق النووي بينها وبين طهران. وثانيهما، الحديث عن مرحلة جديدة في لبنان بعد انتخاب رئيس للجمهورية والتوجه لتشكيل حكومة تعيد البلد الى سوية سياسية واقتصادية/اجتماعية، بعد فترة من الفراغ على كل المستويات استمرت لعامين ونصف العام، وكان الحزب وحلفاؤه وحدهم وراءها.
ولأن الحزب، ثانياً، لم يقم بمثل هذا الاستعراض قبل الآن، لا في معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت ولا في أي مكان آخر من لبنان، فضلاً عن إعلان امتلاكه هذه النوعية من الأعتدة العسكرية الثقيلة (دبابات وناقلات جند وراجمات وصواريخ محمولة)، فلا يمكن إلا أن يكون التوقيت ذا معنى خاص، لا سيما عشية ما تروجه موسكو ودمشق وطهران معاً عن التوجه لاستعادة كامل التراب السوري بدءاً من حلب في المرحلة المقبلة. ولا يقل هذا المعنى عن إبلاغ العالم، والمنطقة خصوصاً، بأن سورية الغد، كما لبنان الغد، هما سورية ولبنان الإيرانيان أولاً وأخيراً، ليس في السياسة وعلى صعيد ما يسمى «محور المقاومة والممانعة» وحدهما، إنما على الأرض وبأداة «حزب الله» و «الحرس الثوري الإيراني» أيضاً.
أكثر من هذا، فإمعاناً في «التقية» السياسية التي يتقنها الحزب، لم يفعل في العرض العسكري سوى أنه سرّب شريطاً مصوراً عن بعض جوانب القوة فيه، في الوقت الذي كان يبدي «مرونة» فائقة تجاه تشكيل الحكومة برئاسة أحد ألد خصومه (سعد الحريري) في لبنان. وعندما تحدث نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم وعدد من مسؤوليه وإعلامه لاحقاً عن العرض، وضعوه تحت عنوان أنه موجه ضد إسرائيل من دون غيرها، تماماً كما فعلوا (حتى الآن على الأقل) لجهة الظهور بمظهر من لا يعنيه أمر كلام رئيس الجمهورية ميشال عون عن تحييد لبنان عن حروب المنطقة ومشكلاتها، ولا كلام الحريري عن اعتبار قتال الحزب في سورية خرقاً لاتفاق الطائف والدستور. وإذا كانت هذه هي السياسة الإيرانية نفسها، التي زعمت دائماً أنها لا تريد إنتاج سلاح حربي من برنامجها النووي لكنها عملت سراً وبإصرار من أجله، كما أنكرت تدخلاتها في بلدان المنطقة لكنها غالباً ما وصفت ما يجري فيها بـ «انتصارات» لها، فلا يجوز النظر الى ممارسات الحزب هذه إلا من زاوية أنها نسخة من الأصل الإيراني.
إنها سياسة التسلل ببطء، ثم محاولة فرض وقائع على الأرض، حيث يمكن التسلل من ناحية وفرض الوقائع من ناحية ثانية.
لكن ما يبقى هو السؤال: الى أين من هنا؟
لا مبالغة في القول أن عرض القصير جزء من إعلان إيراني عن تحول سورية مستعمرة، أو «مستوطنة فارسية»، وأن يعقبه في وقت لاحق إعلان سوري بـ «قوننة» هذا التحول، بالطريقة التي تم فيها تشريع القواعد العسكرية الروسية، باقتطاع أراض لها في طرطوس وحميميم، وتوفير «حصانة» ضد الملاحقة القضائية من أية جهة داخلية أو خارجية. ولعل حضور ضابط رفيع من قوات بشار الأسد هذا العرض، وتعمده في أثنائه أداء التحية العسكرية لمن سماه «قائد المقاومة» السيد حسن نصرالله، يشكلان إشارة ذات دلالة الى هذا الأمر.
وأن يتم ذلك بينما تتحدث موسكو ودمشق وطهران عن قرب اقتحام حلب وطرد المسلحين منها، وتالياً بدء ما تسميه «تسوية سياسية» مع المعارضة، فللأمر دلالة أخرى مؤداها تشريع وجود ميليشيا «حزب الله» (الجندي في جيش «الولي الفقيه») داخل الأراضي السورية... وإن تحت لافتة أنه وجود موقت، وصديق، وغير دائم، ويمكن في أي وقت التفاوض على إنهائه.
وأن يكون مسرح العملية بلدة القصير الحدودية مع لبنان، فلذلك معناه اللبناني أيضاً، لا سيما بعد أن تحولت هذه الحدود أراضي سائبة بالكامل منذ دخلت قوات «حزب الله» الى سورية في 2013.
هذا على الجانب السوري (عفواً، الجانب الإيراني في سورية) من معاني استعراض «حزب الله» العسكري. أما على الجانب اللبناني، فليس خافياً أن ارتداداته لن تقف عند حد، إن لم يكن الآن ففي وقت ليس ببعيد.
ذلك أن أدبيات الحزب، الذي يفترض أنه حزب لبناني، تقول أنه لبناني فعلاً لكنه في الآن ذاته «قوة إقليمية» ذات وزن في ميزان القوى في المنطقة أيضاً. كيف يمكن التوفيق بين الأمرين، فيما الحزب جزء من التركيبة السياسية في لبنان من جهة، وهو على قائمة المنظمات الإرهابية في الكثير من دول المنطقة ودول العالم؟
وبعد عرض القصير هذا تحديداً، نقل عن نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم قوله أن الحزب بات «أكثر من مقاومة لكن أقل من جيش»، وأنه «أصبح لدينا جيش، وما جرى هو رسالة للجميع»... لكن إعلام الحزب سارع الى التبرؤ من هذا الكلام، بل حتى نفيه من أساسه. إذ كيف لحزب سياسي في دولة معترف بها دولياً، أن ينشئ جيشاً كامل التسليح من ناحية، وأن يقاتل خارج حدود دولته ويكون له وزن إقليمي من ناحية ثانية؟
لذلك كله، هل يعني عرض «حزب الله» هذا غير أنه البلاغ الرقم 1 فعلا؟
شرق حلب تعيش أيامًا حالكة مأساوية، لا تستطيع الكلمات ولا الصور وصفها، حيث تقوم المقاتلات الروسية بقصف المدينة، وقوات الأسد وميليشيات إيران تهاجم أطراف المدينة، وميليشيات حزب الله تتولى قطع طرق الإمدادات الخارجية التي تربطها. وقد دمرت خمسة مستشفيات، وآخرها مستشفى للأطفال قصفته الطائرات مستخدمة غاز الكلور، ولم تعد هناك أماكن ينقل إليها آلاف الجرحى.
معظم الهجوم يتعمد استهداف المواقع المدنية التي لا يوجد فيها مقاتلون. أما لماذا، السبب أنهم يريدون تعظيم المأساة، ولي ذراع العالم، وتشريد ما تبقى من السكان باتجاه الحدود التركية. لهذا رفضوا طلبات تمرير العون الإنساني الدولي، ورفضوا اقتراح تركيا والأمم المتحدة بمنح المدينة إدارة ذاتية، ورفضوا أي حل لوقف المأساة، وتستمر عمليات التدمير الواسعة على مدار الساعة. وكما قالت إحدى السيدات إنها تلجأ إلى النوم هربًا من المأساة.
مع هذا يقول وزير خارجية النظام، وليد المعلم: «لن نقبل بحل الإدارة الذاتية للمدينة، ولن نسمح بإيصال الإغاثة إلى المدينة، ولن نقبل بترك شرق حلب، بما تبقى من سكانها الـ275 ألف رهينة لستة آلاف إرهابي».
والحقيقة هي عكس ذلك، فقوات الأسد وحليفتاه إيران وروسيا هي من تستخدم السكان رهينة. تحاصر وتهاجم المدينة، ضمن سياسة تجويع أهلها، وتهدم المنازل وتستهدف المستشفيات، ضمن خطة لجعل حلب غير قابلة للسكن، وليس فقط للقضاء على ستة آلاف من الجيش الحر.
مذبحة حلب التي تجري أمام ناظري العالم، ولا يفعل أحد لوقفها غير النداءات الشفهية، هي الأرضية التي تمهد للمرحلة المقبلة من «حروب» سوريا، حتى لو تمكن النظام السوري من اكتساح آخر موقع يتحصن فيه المقاتلون، من الجيش الحر، والاستيلاء عليه.
الذين نتحدث عنهم مقاتلو الجيش الحر، ولا يشمل مقاتلي الجماعات الإرهابية، بما فيها «جبهة النصرة»، التي يتعمد النظام، وحلفاؤه، عدم التعرض لهم، حتى يستخدمهم مبررًا جديدًا، كما يفعل الآن، لإكمال مشروعه بالتهجير والسيطرة بحجة مقاتلة إرهابيي «داعش» و«جبهة النصرة». ومنذ اتساع القتال في العام الماضي، فإن جيش الأسد، وميليشيات حزب الله، والبقية من الجماعات الشيعية المتطرفة، مع سلاح الجو الروسي، لم يقاتلوا «داعش» كما تعهدوا، وكما دأبوا على إعلانها في بياناتهم. الذي يقاتل «داعش» في الرقة، وبقية مناطق المواجهات مع الإرهابيين، هو تحالف الولايات المتحدة، الذي سهل المهمة على تحالف إيران - الأسد، فقوى شوكة الميليشيات الشيعية المتطرفة التي تفرغت لمقاتلة أهالي مناطق، تقريبًا كلها سنية، من أجل تثبيت حكم طائفي علوي يتبع أقلية صغيرة جدًا. ما يحدث اليوم عمل مجنون حقًا، له تبعات عميقة وطويلة في المستقبل القريب.
ما هي المرحلة المقبلة بعد سقوط الأسد؟ سيضعف الجيش الحر، وقد يتشتت، الذي مثل القوة الرئيسية المقاتلة ضد النظام في السنوات الخمس الماضية، ويعبر عن غالبية السكان. وسيترك كثير من المقاتلين صفوفه لينضموا إلى جماعات إسلامية متطرفة مسلحة، مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها. وقد يتساءل البعض ما الفارق بين «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» مثلاً، ما دام أنهم جميعًا يقاتلون الأسد؟ الفارق كبير، هو في الهدف من القتال. مقاتلو «الجيش الحر» سوريون هدفهم وطني، تحرير أرضهم وبلدهم من النظام الذي يختلفون معه. أما مقاتلو «جبهة النصرة»، وغالبيتهم سوريون، بخلاف «داعش» معظمهم أجانب، فهدفهم ديني، ما يعتبرونه مقاتلة الكفار، حيث يؤمنون بأن معظم الناس كفار، بما فيهم مواطنو بلدهم من سوريين سنة، ويطمحون لإقامة خلافتهم المتطرفة و«الجهاد» في أنحاء العالم.
مذبحة حلب التي تدور اليوم، وكذلك في ريفي إدلب وحماه، ستدفع آلاف السوريين للانضمام إلى «جبهة النصرة»، لأنهم الفريق الوحيد المتبقي المستعد لمقاتلة النظام، ومن خلالهم يمكنهم الانتقام من أعدائهم السابقين والعالم كله. لا نتحدث هنا من باب استجداء الدعم للجيش الحر لكن ما يفعله اليوم الروس، والإيرانيون، وحزب الله، والنظام، لن يصبح من الماضي نتيجة التمزيق الطائفي والقتل الواسع للمدنيين والتشريد الممنهج.
شرق حلب قد تسقط خلال أيام، وقد تعقبها مدن أخرى، إنما الأزمة ستتسع، وسيتضاعف الخطر على المنطقة والعالم.
تتلاشى الفوارق بين ظاهرتي «الحشد الشعبي» في العراق و «حزب الله» في لبنان. الأول ميليشيا مذهبية شيعية تمولها، رسمياً، الحكومة العراقية ويديرها الحرس الثوري الإيراني، والثانية ميليشيا مذهبية شيعية تعترف الحكومة اللبنانية بحقها في الوجود والعمل ويديرها أيضاً الحرس الثوري الإيراني.
والحال أن هذا التشابه راح يُغذي تشابهاً موازياً بين الأشكال الاجتماعية والسياسية للجماعتين في علاقتهما مع مجتمعي وبلدي المنشأ.
لكن التشابه لم يكتمل مصادفة، ذاك أن الحرس الثوري الإيراني لا يرى في الجماعات الشيعية خارج إيران سوى جسور صغيرة لحلم إمبراطوري، غير متبلور عقلانياً، لكنه يحضّ الخطى نحو التحول إلى واقع، على رغم الأكلاف الهائلة التي تترتب عليه. ولطهران هنا قصب سبق في التاريخ، ذاك أن الظاهرتين، «الحشد» و «الحزب»، يشتركان بفرادتهما كنموذجين غير مسبوقين في تاريخ الدول الحديثة.
النظر إلى العرض العسكري الذي نفذه الحزب في بلدة القصير السورية، يبقى خرافياً في أهدافه إذا لم يُنظر إليه انطلاقاً من المهمة الموكلة إلى الحزب في إطار المسعى الإيراني لجَسر مساحات هائلة من الديموغرافيا السنّية المعيقة حلمَ الإمبراطورية الافتراضية. تناول الخطوة الغريبة التي أقدم عليها الحزب تم بالنظر إليها في ارتداداتها ووظائفها اللبنانية والسورية، وأُغفلت الوظيفة الإيرانية للعرض العسكري. فلبنان ليس وحده الذي تعني الخطوة أنه مجرد «بلد سابق»، وسورية أيضاً بنظامها وحكومتها الرسمية ليست وحدها التي جرى عرض عسكري لـ «جيش» غريب على أرضها. الوقائع العراقية متصلة بما جرى في القصير. هناك بالقرب من مدينة الموصل ثمة من يسعى إلى جعل المساحات المنتزعة من «داعش»، ساحات ومعابر لا تخضع لسلطة واضحة ومضبوطة في منظومة العلاقات التي ترسيها فكرة الدولة.
هادي العامري قال أن «الحشد» سيكمل المهمة في سورية بعد هزم «داعش» في العراق. وهناك في شمال العراق، ثمة «قصير عراقية» تقيم فيها أقلية شيعية وأكثرية سنّية، تماماً مثلما تنتشر قرى شيعية قليلة بالقرب من القصير قال «حزب الله» في بداية حربه هناك أنه ذاهب لحمايتها. والقصير العراقية ليست الموصل طبعاً، إنما مدينة تلعفر التي يبدو أن ثمة إقراراً عراقياً وأميركياً بأن «الحشد»، وليس الجيش العراقي، الذي سيتولى خوض المعركة مع «داعش» فيها.
التشابه بين «القصيرين» السورية والعراقية احتاج أحلاماً إمبراطورية حتى تحقق، لكنه اليوم واقع تسنده مآسٍ وتنتظره أخرى. فتلعفر، إذا ما استعنا بالخيال الإيراني، ستتحول معبراً يصل الحدود الإيرانية والعراق بالحدود السورية.
هذا واقع غير متحقق الآن، وتحققه يتطلب «ترانسفيراً» للسكان السنّة لمحافظة ديالا، ومن يراقب الوقائع العراقية يعرف أن جزءاً من هذه المهمة أُنجز، وجزءاً آخر سيستعاض فيه عن «الترانسفير» بإخضاع الجزء المتبقي من السكان، وهذه أيضاً مهمة أنجز بعضها.
قفزة إلى المقلب الآخر من المشهد، إلى القصير السورية، تكشف أن الوقائع متطابقة. وإذا كان «حزب الله» عالقاً بين حقيقة أنه نجح في إفراغ مدن وبلدات ريفَي دمشق وحمص من سكانها السنّة، وبين الواقع الثقيل المتمثل في أن عدداً كبيراً من هؤلاء السكان نزح إلى لبنان ويشكل اليوم عبئاً مذهبياً عليه في بلد المنشأ، فها هو يسعى وبمساعدة نخب سنّية لبنانية حاكمة، أو تتوهم أنها حاكمة، إلى حل هذه المشكلة عبر مشروع خيالي أيضاً يتمثل في نقل جزء من اللاجئين إلى شمال سورية.
وهنا تحضر، وفي مقابل المقارنة بين «الحشد» و «الحزب»، مقارنة موازية بين النخب السنّية التي اختارها «الحزب» و «الحشد» شركاء ضمنيين لهما في هذه المهمة. فإغراق التمثيل السنّي في البلدين بالفساد يبدو قاسماً مشتركاً، وإذا كانت حقيقة التمثيل متفاوتة بين الجماعتين السنّيتين اللبنانية والعراقية لمصلحة الأولى، فالمرء لا يقوى على مقارنات بين نهاد المشنوق مثلاً وأثيل النجيفي، أو بين شقيق أثيل، رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي، وسعد الحريري.
لكن، يبقى الأهم أن هذا المشهد على افتراضيته ينطوي على احتمالات زلزال ديموغرافي مأسوي، لا سيما أن افتراضيته لم تضعف التصميم الإيراني على إنجازه، وأنه لا يبدو أن ثمة مقاومة صلبة له. فوصل القصير بتلعفر، رمزياً على الأقل، يفترض خطوات لا يبدو أن الإيرانيين يقيمون وزناً لتبعاتها. هم يعتبرون أن الحاجز الكردي السوري سيُبدده تحالفهم مع «حزب العمال الكردستاني» الذي سيتولى أيضاً عقبة مدينة سنجار العراقية التي يبدو أن لحزب العمال نفوذاً فيها يفوق نفوذ الأحزاب الكردية العراقية.
السيناريو الإمبراطوري الإيراني يعوقه الكثير من الحقائق حتى الآن: القاعدة التركية القريبة من بلدة بعشيقة العراقية، والبؤر الديموغرافية السنّية بدءاً من بعقوبة في العراق وصولاً إلى حمص في سورية. لكن المؤشرات إلى مباشرة طهران مشروعها كثيرة، وهي مؤشرات مذهلة في وضوحها. ففي ضوء ماذا يمكن المرء أن يُفسر إقدام حزب لبناني على إجراء عرض عسكري في بلد آخر؟ أو أن يقول هادي العامري أن مهمة «الحشد» ستنتقل إلى سورية بعد العراق؟
هذا ما لم يسبق لـ «ميليشيا وطنية» أن جاهرت فيه.
يحصل ذلك في ظل تحول هائل يعصف بالجماعات الشيعية أينما وجدت. زائر جنوب لبنان سيلاحظ شبهاً مستجداً بينه وبين جنوب العراق على مختلف المستويات، بدءاً من العمارة الناجمة عن طفرة الصعود، مروراً بالسيارات صاحبة الزجاج الأسود التي كتب عليها «رافضي 313»، وصولاً إلى الجنازات الآتية من سورية في الحالة اللبنانية، ومن شمال العراق في الحالة العراقية، وما يرافق هذه الجنازات من تكثيف للطقس المذهبي.
وإذا كان الجسر «الإمبراطوري» الذي تسعى طهران لإقامته عبر الحروب، من حدودها مع العراق في ديالا وصولاً إلى سورية ولبنان، فإن الجسر الذي يتولى إيصال الشعائر المذهبية عبر تكثيف العلاقات بين الجماعات الشيعية، يتولى اليوم إذابة ما علق في بنية هذه الجماعات من خبرات «وطنية» في الدول التي كانت جزءاً منها، والشيعي اللبناني سيشبه الشيعي العراقي أكثر من مشابهته لبنانياً آخر.
المجلس الحسيني الذي أقامه حجاج شيعة إلى العراق في مطار بيروت لا يقل في دلالاته، على هذا الصعيد، عما جرى في القصير وما سيجري في تلعفر.
الملف السوري إلى أين، في ظل التحولات الإقليمية والعالمية وآخرها فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، والبرود الأوروبي المتمثل في التعاطي مع قضية اللاجئين، والتطرف الروسي العسكري الهادف إلى حسم الحرب؟
ساهم فوز المرشح الجموري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية في ازدياد منسوب القلق في نفوس قادة المعارضة السورية، خصوصاً أن ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية أن الأولوية في الشرق الأوسط هي لمحاربة «الدولة الإسلامية» (داعش)، وهي تأتي قبل الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد للتنحّي. وقال في رد على نية هيلاري كلينتون تسليح المعارضة السورية في حال وصلت إلى الحكم، أن «الأسد سيئ، لكن هؤلاء الأشخاص قد يكونون أسوأ منه»، منتقداً سياسة باراك أوباما في دعمها «أشخاصاً لا نعرف هوياتهم وقد يكونون من داعش».
ويقول محلّلون أن موقف ترامب من سورية، يطلق يد الروس عسكرياً، وهو ما تُرجم ميدانياً في نية الجيش الروسي دخول أحياء حلب الشرقية، وتوسيع المعركة لتشمل إدلب وحمص، وسط موافقة أميركية صامتة، واستنكار أوروبي عاجز. كذلك، فإن سيطرة الجيش السوري على المزيد من الأراضي، يُسقط مخطّط التقسيم الذي تردد أن الإدارة الأميركية كانت وضعته للمنطقة، ويترك الباب مشرعاً لتصورات حلول جديدة، أبرزها ما بات يتردّد في أوروبا عن علمنة الدولة السورية الجديدة، كنموذج متقدّم للتعايش بين الطوائف المختلفة التي تشكّل الكيان السوري.
وتستشهد أصوات أوروبية بما حقّقه المفهوم العلماني في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، والتي عانت ما عانت من الحروب الدينية والطائفية الطاحنة بين البروتستانتية والكاثوليكية، إذ أرست العلمانية ثقافة العقل والحرية والحداثة، المستقلة عن أي تأثير ديني أو فلسفي. وسمحت في المقابل باستيعاب كل التراث الفكري الإنساني بتياراته المختلفة، الديني منها واللاديني والفلسفي والوجودي.
وتسعى مصادر سورية علمانية في باريس، إلى إقناع المعارضة السورية المعتدلة، بالدولة العلمانية كحل للملف السوري، بعد تنحي الأسد ضمن اتفاق دولي بين الأطراف المختلفة. بمعنى أن تكون الدولة العلمانية السورية المرجوّة دولة تفصل بين السلطات السياسية والمالية والعلمية والدينية، وتخضعها جميعها للقانون المدني الذي يحدد أدوارها وميثاق علاقاتها. ومن شأن هذه الدولة أن توفّق بين النسيج السوري المتنوع، وتضمن المساواة الكاملة بين الأعراق المختلفة وبين المتدينين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، واللامتدينين، وحتى الملحدين، وتدافع عن حرية أبنائها المطلقة في إيمانهم، أو عدم إيمانهم. ويتحول الدين في الدولة العلمانية إلى سلطة روحية مستقلة، لا تخضع للسلطة السياسية.
وإذا كان مفهوم الدولة العلمانية يلاقي الفكر العربي المتنور وعقائد بعض الأحزاب العلمانية المحلية، فإن تطبيقه دونه عقبات عدة أهمها يهودية الدولة الإسرائيلية الرافضة مشاركةَ الفلسطينيين الحقوق والواجبات في دولة واحدة، والمحيط الإقليمي المتديّن الرافض نموذجاً علمانياً قد يتمدّد إلى دول مجاورة، أولاها لبنان والعراق بأنظمتهما الطائفية التي نخرها الفساد على أساس المحاصصة وتقاسم موارد الدولة بين زعماء الطوائف. وبعدهما، من يدري، قد تكرّ السبحة.