مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٩ أغسطس ٢٠١٥
"السيسي" .. اليد القذرة لتنظيف "الأسد"

في الوقت الذي نفتح فيه الشاحنة على 71 جثة لسوريين ماتوا خنقاً ، و مئات الجثث المنتشرة على الشواطئ ، ملايينٌ يعيشوا في غياهب الموت اليومي في سوريا ، وملايين أخرى يفتشرون أماكن اللجوء المريرة مهما تجملت ، نجد في غرف الساسة العمل الدؤوب على إعادة تدوير قذارة نظام الأسد ليكون حاضراً في مستقبل سوريا ، و لكن دون السوريين .

في موسكو ، التي تحولت إلى حج الساسة العرب المتخوفين من أي سقوط للأسد و نظامه ، يسعى قادة بعض الدول العربية و على رأسها مصر ، عبر عسكرها و عتادها و ضباطها شبيهي الأسد الأب و الإبن ، ليكونوا المفتاح للحفاظ على النظام ، بدعوى مكافحة الإرهاب ، وماتحتويه من كذب و إفتراء .

السيسي الذي اغتصب السلطة و الشرعية في بلاده ، و إغتصب الديمقراطية و الحرية ، يسعى لأن يكون "مطية" الجميع للحفاظ على مكانه ، كسفاح على شكل سياسي ، و إن كان حتى في الشكل غليظ لحد الإشمئزاز .

في موسكو يعلنها فلاديمير بوتين ، أن الإرهاب هو العدو و الأسد هو اليد الضاربة له ، ولا أحد سواه ، السيسي و من شارك بالحضور من الإمارات إلى الأردن ، يصفقون فاتحي الثغور ، من فرط الإندهاش بهذه المبادرة الفذة الخلاقة ، من سفاح آخر .

الجميع يتخوف من الإرهاب ، والجميع يسعى لمحاربته ، الجميع مستعد لأن يكون اليد في ضربه ، و الجميع يلهث وراء الأسد ، الشبيه لهم .

السيسي اليوم هو السيف الجديد الموضوع على عنق السوريين ، السيف السياسي و العسكري ، والأمني، هو اليد القذرة التي ستتكفل بإتمام قتل السوريين ، ويمحي جرائم السفاح .

لا أعرف إلى أي حد يؤيد مساندو السيسي من الدول التي تدعي دعم شعب السوري و ثورته ، و السعودية على رأس تلك الدول ، وإلى ماذا ترنو الإمارات من وراء هذا الدفاع المستميت عن الأسد ، هي تبتعد آلاف الكيلومترات و تسعى لإجهاض أي تغيير في الدول العربية و خصوصاً التغيير الذي يفضي إلى حكم الأكثرية .

اقرأ المزيد
٢٦ أغسطس ٢٠١٥
لا تتسع البرادات لهم جميعاً

فقط ما يُقارب 10 آلاف مُصاب، تشنج العضلات يملأُ المكان، الكلُّ ينتفضون، يتساقط الناس كأوراق الشجر، هناك نيامٌ لم يستيقظوا .. ماتوا هادئين، وبعضهم استيقظوا ولم يستطيعوا الخروج .. ماتوا مُحاولين، أمٌ كان لابد أن تختار اثنين من خمسة أبناء، حملتهم وخرجت بهم، لكنها حملت الموتى، على مداخل البيوت، على أطراف الطرقات، الجثث المختنقة هي عنوان المدينة، الرغوة التي تخرج من الأفواه ستُغرِقُ الشوارع، حدقات الأعين تضيق أكثر فأكثر، تميل العيون للون الأزرق، من حاولوا إنقاذ المصابين أُصيبوا .. بعضهم نجا، أحد أولئك قال:

قبل أن أصل إليهما ارتميتُ، حاولتُ قبلهما أن أبقى متماسكاً عدة مرات ولكن المناطق كلها كانت تعجُّ بالمصابين فقد انتقل الغاز إلى كل البلدات المحيطة بـ زملكا وعربين وجوبر، وكان القصف مستمراً، لم يكن في "زملكا" غير نقطتين طبيتين إحداهما تعرضت للقصف أيضاً، من بقيَ حياً كان عليه أن يصعد إلى الطوابق العلويّة، ولكن القذائف بدأت تنهال على الطوابق العلوية للأبنية وتليها الرشاشات الثقيلة وراجمات الصواريخ .. إنه حكمٌ بالإعدام الجماعي، على باب أحد الأبنية لم يكن قد بقيَ لدينا غيرُ "كمامةٍ" طبية واحدة، أعطاني إياها أحد المسعفين كي أدخل لأتفقد من في البناء، لا وقت لتطرق الباب أو لتصرخ، كلهم كانوا نائمين .. وبقوا يغطّون بموتٍ عميق، خرجتُ مذعوراً أحمل بيديَّ عبوات سوائل ركبّها المسعفون على عجل، وبعض من المضادات كالاتروبين و ديكسون، لم أكن أعمل في المجال الطبي " كمسعف" ولكن حجم الفاجعة يستدعي تدخل كل من يستطيع التنفس أكثر، على باب البناء كان المسعف "أبو صالح" قد ارتمى وبدأ يتشنج حاولتُ بالماء والبصل فعل شيءٍ ما ولكن بدا لي أنها آخر سهرة بيننا قضيناها قبل قليل، وأخذته السيارة نقل المصابين إلى النقطة الطبية علّها تدركه، لحظات التفكير كانت أقل من أن تأخذ قراراً، ركضتُ إلى إحدى الشقق، هناك نَفَسٌ ما يمكن إدراكُه، حاولت بالمضادات والسوائل، ثم وضعت للمصابة الكمامة وأعنتها حتى تخرج إلى الطوابق العلوية، خرجتُ من الشقة ودخلتُ إلى أخرى لكنني لم أستطع المقاومة أكثر كانا أمامي على الدرجات، الطفل ساقطٌ من يديها وهي تحاول الوصول إليه لكنها متشنجة وهو ينتفض، آخر ما شاهدته تلك الرغوة التي بدأت بالفيضان حاولتُ الصراخ .. لم أستطع شعرتُ أنني أصرخُ في جوفي.

"أبو نضال .. أبو نضال" .. كنت أسمع نداءهم، "سمعان .. سمعان" كان لساني أثقل مني وعيناي قطعتا لهيب، شعرتُ بصخورٍ جاثمةٍ على صدري وقصبتي الهوائية كانت أضيق من إبرة، " رح قوم بس مو حاسس برجليي" تشنجٌ تام الأركان سيطر على أعضائي ما لبث أن بدأ يخف بعد الحقن والسيرومات، رويداً رويداً كنتُ أرى المشهد حولي، مئاتٌ من الجثث عشراتٌ من الباحثين بين ركام الأجساد، رائحةٌ كالطعام الفاسد كانت كفيلة بقتلنا عدا استنشاقنا للسلاح الكيماوي، كنت أتحرك بصعوبة بالغة لا أستطيع السيطرة على أطرافي كانت تسيطر هي علي تنتفض متى تشاء وتهدءُ متى تشاء، خرجتُ من النقطة الطبية التي تحولت إلى مكان حشرٍ للشهداء وقد أوشك الصبح، ولكن أزيز الطائرات لم يهدأ وراجمات الصواريخ وقذائف الهاون تتسابق إلى الناس، تماماً ترى كيف يحاولُ الإنسان الحياة ومقتله في تنفّسه، أن يكون الهواء هو خصمك .. تلك أصعب المعارك.

في الشوارع جثثٌ لنساء خرجن من بيوتهن لأول مرةٍ بملابس نومهن، سائقو سياراتٍ حاولوا نقل المصابين ولكنهم ماتوا خلف مقاود سياراتهم، أطفالٌ لا يفصل بين جثثهم وجثث ذويهم غير بعض خطوات، شوارع من الموت، كانت الجثث كثيرةٌ جداً، كيف ستدفنُ كلها دفعة واحدة؟ بدأت الأرقام توضع على جباه الشهداء واحداً .. واحداً قاربوا 1500 شهيد، الكل يبحث بين الجثث، أكثر الناس صبراً امرأةٌ كانت تتأكد أنهم ماتوا تتأكد أن لا أمل لأي حياةٍ في أي جسد، كيف سندفنهم كلهم دفعةً واحدة؟ بدأنا بوضع "الثلج" على الجثث، فبرادات الموتى ـ إنْ وُجِدَتْ ـ لن تتسع لهم جميعاً.

هنا لا أشلاء .. لا دماء .. الوجوه واضحة مع بعض انتفاخاتٍ ملونةٍ في الجسم فقط، كان الاستعداد لهجماتٍ أخرى من هذا النوع هو الهاجس الأكبر لابد من رصد ذخيرة طبية، فمن يواجه هذا السلاح بهذه الأدوات، 1500 شهيد من أصل 10 آلاف إصابة، أي معجزةٍ هذه؟ يمكن ذلك عندما يستشهد معظم الكوادر الطبية.

عَبْر الأقمار الصناعية كنا نتحدث ـ عادةً ـ قبل أن أخلد إلى النوم، تتأكد أنني لم أزل حياً، بيني وبينها بعض شوارع فقط، دمشقُ ليست بعيدة ولكنها غريبةٌ تماماً عمّا يجري في الغوطة الشرقية من حصارٍ وقصفٍ ـ ولو سمعت ذلك على نشرات الأخبار ـ غريبةٌ تماماً عن الموت اليومي، ثم فجأةً "القبضات" كلها تصرخ "ضربو كيماوي لك ضربو كيماوي" وحتى المآذن كانت تصيح لا لصلاةٍ ولكن لكي تنبّه الناس أن الموت أتاهم عبر الهواء، حالة الفزع أصابت الجميع، فالكل مكلّفٌ بمحاولة الإنقاذ حتى ولو قضى فيها نحبه، فمن سينقِذُ من؟، النائمون هم الأقل ألماً، وكثيرٌ منهم ناموا جياعاً.

عندما عدتُّ كانت قد تركت لي رسالةً: "شو نمت متل العادة وأنت عم تحاكيني؟" لم أنتبه هل انقطع الاتصال أم لم يزل، ولكن كتبتُ لها فقط: " كنّا نختنق".

على أحد الحواجز المكلّفة بحصار الغوطة وأثناء محاولة أحد المسنين الخروج، يقول له العسكري ـ بخبث ـ : " شو نظّفنا زملكا وما حولها" قال المسن : " إيه والله خلصتونا من ضجة الولاد وعجئتهم"، واختلطت دمعة أحدهما بضحكة الآخر.

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٥
الأسد ينازل الغوطة .. الائتلاف ينازل السياسة

"إذا أردت أن تميّع قضية مهمة .. فشكل لجنة تحقيق" هي قاعدة ذهبية عمل عليها حزب البعث ، وأتقنها نظام الأسد على مدى جميع المراحل ، و مرت كل المجازر مرور الكرام ، و اليوم نشاهد ذات الإسلوب ولكن بلبوس "معارضاتي" .

على مدى الإسبوع الفائت الأشد دموية على الإطلاق ، والذي تعرضت خلاله الغوطة الشرقية عموماً ، و "دوما" على وجه الخصوص ، لعملية تفوق الإبادة ، بل هي إنهاء كل وجود لبشر أو حجر أو شجر ، فالمطلوب أن تكون الغوطة أرض ممهدة ، تصلح لزراعة "القمح" كما تعهد رفعت الأسد حماه في بداية ثمانينيات القرن المنصرم .

ليس وحده العالم دخل مرحلة الجمود و التغافل ، بل يشاركه بهذه الحملة من يتنسبون إلى المعارضة السياسية ، وكأن الغوطة وما يحدث فيها ، بحاجة لمؤتمر صحفي تنديدي ، و من ثم تشكيل لجنة تحقيق ، و الوعد برفعها للمحكمة الدولية ، في كذبة نعيشها منذ أربع سنين ، فلا محكمة تشكلت و لاتقرير رُفع ، لا نتيجة تم الوصول إليها ، اللهم بعض الثغاء الحملاني .

سعيت للوصول إلى تصريح يتعلق بالجهود الدبلوماسية التي تخوضها المعارضة السياسية و على رأسها الائتلاف ، للذود عن الغوطة المبادة ، لكن لم أصل لنتيجة ، و كل ماهنالك أن لجنة التحقيق تشكلت ، و الامر انتهى .

و من الممكن أن شهر أيلول ، المبارك سياسياً ، دفع بالمعارضة للصمت كيفياً أو بشكل مجبرة عليه ، حتى لاتختلط ورقة المواعيد و المؤتمرات التي ستعقد في بلدان عدة من العالم بحثاً عن الحل السياسي ، أما بالنسبة للمتواجدين على الأرض و يموتون في كل لحظة ، هم فرق عملة أو مسودة لأوراق الإتفاق الذي تعمل أمريكا و روسيا تطبيقه ، بوجود للأسد شاء من شاء و أبى من أبى ، و الحل للقبول في القتل بأشد عنف ممكن ، و الظهور بمظهر المنتصر ، و الجلوس على طاولة تكون فيها الشخص الذي لايعترض عليه أحد .

وفي العموم ليس هناك تعويل على المعارضة التي فقدت كل أوراق القبول الشعبي ، و حتى الدولي ، فالذي يصمت ولايحرك ساكناً على مقتل المئات خلال أيام ، و يكتفي ببيانات التنديد ، لن يكون له أي احترام من اي طرف و حتى من روسيا التي وصفت صراحة "صديقة الشعب السوي على مر التاريخ " و إنتقدت ضمناً بأن "المرحلة التاريخية قد تغيرت" لتحتاج لقارئ فنجان ليفهم أنه إنتقد روسيا ، بلد السوخوي و الميغ و الفراغي و بلد كل القذائف و مسببات الموت السورية ...

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٥
لن يكون لأمريكا حليف سني بالشام!

أكتب هذا ليس لقناعتي الجديدة به، وإنما غرّدت به وكتبت عنه كثيراً، ولكن لمن على عينيه غشاوة كونه لا يزال يُحسن الظن بأميركا وبإمكانية مساعدتها له في إسقاط هذه العصابة المجرمة بالشام سياسياً أو عسكرياً فهو واهم جداً، لقد تكشف لكل ذي عينين تخلي أميركا عن الفرقة 30 حين انتقلت إلى الداخل السوري وعلى الرغم من دعوة أعضاء الفرقة الذين لا يتعدى عددهم 54 شخصاً لطائرات التحالف قبل عشر ساعات من هجوم جبهة النصرة عليهم في إعزاز إلا أنهم لم يتلقوا أي دعم وسقط بعضهم بين قتيل و أسير، و هارب..

ينقل أحد ضباط الجيش الحر عن صحافي أميركي قوله له حين سأله الأخير من ستقاتلون فيجيبه الضابط سنقاتل داعش والأسد، فضحك الصحافي الأميركي وقال لن يدعموكم أو يقفوا معكم إن أطلقتم طلقة واحدة صوب النظام.

كان من المفترض أن تتعلم الفرقة الـ 30 مما حصل ويحصل لمقاتلي الجيش الحر في حوران حيث الخطوط الحُمر الأميركية أصبحت جدراناً فولاذية لمنع أي تقدم للجيش الحر نحو درعا المحطة أو سعسع أو فك الحصار عن الغوطة، ومن تجرأ على غير ذلك لقي القتل والاغتيال والتنكيل به، ولتعزيز قوة النظام المجرم لجأت أميركا وعملاؤها إلى خلق تنظيم داعش باسم لواء شهداء اليرموك من أجل مواجهة جبهة النصرة وأحرار الشام لإشغالهما، بينما العجب العجاب أن قوات الجيش الحر هناك التي من المفترض أن تقاتل داعش تنفيذاً للخطة الأميركية المعلنة في العراق والشمال السوري كما هو الرائج تصف هذه القوات القتال بالفتنة ولا تدخل فيه وذلك من أجل استنفاذ قدرات جبهة النصرة و أحرار الشام بمعارك جانبية بعيداً عن استهداف النظام، وثانياً من أجل منع تكرار تجربة جيش الفتح في الشمال بحوران..

تخلت أميركا من قبل عن المليشيات الصحوجية السنية في العراق بعد أن استخدمتهم للقتال إلى جانب قوات العصابة الطائفية في العراق ضد تنظيم القاعدة، وحين انتهى دورهم تخلت عنهم أميركا، تماما كما تخلت عنهم العصابة العراقية الطائفية الحاكمة، فقتلت بعض رموزهم وهرب بعضهم وسجن آخرون، ومن لم تقتله العصابة الطائفية لاحقه تنظيم القاعدة، هذه التجارب الحديثة العهد كان من المفترض أن تكون درساً يمنع بعض الجهات من الاعتماد على أميركا والثقة بها، تماماً كما يفترض على الجماعات الجهادية أن تكسب إخوانها مهما أخطأوا بحقها فمعركة دفع الصائل العالمي في الشام بحاجة إلى قوى كثيرة، وإمكانيات الجميع، ورحم الله الإمام ابن تيمية حين سمح حتى للصوفيين أن يقاتلوا في صفه بمعركة شقحب..

الخداع الأميركي ليس في صفوف العسكريين فحسب وإنما في صفوف السياسيين الذين أوهمت أميركا ولا تزال توهمهم من أنها جادة في البحث عن حل سياسي، ولذا فقد أغرقتهم منذ أن ظهرت هذه المعارضة وحتى الآن بتفاصيل الحل السياسي وإعداد الوثائق والأفكار والمشاريع، والاجتماعات تلو الاجتماعات ليتبين لاحقاً أنها عبارة عن طبخة حصى وأنها لهاث وراء السراب، وللأسف لا يزال بعض المعارضين يحسنون الظن حتى بروسيا التي تقتلنا يومياً، بينما الواقع على الأرض يصرخ بمستوطنات طائفية جديدة وفرز وتهجير قسري لا يشابهه تهجير في العصر الحديث..

إن ألعوبة ومهزلة الحل السياسي توفر غطاءً مثالياً للقوى المقاتلة على الأرض الممثلة بالعصابة البرميلية وحزب الله وإيران، وأنها ترغب بالحل السياسي بينما على الأرض تفرض واقعاً ديمغرافياً خطيراً، أما القوى العالمية والاقليمية فتوفر لها غطاءاً أمام الشعوب والعالم من أنها لم تتخل عن الشعب السوري، ولذا رفع الغطاء السياسي عن هذه التحركات ومقاطعتها هو أقل ما يمكن أن تلجأ إليه المعارضة السياسية، ولنتذكر كيف كان ياسر عرفات يهدد دائماً بمقاطعة التحركات السياسية ووقف التنسيق الأمني؟!

لقد حسمت أميركا خيارها منذ غزوها أفغانستان أن مليشياتها على الأرض هي المليشيات الشيعية الطائفية ومليشيات غلاة الأكراد، وفي الحالة السورية تُغلف ذلك كله بالحفاظ على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية القاتلة والمستخدمة لكل المحرمات بعُرفها ولكن مع هذا فهي المؤسسات القادرة على كبج جماح أهل السنة وذبحهم وإبادتهم على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة.


سجلُ الأميركيين في التخلي عن أصدقائهم وحلفائهم ليست جديدة والملف يطول ذكره من التخلي عن الشاه إلى التخلي عن باكستان في سنوات العسرة، وأخيرا ما جرى في العراق وتركيا وصدق نيكسون القائل "من الخطير أن تكون عدواً لأميركا ولكن الأخطر أن تكون صديقاً لها".

اقرأ المزيد
٢٢ أغسطس ٢٠١٥
خبر عاجل : داعش قصفت "دوما" وأصيب "أقلوي" ...

لايمكن أن تحظى دوما بأي اهتمام ، إلا في حالات معينة على رأسها ، أن يتم إيراد اسم داعش فيما يحدث فيها من مجازر ، ووحدها اسم داعش قد لايكفي ، بل يجب أن نورد إلى جانب داعش أن هناك "أقلوي" تعرض للإصابة أو يكفي بعض الخدوش ، كي يثور العالم ، كي نسمع هدير الطائرات تحرق داعش و أهلها و جيرانها .

كي يثور العالم و يتحرك يجب أن يتوافر ، عدد من الأقليات و يزج بهم داخل المحرقة ، داخل المقبرة التي تتوسع في كل لحظة ، ليسمع العالم ، و يعي و يشعر .

أليس الشعب السوري واحد...؟

أليس الشعب غير طائفي ..؟

أليس الشعب السوري متساوي ...؟

أليس الشعب السوري يشعر ببعضه البعض ..؟

أليس الشعب السوري الحق في الحصول على الضمانات كي يصل لبر الآمان ..؟

لا داعي لـ"أليس" فالشعب السوري هو شعب واحد باستثناء المكون الأساسي ، يستحق الحياة و الرفاهية و الجلوس في طمئنينة ، أمام الشعب السوري الذي يفترش العالم مشرداً ، و الذي يموت جوعاً ، و الذي يقطع لأشلاء ، فهو شعب غير مهم ولا ضرورة للسؤال عنه .

يسألونك عن داعش و يقولون كيف تُنتج نفسها ، وتتكاثر ، و كيف يأتي من يلعب بأدمغتهم و يوجههم كيف شاء و أينما يشاء .. فالعقول غُيبت تحت القهر و الموت و القتل ، العقل تم إنهائه من هول الألم و الوجع ، ولا مجال لتفريغ هذه الشحنات سوا بردات فعل غير إعتيادية للطبيعة البشرية ، فما تعرض له ، لم يتعرض أياً من البشرية .

عندما تصبح المجزرة عبارة عن فكرة غير مهمة ...

عندما يبيت المكلوم وحيداً بلا مساند ...

عندما تصرخ الأم إبنها الميت و تسمع صدى صوتها وحدها ...

عندما يموت الجميع أمام أشلائهم .. و ينتحبون على أصنام ..

عندما ينسى العالم .. ولايذكرها إلا الموت الصامت ...

عندما يبكون دماً .. و هناك من يبحث عن إظهار السفاح كمسالم ..

عندما ... وعندما .. وعندما ...

عندما تموت دوما بصمت يجب على العالم أن يُدفن ...

اقرأ المزيد
٢٠ أغسطس ٢٠١٥
يوم الكيماوي .. لم يمت أحد ..

لايمكن لنا أن ندعي أن شيء ما مهما عظم سينسينا ماحدث يوم 21/8/2013 ، مهما تعاظمت المجازر أو كبرت أو كانت مروعة ، فستبقى أم المجازر و أقذرها ، داخل أفئدتنا ، توغل فينا تقطيعاً ، و لكن بعد مرور عامين كاملين على تلك الإنتكاسة البشرية ، سأعترف أن أحداً من 1500 إنسان لم يمت ، و لم يغادر الحياة مطلقاً .

اعتراف ليس من شخص أو مؤسسة أو هيئة إنما إعتراف من كل من ينبض بداخله قلب لإنسان و ليش لأشباهه ، نعم لم يمت أحد و لم يغادر هذه الحياة أي كائن ، فهو لازال يعيش بداخلنا ، بحواسنا ، يشاركنا النبض ، ولا يمكن أن نحيا بدونه .

لم يمت أحد بالفعل ، فهم حاضرون في كل مكان ، وفي كل زمان ، يشاركوننا كل تفاصيل الحياة ، و لا يمكن أن نتخلى عنهم ، فهم كالتنفس ، ملاصق لأجسادنا ، ومرافق لتفاضيل الحياة .

قد نراجع الفيديوهات المتعلقة بالمقابر الجماعية التي فتحت لهم ، لضم أجسادهم النظيفة ، لنؤكد لأنفسنا أنهم ماتوا بالفعل ، و لكن هذا التأكيد يتحول لهراء مع يقيننا بأنهم موجودن معنا بكل ما ذكرت .

لم ننساهم ، أو نتناساهم ، أم يتم إنسائنا إياهم ، فهو موجودون ، حاضرون ، قابعون في كل خلايانا ، إنهم شهداء الكيماوي ، شهداء البراء للعالم من إنسانيته ، إنهم الحقيقة الوحيدة التي كانت و لازالت و ستبقى ، أن لا موت لهم إلا بعقاب كل من شارك بالقصف أو بالصمت ، أو ساهم بالتسير أو عملية الإنساء .

نعم لم يمت أحد فهم موجودون ، في كل نقطة دم فينا ، و كل شهيق و زفير ، و لن يموتوا إلا إن مات قاتلهم و مشاركه و مسانده و الصامت عنه .

اقرأ المزيد
١٧ أغسطس ٢٠١٥
صمت "مدروس" عن سيول دم دوما

سيول حمراء ملأت شوارع دوما , أصوات صراخ تسمع في صداها قهر الرجال و تجاهل دولي واسع المدى , تفرج عربي عن بعد مع قشعريرة لهول منظر الأشلاء يصاحبه صمت مقمع عن مجزرة دوما التي راح ضحيتها اكثر من 120 شخصاً و مئات الجرحى ,

مجزرة بسوق شعبي لا تجد فيه سوى شحاذ او بائع الخضار أو عتال يكدح طوال النهار لكي يعود بلقمة تسند خاصرته و أهله في آخر النهار.

تآمر دولي فاضح و بشكل واضح ضد الشعب السوري الذي باتت جثث أبنائه تحمل أرقاما لا أسماء , فقد جاءت زيارة موفد الأمم المتحدة للشؤون الانسانية "ستيفن أوبراين" للنظام السوري و اجتماعه مع وزير خارجية النظام وليد المعلم بالتزامن مع القصف الهمجي لمدينة دوما و كأن شيء لم يحدث

و من المضحك المبكي أن أوبرين قد استهجن التجاهل التام لحياة المدنيين في هذا الصراع دون تعين الجهة التي قامت بالقصف , و بكل وقاحة و كأن ما رآه مجرد مفرقعات نارية في ليلة عيد رأس السنة , و هذا ان يذكرنا بشيء فانه يذكرنا بمذبحة السلاح الكيماوي منذ عامين والذي كان بتزامن وجود المراقبين الدوليين أيضا .

من المستغرب أن الاجتماع الذي كان بين موفد الأمم و المعلم نتج عنه أن الأسد المسيطر على 25% فقط من الاراضي السوري تعمد الامم لاعطائه مساعدات بينما بالمقابل قد رفعت يدها عن 75% من المساعدات في دول الجوار و المخيمات فهل هذه وسيلة ضغط على اللاجئين للعودة الى حضن الأسد و اجرامه ؟

المجتمع الدولي يتكاتف لابقاء الاسد ، من تأجيل المنطقة العازلة ، الى السكوت عن القتل الممنهج للمدنيين الى مماطلة في اجتماعات مفتوحة و أخرى مغلقة بين عواصم العالم اجمع , و كل منهم يبحث عن مصلحته في غضون الوقت بدل الضائع بالنسبة لهم بينما هو وقت مميت للشعب السوري المحاصر .

و بالمقابل قام الاعلان الايراني بتجاهل القصف على دوما كي لا تفتح مجالا للنقاش أو طرح الأسئلة حول هذا القصف ,فحينها سيكون اضاعة لوقتها الثمين في التجهيز لولاية أخرى للأسد بمباركة ايرانية .

تكتم عبر وسائل الاعلام الغربية عن قصف دوما و محاولة التنصل من معرفة الفاعل ما هو الا حلول دون اثارة الرأي العام , ففي حال أثير الرأي العام عن مجزرة الغوطة فسيكون أمامه رفض شعبي قطعي لبقاء الأسد , بينما في حال همشت المجزرة فما هي الا أيام و ينساها العالم أجمع و يكون استمرار الأسد حتما لا محال بحجة محاربة الارهاب المزمع الذي يهدد العالم

كله .

و يبقى أمل الشعب السوري بشكل عام و أمل شعب الغوطة بشكل خاص هو التخلص من مجرم قتل و ذبح تحت سقف صمت دولي , علً ساعة الحساب تكون قريبة لتنتشلهم من ظلم مباح بمباركة دولية .

اقرأ المزيد
١٧ أغسطس ٢٠١٥
من أمثال "دوما".. يُصنع مستقبل تكون "داعش" ماضٍ جميل أمامه

أحد تاركي القتال مع داعش فسر أسباب الإجرام العنيف الذي يقوم به عناصر داعش بحق من يقع في أيديهم ، أنه عبارة عن تراكمات خلفها الحقد و الذل والموت المجاني ، فخرجت فئات لم يترك لها أي مجال للإنتقام إلا عبر العنف الغير موصوف .

روى قصة أحدهم ، قد ترك داعش أيضاً ليس كرهاً ، بل بحثاً عن من يمنحه الحق بعنف أشد ، وأقسى ، ليعالج جروح قلبه و روحه الناتجة عن اغتصاب زوجته أمام أعينه .

لا أعرف لم أذكر هذه القصة في هذا الوقت ، و لعل مراجعة صور الشهداء في مجزرة الأمس في دوما و إدلب ، ومشاهدة حال أهالي الشهداء من الآباء إلى الأبناء ، فالأخوة ،و الأمهات و .... ، فهل سنكون أما جيل قادر على استيعاب أن العدل العالمي قادر على أخذ حق من قتل و قطعت أوصاله ، و هو لم يرى أي فعل يهدأ ، ولا حتى كلمة تعمل على تضميد النفس .

بعد كل هذا الدم ، سيقولون أن الإرهاب السبب ، أن من ماحدث عبارة عن تبعيات هذا السبب، أن المرتكب الحالي ، من الممكن أن يصطلح إذا ما تعاوننا معه ، وهذه هي الردود الحقيقة ، التي تدور في العالم126  شهيد في دوما هم ضريبة يجب دفعها للدفع بإتجاه التعاون ضد داعش ، و لكن هل سيتم التعاون لصناعة محارب لداعش ، أم سنكون أمام دفع حقيقي و فعلي و مدروس أو غبي ، بإتجاه إخراج الداعشية الحقيقية ، التي ستلتهم كل شيء دون إستثناء.

أربع سنوات و نيف ، من صناعة داعش الحقيقي ، داعش الذي لن يكون بيد أحد ، خارج منفلت من أي سيطرة ، و بعيد عن نظرية المؤامرة ، و لايمكن توجيهه أو قيادته كداعش التي نشهدها الآن .

اقرأ المزيد
١٦ أغسطس ٢٠١٥
دوما في قلب " فسطاط المسلمين" تجاوزت "الإبادة" .. الصمت تجاوز "العهر"

قد تقسوا الكلمات و تخرج عن حد المألوف بمجرد أن تشاهد ما تمكنت العدسات من إلتقاطه ، وهو جزء يسير من حجم المجزرة التي تجاوزت حد الإدارك لأعتى المجرمين على مر تاريخ أي حياة بشرية كانت أم حيوانية ، إنها الأيادي "القذرة" التي لا يُعرف من أي شيء صنعت أو جبلت أو نشأت ، جاءت من العدم لتزع العدم .

يغرز في القلب كلام أحد الناشطين عندما قال لي "من يومين بس بنفس المكان صورت 70 شهيد..الله وكيلك بنفس المكان ..ناس ترى كلها بسيطة سوق شعبي عتالة وزبالة وشحادين..افقر واعتر الناس اليوم راحت" ، ملخصه كافي بحروفه الحقيقية ، لوصف الفاعل ، الذي تم إهداءه بالأمس 6 طائرات جديدة من "الصديقة" روسيا ، كما يراها الساسة .

في دوما أكثر من 120 شهيداً اليوم .. عجزت الايدي عن حفر قبور فردية .. فتلاصقت الأجساد في المدافن كما ترافقت لحظة الإرتقاء لله .. و سنين الحصار و أعوام الصمود ..

120إنسان .. 120 حلم بالحياة .. 120 عائلة ثكلت .. مئات الأطفال تحولوا إلى أيتام .. وآلاف القلوب كسرت و مزقت ..

120 شهيد في لحظة من لحظات الإجرام المستمر منذ أربع سنوات و نيف .. بدون أي تحرك أو فعل لردعه .. و أكثر ما سنحصل عليه في الغد عبارة عن إدانة أو قلق ... لن نتمنى أن تكون دوما : الفوعة أو عين عرب التي استنفر لها العالم .. بل ستبقى دوما هي دوما و ألمها هو ألم الشعب السوري الحقيقي .. ولا يهم من يدعي التألم ..

دوما ليست في قلب السوريين فحسب ، بل هي من المفروض أن تكون قلب كل المسلمين ، فهي من وصفها رسول الله صل الله عليه و سلم في حديث "فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ......بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ" ، في الغوطة حيث الصمود هو صمود للإسلام ، و للمسلمين الحق .

دوما تجاوزت حد الإبادة .. و لكن الصمت تجاوز حد "العهر" ..

اقرأ المزيد
١٦ أغسطس ٢٠١٥
إعادة تشكيل الشرق الاوسط

أدت المغامرات العسكرية الأمريكية في العقود الأخيرة وكذلك التغيرات العميقة في بنية الاقتصاد العالمي إلى تغير طبيعة التحديات الاستراتيجية التي ستواجهها الولايات المتحدة في العقود القادمة. ففي حين استنزفت وزارة الدفاع الميزانية الأمريكية على مدى عقدين متتالين بشكل مرهق، أدت القدرات المتزايدة لدول شرق آسيا على الانتاج والتصنيع إلى خلق حالات كساد ضخمة في العديد من الصناعات في أوروبا وأمريكا. كما أن آثار تزايد القدرات التنافسية لدول شرق آسيا لازالت تتكشف بشكل متتابع سنة بعد سنة. حيث من المرجح اختفاء العديد من الصناعات العريقة في الغرب عموما لضعف قدراتها التنافسية في عالم العولمة الذي بشر به وصنعه الغرب على عينه.

أما في الساحة السياسية فاكتسبت العديد من المجموعات الصغيرة نسبيا قدرات متزايدة على التأثير في السياسات العالمية في حين كانت الدول القومية هي اللاعب الوحيد على ساحة السياسة الدولية لعدة قرون مضت. فتفجير طائرة على يد مجموعة من المتمردين المجهولين في أوكرانيا أو اختطاف سفينة تجارية في المحيط الهادئ يؤدي اليوم إلى اضطراب هائل في كامل قطاعات النفط والمال وشركات الطيران وشركات التأمين عبر العالم. كما أن الصراعات المسلحة الناتجة عن الأزمات المحلية المستعصية بدأت بالتحول إلى أزمات ذات طابع دولي كما شهدنا ذلك في حالة تنظيم الدولة الاسلامية، وكذلك في حالة القاعدة قبل ذلك.

استوجبت هذه التغيرات استجابات عميقة على مستوى السياسات العليا للولايات المتحدة تقضي بإعادة النظر بتموضعها الاستراتيجي عبر العالم، وما يقتضيه ذلك من ترشيد لتوزيع واستخدام أدوات القوة بكافة أشكالها المنتشرة عبر القارات الخمسة. وذلك ما بات جليا منذ وصول الرئيس بارك أوباما إلى سدة الرئاسة قبل أكثر من ستة سنوات. فسياسة الانكفاء الامريكية تجاه الأزمات السياسية العالمية لم تبدأ في الحالة السورية أو في أوكرانيا، بل كانت واضحة منذ الاجتياح الروسي لجورجيا في عام ٢٠٠٨.

وبالتالي فإن السياسات الأمريكية الهادفة للوصول إلى تفاهم مع إيران ولو على حساب الشركاء التقليديين في المنطقة يمكن فهمها في هذا السياق، حيث تسعى الولايات المتحدة اليوم لتحقيق مصالحها في المنطقة من خلال سياسات أقل عدوانية وبأقل قدر من التدخل المباشر. فالاولوية لدى الادارة الامريكية اليوم هي المحافظة على التفوق الاقتصادي والصناعي في عالم متغير تسوده ديمقراطية المعرفة وسهولة تنقل التكنولوجيا, وسمته التنافس على العقول والاسواق.

رغم عودة القوات العسكرية الغربية إلى المنطقة في صيغة التحالف الغربي ضد تنظيم الدولة، إلا أن هذه العودة تعد خطوة تكتيكية خجولة، تعول على الشركاء المحليين وتخدم أهداف آنية على صعيد التنافس السياسي داخل الولايات المتحدة، وأخرى على المدى المتوسط على صعيد توازن القوى داخل منطقة الشرق الاوسط. أي أن التحالف الغربي الذي تأسس ليواجه تنظيم الدولة لا يملك على اجندته طموحات توسعية بعيدة المدى. الأمر الذي يعني ظهور فراغ نفوذ متزايد في المنطقة لم نشهد مثيله منذ انهيار الدولة العثمانية.

بطبيعة الحال لن تتمكن روسيا أو الصين من ملأ هذا الفراغ لعدم قدرتهم على تحمل أعباء بناء وتشغيل الدولة الامبراطورية التي عجزت عنها الولايات المتحدة وعجزت عنها بريطانيا قبل ذلك، عندما كانت عظمى. مما يعني أن التنافس على ملا فراغ النفوذ في المنطقة سيكون محصورا بين إيران وتركيا وكذلك اسرائيل. خاصة بعد خروج مصر من ساحة التنافس الأقليمي كقوة فاعلة وقادرة على قيادة دول أخرى لأسباب عديدة أهمها تفاقم تناقضات دولة مصر الداخلية والتراجع المستمر لقدراتها الاقتصادية، الأمر الذي تركها عرضة للتقلبات السياسية في الدول المحيطة بها، بدل أن تكون هي الموجه والمشارك في صناعة الأحداث السياسية في الأقليم.

أما اسرائيل فهي تعتمد على تفوقها المعرفي والذي تسعى لترجمته إلى نفوذ اقتصادي ومالي يسمح لها بالسيطرة السياسية، وكذلك تعتمد على علاقتها الدولية من أجل تحقيق مصالحها دون اضطرارها للجوء إلى الهيمنة المباشرة عبر التدخل الخشن.

في حين تتنافس تركيا وإيران على قيادة الفعل السياسي في المنطقة، حيث تسعى كلا منهما لبناء منظومة سياسية قادرة على قيادة المنطقة, تكون هي محركها الأساسي وصاحبة التأثير الأكبر فيها.

فإيران اليوم تعول على ثمار الاتفاق النووي من اجل دعم مشروعها الرامي للهيمنة على القرار السياسي في منطقة الشرق الاوسط. حيث سيوفر لها الاتفاق النووي سيولة مالية ضخمة يمكن توظيفها في دعم اذرعها الممتدة في الدول المقلقلة في المنطقة، كما أنه سيعيد تأهيلها كشريك وعضو فاعل في المجتمع الدولي يمكن التعامل معه والتعويل عليه في تحقيق مصالح الدول الكبرى في الاقليم. فمن المؤكد ان الاتفاق النووي الامريكي الايراني سيمد الخزينة الايرانية بسيولة مالية ضخمة تساعد الطموحات الايرانية على التمدد والتوسع في المدى المنظور. إلا أنه على المدى البعيد قد يؤدي هذا الاتفاق الى تفكك نظام الملالي الايراني وربما انفراط عقد الدولة الايرانية كنتيجة لتفكك السردية الرئيسية التي تأسست عليها دولة الملالي بشكل كامل (العداء للغرب ونصرة المستضعفين).

أما تركيا فقد سعت خلال السنوات الماضية لدعم المد الثوري والشعبي في المنطقة والمطالب بالمزيد من الحريات لقناعاتها بإن الناتج عن هذه الثورات في حال نجاحها سيكون أنظمة سياسية معتدلة قريبة في توجهاتها من حزب العدالة التركي, وبالتالي سيكون من الممكن التفاهم والتعاون معها لبناء منظومة قادرة على ملء فراغ الهيمنة الناشئ عن الانكفاء الامريكي. إلا أن طول أمد الازمات وانهيار الدولة الحاصل في سوريا والعراق وضع الدولة التركيا أمام تحديات ومخاطر متعددة ناجمة عن بروز الجماعات الاسلامية المتطرفة من جهة، وكذلك ناجمة عن تعاظم أحلام وطموحات بعض الجماعات الكردية المتطرفة من جهة أخرى. الامر الذي استوجب التدخل العسكري التركي المباشر خلال الشهر الجاري رغم محاولة تجنبه خلال السنوات الماضية. حيث يهدف التدخل العسكري التركي إلى تحقيق عدة أهداف مرحلية تخدم الرؤيا المستقبلية لتركيا حول دورها وتموضعها في المنطقة ويحقق شيء من التوازن مع التقدم العسكري والسياسي الايراني.

يمكن تلخيص هذه الاهداف كما يلي: منع الجماعات الكردية المتطرفة من تغيير البنية الديموغرافية في الشمال السوري، وكذلك تحجيم تنظيم الدولة وتحجيم تهديده للعمق التركي من جهة، وحماية ظهر فصائل المعارضة المسلحة المقاتلة للنظام السوري والنفوذ الايراني من جهة أخرى. كما أن خلق المنطقة عازلة في الشمال السوري سيتطلب حمايتها من تنظيم الدولة ومن نظام الاسد. حيث سيساعد وجود هذه المنطقة من تخفيض تدفق اللاجئين, وستمثل نقطة انطلاق يمكن للمعارضة السورية الانتقال إليها بما يخفف العبء السياسي للاستضافة المعارضة السورية في تركيا.

في خضم هذه التغيرات تعيش المنطقة العربية حالة من الهشاشة وانهيار الدولة. مما يجعل تحالف دولها مع الدول المحيطة من أجل تحقيق الاستقرار قدرا أكثر منه خيارا. فلا خيارات أمام سوريا والعراق وكذلك أمام باقي دول المنطقة سوى التعاون مع إيران أومع تركيا أو مع كلاهما من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية عبر الخروج من دائرة الهشاشة إلى دائرة الاستقرار.

كما أن الخروج من دوائر التبعية للسياسة الغربية إلى دوائر الاستقلال الاقليمي في صناعة القرار السياسي على المدى البعيد يتطلب بناء منظومة اقليمية متفاهمة ومتعاونة فيما بينها. والحقيقة فإن تركيا اليوم رغم جميع الانتقادات والنواقص تمثل واحة الاستقرار السياسي والاقتصادي الوحيدة في المنطقة والمعتمدة على آليات التداول السلمي للسلطة، وتتبنى نموذج الاندماج الايجابي في عالم العولمة. الامر الذي يجعلها الحليف الطبيعي لسياسات التحول الديمقراطي لدى دول الربيع العربي، وكذلك يجعل منها الظهير الحقيقي لحركات التغيير المطالبة بالانتقال الديمقراطي في المنطقة. وفي نفس الوقت فإن تركيا هي الحليف الطبيعي للسعودية من أجل تطويق التهديد الايراني بعد توقيع الاتفاق النووي.

ولعله من المفارقات التاريخية أن جميع المناطق التي تعاني اليوم من القلاقل الاجتماعية والسياسية: فلسطين، سوريا، العراق وكذلك جورجيا والقرم وأوكرانيا والبلقان كانت تعيش تحت الادارة العثمانية قبل ١٠٠ عام. حيث أن الدولة القومية الناشئة في جميع تلك الدول بعد انفصالها عن جسم الدولة العثمانية لم تستطع تحقيق نجاحات تذكر فيما يتعلق ببناء الهوية المشتركة وبناء دولة الرفاه والخدمات وذلك لأسباب عديدة لا يتسع لها المقام في هذا المقال. الأمر الذي يجعل التفاهم والتقارب مع الدولة التركية الحديثة في جوهره تصالحا مع الذات ومع التاريخ أكثر منه قرارا سياسيا. فهناك مئات السنين من التاريخ المشترك بالاضافة إلى الكثير من المصالح المشتركة اليوم.

خلاصة القول هي أن المسار الأقتصادي والسياسي التي اتبعته تركيا يرشحها للعب أدوار هامة مستقبلا ويؤهلها كشريك يمكن التعاون معه والتعويل عليه من أجل بناء منظومة سياسية اقليمية تتمتع بشيء من الاستقرار والاستقلال وتمتلك القدرة على مواجهة الاطماع والطموحات الايرانية من جهة والاسرائيلية من جهة أخرى. حيث سيكون من المتعذر إعادة بناء الدول المدمرة والمقلقلة في المنطقة على أسس سليمة في غياب هذه المنظومة، كما أن أي حل للقضية الفلسطينية على المدى البعيد يحتاج منظومة سياسية محلية تتبنى هذه القضية.

وفي الختام يمكننا القول من حيث النتيجة بأننا الجيل الذي يعيش المراحل الأخيرة لانهيار النظام السياسي الذي حكم منطقتنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وحتى ولادة النظام البديل سيتوجب على شعوب المنطقة أن تتعايش مع آلام المخاض التي تعصف بها على هيئة أزمات واضطرابات متزايدة، تتصارع في خضمها المشاريع المتنافسة.

اقرأ المزيد
١٤ أغسطس ٢٠١٥
ثوار الزبداني يغادرونها بناء على طلبهم ..

باتت فرص عودة ، نفس مشهد ، اخلاء الثوار لحمص قبل عام و بضعة أشهر ، كبيرة جداً في الزبداني ، مع اتخاذ القرار من قبل الثوار بداخل المدينة بالخروج منها .

ونقل المجلس المحلي في الزبداني ، في بيان صدر عنه بتاريخ 13/8/2015 ، طلب من الكتائب المقاتلة و الهيئة الطبية و وجهاء المنطقة ، من حركة أحرار الشام ، المفوض من قبلهم لإجراء المفاوضات مع الجانب الإيراني ، القيام بأي حل لأزمة المدينة المحاصرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ، والتي تتعرض لأعنف الحملات منذ قرابة 40 يوم.

وأوضح المجلس أنهم يرضون بأي حل حتى لو تضمن خروجهم من المدينة ، مثمناً في بيانه نصيحة حركة أحرار الشام في "البقاء في المنطقة و الصبر على ذلك" ، وأكد البيان أن الظروف أكبر من "احتمالنا" وتقتضي القبول بأي حل كان.

البيان الذي انتشر على نطاق ضيق نسبياً ، رافقه تسريب لبعض بنود الإتفاق الذي تم التوصل إليها ، ومنها تحديد آلية الإخلاء ، بأن يخرج الجرحى فالعائلات فالمقاتلين من الزبداني و كفريا و الفوعة بنفس التوقيت ، المحدد الساعة السادسة صباحاً ، دون اي تفاصيل إضافية ، و لم يتسنى لنا حتى كتابة هذا السطور من التأكد من صحة هذه الأنباء أو الحصول على توضيحات عنها ، بعد إعتذار عدة أشخاص مقربين من ملف المفاوضات عن التصريح .

وفي سياق موازٍ ، قال قائد حركة أحرار الشام "أبوجابر الشيخ" في تغريدات على حسابه على موقع التواصل الإجتماعي "توتير" قبل ساعة تقريباً :"خمس وأربعون يوما وأحرار الزبداني معطلين لمشروع التغيير الديموغرافي لدمشق وماحولها (تهجير السنة و توطين الشيعة)" ، وأردف في أخرى :"هذا المشروع الذي استلمت زمام قيادته إيران التي امتطت التشيع الرافضي لتحقيق حلمها في استرجاع أمجاد فارس".

و تحديد الشيخ للمدة بـ45 يدل على أن الإتفاق قد إنجز و قد يبدأ التنفيذ قريباً جداً ، وقد يكون فجر الغد (السبت) أو الأحد ، وهو موعد انتهاء الهدنة الثانية ، والتي مدتها 24 ساعة ، جاءت بعد الإتفاق على هدنة تنتهي صباح الغد مدتها 48 ساعة .

اقرأ المزيد
١٢ أغسطس ٢٠١٥
الحفاظ على المؤسسات شعار خادع

السعودية لا تريد بقاء الأسد , ولكنها تريد "الحفاظ على مؤسسات الدولة في سوريا" ماهي تلك المؤسسات التي يريدون الحفاظ عليها وكيف يمكن تعريفها لنا .
إن المؤسسات المتواجدة حالياً هي مؤسسات غير موجودة بالنسبة للشعب السوري فهي مؤسسات تابعة لطائفة واحدة سخّرت كافة قوتها لخدمتهم دون الشعب السوري ومن أجل حمايتهم فكيف يريد الجميع المحافظة على تلك المؤسسات الامنية التي عادت بالاضرار الجسيمة ليس على الشعب السوري فقط بل على المنطقة بأكملها ,إن المؤسسات التي صنعها النظام وسيطر عليها من خلال تحكمه بها ( تشريعية تنفيذية قضائية ) كانت ولاتزال تابعة للنظام فقط وتحافظ على تواجده وشرعيته ولابد من إيقافها وإيقاف العمل بالدستور وتشكيل مجلس دستوري يعتمد على المبادئ الدستورية الوطنية التي تنتقل بموجبه البلاد من نظام رئاسي استغلالي الى نظام برلماني تعددي يتم من خلاله توزيع السلطات وضمان استقلالية القضاء وان المهام الرئيسية في بناء نظام جديد يتطلب :
1- بناء أسس دستورية وتنفيذية
2- تشكيل مؤسسات جديدة تحت عنوان مرحلة انتقالية
3- تكوين الجيش الوطني والمجلس التأسيسي والدستور واللجنة التنفيذية
ان الذرائع التي وضعها النظام في المحافظة على المؤسسات للاسف قد تبناها الجميع ابتداء من دول الجوار الى الانظمة العالمية وأنا أعتبرها أحدى البدعات السياسية التي يجب محاربتها كما البدعة الدينية وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وماهذه البدعة سوى المحافظة على النظام من خلالها

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى