مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ ديسمبر ٢٠١٥
ما كان قنطار بطلاً ولا الحزب مقاومة

ليس هناك مثل مأساة سوريا، عرَّت الوجوه المختبئة خلف الأقنعة المزيفة على خشبة المسرح السياسي العربي. هناك، على أرضها، أيضًا قُتل سمير قنطار، هوى نجم آخر من نجوم حزب الله، أيضًا لم يهتم به أحد، رغم أن حزب الله منحه لقب الشهادة، وأقام له سرادق العزاء، وقبلها كان قد علق على صدره وسام البطولة لأن إسرائيل سجنته. الذين احتفوا بـ«شهيدهم» موظفو أعضاء الحزب من المكلفين بإصدار بيانات القتلى، التي لم يعد أحد يريد إعادة طباعتها أو نشرها. قال البيان: قنطار قتله الإسرائيليون، رواية غير مقنعة لأنه لا يوجد لديهم حافز لقتل من يحارب عنهم وبعيدًا عن حدودهم، في ريف دمشق. وهناك من قال: قنطار راح ضحية قصف خاطئ من قبل الطيران الروسي. وجنح البعض إلى القول: لقد طعن من الخلف، من قبل حزب الله. ويبقى الادعاء الوحيد المعقول ما قالته المعارضة السورية إنها: هي من دفنته تحت ركام المبنى ذي الستة أدوار الذي قصفته. والحقيقة لم يبالِ أحد كثيرًا بمن قتل قنطار، لأنه مات يحارب دفاعًا عن إيران ونظام الأسد وحزب الله.

وقد توقظ اللامبالاة، التي رافقت نبأ مقتل قنطار، حزب الله والمنظمات الأخرى المماثلة، أنه حان الوقت لإنهاء هذه المسرحية الكوميدية السوداء، المقاومة ضد إسرائيل والدفاع عن الأراضي اللبنانية السورية الفلسطينية المحتلة، لا أحد أصبح يصدقها. انتهت صورة حزب الله التي رسمها لنفسه، وصدقها غالبية العرب واللبنانيين، ربما باستثناء أهالي قرى الجنوب لأنهم كانوا يدفعون الثمن غاليًا، هم أقرب إلى الحقيقة على الأرض.

الذي فعلته مأساة سوريا وبشاعة النظام في ملايين العرب، عدا أنها هزت وجدانهم، صدمتهم في تاريخهم، رموزه ومقدساته. يتساءل الناس، هل الأبطال حقًا كانوا أبطالاً؟ أم كانوا تجارًا، أو وكلاء لمشاريع خارجية؟ وهل ما كان يقال لهم، لعشرات السنين، فيه شيء من الحقيقة أم كله كان أكوامًا من الخرافات؟

هل يستحق قنطار البطولة لأنه قتل عائلة إسرائيلية من ثلاثة أفراد، بينهم طفلة، أم أنه مجرم لأنه أيضًا شارك في قتل ثلاثمائة ألف إنسان سوري؟ سوريا هزت الضمائر والقناعات وتجبروا على إعادة قراءة الماضي من وحي اليوم.

لهذا، ليسمح الذين يقولون لنا إن اليوم غير الأمس، بتجميل الماضي والإصرار على أنه كان زمن السلاح والكفاح والقضية والأخلاق، والتبرؤ من فعل الحاضر، أن يعيدوا النظر. التفتوا إلى الخلف للسنوات الماضية.. للعشر، والعشرين، والثلاثين الماضية، ستجدونها مجرد فصول في كتاب واحد، سوريا خاتمته. المقاومة هي عنوان رواية بوليسية، نقرأ في النص عن طمس الأدلة وتزوير الحقائق، فمصطلح مواجهة العدوان كان يراد به الاستيلاء على الدولة اللبنانية، وابتدعت عبارة المقاومة من أجل إلغاء المقاومة، وأسست جبهة الممانعة كتحالف مع طهران للسيطرة على المنطقة.

نحن نقرأ الأخبار منفصلة عن بعضها، ولو قرأناها قصة واحدة، لفهمنا أن الذي قتل ثلث مليون سوري اليوم هو نفسه الذي اغتال عشرات اللبنانيين قبل عشر سنين. قتلهم ضمن برنامجه إلغاء الخصوم، من رفيق الحريري وجبران تويني وجورج حاوي وغيرهم. وقبلها حاول رجاله تنفيذ عملية اغتيال أمير الكويت الراحل، واستهداف شركات طيران وسياحة خليجية وعربية. وهكذا نستطيع أن نفهم الرواية عندما نعيد قراءتها من بداية تسلسلها، في الثمانينات قررت إيران، مع سوريا، الانخراط في حكاية مواجهة عدوان إسرائيل، وذلك ذريعة للبقاء في لبنان، لحمل السلاح، وخطف الأجانب، بعد أن تم التخلص من منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت أيضًا تزاحم النظامين الإيراني والسوري. إسرائيل غزت لبنان وأبعدت منظمة التحرير مع أن الذي نفذ محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، حجة للغزو، كان فصيلاً تابعًا لنظام الأسد. الأسد وإيران كانا المستفيدين الأكبر، وقاما بتبني مشروع المقاومة، وبه تم ترسيخ احتلال لبنان، وتعطيل مؤسساته وتهديد العالم من خلال منظمات تدار من قبلهم.

باسم فلسطين، تمت لهم الهيمنة على البلاد من المطار إلى الحدود، وفتحوا المعسكرات لتدريب العرب الآخرين لمقاتلة مواطنيهم في العراق والخليج واليمن وسوريا. كان ذلك بدايات مشروع إيران الإقليمي، ولنتذكر أن من شن كل الحروب كانت إسرائيل، وليست إيران أو سوريا أو الحزب، وأكثر رايات «المقاومة» التي رفعت غرست فوق البيوت المهدمة.

اليوم لم يعد ممكنًا الاستمرار في بيع تلك الرواية، مقاومة إسرائيل. ولا أدري إن كانت إيران وحزب الله والنظام في دمشق يعون كيف أن سوريا، المذبحة الأبشع في تاريخ المنطقة، قد بدأت تاريخًا جديدًا، لن يكون سهلاً تجاوزه ونسيانه. انتهت حكاية المقاومة والممانعة، التي لم تكن حقيقية في أي يوم من كل السنوات الماضية. وانتهى استغلالهم المأساة الفلسطينية.

اقرأ المزيد
٢٤ ديسمبر ٢٠١٥
التغيير في العالم العربي والإرادة الغربية

أصدر مجلس الأمن الدولي، في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في جلسة مميزة برئاسة وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ورأس وزراء خارجية الدول الأعضاء وفود بلادهم، القرار رقم 2254 بشأن سورية، وعلى الأصح بشأن الصراع الدائر في سورية بين إرادة شعب مقهور تعرّض، ويتعرض يومياً للقتل بأبشع صوره وللتهجير والنزوح، على يد سلطة حكم استبدادية غاشمة، حيث سقط أكثر من 250 ألف سوري قتيلاً بفعل براميلها المتفجرة وقذائفها المدمرة، وتعرّض أكثر من 12 مليون سوري للتهجير والنزوح، فراراً من القتل والدمار، وما زال القتل والتدمير والتشريد مستمراً، بدعم مباشر من القوات الروسية التي دخلت إلى الساحة السورية لدعم نظام الأسد بتواطؤ أميركي غربي، لإنقاذه من الانهيار الذي كاد أن يتعرّض له. وتلك هي بيانات المؤسسات الدولية التابعة لمن أصدروا القرار الأممي المشار إليه، وتصادف أن يوم صدوره وافق مرور خمس سنوات على انطلاق الشرارة التي أشعلت ما تعرف بثورات الربيع العربي، عندما أشعل الفتى التونسي، محمد البوعزيزي، النار في نفسه، احتجاجاً على قهر سلطة نظام بن علي في تونس، وكانت نموذجاً للسلطة الاستبدادية في دول عربية عديدة.
اتفقت على القرار الأممي الخاص بسورية، أميركا وروسيا وباقي الخمسة الكبار أصحاب العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ومعها القوة الأوروبية المُضافة المتمثلة في ألمانيا. وبالطبع، لم يكن أمام الأعضاء العشرة المؤقتين سوى الموافقة. يقول القرار، بوضوح، إن التغيير في سورية هو رهن بإرادة الغرب، ولن يتم إلا في الإطار والحدود التي يحددها الغرب، ولن يكون أبداً تغييراً ثورياً يفرضه الشعب السوري، لكن تعديلاً طفيفاً للشروط التي تحكم العلاقة بين السلطة والشعب مع بعض الضمانات الغربية.
يدعو القرار إلى حوار بين قوى المعارضة السورية (المعتدلة؟) ونظام بشار الأسد، للاتفاق على وقف استهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة، وتدمير المدن والقرى والريف والحضر، بالطبع لإيقاف موجات تدفق المهاجرين السوريين الفارين إلى الغرب، ثم التفاوض حول تشكيل هيئة انتقالية، تدير عملية تعديلات دستورية وانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف دولي. هي دعوة صريحة للمقتول بأن يستعطف قاتله للتوقف عن استباحة دمه، وعفا الله عما سلف، ثم يعمل الجميع لبناء نظام علماني، تعددي، منزوع الأيدولوجيات، دينية كانت أو قومية، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية، وليس هناك مانع من التخلص من رأس النظام، وذلك كله بالتوافق وتحت الإشراف الدولي.
وإذا تركنا سورية، واتجهنا إلى ليبيا واليمن، فإن الأمر لم يكن يتطلب قرارات من مجلس
"لا مجال لفرض إرادة الشعوب، ولا فرصة لانتصار ثوراتها، لكن فرض إرادة الغرب، للحفاظ على النظم القائمة"
الأمن، فقد لعب المبعوثان الأمميان في الحالتين الدور المطلوب. وكان قد سبق التخلص في ليبيا من رأس النظام في بداية انطلاق الحراك الثوري بتدخل دولي غربي مباشر. ولكن، لم يستطع الفرقاء استيعاب الإطار المسموح بالتحرك خلاله لضبط النظام الجديد، وكان عليهم أن يدخلوا في صراع دموي طويل لا ينتهي، ولن ينتهي، بغالب ومغلوب. كما تم إدخال عامل جديد، يمثل فزاعة للجميع، وهو داعش وتنظيم الدولة والإرهاب. وبعد شهور طويلة من الصراع والانقسام، لم يجد الفرقاء بدّاً من الاجتماع والتوافق على مضض، والتوقيع على اتفاقٍ يسعى إلى استعادة مؤسسات الدولة الرئيسية التي يرتكز عليها النظام، ثم إعادة بناء النظام على أسس جديدة، تكون أكثر مراعاة لبعض الحقوق والحريات للمواطن الليبي، أي تحسين شروط الحياة.
وبالنسبة لليمن، ومع اختلاف الظروف، فبعد أن كان قد تم الاتفاق على الحل التوافقي الإصلاحي المحدود، بإزاحة رأس النظام، علي عبد الله صالح، سلمياً، ومنحه ضمانات وحصانات له ولأسرته، والسير في إعادة هيكلة السلطة، بما لا يخل بركائز النظام ومؤسساته، بإشراف نائب صالح نفسه، الرئيس عبد ربه منصور هادي. تراجع صالح عن اتفاقه، وتحالف مع خصمه اللدود الحوثي، وقام بالانقلاب على الاتفاق في محاولة للعودة بالنظام إلى ما كان عليه، وهو أمر مرفوض تماماً من كل القوى الدولية والإقليمية، لأنه يفتح الباب من جديد أمام فكرة الثورة الشعبية الشاملة التي تسعى إلى فرض إرادة التغيير، وهو أيضا أمر غير مرغوب فيه، فكانت عاصفة الحزم، وكان على كل الأطراف اليمنية أن تدفع ثمناً غالياً، قبل أن تبدأ في القبول بما يطرحه الغرب عبر المندوب الأممي، فكانت اجتماعات سويسرا الأولى والثانية، للوصول إلى الحلول التوافقية، فلا تغيير ثورياً شاملاً تفرضه الإرادة الشعبية، ولا عودة لنظامٍ كان سبباً في انفجار الحراك الشعبي، ولا انفراد لطرف دون الآخر. ولكن، عودة مؤسسات الدولة، وسلطة توافقية، ومساحة من الحرية في إطار نظام مقبول غربياً.
ولا بد، هنا، من الإشارة إلى باقي النماذج التي أدركت مبكراً، كلٍ على طريقته، حقائق النظام الدولي وحدود ما هو مسموح به، وما هو غير مقبول. وأقصد، هنا، كلاً من تونس ومصر، مع الاختلاف الموضوعي بينهما. أدركت تونس الموقف مبكراً جداً، بحكم ظروفها وطبيعة تكوينها وتكوين القوى السياسية الفاعلة ومجتمعها المدني وقربها الحضاري من الغرب الأوروبي، مع محدودية دورها الإقليمي، وظروفها الديموغرافية، فتجنبت الصراع الداخلي الدموي الحاد، وخفضت من الثمن الذي دفعته من الدماء إلى الحد الأدنى، وعادت إلى مؤسسات الدولة، وعدلت من شروط تداول السلطة، في إطار تنافس سياسي أساسه الانتخاب.
أما مصر فكان عليها أن تخوض تجربة أكثر صعوبةً، وأكثر تكلفة أيضاً، فدفعت، وما زالت تدفع، ثمناً غالياً، في مقابل الحفاظ على المؤسسات الرئيسية للدولة التي تمثل أركان النظام، وهو ما تركز عليه كل أدبيات القوى الكبرى والمجتمع الدولي الذي يحكمه الغرب، وهو ما تم التأكيد عليه في قرار مجلس الأمن 2254. وبالطبع، هناك حديث عن تحسين شروط العلاقة بين السلطة والشعب. وبالتالي، وجد النظام الحالي في مصر، على هذا الأساس، القبول والدعمين، الدولي والإقليمي، مع بعض التحفظات على الشأن الخاص بحقوق الإنسان... وفقط.
هكذا يبدو الأمر شديد الوضوح، لا مجال لفرض إرادة الشعوب، ولا فرصة لانتصار ثوراتها، لكن فرض إرادة الغرب، للحفاظ على النظم القائمة، والتي عبر عنها قرار مجلس الأمن 2254، وكل بيانات المبعوثين الدوليين، باصطلاح الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية، ولا مانع من استبعاد شخص الحاكم مع تأمين خروجه بسلام، لإحداث انطباع لدى الجماهير بأنها حققت انتصاراً ما، حتى لو كان وهمياً.

اقرأ المزيد
٢٣ ديسمبر ٢٠١٥
هل يطيل مجلس الأمن عمر الأسد؟

أخيراً، وبعد أن ضاق الفضاء السوري (والإقليمي) بجميع أنواع المقاتلات الحربية، الأميركية والروسية والفرنسية والبريطانية والأسترالية والكندية و... التي تصب، منذ أكثر من سنة، نيرانها ودمارها، وتجرب قنابلها الفتاكة في الشعب السوري، وعلى الأرض السورية من دون تمييز، باستثناء جيش نظام بشار الأسد، المفترض أن الثورة السورية اندلعت للتخلص من بطشه واستبداده و"ممانعته"، ها هو مجلس الأمن الدولي يخطو خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، أي تعبيد الطريق لفرض حل سياسي للأزمة التي حصدت، حتى اليوم، أكثر من 250 ألف سوري، وشرّدت الملايين منهم، في سابقة لا مثيل لها في التاريخ الحديث.

وبطبيعة الحال، لم يكن ممكناً التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2254 بالإجماع من دون موافقة الدول (الكبرى) نفسها التي تحشد بوارجها وطائراتها وصواريخها في المتوسط، وفوق الأجواء السورية (والعراقية). وقد عبّرت هذه الدول في مقدمة القرار عن "قلقها البالغ من استمرار آلام الشعب السوري، والوضع الإنساني المتدهور، والعواقب الخطيرة للإرهاب، وتأثير الأزمة على استقرار المنطقة وأبعد منها، وارتفاع عدد الإرهابيين (...)". وهذه كلها عوامل خطيرة ساهمت في تأجيجها وتفاقمها الدول نفسها التي غضت الطرف عن ممارسات نظام دموي، لم يتوان عن قصف شعبه بالبراميل المتفجرة وقتله بالسلاح الكيماوي وتهجيره بالملايين، وتهربت من تحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية تجاه شعبٍ انتفض، منذ نحو خمس سنوات، من أجل حريته وكرامته. والأنكى أن القرار يعبر عن قلق مجلس الأمن من تأثير الأزمة على "الاستقرار في المنطقة وأبعد منها"، في حين أن "الاستقرار" في هذه المنطقة، وفي "الأبعد منها"، أي أوروبا والغرب، قد تُرك لنظام الملالي في إيران ولبعض الأنظمة العربية المتهالكة والموغلة في قمع حرية شعوبها، ولتنظيم "داعش" وحش الإرهاب الكاسر الذي ولد من رحمها.
أما وقد حزمت هذه الدول أمرها، بعد أن أصبحت متورطة، في شكل مباشر أو غير مباشر، في الأوحال السورية، فإن الخطة تقضي بإطلاق مفاوضاتٍ بين ممثلي المعارضة والنظام في يناير/كانون ثاني المقبل، والعمل على فرض وقف إطلاق النار، وإطلاق بالتالي مسار سياسي بإشراف الأمم المتحدة، لتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات مصداقية وممثلة للجميع، والسعي إلى صياغة دستور سوري جديد، في غضون ستة أشهر، تجري بعدها على أساسه انتخابات حرة خلال ثمانية عشر شهراً.
لكن هذه الخطة التي تنطلق من بنود مؤتمر جنيف 1 (30 يونيو/حزيران 2012)، الذي
"اتفقت واشنطن وموسكو على إبقاء مصير الأسد غير واضح في بنود القرار، ومادة للتفاوض في مرحلة لاحقة، كي يختبر كل منهما مدى جدية الطرف الآخر وتعاونه"
تحول إلى قرار في مجلس الأمن في أكتوبر/تشرين أول 2013، يثير مجموعة تساؤلات وملاحظات وشكوك حول مدى استعداد مختلف الأطراف المعنية بالأزمة لتطبيقه، والقدرة على وضعه موضع التنفيذ. وأول هذه الأسئلة التي تطرح نفسها عدم تحديد موعد لرحيل بشار الأسد، أو حتى الإشارة إلى مصيره، فبعد أن كانت الدول الغربية، وتحديداً فرنسا والولايات المتحدة، تصر على رحيله، ورفض أي دور له في المرحلة الانتقالية، ها هي، اليوم، تصرف النظر عن هذا الشرط، بعد الهجمات الدموية التي تعرّضت لها فرنسا في أكتوبر/تشرين أول الماضي، وبدء نوع من التنسيق السياسي والعسكري والاستخباراتي بين باريس وموسكو، فيما يبدو موقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خجولاً في مطالبته برحيل الأسد، ومن باب رفع العتب. فيما تصر إيران على التمسك به، وتسعى روسيا إلى إبقائه أطول فترة ممكنة، ورقة قابلة للتفاوض. ويقابل هذا التوجه إعلان المعارضة السورية، على لسان منسق عام الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، رفضها الدخول في عملية تفاوض مع النظام، إلا على أساس مبادئ جنيف1 وقرارات الشرعية الدولية التي تنص على مرحلة انتقالية من دون الأسد، وتأسيس هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات.
ثم ماذا عن الآليات الكفيلة بتطبيق هذه الخطة على الأرض، وخصوصاً ما يتعلق بمسألة فرض وقف إطلاق النار الذي يؤكد القرار أنه "لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية ضد "داعش" أو جبهة النصرة" ويطلب مجلس الأمن، في المقابل، من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "القضاء على الملاذ الذي أقامته هذه التنظيمات على جزء كبير من الأراضي السورية". إذ كيف يمكن تطبيق وقف إطلاق النار بين تشكيلات المعارضة المسلحة وقوات النظام، وفي الوقت نفسه، استمرار القتال والتصدي للتنظيمات الإسلامية المتطرفة، وخصوصاً في محافظات ومناطق يتداخل فيها الوجود، وتتشابك فيها المعارك بين الأطراف المتنازعة. فمن سيشرف، بالتالي، على عملية وقف إطلاق النار، ويضمن تطبيقه، لكي يتم الدفع بالمسار السياسي للمرحلة الانتقالية.
يلتقي قرار مجلس الأمن 2254، إلى حد كبير، مع ما جاء في بنود مؤتمر جنيف1 الذي بقي عملياً حبراً على ورق، نتيجة الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا حول دور الأسد الذي كانت موسكو تراهن، في البداية، على قدرته على سحق الانتفاضة، وتعتبر أنه ورقتها الرابحة لتعويض خسارة إخراجها من ليبيا، وبالتالي، تثبيت أقدامها في الشرق الأوسط. وهذا كان في منتصف 2012، قبل أن تنفجر، بعد سنتين، الأزمة في أوكرانيا وتتورط روسيا عسكرياً في القرم، وتستجلب عليها عقوبات اقتصادية قاسية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأمام تفاقم الوضع على الجبهتين، وقبل أن يكتوي بنار الإرهاب "التكفيري"، قرّر بوتين القيام بعملية هروب إلى الأمام، والتدخل مباشرة في الحرب السورية، مستفيداً من حال التردد والانكفاء التي تتخبط بها الإدارة الأميركية في سياستها تجاه أزمة سورية والمنطقة، وحالماً باستعادة أمجاد روسيا القيصرية. وما يجعل، اليوم، إمكانية احتمال تطبيق الخطة التي أطلقها القرار 2254 هو، على الأرجح، سعي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى لعب ورقة المقايضة بين التخلي عن الأسد وإطلاق يده في القرم، ورفع العقوبات عن روسيا، وما يسمح له، بالتالي، الانسحاب من سورية، قبل أن يتحول تدخله العسكري الذي مضى عليه نحو أربعة أشهر، من دون تحقيق إنجازات حاسمة على الأرض، إلى ورطة، وهو الذي كان قد قطع وعداً على نفسه، عندما أرسل مقاتلاته إلى سورية، في سبتمبر/أيلول الماضي، بحسم الوضع خلال ثلاثة أشهر.
وربما لهذه الأسباب، اتفقت واشنطن وموسكو على إبقاء مصير الأسد غير واضح في بنود القرار، ومادة للتفاوض في مرحلة لاحقة، كي يختبر كل منهما مدى جدية الطرف الآخر وتعاونه. هذا إذا لم تسع طهران إلى تخريب التفاهم-التواطؤ بين الطرفين!

اقرأ المزيد
٢٣ ديسمبر ٢٠١٥
سورية.. ثغرات وتراجعات في القرار 2254

بغض النظر عن الجدل الدائر بشأن إمكانية تطبيق القرار الدولي بشأن سورية، رقم 2254، والذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 18/12/2015، فإن إصداره يعتبر، بحد ذاته، نتاج حدثين مهمين: التفاهم الأميركي/ الروسي حول المسألة الأوكرانية، والذي قام على رفع العقوبات الدولية عن روسيا، وقبول ضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، في حال قبل سكان شبه الجزيرة الأمر، في استفتاء يجري بإشراف الأمم المتحدة، ووافقت الحكومة الأوكرانية على الضم. والحدث الثاني هو قبول الطرفين المتحكمين بالصراع في سورية بتسويةٍ تقوم على تنازلات وتوافقات متبادلة بينهما، تبدّت في بنود رئيسة، تعتبر مفتاحيةً لاتفاق الطرفين السوريين المنخرطين في الحرب الدائرة في بلادهما منذ نيف وأربعة أعوام. لم تكن هذه التسوية بين الجبارين قائمة بعد في مفاوضات جنيف 2 ففشلت، فهل يعني توفرها، اليوم، أن المفاوضات المباشرة بين السوريين ستفضي حكماً إلى حل في المدد الزمنية التي حددها القرار الدولي، وتتراوح بين ستة واثني عشر شهراً؟ أعتقد أن في تحليل القرار، ومتابعة علاقات الدولتين الكبريين، ومسارات صراعاتهما وتوافقاتهما، الإجابة عن هذا السؤال الصعب الذي تحول دونه اليوم انزياحات مهمة في القرار الدولي عن بيان جنيف 1، وزئبقية علاقات الجبارين، وما يشوبها من غموض، وتخضع له من مفاجآت.
لنبدأ بالجانب الإنساني من القرار الذي يغطي معظم ما يحتاج إليه الشعب السوري، في حال أريد له الانتقال من حال التمزق والتشتت الراهنة إلى حال يمكن التعايش معها. يدعو القرار 2254 إلى "وصول الوكالات الإنسانية السريع والآمن غير المعرقل إلى جميع أنحاء سورية، وخصوصاً في المناطق المحاصرة، وإلى الإفراج عن المحتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال"، وإلى التنفيذ الفوري لقرارات دولية، سبق أن صدرت عن مجلس الأمن، بخصوص رفع حصار النظام عن المناطق التي يجوّعها ويقصفها بالبراميل ... إلخ، كما يدعو إلى "وقف الهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية بحد ذاتها. وضد المرافق الطبية والعاملين فيها، ووقف الاستخدام العشوائي للأسلحة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي". ويقرر "عودة اللاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، وتأهيل المناطق المتضررة وفقاً للقانون الدولي".
"ثغرات كثيرة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهناك تراجعات خطيرة عن بيان جنيف، وهناك تناقضات بين فقراته ومسوغاته، وهناك، أخيراً، ضرورة لتكليف هيئة خبراء بدراسته بالتفصيل، وإصدار موقف رسمي ومعلن منه"

يجب أن يكون هذا الجانب جوهر إجراءات بناء الثقة، ولا بد أن يحظى بدعمٍ مطلق من المعارضة والجيش السوري الحر، وأن يكون نقطة جوهرية وأولوية في المفاوضات والحل يعتبر الالتزام بها وتحقيقها معيار أي انخراط جدّي في التفاوض، على أن يشمل وقف قصف المدنيين القصف الروسي/ الإيراني، ويلتزم الطرف الآخر بموعد الشهرين الزمني الذي حدّده القرار الدولي لتنفيذه. ويقدم أمين عام الأمم المتحدة بعده تقريراً تفصيلياً عن التنفيذ، يحدد فيه الجهات التي التزمت به، وتلك التي خالفته. ومن الضروري أن يعلن وفد المعارضة إلى المفاوضات منذ اليوم أن تلاعب النظام والجانب الروسي/ الإيراني بتطبيق الجوانب الإنسانية من القرار 2254 سيوقف مشاركته في المفاوضات، وأنه لن يعود إليها قبل تنفيذ جميع ما نص عليه حول هذا الجانب.
ثمة نقطة أخرى تتعلق بالاجتماعات التي عقدت في القاهرة وموسكو، وحضرها سوريون بدعوة من العاصمتين، ويساوي القرار بينها وبين ما يسميه "جدوى اجتماع الرياض، الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن التوصل إلي حل للنزاع، وفقاً لبيان جنيف وبياني فيينا، في إطار السعي إلى كفالة التنفيذ الكامل لبيان جنيف أساساً لانتقال سياسي". لأي سوري الحق في حضور ما يريده من اجتماعات، والقيام بما يطيب له من زيارات، وقد ذكر القرار القاهرة وموسكو في سحبة واحدة، لكن هذا لا يجوز أن يجعلنا نتعامى عن الفارق بين من اجتمعوا تعبيراً عن موقف سوري، وأولئك الذين عبرت اجتماعاتهم عن قبولهم بمواقف الدول التي دعتهم، ولم تكن في أي وقت متفقة مع مصالح الشعب، أو معبرة عنها، بل لعبت الدور الرئيس في انزياح القرار رقم 2254 عن بيان جنيف، وأن مساواة جميع الاجتماعات لا بد أن يكون مرفوضاً، وأن من يمكن أن يدعى للانضمام إلى الوفد المفاوض يجب أن يكون موافقاً على برنامج العمل الوطني الذي بلوره الائتلاف شرطاً لقبوله في الصف الوطني المعارض.
أعتقد أن تحقيق متطلبات الجانب الإنساني يجب أن يكون الهدف الرئيس الذي يمكن (ويجب) تحقيقه في المفاوضات، بالنظر إلى صعوبة تحقيق الأهداف الأخرى المتصلة بالتسوية والحل السياسي، والتي أجمل ملاحظاتي عليها على النحو التالي:
ـ فيما يتعلق بوقف إطلاق النار: نص القرار على قبول وقف إطلاق النار مبدأ عاماً، لكنه "جعل دخوله حيز التنفيذ ممكناً بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقالٍ سياسيٍّ، برعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى بيان جنيف". بكلام واضح: لن يطبق وقف إطلاق النار قبل المفاوضات، بل بعد تحقيق نجاحٍ فيها، وسيكون تنفيذه مرهوناً بالخطوات المطلوبة نحو الانتقال السياسي، فإذا لم تتوفر هذه الخطوات لأي سبب استمر إطلاق النار، الأمر الذي يتعارض مع الموافقة على مبدأ وقفه من جهة، ويضع مصيره في يد من لا يريد حلاً سياسياً من جهة أخرى، مع التذكير بأن النظام أعلن رفضه الالتزام به في أكثر من مناسبة. هذه مشكلة يجب أن يجد الوفد المفاوض حلاً لها مع ممثلي الأمم المتحدة أو عبر مذكرة خاصة، ترسل إلى أمينها العام، تلفت نظره إلى أن فصل تنفيذ وقف إطلاق النار عن قبول الأطراف المتصارعة به مبدأً يقوّض إجراءات بناء الثقة، ويحول دون تطبيق الجانب الإنساني من القرار الدولي، قبل أن تطالبه بجعل التنفيذ سابقاً للتفاوض، باعتباره جزءاً من حماية المدنيين السوريين. مثلما يجب لفت نظره إلى أن "تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار من الأمم المتحدة، ووضع آلية لرصد الوقف يوافق عليها مجلس الأمن في موعد لا يتجاوز شهراً من تاريخ اتخاذ القرار" لا يجوز أن يخضع لقرار طرفٍ مفاوضٍ، بالامتناع عن تحقيق خطوات أولى نحو الانتقال السياسي الذي يقول القرار "إنه يجب أن يكون جامعاً، وبقيادة سورية، تتبني التطلعات المشروعة للشعب السوري".
ـ فيما يتصل بالهيئة الحاكمة الانتقالية: يقول القرار إن الحل الدائم "للأزمة" من خلال عملية سياسية جامعة، يستهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف1 والقرار 2118، بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة، تخول سلطات تنفيذية كاملة، تعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية".
يجعل نص القرار 2118 الذي يقول القرار 2254 "إن تطبيقه يتيح الحل الدائم للأزمة"، تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية "بداية الحل السياسي"، ويعينها أداة وحيدة لإنجاز الانتقال إلى النظام الديمقراطي. أما في القرار 2254، فهي تصير "أحد سبل الحل"، ويصير هناك من "يخولها" سلطاتها التنفيذية الكاملة، بعد أن كانت في وثيقة جنيف 1 مرجعية نفسها، وليس هناك أية مرجعية خارجها أو مخولة بتشكيلها. في الوقت نفسه، انقلبت المحافظة على مؤسسات الدولة في جنيف إلى "كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية" في القرار 2254، كيف يكون بيان جنيف مرجعية الحل، إذا كان يتم التخلي عن الهيئة الحاكمة الانتقالية، ويتم تحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات الحكومة؟
لا يجوز القبول بهذين التراجعين الخطيرين تحت أي ظرف، لأنهما يجعلان الحل أسدياً بكل معنى الكلمة، ولا مفر من أن تبقى الهيئة أداة وحيدة لإنجاز حل سياسي، هي مرجعيته التي لا مرجعية لها من خارجها، وتشكل نفسها بنفسها من دون أن يشكلها أحد. عندما يقال إنها أحد سبل الحل، وإن هناك من يخولها سلطاتها، فهذا يعني، عملياً، الإبقاء على بشار الأسد أو من يماثله في السلطة. كما أن استمرارية مؤسسات الدولة شيء واستمرارية المؤسسات الحكومية شيء آخر، هو نقيضه في حالتنا السورية. المحافظة على الجيش مؤسسة دولة تختلف جذرياً عن المحافظة عليه مؤسسة حكومية. إنه في الحالة الأولى مؤسسة توجد الدولة بها، وفي الثانية مؤسسة حزبية تلغي الدولة، وترتبط بسلطة حكومية استبدادية مجرمة، فتكت بالشعب، بأمر من رئيسها، يعني استمرارها استمرار نظامه ورئاسته، علماً أن جيش الدولة لن يقوم، إن بقي في بلادنا الجيش الحكومي الحالي، الذي أباد شعبنا بأكثر الصور وحشية، وحاكت همجيته ما فعلته جيوش الاستعمار في مستعمراتها.
"نعم لاستمرار مؤسسات الدولة، ولا صارخة للمؤسسات الحكومية الحالية التي يعني استمرارها بقاء النظام وفشل الثورة ورفض مطالب الشعب، ويناقض استمرارها مع ما يطالب به القرار، في إحدى فقراته"

نعم لاستمرار مؤسسات الدولة، ولا صارخة للمؤسسات الحكومية الحالية التي يعني استمرارها بقاء النظام وفشل الثورة ورفض مطالب الشعب، ويناقض استمرارها مع ما يطالب به القرار، في إحدى فقراته، تجعل بحرفية نصها "تبني هذه المطالب هدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف". هنا أيضاً، لا بد من موقف واضح لصالح الهيئة أداة وحيدة، يعني الحل السياسي تشكيلها وإنجازها الانتقال الديمقراطي، فان استبدلت بغيرها غاب الحل واستحال بلوغه. ولا بد أيضاً من موقف صريح لصالح مؤسسات الدولة، باعتبارها نقيض المؤسسات الحكومية الحالية التي لا يجوز أن تستمر، بل ولا بد من القضاء التام والناجز عليها في أي حل سياسي.
ـ وصف القرار 2254 "الحكم" السوري المنشود بأنه "ذو مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية"، وكان "جنيف" قد جعل للمفاوضات هدفاً وحيداً، هو نقل سورية إلى الديمقراطية. هل "الحكم" الذي يذكره القرار 2254 يساوي، في طبيعته ووظائفه، النظام الديمقراطي؟ ألا يمكن أن يقوم في سورية حكم (لماذا تخلوا عن النظام لصالح الحكم؟) له مصداقية وشامل، ولا يقوم على الطائفية، من دون أن يكون ديمقراطياً؟. أعتقد أن هذا ممكن، ومرفوض، وأنه لا بد المطالبة بتصحيح هذه النقطة في رسالة المعارضة إلى أمين عام الأمم المتحدة.
ـ ليس بشار الأسد موجوداً باسمه في القرار 2254، على الرغم من أنه موجود بصلاحياته ومؤسساته. هذا مرفوض، ويعد انتهاكاً خطيراً لبيان جنيف الذي يتكرّر ذكره مرات كثيرة، مع أنه يفرغ من مضمونه في كل مرة. لا بد أن يصحح هذا الوضع أيضاً، وأن نلح على تعريف معنى الصلاحيات التنفيذية الكاملة للهيئة الحاكمة الانتقالية التي أعطاها لها بيان جنيف، وفسّرها مجلس الأمن بقرار خاص، ويقتل الخروج عليه فرص الحل والسلام، ويخرج الأمور عن نصابها الصحيح، ويبقي النظام حيث هو، ويضع المعارضة في جيبه، حسب ما يقترحه الروس في حلهم الذي يمكّن الأسد من احتوائها وإخضاعها، بعد تحويل بعضها إلى موظفين في مؤسساته الحكومية التي يريد القرار 2254 استمرارها. لا داعي للقول إن هذا يجب أن يكون مرفوضا، جملة وتفصيلاً.
ـ لا أثر لكلمة واحدة في القرار 2254 حول الاحتلالين الروسي والإيراني لبلادنا، فكأنهما ليسا عامل إفشال للحل السياسي، لمجرد أن أولهما وافق على القرار، وثانيهما احتمى به. لا بد من معرفة مصير الاحتلالين، قبل الذهاب إلى التفاوض، ولا مفرّ من وجود ضماناتٍ بأنهما ستوقفان قصف المدنيين، وستجمدان أنشطتهما العسكرية ضد الجيش الحر، وتلتزمان بوقف إطلاق النار، وانهما ستنسحبان من بلادنا قبل إنجاز الحل، وإن هذا كله يجب أن يسجل في قرارٍ يصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع.
ـ ما هي منظمات الإرهاب، وأين توجد، وهل سيكون للمعارضة دور في تحديد تنظيماتها، أم أننا سنقبل ما يصنفونه في البلدان الأخرى، وفق معايير لا نقرّ معظمها، لكونها تراعي أمنها، ولا تراعي أوضاعنا؟
هناك ثغرات كثيرة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهناك تراجعات خطيرة عن بيان جنيف، وهناك تناقضات بين فقراته ومسوغاته، وهناك، أخيراً، ضرورة لتكليف هيئة خبراء بدراسته بالتفصيل، وإصدار موقف رسمي ومعلن منه، يكون مرجعية الوفد المفاوض والحركة الوطنية السورية، ودليلاً نلتزم به أمام شعبنا.

اقرأ المزيد
٢٣ ديسمبر ٢٠١٥
داعش"نا" من جديد تقصف بالكيماوي و "المعضمية" الهدف

سيظهر اليوم أو غداً أو الذي يليه على أبعد تقدير ، مندوب روسيا في مجلس الأمن ليعلن عن استخدام  "داعش" للسلاح الكيماوي في سوريا من جديد ، ويؤكد الرواية التي تم سردها منذ فترة ، و ارتفعت وتيرتها مؤخراً ، بأن  "داعش" حصل على ذلك السلاح من ليبيا ومخازن العراق و سوريا و الهند و باكستان .

هذا الظهور الروسي ، سيستشهد بالاعتداء الذي تم مساء أمس في "معضمية الشام" ، ليضاف إلى سجل  "داعش" الاجرامي الكيماوي ، الذي ظهر بقوة في الغوطة في آب ٢٠١٣ و توالى في حماه و ادلب و حلب و أريافهم ، و في كل نقطة كانت عصية و متمردة على  "داعش".

فـ  "داعش" ، التي تدعي أنها دولة ، و ماهي إلا عبارة عن تنظيم يتقن القتل ، و تستند إلى منطق طائفي ، وتحضر المليشيات لتقاتل نيابةً عنها ، تمددت أيضاً لتحضر دول بأكملها لتقف معها.

"داعش" اليوم تحارب في ريف حلب الجنوبي عبر ميليشياتها، و تقصف المدن والقرى و البلدان السورية مستعينة بالطيران الروسي، وتكمل البحث ببقايا عناصرها عن كل أمل موجود لإنهائه ، بشراً كان أم حجر ، فهي تربت على "الاجرام" ، و أدمنته .

"داعش" تتقن القتل ، وتملك مطارات و أسلحة و طيران ، و "داعش" تقصف المدنيين ، و تهدد المحيط ، وهجّرت و دمرت ، و اعتقلت في أقبيتها مئات الآلاف .

ما ذكرته سابقا ليس استهزاءً  و إنما واقع فـ"داعش" الحقيقي هو النظام ، و العالم يرى بشكل معاكس ، أن "داعش"  هي المعارضة ، و كل شخص يرى "داعش"  من وجهة نظره ، و على ضوء وجهة النظر هذه يتحدد الهدف ، ووجهة السلاح .

وبالتالي يجب علينا أن نستخدم مصطلح "داعش" في حديثنا عن النظام و مسانديه ، وذلك إذا ما أردنا أن نحظى باهتمام أو متابعة ، وحتى يتم التحقيق و التوصل إلى الجاني و باستخدام أحدث الوسائل ، بما فيها الفضائية ، فإلقاء "الشواذ" من الأبنية موثق بشكل ممتاز بحيث لا مفر لمنفذيه من العقوبة ، بينما القاء مئات آلاف البراميل ،و مثلها من الصواريخ المتنوعة بما فيها العنقودي ، وسط الأماكن السكنية ، واغراق مناطق بالغازات السامة و الكيماوية ، التأكد منها و من مرتكبيها ليس بالأمر السهل ، و إنما يجب البحث عن أدلة ميدانية ، و هذا الحصول غير ممكن في الوقت الحالي ، لأن  "داعش" (من وجه نظر العالم) موجودة ، وعليه فإن التحقيق لن يتم إلا بالقضاء على "داعش" ، بقصف الرقة ، وبعدها يمكننا أن نعرف من استخدم الكيماوي في المعضمية ..!؟

اقرأ المزيد
٢٢ ديسمبر ٢٠١٥
لعنة الدعم الإيراني على العلويين في حمص

الزرزورية ، الرقة ، المزرعة ، أم العمد، أم التين ، الحميدية ، الغور أسماء لقرى تناثرت على جغرافية أرض حمص باعتبارها إحدى المدن السورية الرئيسة ، لم تكن هذه القرى تطرق مسامع أهل حمص بشكل خاص ، وأهل سوريا بشكل عام سواء أكانوا من المؤيدين أو المعارضين للنظام قبل اغتصاب عائلة الأسد للسلطة في سورية التي أدت إلى اندلاع الثورة السورية المباركة ومرد ذلك إلى التسامح والتآلف والاندماج المعروف عن المجتمع السوري .

لم يكن لسكان تلك القرى باعتبارهم من الشيعة كباقي الشيعة في سورية أي حضور معلن في المجتمع السوري قبل الثورة بل كانوا أشد حرصا على التخفي والتغلغل في أوساط المجتمع باستخدامهم ( التقية ) دون أن يعرف كثير من السوريين عن هؤلاء أنهم شيعة ، ولا يخف على متابع بشكل عام أن النظام الأسدي المجرم منذ بداية اغتصابه للسلطة في سوريا استخدم تناقضات البنية الديموغرافية للمجتمع السوري وتلاعب بها ، ولاتزال شواهد ذلك ماثلة أمام أعين الجميع من خلال إنشاء مستعمرات أسكن فيها أبناء الطائفة العلوية في محيط المدن عن طريق مصادرة الأراضي من أصحابها الأصليين في كل من دمشق وحمص وحلب طوق بها شيئا فشيئا الأحياء والبلدات السُنية .

مع اندلاع الثورة السورية المباركة عام 2011م وتصاعد الحملة العسكرية للنظام المجرم على أهالي المدن والقرى السنية ، تحول الكثير منها إلى مدن وقرى خالية من سكانها ، فاستغل النظام المجرم ذلك وقام بمنح الجنسية السورية لأعداد كبيرة من شبيحته الشيعة الذين استقدمهم من شتى أصقاع العالم بالتزامن مع تنفيذ عملية إبادة وتهجير ممنهجة لمناطق سنية محددة ، واتخذ من القرى الشيعية أماكن تحشده وانطلاقه وأحرق مراكز تسجيل الملكيات والتسجيل العقاري فيها ، ومن هذه المناطق مدينة حمص التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة 70% منهم سُنة والباقي علويين ومسيحيين ونسبة لا تتجاوز الإثنين بالمائة شيعة . هجّر النظام بشتى الطرق معظم السُنة والمسيحيين ، وجلب شيعة وعلويين من مناطق أخرى ليستولوا على ممتلكات وأراضي السنة في حمص ، فأصبحت الظروف مهيأة للشيعة لتنشيط ( التشيع ) والدعوة إليه ، وساهم في ذلك دعاة إيرانيون مرافقون للمرتزقة المقاتلين في الميليشيات الشيعية المستجلبة من الخارج ، وصاحبت حركة التشيع إمكانيات مادية كبيرة ، لتأخذ بعده إيران دورها السياسي فارضة قرارها كقوة احتلال . وما جرى بعد خروج الثوار من مدينة حمص من سيطرة لإيران على مسجد أبناء جعفر الطيار الذي يقع في المدينة القديمة خير شاهد على ذلك ، وإطلاق يد شبيحة بلدتي الرقة والمزرعة الشيعيتين اللتين يصغر أمام أذى أبنائهما أذى عتاة النصيريين الذين لم ينجوا أنفسهم من ويلات(مفخخاتهم الشيعية)، ولن يكون آخرها تشكيل ما سمي بلواء الرضا الشيعي والذي يشكل ما نسبته 20% مقاتلون من شيعة ايران وأفغانستان بالإضافة لعدد كبير من أبناء منطقة المخرم الفوقاني وقرى أخرى شيعية في ريف حمص ك ( أم العمد- أم التين – الحميدية ) ، ويتلقى هذا اللواء دعمه عن طريق مطار الشعيرات ومدينة تدمر التي لم تسلم من خطرهم ودعواتهم لتشييع سكانها وأبناء القبائل المحيطة بها بدءاً من الحدود العراقية ، وعن طريق الكتيبة الإيرانية المتمركزة بالقرب من جبل زغرين في ريف حماة الشرقي ، وكافة قادته شيعة إيرانيون معهم مرشد ديني ( شيعي ) للميليشيا يحرض على القتال من خلال الندوات ، والمهام الأساسية لهذا اللواء إقامة التحصينات والبنى الدفاعية حول القرى الموالية للنظام ، واستهداف أي تحرك للثوار ، والعمل على فصل مناطق ريف حماة الشرقي عن ريف حمص الشمالي انطلاقاً من قرية الكم الموالية والتي تتحصن فيها ميليشيا الدفاع الوطني .

و يشير ناشطون إلى أنه كلما وجدت خلافات كبيرة بين القيادات الشيعة من جهة بحمص والأجهزة الأمنية في الدولة ذات الأغلبية العلوية من جهة أخرى ، بعد أن تعاظم نفوذ الشيعة وبدأ قادتهم وشبيحتهم بتجاهل كل تعليمات أجهزة الأمن ، معتمدين على الدعم الإيراني وتبني إيران لهم يلجؤون إلى تفجير المفخخات في أحياء العلويين ، وطالت أول تفجيراتهم أطفال مدرسة “عكرمة المخزومي” في حي عكرمة الجديدة بحمص ، في تشرين الأول من العام الماضي ثم لقي نحو 12 شخصاً مصرعهم في حصيلة أولية في أقل من شهر كفارق زمني بين ما حدث في حي عكرمة وما حدث في حي الزهراء المواليين للنظام الأسدي المجرم ، عقب انفجار مفخخة في الأخير ، ولن يكون آخرها تفجيرات حي الزهرة اليوم، وكان سكان تلك الاحياء تتوجه أصابع اتهامهم إلى الأهالي في حمص القديمة أو الثوار في حي الوعر

واليوم يطرح هذا الانفجار تساؤلات عدة "مَنْ يستهدف الأحياء العلوية في حمص بعد أن أصبحت تضرب المفخخات أحيائهم تترا رغم أن أهالي هذه الأحياء تُعد -الخزان البشري لميليشيا (الدفاع الوطني) يتهمون أهالي أحياء حمص القديمة قبل خروجهم منها بالوقوف وراء التفجيرات، ولاحقا كانوا يتهمون ثوار حي الوعر بالوقوف وراء الانفجارات التي حدثت في حي الزهراء، لكن بعد خروج ثوار حي الوعر مَنْ يستهدف الأحياء العلوية؟

على الرغم من تبني فصائل عسكرية للتفجيرات إلا أن ما اتهم به معارض علوي ناصر النقري ، في تفجيرات سابقة، وفقاً لمعلومات حصل عليها بأن المدعو "أبو الخير" وهو من قرية المزرعة الشيعية، يتحمل مسؤولية إدخال السيارات المفخخة للأحياء العلوية في حمص، وبعلم نبيه اليونس ومحمد الفرج من قرية الرقة الشيعية، و3 أشخاص آخرين من الزرزورية، مشيراً إلى أن "أبو الخير" على علاقة مباشرة مع مسؤول في حزب الله ذراع إيران المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ مثل هذه التفجيرات هو الذي باتت تقتنع به وتتناقله الحاضنة المؤيدة للنظام على صفحات التواصل الإجتماعي وتخرج مظاهرات في الشوارع مطالبة المحافظ بحماية تلك الأحياء وهي في الحقيقة توجه رسائلها إلى المختار في حي المهاجرين ولسان حالهم يقول يداك أوكتا وميليشياتك المرتزقة نفذت بسبب ما تُمنى به من فشل سياسي وعسكري على الرغم من مناورتك الرعناء التي لم تكل بعد مضي ( 5 ) سنوات عن ممارستها و لن يكون آخرها مناوراتك خلال مؤتمر الرياض الذي تمخض عن توحيد المعارضة السياسية والعسكرية.

 

اقرأ المزيد
٢١ ديسمبر ٢٠١٥
الأسد عقدة الحل في سوريا

غالباً ما يعتبر الممسكون بالسلطة أنهم باتوا أهمّ من السلطة نفسها ومن النظام السياسي، ويربطون مصير البلاد والعباد بمصيرهم الشخصي ويخوضون الحروب تحت شعار "أنا أو لا أحد"، وعندما تهتز عروشهم يصير السائد "عليَّ وعلى أعدائي". هكذا فعل كل الرؤساء العرب الذين سقطوا بعدما أسقطوا دولهم وداسوا شعوبهم. واليوم تتكرّر المأساة في سوريا مع الرئيس بشار الأسد الذي يرفض التنحي، وعوض ان يطلب من أي دولة حليفة لنظامه ضمان أمنه وعائلته، ويحزم حقائبه مفسحاً في المجال لتسوية بين موالين لنظامه ومعارضين له تنحو بالبلاد الى الديموقراطية وضمان التعدد والتنوع السياسي والحزبي والإتني والمذهبي والطائفي، تراه يتمسك بالسلطة التي يحميها بأطنان من البراميل المتفجرة تقضي على كل أنواع الحياة.
لعلّ الاسد بات يدرك أن عودته الى حكم البلاد كما كان في السابق، قرابة 40 سنة توزعها مع والده حافظ الأسد، باتت حلماً مستحيلاً، وهو لن يورث ابنه حافظ أكثر من تاريخ دموي يمنعه من مواجهة أي مواطن سوري شريف، لأن التاريخ الذي سيحمله من دون ذنب ملطخ بدماء الأبرياء، وآهات الموجوعين، ودموع الثكالى والأرامل، وصراخ الأيتام. لكنه كغيره من الحكام يرفض التنازل، فيهدر أنهاراً من دماء مواطنيه الذين عاشوا وأسلافهم نحو نصف قرن من غير ان يجرؤ أحدهم على التعبير ورفض الظلم والأحادية. ولم يقتصر ظلم نظام الاسد على سوريا، بل تعدّاه الى لبنان، وكلنا نعرف لبنانيين خطفوا وعذبوا وقتلوا فقط لأنهم رفضوا الاحتلال والوصاية.
أمام القرار الذي أقرّته الأمم المتحدة الجمعة، والذي يدعو الى وقف النار وبدء مفاوضات سلام ابتداء من مطلع كانون الثاني المقبل، عقبات كثيرة تحول دون تنفيذه لعل أبرزها مصير الأسد الذي لا يزال موضع خلاف بين الأفرقاء الدوليين. ففيما يعتبر وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان الأسد فقد صدقيته والقدرة اللازمتين لتوحيد بلده، ويؤيّده وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مطالباً بضمانات لرحيل الأسد بموجب الخطة، تبرز مواقف مقابلة روسية وإيرانية تتمسك به تحت شعار أن القرار يعود الى السوريين أنفسهم، كأن الدولتين احترمتا ارادة السوريين عندما قررتا التدخل مباشرة في الحرب السورية ودعم الاسد في مواجهة مواطنيه.
واذا كانت المواقف منه استمرت على ما هي في انتظار تسوية تقاسم مصالح مكتملة بين الدول المعنية، فكيف سينطلق قطار الحل مطلع السنة الجديدة؟ لعلّ مصير الاسد يكون سبباً لإحباط الحل أو تأخيره، على الأقل، وسيبقى مصير السوريين معلّقاً بين مطرقة النظام الارهابي وسندان إرهاب "داعش" وأخواته.

اقرأ المزيد
٢١ ديسمبر ٢٠١٥
بشّار وبوتين وبينهما القنطار

يقول أحد التحليلات التي تناولت الفاشيّة الأوروبيّة إنّ المبالغة في رسم الهويّة الجامعة، المسمّاة أمّةً أو قوميّةً أو دولةً، مقصود بها إنشاء لحمة تجمع بين مَن لا لحمة تجمعهم. هكذا يلتقي حول تلك الهويّة أفراد وجماعات تناقضت مصالحهم وتضاربت، بحيث ينتظم ربّ العمل وعامله، والإقطاعيّ وفلاّحه، في سلك حزبيّ وقوميّ واحد، وفي منظومة أفكار ورموز مشتركة.

بشّار الأسد، الذي لم يستوقف القرارَ الأخير لمجلس الأمن، يمثّل نموذجاً آخر في الجمع بين من لا يجمعهم جامع. لكنّ النموذج البشّاري لا يقوم على المبالغة، بل يقوم، بالعكس، على التخفيف والمناقصة.

فبشّار سمسار وليس إيديولوجيّاً. وهو ساعٍ لأن يروّج سلعة يصعب ترويجها بكلام انتقائيّ من صنف رديء، وليس صاحب أسطورة ينوي فرضها بتماسك مزعوم. بيد أنّه إذ يبتذل المعاني، يكشف الكذب الرخيص الذي انتهت إليه الجماعات المتناقضة المؤيّدة له، تجاوباً منها مع واحد من وجوهه الكثيرة وبعمى كامل عن سائر الوجوه.

فهو عدوّ إسرائيل الذي يدير لها الخدّ الأيسر كلّما ضربته على خدّه الأيمن. وهو وريث تركة العروبة والقوميّة العربيّة البعثيّتين، إلاّ أنّ المقرّبين منه يطلقون تعبير «أعاريب» المهين على ملايين العرب. وهو سليل اشتراكيّة أبيه، لكنّه أيضاً ليبراليّ، بل نيو ليبراليّ، يوصف بأنّه يعرف كيف يخاطب الغرب ويستميله. وهو عروبيّ، على شيء من القوميّة السوريّة، يساريّ، كما يوحي يساريّون، ويمينيّ، كما يوحي يمينيّون. وطبعاً، هو علمانيّ وحامٍ للأقلّيّات، بالتحالف مع قوّات دينيّة وطائفيّة تبدأ بإيران ولا تنتهي بشلل لبنانيّة وعراقيّة وأفغانيّة وباكستانيّة.

ومن جيريمي كوربن البريطانيّ إلى مارين لوبن الفرنسيّة، ومن دونالد ترامب الأميركيّ إلى فلاديمير جيرينوفسكي الروسيّ، ثمّة شيء مشترك يجمع المذكورين ببشّار ابن أبيه. وقد جاءته الهديّة السماويّة، التي هي «داعش»، لتزيد عدد الذين يتفهّمونه ويتقاطعون معه في العالم، بعدما مارسوا تحفّظاً متناقصاً على استبداده.

فـ «داعش» جعل اليمين المحترم أضعف حجّة من اليمين غير المحترم، فإذا أكّد الأوّل قيماً «تفصلنا» عن الأسد، نجح الثاني نجاحاً أكبر في التوكيد على قيم «تجمعنا» بالأسد. وقبل «داعش» وبعده، جرت منافسات مشابهة بين اليسار المحترم واليسار غير المحترم فكسبها الثاني من دون عناء كبير.

لكنّ هذا كلّه في كفّة والعلاقة المثلثّة بروسيا وإسرائيل وإيران في كفّة. فبشّار حليف روسيّا الوطيد والتي تحت مظلّتها وشبكتها الصاروخيّة قُتل سمير القنطار، المقاتل في صفوف «حزب الله». والأخيرون إنّما يقاتلون في سوريّة كرمى لبشّار وإيران بعدما قاتلوا الإسرائيليّين كرمى لإيران.

فكأنّ مقتل القنطار، وقد استكمل الروس بناء ما لم يكن مبنيّاً إبّان مقتل عماد مغنيّة، تنبيه إلى أنّ الجمع بين كلّ هؤلاء الحلفاء قد لا يكون جمعاً، وأنّه قد ينشىء من التضارب أكثر ممّا ينشىء من التحالف.

والجمع بين مشروعين كلٌّ منهما ذو نازع إمبراطوريّ، يستعصي على قادة كبار وتاريخيّين. فكيف على بشّار الأسد؟

أمّا سمير القنطار فثمن صغير من الأثمان التي يرتّبها الجمع بين ما لا يجتمع، بقوّة الخفّة وباقتصار القتل وحده على المنهجيّة والتماسك.

اقرأ المزيد
٢١ ديسمبر ٢٠١٥
اتفاق يفتح نافذة للحل

لا شك في أهمية ما توصلت اليه الدولتان الكُبريان في اتفاقهما، أخيراً، حول الحل السياسي في سورية. هذه أول مرة تتفق فيها الدولتان على آليات الحل وتحقيبه، انطلاقا من وثيقة جنيف 1 مرجعية ملزمة، واستناداً إلى تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية التي يبدأ الحل بها. صحيح أنه سبق للدولتين أن أقرّتا شيئاً مشابهاً، هو وثيقة جنيف 1، إلا أن خلافاتهما حول قضايا غير سورية أساساً حالت دون تطبيقه في جنيف 2. أما اليوم ، فإن فرص الحل السوري تتعاظم، لأن واشنطن وموسكو في طريقهما إلى تسوية ما وقف من تناقضات وخلافات بينهما، ومنع اتفاقهما على الحل قرابة ثلاثة أعوام. بكلام آخر: ليس نص القرار الحالي هو الجديد، فهو موجود، بهذه الطريقة أو تلك، منذ يونيو/ حزيران من عام 2012. الجديد هو بيئته الدولية، أي تفاهم الروس والأميركيين على حل في سورية وأوكرانيا، يسوّي المشكلتين بالتقابل، فيوافق الأميركيون على ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، في حال وافق سكانها على الضم، في استفتاءٍ تشرف عليه الأمم المتحدة وقبلته أوكرانيا، وتتخلى روسيا، في الوقت نفسه، عن تعطيل الحل في سورية، وتوافق على مرجعية جنيف 1 وآليات تطبيقه، وخصوصاً منها تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية، ووحدة سورية دولةً ومجتمعاً، ونظامها البديل: التعددي والمدني والبرلماني، وكبح خطر الإرهاب عليها في الحقبة المقبلة.
السؤال الآن: هل سيطبق الاتفاق الجديد؟ إذا نجح التفاهم على أوكرانيا، وتم رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والدولية عن روسيا، فإن ذلك سيؤسس أرضية مشتركة توافقية وشرعية، لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 ، تقبل تشكيل "الهيئة الحاكمة الانتقالية" كاملة الصلاحيات، التي ستتولى وظائف الأسد. وإذا كانت هناك خلافات وصفها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بالحادة حول مصيره، فلأن روسيا تريد استخدامه ورقة ضغط في المسألة الأوكرانية، وأداة لـ "فركشة" الحل، في حال أخلّت أميركا بالتزاماتها الأوكرانية، وتعنتت في قضايا أخرى عالقة، تتعلق بالتفاهم على مكانة موسكو ودورها في عالمٍ يشهد تحولاتٍ كبرى، تنقل مركز ثقل مصالحه من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، قد تدفع روسيا إلى خارج دائرة التأثير والفعل في حاضر العلاقات الدولية ومستقبلها، وهي التي تمارس، منذ بعض الوقت، سياسات قوة غير مقبولة في مسائل إقليمية، تنتمي إلى دائرتها الجغرافية والسياسية المباشرة، في حين تمثل سورية، بالمقارنة معها، جزءاً من دائرة خارجية، دولية الطابع، تمسك بها وتستخدمها، للوصول إلى مواقع سبق أن كان للاتحاد السوفييتي مكانة خاصة فيها، وخصوصاً في الشرق العربي والأوسط، حيث لها اليوم قواعد عسكرية وعلاقات أمنية خاصة، وتحاول لعب دور قيادي في الحرب ضد الإرهاب، بالتوازي مع واشنطن اليوم، وبالتعاون معها غداً، في حال تم التفاهم على المشكلات القائمة بين الجانبين، وبالتبعية على حل سياسي للمعضلة السورية.
هناك فارق بين "جنيف" وقرار مجلس الأمن الحالي، هو التالي: بينما جعل جنيف البديل الديمقراطي مآلاً حتمياً لعمل الهيئة الحاكمة الانتقالية، وألزم الطرف الآخر المشارك في تكوينها بهذا الخيار، فرض القرار الحالي إصلاحاً دستورياً تعقبه انتخابات، يرجح أن تكون تنافسية بين شريكي الهيئة، إن فاز الطرف الحكومي فيها، قام نظام تعددي/ انتخابي ولا طائفي، لكن ديمقراطيته ستكون محدودة أو مقيدة، بل إنه قد لا يكون ديمقراطياً بالمرة.
باختصار: هذا اتفاق أولي ثان، أنتجته تفاهمات الدولتين الكبريين حول مشكلات عالقة بينهما، لا علاقة لسورية بها، يترك للسوريين مشكلاتٍ سيكون من الصعب عليهم حلها بمفردهم، تتصل بتطبيق مبدأ التراضي الذي لعب دوراً مهماً في تعطيل جنيف 1 وإفشال جنيف 2، وبالتالي، بفرص قيام "الهيئة الحاكمة الانتقالية" التي يتعارض وجودها ودورها مع وجود الأسد ودوره، وهو صديق موسكو الذي تعلن تمسكها به. هناك أيضاً مشكلات لم يتم التطرق إليها في القرار، أهمها الوجود الحربي الروسي في سورية، وتحديد هوية التنظيمات الإرهابية، وما إذا كان سيتم وفق معايير تأخذ بالاعتبار مصالح الشعب السوري ومطالبه.
إنها خطوة أولى على قدر كبير من الأهمية، تفتح أبواباً للحل، من غير الجائز أن يسمح العالم لأية جهة بإغلاقها.

اقرأ المزيد
٢١ ديسمبر ٢٠١٥
عن سمير القنطار

عندما سمع الحكم عليه في محكمةٍ إسرائيلية بالسجن 542 سنة وستة أشهر، في العام 1980، سأل سمير القنطار القاضي الذي نطق بالحكم عن سبب الشهور الستة، في سخريةٍ ظاهرةٍ، زاد عليها قوله إن إسرائيل لن تدوم خمسمائة عام. تُستدعى إلى البال تلك الواقعة مع تواتر تفاصيل مقتل هذا المناضل اللبناني السابق في غارة إسرائيلية عدوانية على بنايةٍ في ريف دمشق، الليلة قبل الماضية، كان يرابط فيها، فيما يتولى مسؤوليات عسكرية ميدانية منذ شهور في حرب النظام السوري المعلومة ضد الشعب والثورة. وتستنفر الجريمة الإسرائيلية سؤالاً عن السبب الذي يدفع القنطار (مواليد 1962)، إلى أن يصير واحداً من شبيحة بشار الأسد، وينقطع إلى القتال ضد أشواق السوريين بالتخلّص من نظام الاستبداد والقتل، بعد أن كان من أيقونات الحالمين العرب بالتحرّر، في سنوات احتجازه أسيراً في سجون العدو الصهيوني، والتي طالت 29 عاماً، وانتهت بعد عملية تبادل بين حزب الله وإسرائيل، مشهورة التفاصيل في 2008. وفي البال أنه قال، مرّة، إنه، كمواطن عربي، قضيته المركزية فلسطين، وجد من واجبه أن يقوم بالعملية الفدائية التي قادها في إبريل/ نيسان 1979، في نهاريا، وقتل فيها أفراد أسرة إسرائيلية.
أما وأن خِسّة العصابة الحاكمة في تل أبيب مؤكّدة، حين تُقدِم على قتل أسير محرّر، في عدوان صاروخي، مطمئنٍ إلى وداعة مضادات الدفاع الجوية السورية والروسية، فليس هذا الأمر الذي يستحق إنفاق الوقت في التملّي فيه، بل هي قصة سمير القنطار نفسه التي اكتملت في هذا العدوان الذي أكمل رواية القنطار عن نفسه في كتابه "قصتي" (تحرير حسان الزين، دار الساقي، بيروت، 2011)، والذي تتعرّف، في صفحاته التي تزيد عن الخمسمائة، على شخص هذا الفدائي، فيغشاك إعجاب مستحقٌ بجسارته، وتُصادف في الكتاب تأملات ذهنية وفكرية ومرويات شائقة، وإن كنت تتمنى أن تطالع فيه عن أحلام سمير القنطار وهواجسه ومخاوفه وأشواقه ومتاعبه، إبّان كان يغالب ظلمة السجون والزنازين والعسف، وهو الذي توعّده مناحيم بيغن بأن يذوق عذاباً مميتاً لا يعرفه الشيطان، بعد أسره عقب العملية الفدائية التي لم يكن القنطار يكترث باتهامه أنه قتل طفلةً فيها، ففي عُرفه "لا مدنيين في إسرائيل"، على ما قال في واحدةٍ من مقابلاتٍ تلفزيونية، أُجريت معه بعد الإفراج عنه، وأفرط فيها بالحديث عن أولوية الأولويات، أي مقاومة إسرائيل التي أَنذرها بالرجوع إليها، وظل ينعتها دولة "هشة وضعيفة".
لم يكن مطلوباً من سمير القنطار أن يعود إلى فلسطين مقاوماً وفدائياً، وإنما أن لا يبتذل حاله إلى حدٍ مؤسف، عندما استنزف رصيده وصورته، في انحيازه السافر إلى استهداف السوريين وثورتهم في بلدهم. وكان في وسعه أن يغلّب الحكمة، ويُؤثر دور الناصح للنظام الذي يواليه، ويظنه ممانعاً عن حق، فيعمل على كف أذى هذا النظام ضد الشعب المستضعف، بالصواريخ والبراميل المتفجرة وغاز السارين، ما تسبب بتدمير سورية وتقوية شياطين الإرهاب وخفافيشه. ومن المخزي أن لا يكون في وسع النظام المذكور أن يحمي بلده من الاستباحة التي تستسهلها إسرائيل أنّى شاءت، إنْ إرادت قتل عماد مغنية أو ضرب منشأة في دير الزور، أو تحليق طيرانها فوق قصر الأسد، أمثلة لا غير. يتسلّح هذا النظام الذي والاه سمير القنطار بصواريخ روسية متطورة، ويجيز للمقاتلات الروسية أن تقتل مئات السوريين كما تشاء في الأرياف والمدن والبلدات، ثم يعجز عن حماية أتباعه من طراز سمير القنطار الذي توهّم أنه يدافع عن سورية، عندما يشارك في جرائم استهداف من يتوقون من ناسها إلى الخلاص من نظامٍ لا شطط في نعته بأنه نظام احتلال حاكمٍ بقوة القهر، وأضعف من ذبابة أمام إهاناته الإسرائيلية المعتادة. لم يكن القنطار يُكابر عندما انخرط في جرائم النظام المهان فقط، وإنما كان ينتحر، ويذبح نفسه بنفسه، وإنْ قضى في انتقامٍ إسرائيلي رخيص.. ومدان طبعاً.

اقرأ المزيد
٢١ ديسمبر ٢٠١٥
اذا لم يكن حزب الله و الحرس الثوري إرهابيين .. فنحن من "العتاة"

تتكثف حاليا الاتصالات بين الدول المعنية في الشأن السوري لتأسيس أول و أهم بند ، في قرار مجلس الأمن الذي اتخذ الجمعة ، و الذي على ضوئه تم تحديد خارطة طريق الحل في سوريا ، وفق رؤية دولية موحدة ، مقلمة الأظفار بعد وضعها تحت البند السادس من ميثاق المجلس.

و من بين البنود الرئيسية ، و ذات الشكل الأساسي ، هي تحديد الجهات أو الجماعات أو الفصائل التي لن تكون معنية بطريق الحل الموضوع ، و ستكون خارج مراحل وقف اطلاق النار ، وطبعاً بعيدة عن الدخول في الحكم و تولي أي دور في سوريا المستقبل ، اذ ستكون هدفاً مشروعاً للجميع حتى إنهائها.

و لم يكون هناك أي شك بأن تكون القاعدة الممثلة بـ"جبهة النصرة" في قائمة ما اصطلح عليه "المجموعات الارهابية " ، إلى جانب "داعش" ، وكذلك من اتخذ منهجاً واضحاً و صريحاً اتجاه الوجه المستقبلي لشكل الدولة في سوريا ، و الفيصل هل هي دولة مدنية أم خلافة أو امارة.

لكن الخلاف لم ينبع حول هذه الفصائل ، في شأن الطرف المواجه لبشار الاسد و نظامه ، إنما تعلق ببعض الفصائل الأخرى كحركة أحرار الشام و بعض من ينتمي لذات التيار الاسلامي "المعتدل" نسبياً ، ولازالت المناقشات تدور حولها.

و النقطة الأساسية في هذه القائمة ، و التي تعتبر النقطة الأكثر خلافاً ، وهي وضع المليشيات المساندة للأسد ( العراقية و الأفغانية و الباكستانية ..)و بالتأكيد اللبنانية كحزب الله و حركة أمل و حزب البعث اللبناني ، و الحرس الثوري الإيراني و .... و..... .

فهذه الأسماء عليها محصنة بـ" فيتو" قوي و حاسم ، بعدم وضعها على تلك القائمة ، وهذا ما ظهر جلياً بعد تقديم القائمة المبدئية من الأردن (المسؤولة عن التنسيق بين الدول بشأن القائمة) ، فالاعتراض الايراني كان حاداً و حتى اللبناني ، الذي رأى أن وضع الثلاثي اللبناني (الحزب – أمل – البعث) فيه نوع من الاهانة للبنان ، كون الثلاثة المذكورين ، هم من صلب الدولة و الحكومة اللبنانية ، فكيف يكونوا ارهابيين ، وحاكمين بلد مجاور !؟

الاستعراض الهادئ لتسلسل الأمور ، يدفع لطرح آلاف الأسئلة ، أبرزها : إذا لم يصنف حزب الله و الحرس الثوري و باقي المليشيات التي يصل عددها لقرابة الـ ٥٠ ، كإرهابيين ، و لم يعدوا على رأس القائمة المطلوب اعدادها و مواجهة المذكورين فيها ، فهل ستكون هناك رد فعل طبيعي من بقية الفصائل التي نجت من القائمة و تتقبلهم كشركاء في مواجهة ، من كانوا بالأمس "أخوة السلاح" !!؟

 أمر استبعاد المليشيات الشيعية وارد و بقوة ، لا بل قد يكون قد تم بشكل نهائي بعد سحب المسودة الأولية من التداول ، لتغييرها بما يسعد و يريح داعمي الأسد ، فهذه الخطوة وحدها ستكون كافية لنسف وجود أي تطبيق لقرارات مجلس الأمن بما فيها الأخير .

وهذا سيكون له رد فعل سبق و أن تحدث عنه العقلاء من المعارضة السورية ، و الذين آثروا المشاركة في مؤتمر "الرياض" ، كسد الذرائع ، فاليوم المخالفين على الأرض قد يكونوا قلة ، و لكن ما إن صدر الإلغاء الفعلي لوجود المليشيات الشيعية بشكل كامل أو حتى بشكل جزئي ، فإن أقلية المعارضين ، ستتحول إلى أكثرية ساحقة ، و يتحول الجميع إلى "عتاة" الإرهابيين (بنظر العالم الخارجي طبعاً)  ، الذين لن ينفع معهم كل أساليب الوأد ، ومن جديد أكرر "داعش ستكون ماضٍ جميل أمام القادم".

اقرأ المزيد
٢٠ ديسمبر ٢٠١٥
هل يريد تنظيم الدولة إقامة الخلافة أم تكريس الاستبداد؟

دعونا نسلم جدلاً بأن من حق الإسلاميين تشكيل تنظيمات سياسية وحتى عسكرية للدفاع عن أنفسهم واستراتيجياتهم ومشاريعهم. لا شك أن لديهم الكثير من المبررات، وعلى رأسها أن الإسلام دين ودنيا، ومن حقهم أن يأخذوا فرصتهم في حكم المجتمعات العربية والإسلامية كما فعلت بقية الأحزاب والتيارات على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، ولنترك الحكم الأخير لصناديق الاقتراع وأصوات الشعوب. وقد نجد كثيرين ممن يدعون إلى إعادة الخلافة الإسلامية كما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية. لكن هناك فرقا كبيرا بين التمنيات والرغبات وبين الواقع والمعطيات.
وعندما نجد من يدعون إلى إقامة أنظمة إسلامية على شكل خلاقة أو غيرها بشكل عبثي في عالم لا يمكن أن يقبل بمثل تلك الأنظمة مهما كان الثمن، فمن حقنا عندئذ أن نعتبرهم، إذا أحسنا الظن بهم، كمن يحارب طواحين الهواء، وإذا أسأنا الظن بهم، فمن حقنا أن نعتبرهم أدوات غير مباشرة لتكريس الاستبداد وإعاقة قيام دولة الديمقراطية والمواطنة التي بات ينتهجها أكثر من مئة وعشرين دولة في العالم من أصل مئة وثلاث وتسعين دولة.
لا شك أن الحالمين بدولة الخلافة أو بأنظمة إسلامية صرفة سيقولون لك لو أقنعتهم بأن العالم لن يسمح بمثل تلك الأنظمة، إن الدنيا تؤخذ غلاباً، وإن كل الأنظمة عبر التاريخ قامت أصلاً بالقوة وأحياناً عن طريق الإبادة والعنف الوحشي، كما فعلت أمريكا عندما قضت على الهنود الحمر، وأقامت دولتها على أنقاضهم وجماجمهم. وبالتالي من حق تنظيم الدولة الإسلامية وأمثاله أن يفعل ما يشاء لبناء دولته المنشودة، حسب منطقه. لكن لو اتفق البعض مع هذا المنطق، هل يمكن فعلاً أن تكون مثل تلك الجماعات الإسلامية بديلاً حقيقاً للأنظمة التي ثارت عليها الشعوب في إطار «الربيع العربي»؟
نعم ولا. (نعم) وظيفية إذا كان سادة العالم والمتحكمون بجغرافياته السياسية يريدون فعلاً نشوء مثل تلك الكيانات لأغراض تقسيمية ودينية ومذهبية وطائفية تخدم مشاريعهم الاستراتيجية، كما يتوقع البعض في سوريا والعراق.
و(لا) إذا كانت القوى الكبرى تمانع في نشوء مثل تلك الكيانات الإسلامية باعتبارها نقيضاً لحركة التطور السياسي والاقتصادي والثقافي العولمي العالمي. حتى الآن لا يبدو أن المتحكمين بالعالم يباركون الحركات التي تريد ان تبني أنظمة إسلامية كتنظيم الدولة وغيره. ولسنا بحاجة للكثير من الجهد كي نرى أن العالم يتكاتف شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لتقليم أظافر تلك الجماعات. فقد شكلت أمريكا حلفاً من عشرات الدول لمحاربة تنظيم الدولة، وكذلك فعلت روسيا التي جاءت بأحدث اسلحتها إلى سوريا لمواجهة الجماعات الإسلامية بكل أنواعها، ناهيك عن أن العرب والمسلمين أنفسهم راحوا يشكلون التحالفات لمحاربة «الإرهاب» المتمثل بتنظيم الدولة وأمثاله. وآخر تلك التحالفات «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب» الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية قبل أيام قليلة.
وعندما نرى الموقف الدولي المتأهب لمواجهة تلك الجماعات بكل أنواع الأسلحة السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية، لا بد أن نسأل على ضوء ذلك: هل تريد الجماعات الجهادية كتنظيم الدولة وغيره فعلاً إقامة نظام الخلافة المنشودة (الممنوعة أصلاً)، أم إنها بعنادها العبثي أصبحت، بطريقة غير مباشرة، تلعب دور الفزاعة لصالح الطواغيت الساقطين والمتساقطين ولصالح القوى التي تريد لشعوب المنطقة أن تبقى تحت نعال الطغيان من أجل إعادة الشعوب إلى زريبة الطاعة، على اعتبار أن الديكتاتوريات العسكرية والأمنية أفضل من تلك الجماعات الإسلامية المتطرفة بالنسبة للشعوب وللعالم الخارجي على حد سواء؟ أليس من حق البعض في هذه الحالة أن يتهم تلك الجماعات بأنها أفضل داعم للنظام السوري وأمثاله الحاكمين في أكثر من بلد عربي، لأنها تقدم بديلاً لا يقبله العالم الحديث، ولا تقبله الشعوب الثائرة؟
أليس من حق الشعوب التي ثارت ضد الطغيان في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن وغيره أن تسأل أصلاً: هل ثرنا لاستبدال طاغية عسكري علماني بطاغية ديني يريد ان يعود بنا إلى غياهب الماضي السحيق بينما العالم يتقدم على كل الأصعدة بسرعة رهيبة؟ أليس من حقها أن تقول إننا لم نثر كي نستبدل الفالج بالسرطان، أو العكس؟
عندما يكون البديل للأنظمة الساقطة والمتساقطة على شكل تنظيم الدولة وأمثاله، فهذا يعني بالضرورة أن تلك التنظيمات تساعد بطريقة غير مباشرة الأنظمة الاستبدادية المتساقطة، لا بل ربما تدفع بعض الشعوب التائقة إلى الحرية والديمقراطية ودولة الحداثة إلى العودة لأحضان الطواغيت الذين ثارت عليهم، أو تتمسك بهم، لأن البديل القادم «داعشي».
وهنا من حق الجميع أن يضعوا ألف إشارة استفهام على ظهور تنظيم الدولة وأمثاله واستفحاله وانتشاره في هذا الوقت بالذات. لاحظوا أن التنظيمات الجهادية لم تقدم بديلاً ديمقراطياً مدنياً حداثياً للشعوب، بل تطرح نموذجاً من غياهب الماضي الذي لم يعد صالحاً لعالم اليوم بأي حال من الأحوال لا سياسياً ولا تكنولوجياً ولا إعلامياً ولا ثقافياً، وكأنها تقول للشعوب: ابقي على قرودك حتى لا يأتيك الأقرد منها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى