في اليوم التالي للتصريح الفظ لوزير الخارجية الروسي، وهو جالس إلى جانب وزير الخارجية القطري يعلن فشل لقائهما حول تصنيف الجماعات الإرهابية من التنظيمات السورية المعارضة، قتلت طائرات حربية، يعتقد أنها روسية، زعيم جماعة «جيش الإسلام»، في الغوطة الشرقية بدمشق.
وسواء أكانت الهجمة مرسومة من قبل موسكو لفرض مطالبها بالقوة، بعد فشل الاجتماع، أم لا، فإن الحادثة قُرئت في هذا الإطار. روسيا تريد أن تكون من يقرر مسار الحرب والمفاوضات في سوريا. وقد أبدى الروس عزمهم على فرض رأيهم بالمفاوضات واستعراض العضلات، بمضايقتهم تركيا وتخفيض نفوذها في سوريا والعراق، وكذلك الضغط على دول الخليج، وتحدوا الأميركيين الذين تراجعوا سريعًا وقبلوا بالتنسيق تحاشيًا للتصعيد.
وقد يكسب الروس الجولة الحالية، بفرض المشروع الروسي الإيراني باستمرار بشار الأسد رئيسًا، وقبلها فرض تصنيفهم للتنظيمات الإرهابية التي ستحرم من مفاوضات فيينا، وفرض من يسمونها بالمعارضة المعتدلة، وهي واجهات لنظام الأسد ومقربة من إيران، وكذلك فرض صيغة الحل السياسي المقبول. موسكو تريد أن تكون صاحبة القرار في شأن النزاع السوري، فهل ستقدر على تحقيق ذلك؟
إذا كانت مستعدة لدفع أثمان كبيرة والاستمرار في هذه المغامرة، ربما تستطيع أن تكون المرجعية لمستقبل الحكم في دمشق، ولحين. تريد أن تفعل ما فعلت الولايات المتحدة في العراق، فهي صنعت وفرضت مشروعًا سياسيًا، ومع أنه يقوم على حكم ضعيف، لا يزال موجودًا على الأرض. الروس لسبب غير مفهوم لنا، إلا في إطار صراع تنازع النفوذ مع الغرب، يستثمرون كثيرًا في مشروع الحكم في سوريا، وتعميق التحالف مع إيران.
وغير مفهوم كذلك، استهدافهم جماعة «جيش الإسلام»، خاصة أنها ليست مرعبة مثل «داعش» الإرهابية، ولا تمثل نفوذًا سياسيًا كبيرًا مثل تنظيم «الجيش الحر الوطني» المعتدل. وقد جعل الروس منها قضية، بقتل قائدها زهران علوش، ذات أصداء سياسية واسعة.
«جيش الإسلام»، كجماعة، عرفت فقط قبل عامين، واشتهرت بجرأتها على إعلانها محاربة «داعش» أيضًا، ونجحت في الاستيلاء على مناطق تسيطر عليها في محيط العاصمة دمشق. بل، وقبل عامين، كانت تتلقى تأييدًا من القوى الغربية ودعمًا خليجيًا، قطريًا على وجه الخصوص.
هذه الجماعة نجحت في بناء قوة، تقول إنها نحو 15 ألف مقاتل، أكثر انضباطًا. أما إخفاقاتها فهي أنها استمرت كتنظيم يقوم على مفهوم ديني، في وقت معظم القوى الإقليمية والدولية المؤيدة للمعارضة السورية تفضل دعم القوى المعارضة الوطنية، على اعتبار أن سوريا بلد مختلط الأعراق والأديان، ومن دون تأييد دولي قد لا يكون لها مستقبل في الحل السياسي.
طبعًا، هناك من يريد دعم الجماعات الإسلامية المسلحة، على اعتبارها تستنهض العداء لنظام الأسد الذي هو الآخر طائفي علوي. وترى أنه في سياق الصراع الطائفي مع إيران، وهيمنة القوى الدينية الشيعية على الحكم في العراق، واستمرار هيمنة حزب الله الشيعي في لبنان، فإن وجود جماعة، بل جماعات، سنية مسلحة ضرورة مرحلية. عيوب هذا المفهوم، أنه يمنح إيران ما تريده؛ تمزيق خريطة المشرق العربي طائفيًا، ونقل الأزمة إلى منطقة الخليج، وفي نفس الوقت لن يحقق لسوريا الحكم السياسي المستقر.
دفع المنطقة نحو المزيد من الاضطراب، من سوريا شمالاً وحتى اليمن جنوبًا، لعقد زمني آخر، سيخدم سياسة إيران القديمة والمستمرة بتصدير الأزمة للجوار. فهل تعتقد روسيا أنها ستربح من التحالف مع إيران، في مثل إصرارها على تثبيت حكم الأسد المتهاوي، أو أي بديل موالٍ لطهران؟ لا أدري كيف سيربحون من وراء معاداة معظم الدول العربية وشعوبها!
تقليديًا، الروس ليسوا أعداء لدول المنطقة، لكن كما نرى من تورطهم في سوريا، أصبحوا هدفًا للغضب العربي على المستويين الرسمي والشعبي.
يعتبر 2015 عام التغيرات السياسية والعسكرية الكبيرة في سورية منذ اندلاع الثورة، قبيل خمس سنوات. بدأ بحراك سياسي واسع، عبّر عن نفسه أولاً في روسيا التي استضافت منتديين لمعارضين سوريين وآخرين حاولوا التستر بعباءة المعارضة، ثم عبر عن نفسه ثانياً في القاهرة التي استضافت اجتماعين للمعارضة، نجمت عن الثاني خريطة طريق للحل السياسي. وفي زحمة المؤتمرات السياسية، كان الميدان السوري يشهد تغيرات مهمة لصالح المعارضة المسلحة التي ظلت عاماً ونصف العام تتعرض لخسائر كبيرة، بدأت هذه التغيرات مع تشكيل "جيش الفتح" الذي استطاع في مدة سريعة السيطرة على محافظة إدلب، ولتخرج نهائيا من قبضة النظام. وسمح هذا المتغير الاستراتيجي لجيش الفتح، وقوى أخرى، من الامتداد في محيط المحافظة، فكان ريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الجنوبي وريف حماة الشمالي عنوان المعارك بين الطرفين.
وفي جنوب سورية، فتحت المعارضة معركة الجبهة الجنوبية، وعلى الرغم من فشل هذه المعركة، إلا أن المعارضة استطاعت السيطرة على مواقع مهمة في درعا والقنيطرة (مدينة بصرى، معبر النصيب، اللواء 52، مطار الثعلة العسكري قبل الانسحاب منه). وقد ترافقت هذه التطورات مع تمدد لتنظيم الدولة الإسلامية في محيط تدمر وريف حمص الجنوبي ـ الشرقي (القريتين) ولاحقاً في مهين، ثم في ريف حلب الشمالي والشرقي، ثم الحسكة والقامشلي.
أحدثت هذه التغيرات ارتباكاً في النظام، وإن حافظ على تماسك خطابه السياسي، وظهر الارتباك مع النقص الحاد في صفوف المجندين، ومع ازدياد قوة ما يسمى "قوات الدفاع الوطني" التي تحولت إلى مليشيا، تأخذ مرتباتها وأوامرها من طهران. كما أدت هذه التغيرات إلى ازدياد الهيمنة الإيرانية، وبلغ الأمر أن أطلقت إيران، في أغسطس/آب الماضي، مبادرة من أربع نقاط من دون الرجوع إلى دمشق، في رسالة واضحة لكل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، مفادها بأن طهران صاحبة الكلمة العليا في سورية.
عادت الجهود السياسية للتحرك بعد سكون مؤقت، وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا في منتصف سبتمبر/أيلول خطته للحل السياسي التي تزامنت مع تفاهمات روسية ـ أميركية للتحرك في سورية.
وفي زحمة هذه الجهود، كانت سورية في نهاية شهر سبتمبر/أيلول على موعد مع حدث كبير، روسيا تتدخل عسكريا لدعم النظام تحت عنوان محاربة "داعش"، وما هي إلا أيام حتى أطلق النظام في 7 أكتوبر/تشرين أول معركته العسكرية الكبرى في الشمال الغربي لسورية، مستغلا الغطاء الجوي الروسي.
"سيكون مؤتمر جنيف المقرر عقده نهاية يناير/كانون ثاني المقبل بين النظام والمعارضة برعاية الأمم المتحدة مفصلاً تاريخياً"
وفي حين كانت الضربات الروسية توجَّه لفصائل المعارضة المدعومة من الرياض والدوحة وأنقرة، كانت الولايات المتحدة تعيد ترتيب خططها العسكرية بعيد انهيار برنامج التدريب العسكري برعاية البنتاغون، وجاء تشكيل "قوات سورية الديمقراطية" في 12 أكتوبر/تشرين أول، ثم "جيش سورية الجديد" في العاشر من نوفمبر/تشرين ثاني، انعكاساً للمخطط الأميركي الهادف إلى محاربة تنظيم الدولة فقط، وترك الفرقاء الإقليميين والدوليين يتقاتلون في سورية.
انقسم الصراع إلى جبهتين: الأولى في ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الجنوبي بين النظام وإيران وروسيا ضد فصائل المعارضة المسلحة، والثانية في الحسكة والرقة وريفي حلب الشمالي والشرقي بين الأكراد وقوى عربية والنظام أحياناً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي بدأ يشهد أول مرة انكسارات عسكرية واضحة.
ومع شدة المعارك، اشتدت الجهود السياسية في اجتماعين لمجموعة العمل الدولية في فيينا، أثمرا عن تفاهمات سياسية وعسكرية، ترجمت لاحقا في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي وضع آلية للحل السياسي في سورية هي الأولى من نوعها، وكلفت الأردن بوضع قائمة بالمنظمات التي يجب إدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية، فيما كلفت السعودية بإعداد وفد المعارضة، وعقد لأجل ذلك مؤتمر الرياض الذي حدد السقف السياسي للمعارضة المدعومة من المثلث الإقليمي.
وعلى الرغم من أن القرار الدولي أجّل مسألة مصير الأسد إلى ما بعد المرحلة الانتقالية، وما يعنيه ذلك من بقاء بنية النظام قائمة، إلا أن القرار حدد سقفاً زمنياً لهذه المرحلة، وأقر بعض مطالب العواصم الإقليمية الفاعلة في سورية (الرياض، الدوحة، أنقرة)، كالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية أولاً، والمعلوم أن النظام ظل على مدار السنوات السابقة يطالب بأولوية محاربة الإرهاب، قبل الشروع في المسار السياسي، وشكل المرحلة الانتقالية ثانياً، حيث نصّ القرار على إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة، تخوّل سلطات تنفيذية كاملة، بناء على بيان جنيف والقرار الدولي 2018.
ينتهي 2015 بتحولات كثيرة وكبيرة في سورية، على أمل أن يكون عام 2016 ثمرة هذه المتغيرات، وسيكون مؤتمر جنيف المقرر عقده نهاية يناير/كانون ثاني المقبل بين النظام والمعارضة برعاية الأمم المتحدة مفصلاً تاريخياً، فإما أن يدفع الجهود السياسية إلى الأمام، أو أن يدفع الجهود العسكرية إلى الأمام.
أنا واثق أنك ستحتاج لمراجعة الكثير من الاوراق حتى تعرفني , و حتى عندما تعرفني ستقول ما علاقتك بي حتى ترثيني .
لكن يا ناجي الجرف ليس زيد أو عبيد من فقدك , و انما هناك وطن باكلمه قد فقدك .
ناجي الذي رأى في "حنطة" البذرة لسوريا المستقبل , و جمعت المئات من الناشطيين حديثي العهد و حتى القدماء دربتهم على أسلوب التوثيق و العمل و الاعلام , ليكونوا بذارة صحفيي المستقبل ، لقبوك بالخال لكي لا تشتم , فشتمتك ستلحق بالأم ، و الأم في عرف السوريين قمة العرض.
أيامك الأخيرة التي كانت ملى بالحزن على ما نفقده من سوريون بشكل عام ، و من أبنائك الذين خرجتهم على وجه الخصوص .
و كنت تقول أنني لم أعد أحتمل و "لم يبقى من الحيل ما يكفي" , هددوك قبل شهر بالقتل و استقبلتها كعادتك بوجهك البشوش ، و لكن ضغط من يعشقوك و تعشقهم قررت الانتقال الى فرنسا في رحلة علاجية لصدرك المتعب ، و بعد العلاج تدرس امكانية البقاء ام العودة .
مجلس الأمن شارك بقتلك عندما جعلك قراره الأخير , أن تكون لابنتيك و لاولاد أخوك وحدهم بعد أن كنت لكل السوريين.
داعش التي حملت السيف في مواجهتها و أنتجت فلما متكاملا من الالف الى الياء "داعش في حلب" , أخذ صدا اعلامياً كبيرا و أوجع المستهدف , الذي لا يفقه النقد و لا يحتمل الاعتراض ، فالسكين والدم هما الحوار , قتلت اليوم و قتل معك جزء من سوريا.
عذراً ناجي لن تعرفني لكني اعرفك كما يعرفك السوريين
عندما سلم النظام السوري عام 2013 سلاحه الكيماوي الاستراتيجي كان ذلك نتيجة اتفاق روسي أميركي، ولو بإصرار من الجانب الأميركي. القرار الثنائي كان الأساس. اليوم جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي رسم خارطة طريق لحل الأزمة السورية. الخارطة قد تتغير والطريق سيكون بالتأكيد طويلاً وشاقاً وسيسقط عليه ضحايا كثر وتسيل دماء غزيرة. هذا ما تعلمناه من الحروب المشابهة ومن لعبة الأمم، ولم ننس بعد الدرس اللبناني، ونريد دائماً التعلم منه. ومن يتعلم يستطع قراءة الحدث وتحليله وتقدير نتائجه، وقراءة خلفية القرارات المحيطة به.
القرار الدولي الأخير جاء أيضاً نتيجة اتفاق روسي أميركي، بعد التدخل الروسي في سوريا، والفشل الأميركي، وفي مرحلة التشنج في العلاقات الروسية الأميركية، لم يخرج الطرفان عن سكة مسار اتفقا عليه في ما يخص سوريا. وللأسف، ولأن كثيرين لا يريدون التعلم فقد صدموا بالقرار، وسوف تتجاوزهم الأحداث وتجرفهم اللعبة، وتتجاوزهم الاتفاقات حول مصائر دولهم المختلفة، لأنهم لا يريدون الوقوف عند الحقائق ويذهبون دائماً مع التحليل بالتمني وهو أخطر أنواع التحليل. أقول ذلك لأُذكّر بأن ما جرى بين الروس والأميركيين ليس مفاجئاً. فهو يأتي في إطار الالتزام الثنائي على قاعدة أن تقول واشنطن: «بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحيّ الأسد»، وتؤكد موسكو: «وانتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد»! أي أنه عندما يتفق الطرفان يكون الحل ويخرج الأسد. ونشير هنا إلى أن بعض المسؤولين الروس قالوا في الأيام الأخيرة: «نحن نرتاح للتعاطي مع الوزير كيري أكثر من غيره من المسؤولين الأميركيين. صحيح الرئيس يقرر. وهناك مؤسسات، لكن الرجل كان من الأساس مؤمناً بضرورة التعاون معنا، وكان تفسيره لمؤتمر جنيف ومقرراته مخالفاً لما أعلنته هيلاري كلينتون وأراده غيرها من المسؤولين الأميركيين. المؤتمر لم يتحدث عن خروج الأسد. المرحلة الانتقالية لم تتحدث عن ذلك. وها نحن قد اتفقنا على الأمر بعد مؤتمري فيينا 1 وفيينا 2. وذهبنا إلى مجلس الأمن وأصدرنا قراراً»!
وفي الواقع، لم يعد أمر بقاء الأسد اليوم مسألة استراتيجية تتجاوز المعنويات المؤقتة. في المرحلة السابقة كان الجنرالات الإيرانيون يديرون اللعبة في سوريا ويمسكون بالقرار. حلّ محلهم اليوم الجنرالات الروس! وهم أقدر وقوتهم أكبر وأظهروا فعاليتها وهم في مجلس الأمن وليس إيران. رغم أن كل ما فعلوه لم يؤثر فعلياً في ضرب «داعش» وغيره من المنظمات التي يعتبرونها إرهابية. لأن هدفهم من الأساس يتجاوز سوريا التي استخدموها ساحة. إنهم يتطلعون إلى الداخل الروسي، إلى الحدود الروسية، إلى أمن روسيا ومصالحها الاستراتيجية، وإلى أوكرانيا وجورجيا وبولونيا وأفغانستان والجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي التي تتواجد فيها قوى يعتبرونها متطرفة أو إرهابية.. وبالتالي فالتدخل في سوريا بوابة للتعاون مع أميركا على هذا الأساس، إضافة إلى مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة في مجالات كثيرة.
اليوم ستكون مرحلة، ومحاولة تشكيل حكومة خلال 6 أشهر لإدارة مرحلة انتقالية. ثم خلال 18 شهراً إجراء انتخابات نيابية ورئاسية وتحقيق الإصلاحات الدستورية! خلال هذه الفترة سيبقى الأسد. وطبعاً سيكون وقف لإطلاق النار لا يشمل المنظمات الإرهابية. يعني وعلى طريقة الحرب اللبنانية التي أشرنا إليها أكثر من مرة: سنكون أمام هدنات موضعية هنا وهناك. تشكيل حكومات، حوار لإصلاحات، وربما انتخابات نيابية، علماً بأن موعدها هو مايو المقبل، لكن خارطة الطريق الحالية ستؤجلها. وبين الهدنات جولات من العنف ستبقى مستمرة تحت عناوين مختلفة، ولعبة الأمم ستبقى مستمرة. الدمار والخراب سيتواصلان ليعمّا مناطق سورية كثيرة. ولن تبدأ عودة النازحين واللاجئين قريباً. وفي انتظار خطوات أكبر وأشمل بين روسيا وأميركا، وموافقة أو إرضاء القوى المعنية بالصراع في دول الجوار، والتي لم تتفق بعد على أمور أساسية: من هي قوى المعارضة المعتدلة ومن هم الإرهابيون؟
في هذا الوقت يظهر جلياً أن ما قامت به إسرائيل حين نفذت عملية اغتيال سمير القنطار مؤخراً، هو تجسيد للعبة الكبرى. بين روسيا وإسرائيل اتفاق، ما يهمكم لا نتدخل فيه، لا نتعرض له، لكم حرية الحركة لتحقيقه، ونحن أيضاً. لذلك تستطيع إسرائيل أن تفعل ما تشاء رغم وجود أساطيل روسيا وقواعدها ومنصات صواريخها وكل قدراتها التقنية لقتل من تشاء وضرب ما تشاء، وما تراه يشكل خطراً عليها. وكذلك تفعل روسيا وأميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول.. ويدفع الشعب السوري ثمن «لعبة الأمم» على أرضه.
لم يأت أوان الحل بعد. إسرائيل تعلم ذلك وتريد تحقيق المزيد من الأرباح!
عندما يقول جون كيري ان القرار رقم ٢٢٥٤ الذي أقرّ بالإجماع في مجلس الأمن، يمثل صيغة صّممت لوقف الحرب الأهلية في سوريا، فإنه يبدو كمن يَحفر او بالأحرى يعمّق الحفرة تحت إقدام الروس الذين يراهنون على شخص في مقابل شعب كامل تقريباً، وواضح ان هذا القرار لن يوقف الحرب في سوريا بل سيدفع بها الى مزيد من التأجيج والمآسي!
بعد ايام تنتهي مهلة الأشهر الأربعة التي حددها فلاديمير بوتين لإنتهاء عملية تدخله العسكري في سوريا لدعم بشار الأسد، صحيح انه عاد وربط هذه المهلة بمسار العمليات على الأرض، لكن الأصح انه أعترف قبل عشرة ايام بأن حسابات الحرب من الفضاء قصفاً وغارات وبراميل متفجرة، هي غير حسابات القتال على الأرض، ولهذا ليس واضحاً بالفعل كيف سيتمكن من ترجمة الإستدارة الكاملة التي نجح في إحداثها، عندما وضع نظام الأسد في موقع المرجعية الصالحة لمحاربة "داعش" والإرهابيين، ودعا الى ضمّ المعارضة التي دَمرها النظام أساساً للقتال الى جانبه!
يصبح الأمر اكثر إثارة عندما نكتشف ان القرار الذي أُعطي صفة لا يستحقها، اذ سّمي خريطة طريق لحل الأزمة السورية، يمكن ان يغلق الباب نهائياً امام التسوية السلمية في سوريا من خلال أمرين على الأقل:
اولاً إبقاء عقدة الأسد سواء في الحرب لجهة تأهيله والدعوة للانضمام اليه ضد الإرهابيين، أم في السلم لجهة الالتباس العميق في محتوى الحملة التي تتحدث عن المرحلة الإنتقالية، إذ ليس واضحاً ما اذا كانت مهمته الرئاسية تنتهي مع تشكيل الحكومة الإنتقالية بعد أربعة أو ستة أشهر، أو انها يمكن ان تبقى الى ما بعد المرحلة الانتقالية التي يفترض ان تنتهي بعد ١٨ شهراً!
على ان ما يثير اليأس لدى المعارضة ويجعلها أكثر اصراراً وإقتناعاً بجدوى البقاء في المتاريس لمحاربة النظام و"داعش" على ما يجري منذ فترة طويلة، هو ذلك التفسير الإستغبائي الذي نجح سيرغي لافروف في تمريره، أي معنى كلمة "المرحلة الإنتقالية" لكأن المطلوب في النهاية هو الإنتقال من تحت دلف النظام الى تحت مزاريبه التي تقطر براميل متفجرة تدمّر ما تبقى من البيوت على رؤوس السوريين!
أحد قادة المعارضة السورية لم يتردد في وصف قرار مجلس الأمن بأنه مسخرة المساخر، ليس لأنه جمع كل التناقضات في صيغة واهمة فحسب، بل لأنه يطلق أيدي الروس وحلفائهم الإيرانيين في سوريا، بما يمثّل وصفة ممتازة لمزيد من القتال والمآسي، ويكفي في هذا السياق ان نتذكر الأعوام الخمسة الماضية وما آلت اليه لكي ندرك تماماً، ان الشعب السوري الذي طالما رفعت روسيا شعاراته ليس أكثر من بقية ذخيرة تُحرق للحفاظ على النظام.
لم يسبق أن وصل التوحش في سوريا طوال السنوات الخمس الماضية إلى المستوى الحالي؛ حيث القتل، والاعتقال، والتهجير، والدمار اليومي في كل مكان، وهو في تزايد كمي يفوق ما كان يحصل في السابق، وهذا يشكّل نقلة نوعية في تاريخ الصراع في سوريا، الذي شهد هبات من العنف الوحشي، لكنه الآن صار مستمرًا ومتصاعدًا وحجمه أكبر بصورة لم تحدث من قبل.
وليس من باب المبالغة، أو من باب الاتهام السياسي، أن التطور الجديد مرتبط بالتدخل الروسي الذي دخل شهره الثالث، حيث تواصل الطائرات الروسية غاراتها اليومية على أغلب المحافظات السورية من حلب في الشمال إلى درعا في الجنوب، ومن أرياف اللاذقية في الغرب إلى دير الزور شرقًا مع تركيز في عملياتها على حلب وأرياف اللاذقية، وإدلب، وحماه، لتقصف تجمعات سكنية وتجمعات تشكيلات المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة، في حين تشن عمليات محدودة على مناطق خاضعة لتنظيم داعش في الرقة ودير الزور وريف حمص الشرقي، وفيها جميعًا لا يتجاوز حجم الهجمات على «داعش» عشرة في المائة من مجموع الهجمات.
ويقال إن الطائرات الروسية تستخدم في عملياتها القنابل العنقودية المحرمة دوليًا، وتسبب مقتل وجرح وتشريد آلاف السوريين يوميًا، وهو مظهر مباشر من مظاهر التوحش الذي يقارب في مظاهره التوحش الذي تركه الروس في غروزني عاصمة الشيشان في تسعينات القرن الماضي، حيث حوّلوا المدينة إلى أنقاض وأهلها إلى أموات ومشردين.
والأهم من القصف الروسي ونتائجه في مظاهر التوحش في سوريا، هو تداعيات العمليات وأثرها على قوى الصراع، الأمر الذي جعل الأخير يدخل في مسارات أعمق من التوحش. فالنظام الذي استشعر القوة بعد التدخل الروسي عمد إلى استجماع قوته في تجنيد مزيد من قوات الاحتياط، وفي الجمع الكيفي للشباب السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرته وزجهم على الجبهات في محاولة منه لاستغلال المساعدة الروسية واستعادة السيطرة في مناطق، كان قد فقدها في وقت سابق، دون أن يعنيه ما يصيبه من خسائر بشرية نتيجة مغامراته، وانضمت إلى هذه الهجمات قوات حلفائه من الإيرانيين وميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية على أمل تحقيق مكاسب ميدانية في وقت يجري فيه الحديث عن قرب مفاوضات بين النظام والمعارضة، مما يتطلب تعزيز قوة النظام وسيطرته قبل الدخول فيها، إذا حصلت.
أما الأثر المباشر لمظهر التوحشي الروسي لدى المعارضة المسلحة المعتدلة، فكان شديد القوة هو الآخر. إذا دفعتها العمليات الجوية الروسية، وكذلك الهجمات العسكرية للنظام وحلفائه إلى إعادة ترتيب أوضاعها وتحسين علاقاتها البينية للدفاع عن نفسها وعن حواضنها الاجتماعية في التجمعات السكانية، ونظمت على نحو سريع عمليات الدفاع، وشن الهجمات المضادة، وهذا ما حصل على نطاق واسع في أرياف حلب وإدلب واللاذقية في الأسابيع الأخيرة، لأنها شعرت بأن المعارك باتت معارك حياة أو موت، ولعل معارك جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية ومعارك جنوب حلب أمثلة حية، تسببت في مقتل وأسر وجرح مئات من جنود النظام وحلفائه من الإيرانيين والميليشيات، وهو شكل من أشكال وحشية الصراع المتصاعد.
ولم تقتصر تداعيات التدخل الروسي ووحشيته على ما سبق، بل امتدت إلى قوتين أخريين من قوى الصراع، وهما تحالف الأكراد «قوات سوريا الديمقراطية» من جهة، و«داعش» من جهة ثانية. فقد عزز تحالف الأكراد، رغم مشكلاته الداخلية وصراعاته في تل أبيض وبالقرب منها، من توجهاته في الحرب على «داعش» فأعاد تنظيم قواته وعزز قدراتها مستفيدًا من الدعم الدولي للتوجه نحو معقل «داعش» في الرقة، الأمر الذي يؤشر لقرب معركة كبرى هناك، ستظهر فيها إشارات التوحش على نحو ما كانت عليه معارك عين العرب - كوباني في العام الماضي. أما الأبرز في تداعيات التدخل الروسي ووحشيته عند «داعش» فقد تجلت على نحو مختلف مقارنة بما كان عليه الوضع لدى كل الأطراف الأخرى في سوريا، فإضافة إلى استمرار «داعش» في توحشه التقليدي، فإن التدخل وما أحاط به، دفع «داعش» إلى انكفاء داخلي، عبر عن نفسه في خوض معارك داخلية، كان من نتائجها صراعات وتصفيات للكثير من قياداتها وكوادرها، كما حدث مؤخرًا بين قادة «داعش» في البوكمال، فأضاف ذلك ضعفًا إلى ضعفها في مواجهة التحالفات، التي تستهدف وجود التنظيم في سوريا.
خلاصة القول في الواقع الراهن، إن التدخل الروسي بمجرياته وبما تركه من أثر على الصراع، فإنه خلف وحشية متزايدة ومتواصلة، يمكن أن تستمر ما لم تحصل تطورات جدية في دفع البلاد نحو عملية سياسية لحل القضية. وفي كل الأحوال، فإن الصراع مستمر ومتصاعد في أغلب جبهاته، حتى الوصول إلى قرار دولي ملزم تحت الفصل السابع في سوريا.
لما استشهد بعض قيادات الصف الأول في الغوطة في عمليات التحرير الأولى لتلك الأرض المباركة .. كان وقع استشهادهم صعباً ، فهم القادة الذين واكبوا الثورة منذ لحظاتها الأولى ، وهم أول من حمل السلاح بوجه عصابات الأسد ، ولهم يعود الفضل بتحرير أغلب المناطق العسكرية التي ذاق منها الناس الويلات ..
كانوا قياديين بحكمتهم ، وعزيمتهم ، وقد وهبهم الله القدرة على القيادة ، فكانوا من النوادر .. استشهادهم في المعارك كما يروي زملاءهم من القياديين ، كان خسارة مضاعفة لهم ..
خسارة بطل وقائد وثائر وخبير .. وعندما عين مكانهم شباب الصف الثاني كان ذلك لمجرد ملء الفراغ ومتابعة العمل الثوري والمعارك لما تنتهي بعد .. ولكنهم فوجئوا بشباب الصف الثاني الذين استلموا قيادة المجموعات ، وحملوا عنهم الأمانة ، فوجئوا بهم ليس أقل منهم قوة وحكمة وحنكة ..
وقد قيل عندما استشهد شباب أمثال (الموت) و(أبو حسان الملح) و (أبو علاء) و (أبو عدنان طعمة) و و(أبو محمود البطل) و(الضو) وغيرهم ، قيل : لن يأتي مثلهم .. (ومثلاً "الموت" تقبله الله عنما كان يرى الناس يهربون من جيش الأسد يحمل سلاحه ويلحق بالجيش المدجج بالسلاح ويواجهه ، حتى لقبوه "الموت") .
ولما استلم شباب الصف الثاني القيادة إذا بهم يظهر لديهم من القيادة والحكمة والشجاعة ما يماثل أسلافهم .. بل ويزيد عنها .. رأينا فيهم القوة والحزم والشجاعة والحكمة والمهارات .. اشتهد قائد فخلفه قائد .. واستهشد خبير فعقبه أخبر منه .. واستشهد قناص فعقبه أمهر منه .. ..... وعندما استشهد قادة أحرار الشام ، بل جميع قادة الصف الأول فيها ، كان الكثير يراهنون على كامل الحركة أنها لن تصمد وستنهار بسبب فراغ كبير خلّفه فقد أغلب قياداتها وشرعييها وقادة ميدانيين وغيرهم .
ولكن الله تعالى أكرمها بقادة ظهروا لمجرد ملء الفراغ ، ولكنم في الحقيقة كانوا قياديين ، وأبطالاً وحكماء .. حافظوا على الحركة وتماسكها ووحدتها ومسيرتها . .........
لن يعدم جيش الإسلام ذي التاريخ العريق في الحروب والمعارك أن يكون بين كوادره الأبطال القياديون الذين يتابعون المشيرة .. لن تفقد الغوطة نورها في سماء مليئة بالنجوم الزاهرة ... لن تغمد سيوف وفي الأمة أبطال وشباب سيتابعون المسيرة ..
فأمة فقدت الحمزة ومصعب وعمار وجعفر وزيد ، أنجبت مثلهم أبطالاً قادوا الجيوش وفتحوا الدنيا .. رحم الله القائد "زهران علوش" ورفاق دربه من الشهداء كنائبه وغيرهم .. وأخلف على الأمة خيراً .. ستبقى الثورة مستمرة ، بنور يسطع من دماء الشهداء .. فنحن بشهدائنا مضينا بعزم وثبات ، وباستشهاد القادة الميامين ستبقى الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها .
عذراً شيخ زهران علوش ، من الممكن اليوم أن تكون قد قتلت و فارقت الحياة ، لكن سبق و أن قتلت مئات المرات ،تارة بالخيانة و تارة بالتشكيك بولائك ، أخريات ببيعك قوتك لصالح فلان من الدول أو عين من المخابرات ، ورغم ذلك بقيت واقفاً .
يقول كثيرون أن زهران علوش يتحمل مسؤولية كبيرة مما جرى للغوطة ،و أنه مسؤول عن كف يد النظام لقربه من دمشق ، وأنه و أنه وأنه ..و يصل البعض لحد وصفه بأنه يد النظام ، و ألعوبة الدول و...و....
عذراً شيخ زهران ما قدمته عجز عنه الكثيرون و الكثيرون جداً ، لم تكن اعتباطياً و لا صاحب رؤية مغايرة للشعب في أي يوم من الأيام ، قتلوك مرات و مرات ، هاجموك بكل شيء حتى في ندرة الأمطار ، و شككوا بعملك و جهادك ، وحولوه إلى تجارة تارةً ، أو إلى البحث عن المال أو المنصب .
جُيّش للحرب عليه آلاف الأقلام و مئات المواقع ، ليشوهوا صورته ، و يحولوه إلى منبوذ في الرأي العام الخارجي ، فيما كان للحملات رد فعل عكسي على الأرض ، فازدادت قوته العسكرية و ازدادت أعداد جيشه ، و حافظ على وجوده في أخطر رقعة على وجه الأرض ، و واجه كل أصناف القصف و كل أنواع الخطط و أعتى الفرق العسكرية ، و أوجع النظام و كل من سانده من مليشيات و دول ، و بقي شوكة في حلوق جميع أعدائه الفعليين ، و المتخفين بثوب الثورة .
كانت لي جلسات طويلة و كثيرة مع معارضيه الوهميين ، منتقديه الجالسين ، و سمعت من الأحاديث عنه ما يكفي لأن يكون عبارة عن "مسخ" أو سرطان في جسد الثورة .
لكن في المقابل بحثت في حنايا جيش الاسلام و في تفاصيله ، في تنظيمه و جهوزيته و آلية عمله ، لم أجد ما بخالف الحق و المنطق .
قامة كـ"زهران علوش" لم تكن في يوم من الأيام عالة على الثورة ، و لم يكن في شخصه أي مشكلة أو سبب في تأخير النصر ، و مع غيابه اليوم ستفقد الثورة أحد أبرز وجوهها الذين بقوا طوال السنوات الماضية ثابتين على مواقفهم ، و قدموا و اجتهدوا و ضحوا ، شاء من شاء.
الشيخ زهران سبق و أن قتلك ذوو القربى ... و لكنك ظفرت بطعنة الأعداء
بعد دخول روسيا في معادلة الثورة السورية بشكل مباشر وعلني وميداني كنا نتوقع أن تتكثف الغارات الجوية على جبهات القتال .. وعلى مقرات الثوار .. فضلاً عن مقرات "تنظيم الدولة" وآبار نفطه ، ومصادر قوته .. كنا نتوقع أن لا يهدأ الطيران الروسي في تجوله في سماء سوريا من جنوبي حوران إلى شرقي الرقة وصولاً لشمال حلب ، مستهدفاً المقرات والجبهات ، موجعاً الثوار ، مكثراً من خسائرهم ..
ولكن ما نتج عن كل هذه الغارات ، وما ركّز عليه الطيران ، سواء طيران النظام سابقاً أو الروسي الآن إنما هو الأسواق والمدنيين والبنى التحتية .. في غوطة دمشق التي كل ما حولها جبهات قتال شرسة ، تشكل خطورة على النظام ، تركز القصف على أسواق دوما وحمورية وعربين وغيرها ..
إضافة لقصف المشافي الميدانية والمراكز المدنية .. في ريف إدلب ، كان لسوق أريحا المكتظ بالمدنيين نصيب من جريمة مروعة ، كان المستهدف فيها فقط الأهالي .. في الوعر أيضاً نالت من قصف وطيران النظام الشيء الكثير .. في الرقة .. حيث مراكز ومقرات "تنظيم الدولة" كان المدنيون على موعد مع قصف استهدفهم ، وذهب بالأطفال والنساء ضحايا مجازر مروعة ..
حلب -القسم المحرر منها- لم أيضاً تسلم من ذلك القصف ، الذي تحاشى الجبهات ومقرات الثوار وأماكن تجمعاتهم ، وركز على البنى التحتية والمشافي الميدانية .. .. حتى أن الأمم المتحدة -والتي لم نعهدها تتكلم- تكلمت عن تعمد استهداف البنى التحتية في حلب ، بما فيها وحدات المياه ..!
طبعاً لا يتحاشى القصف الروسي الثوار كلياً ، ولا يستثنيهم من غاراته ، ولكن حجم الأذى والأضرار والتعمد الواضح في القتل كان موجهاً للمدنيين أكثر منه للثوار المسلحين .. ما السر وراء ذلك ..؟ ولعلنا نذكر بعض النقاط الهامة في ذلك الاستهداف لعلها تتضح الصورة قليلاً :
- الثوار هم (مجاهدون) باعوا حياتهم للموت في سبيل حماية أهاليهم ، لذلك فإن قتلهم لن يفلّ من عزيمتهم بل
سيزيد منها .
بينما المدنيون هم أهل الثوار وحاضنته الشعبية ، ومصدر دعمه وسنده ، وبالتالي فإن تعرضها للخطر يشكل قلقاً كبيراً للثوار وعنصراً ضاغطاً عليه ، خصوصاً عندما يفقد الإنسان أماً أو زوجة أو أباً وأخاً عزيزاً ..
- إن السعي المحموم للحصول على تنازل سياسي من قبل الثوار، لا يمكن الحصول عليه إلا بعد الضغط الكبير على الثوار ، والاستمرار في نزيف الدماء .. مما يجعل جميع الأطراف تتنازل لإيقاف الحرب ولو بأي ثمن كان ..
- المجتمع الدولي يصرّ على روسيا وإيران ألا تنتصر انتصاراً كاملاً ، لذلك ترى أن الانتصار الساحق حين يكون متاحاً للأسد يخرج التاو من بطن الأرض ، وحين يتقدم الثوار ينقطع الدعم ، ويسمح للروس أو حزب الله بارتكاب المجازر . لذلك يشبعون رغبتهم بالقتل لا ينهي معركة ، بل يبقي الدم مسفوحاً والخراب دائماً .
- تشكّل الثورة بطرفيها العسكري والمدني تحدياً كبيراً لنظام الأسد ، لذا فإنه حين يعجز أمام العسكري ينتقم من المدني لينفث عن غضبه ، ويري نفسه بموقع المنتقم أمام حاضنته الشعبية التي تنتشي بكثرة القتل .
- عقلية البعث ما تزال مسيطرة ، وهي تتلاقى مع العقلية الروسية بشكل كبير ، لذا فإنه يريد الانتقام من كل بشر وشجر وحجر خرج عن سيطرته .. ..
لذا فليس أمام الثوار إلا الاستمرار وليس أمام أهلنا إلا الصبر وليس أمام السياسيين إلا الثبات وليس أمامنا إلا أن نستمر بدعم أهلنا وتثبيتهم والعمل على حمايتهم حتى يأذن الله لهذه الثورة بالنصر الكبير المبين .. إن شاء الله ..
تطغى في الآونة الأخيرة الأحاديث المتناقلة ، عن وجود خطط تم البدء بها لسحب القوات الايرانية وما يدور بلفيفها من مليشيات شيعية من سوريا ، باتجاه العراق و العودة بجزء آخر إلى ايران ، ضمن تعهد روسي للعالم عموماً ، و للفريق "السني" على وجه الخصوص ، مقابل التغاضي عن التوسع المصلحي الروسي في سوريا .
هذا الكلام الذي ينتشر هنا و هناك ، لا يعدو عن مجرد "ذر للرماد" في العيون ، بغية تهدأت روع العالم "السني" ، ومن الممكن أن يكون صحيحاً ، و لكن لن يجد له في الواقع مكان ، لعدة أسباب ، أبرزها الغاية "العقائدية" لإيران في سوريا .
فالمعروف أن روسيا يحكمها منطق "المصلحة" ، و تدور في فلكها سياستيها و حربها و سلمها ، ومن الممكن تحارب كل شيء بغية المصلحة و أن تهادن الشياطين لنفس السبب ، في حين أن الأمر أعقد من ذلك بالنسبة لإيران التي تحكمها "ملالي" ثيوقراطيين ، يوظفون كل شيء لتحقيق أهداف مزدوجة "سياسية – دينية" ، و ان كانت الأخيرة أولى بالرعاية ، فهي تمهد الطريق للأولى .
تعمل روسيا على مبدأ "اللعب وحيداً" دون شريك أو محاصص في القسمة ، و قد دأبت في الفترة الماضية على توجيه ضربات موجعة للقوات الايرانية في سوريا ، بقصف نقاط تتواجد فيها و قتل قياديين بارزين ، بغية الضغط على ايران ، كي تتمكن من تحقيق هدفيها ، المتمثلين برفض الشريك ، و الثاني الحظي بقبول المجتمع "السني" المتخم بالمال بدون السلاح .
و لكن الضغط الروسي الذي يطبل له بعض "السنة" ، فرحاً بألم ايران ، لن يكون ذي فعالية ، لأن الأمر بالنسبة ايران هو مصير "طائفة" ، تحمل في أفكارها من التعصب و التشدد ما يمكنها من قتل العالم بأسره بغية الحفاظ على وجودها.
المتعمق في المذهب الشيعي ، يجد أن بلاد الشام عموماً و سوريا و فلسطين على وجه الخصوص لها من القيمة الكثير للشيعة ، وأن ايران لن تضحي بهذه الفرصة الذهبية التي جعلت من قواتها التواجد بأقرب مكان لـ"القدس" ، لتبقى مرابطة فيه حتى ظهور "مهديهم" و الدخول في عداد جيشه لتحريرها من "المحتلين" ، و الظفر بالجنة .
ولا يوجد على أجندت الشيعة حالياً عملية تحرير القدس من يد اليهود ، و إنما ستقتصر مهمتهم ، على الاقتراب من الحدود لا أكثر ، بانتظار "الفرج" عن المهدي المتخفي منذ ١٢٠٠ عاماً و المنتظر للأمر الإلهي ، ليخرج و يعلن انطلاق علائم الساعة الكبرى "القيامة".
هذا الاستعراض للفكر الشيعي ، الذي يحكم ايران فعلياً و بقبضة حديدة ، ليس الا دليلاً على أن ايران لن تتراجع عن تواجدها في سوريا تحت اي ظرف أو خسائر مهما بلغت ، و ستعمل على استبدال قواتها القتيلة ، بأخرى فتية لمواصلة المعركة حتى تحقيق الرؤية .
و يكفي قول قائد "فيلق قدس" قاسم سليماني بأن خامنئي ، وهو مندوب المهدي للبشر ، أمره بأن يحرر حلب ، ليقضي على رؤية "دابق" ، لو كلفه الأمر مئة ألف قتيل .
تساؤلات كثيرة تجول في أذهان الآلاف من المتابعين لتطورات الوضع الداخلي في محافظة درعا شعلة الثورة ، التي انطلقت منها الشرارة الأولى لمسيرة النضال والتحرير من استبداد عائلة الأسد وملالي طهران ، هذه التساؤلات يرددها الكثير في الشمال والجنوب عن سبب الهدوء الذي تشهده محافظة درعا وتوقف جميع الأعمال العسكرية فيها إلا بعض المناوشات الضئيلة مع قوات الأسد ، لا بل التراجع الكبير لفصائل الثوار أمام قوات الأسد التي تقدمت وسيطرت على عدة مناطق دون أن تحرك الفصائل ساكناً أو ترد بعملية عسكرية لاسترجاع هذه النقاط .
درعا نائمة في وقت تكالبت فيه كل شيعة إيران والعراق ولبنان وروسيا ودول أخرى للثأر لزينب ونصرة الحسين ، درعا نائمة في الوقت الذي دخلت فيه روسيا على خط المواجهة المباشر وبدأت تقصف محافظات الشمال بقوة بطائرات متطورة وصواريخ بالستية حديثة ،درعا نائمة دون أن تجد من يجيبك عن سبب نومها ورقادها والجهة التي تقف وراء ذلك ونوع الكفر أو الغضب الذي سيحل بمن يوقظها من سباتها ويشعل جبهاتها ....
وعن سبب نوم درعا يعلل البعض أن قتال عناصر تنظيم الدولة قد أرهق الفصائل هناك فجاء الرد من ريف حلب الشمالي بأن أبطالهم يصاروعون على ثلاث جبهات بينها جبهة بطول 40 كم مع التنظيم الدولة وجبهات النظام وقوات البككة الكردية ومع ذلك بقي ريف حلب شامخاً صابراً مدافعاً عن الدين والأرض. ويبرر آخر بأن قوات الأسد تفوقهم قوة وعتاد وقد جمعت لهم العدة وأعدت التحصينات ، فيأتي الرد أن ريف حلب الجنوبي الذي يتعرض كل يوم لأعنف غارات جوية من الطيران الروسي وسط تهافت كل ميليشيات الشيعة للمنطقة لقتال الثوار ومع ذلك فالصمود عنوانهم وقتلى عصائب الشيعة تملأ شوارع بلدات الريف الجنوبي وحقولها.
هذا النوم بات كنومة أهل الكهف بل أكثر ، فدرعا لا ينقصها رجال وفصائل وعتاد ، فهي من واجهت قوات الأسد وشرطته بالحجارة والصدور العارية ، فأين رجالها اليوم مما يحدث في سوريا من قتل في الغوطة وإدلب وحلب واللاذقية ، أين رجالات درعا وشيوخها من أنات الثكالى وأوجاع الجياع في مضايا والزبداني وغوطة الشام ألا تستوجب نصرتهم والزود عنهم ماأمكن للضغط على النظام وإرضاخه لفك الحصار بقوة السلاح وعزيمة الرجال .... رجال أهل درعا الأشداء .
هذه التساؤلات عن غفلة درعا وسكوتها على الضيم ونصرة إخوتها باتت كثيرة وعديدة وباتت الإجابة عنها معقدة تحتاج لرجال يخطون سطورها برصاص البنادق على جبهات العز لتعود درعا رمز الثورة وشعلتها الى موقعها الصحيح وتعود لتأخذ الدفة في خط طريق الحرية المنشود الذي قدم لأجله الألاف أرواخهم رخيصة ومازالوا ....
17 يوماً بقيت من زمن «المهلة» التي كان الكرملين يتخيّل أنها بأيامها المئة كافية لاستئصال جميع المعارضين للنظام السوري. ترتفع حصيلة الغارات الروسية إلى ألفي قتيل، يتمدّد الخراب فوق خراب، ويتسع اليأس على خريطة سورية المنكوبة.
وهي ثكلى مع شعبها الذي يستخدمه النظام حقل رماية، ومعه الميليشيات الحليفة، والنظام الإيراني والقيصر الروسي. ولا يتردّد الإسرائيلي في انتهاز الفرصة، فيضرب في القلب، ولا يأبه بوعيد الرد.
هؤلاء جميعاً أطبقوا على سورية والسوريين الذين يسألون كل يوم: كم مرشحاً للقتل بغارة أو برميل متفجّرات أو رصاص قنص؟
لعل كثيرين منهم بعدما تجاوزوا عتبة اليأس، لم يعودوا يكترثون للسؤال، حقل الرماية شاسع، وأسماء الضحايا تحوّلت أرقاماً. أما «زوبعة» الأمل التي أثارها قرار مجلس الأمن بإمكان وقف الحرب المجنونة قريباً، بعد إطلالة العام 2016، فاتضح أنها أيضاً صناعة روسية. هكذا لا ترى المعارضة السورية ضوءاً في نهاية النفق الطويل، ولا ترى في حديث الأمم المتحدة عن جولة مفاوضات مع النظام في كانون الثاني (يناير)، سوى اختراعٍ لوهم في الوقت «الضائع».
فمن يضمن وقف النار، فيما الفصائل المقاتلة محاصَرة، متوافقة على الحد الأدنى من تماسكها، و «داعش» و «النصرة» خارج حسابات التفاوض، بداهةً؟... والخلافات على تصنيف التنظيمات الإرهابية تراوح مكانها، وموسكو لن تضمن رحيل الرئيس بشار الأسد من السلطة، والمعارضة لا تعتبر الوقت مناسباً للتفاوض؟
وكالة «نوفوستي» تحتفي بتسلُّم الجيش الروسي قريباً «صواريخ أس 500 المرعبة»، ومَنْ يدري هل يأمر الرئيس فلاديمير بوتين باستخدامها في حقل الرماية السوري، ليثير رعباً في قلوب «الإرهابيين»؟ أم هو يجهّزها لردع «السلطان العثماني الجديد» كما يطلق بعض الإعلام الروسي على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي «تمادى» مع القيصر؟
منظمة العفو الدولية تتهم الروس بارتكاب جرائم حرب في سورية، وهم يكافحون «الإرهاب»، ويشدّون أواصر التنسيق مع إسرائيل التي اغتالت سمير القنطار القيادي في «حزب الله»، حليف إيران شريكة الكرملين في حماية نظام الأسد... مع ذلك، لا سبيل لدى موسكو لتبرئة نفسها من إطلاق اليد الإسرائيلية في تصفية حسابات على الأراضي السورية، ربما في مقابل شراكة أخرى لمصلحة النظام.
وبصرف النظر عن الحسابات المتشابكة لما تبدّل في سورية منذ التدخُّل العسكري الروسي لتمرين عضلات بوتين، ما لا يمكن التشكيك فيه هو أن الكرملين ما زال بعيداً عن فرض تسوية، ظن كثيرون بدايةً أنه سيُمليها بالقوة على النظام ومعارضيه، حفاظاً على الدولة السورية وموطئ نفوذ.
وأما ادعاء الروس الاعتماد على إشراف دولي لدفع التسوية على سكة الحل، فينتظر لاختباره قدرة الأمم المتحدة على جمع النظام والمعارضة الشهر المقبل، إذا قبِل الأول التفاوض معها، وارتضت هي التوقيت فيما الغارات الجوية تنتزع منها على الأقل، المبادرة الميدانية.
لا يوحي تصعيد الضربات الجوية الروسية وغارات النظام السوري بالبراميل المتفجّرة، سوى بتحرُّك لإجهاض مفاعيل مؤتمر الرياض، مهما ادّعت موسكو حرصها على تسوية سياسية قريبة. فالتشكيك بأهدافها لم يتبدّل: طموحها خَنْق المعارضة المعتدلة، وإعفاء النظام من تبعات التفاوض. على الأرض، لا شيء يوحي بأن أقوال الكرملين وجه آخر لأفعاله. وكلما انتزعت موسكو تنازلاً من الأميركيين- مثل تخلّيهم عن أولوية تنحّي الأسد- مالت أكثر إلى الصواريخ «المرعبة»!
مَنْ تُرعِب ومَنْ تقتُل ومَنْ تُشرِّد؟ بعد نحو مئة يوم من الغارات الجوية والصاروخية، لا أحد يظن بعد، أن أبو بكر البغدادي سيرفع الراية البيضاء للقيصر قريباً. مئة يوم إضافية لجنون القتل والدمار الشامل؟ ما الذي يتبدّل إن احتمى هذا الجنون بـ «إشراف دولي»، واستسلام أميركي حتى الرمق الأخير؟
ومرة أخرى، يتبيّن حجم الخديعة باستخدام «الدواعش» ذريعة لتدمير سورية وقتلها من أجل إنقاذ رأس النظام... فوق الخراب.
مجدّداً، يرفع جلاّدٌ راية رعب القتل، باسم السلام. الكثير تبدّل في العالم ليبقى أسير الدهشة، شاهد زور على المأساة الكبرى، يحصي النعوش.
مواكب موت، طوفان نزوح... رجال للقتل، نساء للتشرُّد، وأطفال للبيع.