ارتفاع كبير في قرارات رفض اللجوء للسوريين بألمانيا خلال أكتوبر
شهدت ألمانيا خلال شهر أكتوبر الماضي ارتفاعًا غير مسبوق في عدد طلبات اللجوء المرفوضة المقدمة من سوريين، إذ سجّل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين رفض 1906 طلبات خلال ذلك الشهر وحده، في زيادة وُصفت بأنها "ملحوظة" مقارنة بالأشهر التسعة الأولى من العام.
وبحسب بيانات المكتب، فإن عدد الطلبات المرفوضة بين يناير وسبتمبر لم يتجاوز 163 طلبًا فقط، الأمر الذي يعكس تغييرًا واضحًا في سياسة التعامل مع ملفات السوريين عقب التطورات السياسية في سوريا وسقوط النظام السابق.
وكان المكتب الاتحادي قد أعلن في بداية ديسمبر الماضي تعليق غالبية القرارات المتعلقة بطلبات لجوء السوريين، مبررًا ذلك بـ"التغيّر المتسارع في الوضع الميداني والسياسي داخل سوريا". ورغم التعليق، استمر المكتب في إصدار قرارات إجرائية تتعلق بالطلبات التي تُعتبر دولة أوروبية أخرى مسؤولة عن معالجتها وفق اتفاقية "دبلن"، إضافة إلى القرارات المتعلقة بالأشخاص المصنّفين ضمن الخطرين أمنيًا أو المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة خلال وجودهم في ألمانيا أو مناطق أخرى.
وأكد المكتب في بيان مقتضب: "في حالات فردية مبررة، أصدر المكتب قرارات رفض كاملة بحق مواطنين سوريين"، ومع نهاية سبتمبر الماضي، عاد المكتب الاتحادي إلى النظر في ملفات الرجال الشباب القادرين على العمل وغير المصحوبين بذويهم، مشيرًا إلى إمكانية إصدار قرارات رفض إذا لم يقدم طالب اللجوء مبررات شخصية واضحة حول تعرضه للاضطهاد أو التهديد المباشر في حال عودته إلى سوريا.
وقال المكتب: "استنادًا إلى معلومات محدثة حول الوضع في بلد المنشأ واجتهادات قضائية سابقة، يمكن إصدار قرارات رفض كاملة في حال عدم وجود مخاطر فردية محددة."
من جانبه، صرّح وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبرينت، لصحيفة راينيشه بوست في سبتمبر الماضي بأن الحكومة تسعى إلى التوصل لاتفاق مع سوريا قبل نهاية العام، يتيح ترحيل مرتكبي الجرائم أولاً، ومن ثم الأشخاص الذين لا يمتلكون حق الإقامة لاحقًا، وقال دوبرينت حينها: "هدفنا هو العودة إلى سياسة لجوء منضبطة وواضحة، تقوم على حماية المستحقين وترحيل غير المستحقين."
رئيس ألمانيا يرفض الترحيل الفوري للاجئين ويؤكد ضرورة مراعاة واقع الحرب في سوريا
سبق أن أكد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، رفضه لدعوات ترحيل اللاجئين السوريين بشكل فوري إلى بلادهم، موضحاً أن العديد منهم ما زالوا يتخوفون من العودة في ظل الظروف الصعبة التي خلّفتها الحرب في سوريا، ومشدداً على أهمية تفهم هذه المخاوف قدر الإمكان.
تأكيد شتاينماير على مراعاة الظروف الإنسانية
قال شتاينماير خلال زيارته إلى غانا إن من يقف أمام آثار الدمار والرعب الناجم عن الحرب في سوريا لا يمكنه بسهولة اتخاذ قرار العودة، مشيراً إلى أن مشاهد المدن والمناطق التي شهدت صراعاً واسعاً تترك أثراً عميقاً في نفوس سكانها، وداعياً إلى تفهم هذا البعد الإنساني في أي نقاش حول العودة.
الإشارة إلى الخبرة الدبلوماسية في تقييم الأوضاع
أوضح الرئيس الألماني أنه استند في موقفه إلى خبرته الطويلة كوزير سابق للخارجية، مشيراً إلى أنه زار العديد من مناطق الحروب والكوارث خلال عمله، ويعلم تماماً ما يعنيه الحديث عن استقرار حياة المدنيين بعد انتهاء العمليات العسكرية، مؤكداً أن اتخاذ القرار النهائي حول العودة يبقى في يد الحكومة الألمانية، مع ثقته بأنها ستختار ما يخدم المصلحة العامة ويحفظ كرامة اللاجئين.
خلفية الجدل حول تصريحات المستشار الألماني
واستعرض شتاينماير أهمية هذا الموقف في ظل التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها المستشار فريدريش ميرتس في الثالث من نوفمبر، والتي تحدث فيها عن ضرورة بدء عمليات ترحيل السوريين بحجة أن الحرب في سوريا قد انتهت، وسبق أن أثارت تصريحات ميرتس حول ملف المهاجرين جدلاً واسعاً داخل ألمانيا، لما حملته من مواقف متشددة تجاه اللاجئين.
موقف ميرتس الداعي لبدء العودة وإعادة الإعمار
قال ميرتس خلال زيارته إلى مدينة هوسوم في شمال ألمانيا إن المرحلة المقبلة يجب أن تركز على دعم استقرار سوريا والمساهمة في إعادة إعمارها، مشيراً إلى أن الحرب في سوريا قد خفت وتيرتها، وأن البلاد تحتاج إلى أبنائها في الداخل والخارج من أجل عملية النهوض، ومؤكداً أن عدداً كبيراً من اللاجئين قد يختارون العودة طواعية للمشاركة في إعادة البناء.
الترحيل المحتمل لمن يرفضون العودة طوعاً
شدد ميرتس بلهجة حازمة على أن من يرفضون العودة طوعاً يمكن النظر في ترحيلهم لاحقاً ضمن إجراءات منظمة، ما يشير إلى توجه حكومي أكثر صرامة تجاه فئة اللاجئين الرافضين لأي خيار للعودة، حتى مع توفر برامج دعم وإعادة دمج.
موقف وزير الخارجية الألماني بعد زيارته إلى سوريا
أشار تقرير لصحيفة دير شبيغل إلى أن تصريحات ميرتس جاءت رداً على ملاحظات وزير الخارجية يوهان وادفول الذي عبّر بعد زيارته إلى سوريا عن شكوكه حول إمكانية عودة أعداد كبيرة من اللاجئين في الوقت الراهن، موضحاً أن الدمار الواسع في بعض المناطق، ولا سيما ما رآه خلال جولته في مدينة حرستا بريف دمشق، يجعل من الصعب تصور حياة مستقرة قبل تحسين الخدمات وإعادة تأهيل البنية التحتية.
بيانات حول أعداد السوريين في ألمانيا
أظهرت بيانات وزارة الداخلية الألمانية وجود 951,406 سوريين مقيمين في ألمانيا حتى أغسطس الماضي، بينهم أكثر من 920 شخصاً صدرت بحقهم قرارات مغادرة البلاد، فيما تواصل الحكومة الألمانية دراسة آليات التنسيق مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة الرئيس السوري أحمد الشرع لبدء برامج العودة الطوعية، على أن تتبعها لاحقاً خطوات منظمة لإعادة من تتوفر الشروط القانونية لترحيلهم.
تجميد إجراءات اللجوء وإعادة تقييم الوضع الأمني
يُذكر أن ألمانيا كانت قد جمّدت في ديسمبر 2024 إجراءات اللجوء الجديدة للسوريين بعد سقوط نظام الأسد البائد، وذلك في إطار إعادة تقييم شاملة للوضع الأمني والسياسي في سوريا، ولبناء آليات تعاون مباشر بين برلين ودمشق بهدف إطلاق برامج إعادة دمج السوريين في وطنهم بشكل تدريجي يضمن الاستقرار والكرامة.