الاحتجاز والتعذيب في نظام الأسد: قراءة في تقرير الآلية الدولية المحايدة
الاحتجاز والتعذيب في نظام الأسد: قراءة في تقرير الآلية الدولية المحايدة
● أخبار سورية ٨ أكتوبر ٢٠٢٥

الاحتجاز والتعذيب في نظام الأسد: قراءة حقوقية في تقرير الآلية الدولية المحايدة

تناول فضل عبد الغني مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في مقاله المنشور عبر موقع "تلفزيون سوريا" تحت عنوان "منظومة الاحتجاز والتعذيب لدى نظام الأسد بالتقرير الموسع للآلية الدولية المحايدة"، زيارة رئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة روبرت بيتي إلى مكتب الشبكة السورية لحقوق الإنسان في دمشق، حيث سلّمه نسخة ورقية من الترجمة العربية للتقرير الموسّع المؤلف من نحو 300 صفحة، والذي يوثّق منظومة الاحتجاز والتعذيب لدى نظام الأسد. 


وأوضح عبد الغني أن الشبكة ساهمت بكمّ كبير من الوثائق والبيانات التي اعتمد عليها التقرير، لافتاً إلى أن صدور النسخة الإنجليزية في كانون الأول/ديسمبر 2024 تزامن مع سقوط النظام، ما حال دون مناقشته على نطاق واسع رغم أهميته.

تقرير يكشف منظومة قمع شاملة
أشار عبد الغني إلى أن النسخة العربية من التقرير الصادرة حديثاً استندت إلى 501 مقابلة وتحليل منهجي لـ128 مركز احتجاز في مختلف أنحاء البلاد، كاشفةً كيف حوّل نظام الأسد بنية الاحتجاز من منظومة عدالة جنائية إلى آلية للعنف السياسي. 

وبيّن أن التقرير تناول أثر هذه الممارسات على فهم قمع الدولة وموقعها ضمن القانون الدولي، مستشهداً بإحصاءات الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي وثقت منذ عام 2011 اعتقال أكثر من 1.2 مليون مواطن، وبقاء 135,253 شخصاً قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري حتى آذار/مارس 2023، بينهم 3,691 طفلًا و8,473 امرأة. كما وثّقت الشبكة 15,038 حالة وفاة تحت التعذيب، بينهم 190 طفلًا و94 امرأة، مؤكدة أن هذه الأرقام تمثل الحد الأدنى الممكن توثيقه.

من العدالة إلى القمع السياسي
اعتبر عبد الغني أن منظومة الاحتجاز في عهد الأسد تحوّلت عمداً إلى أداة للضبط السياسي، حيث أُعيد تشكيل النظام القضائي والأمني ليعمل على أساس الولاء لا القانون، فالمعتقلون يُصنَّفون تعسفياً كـ"معارضين" أو "إرهابيين" ويُخضعون لاستجوابات قسرية مصمّمة لانتزاع الاعترافات وفرض الخضوع. 


وأشار إلى أن القوانين التي صدرت منذ عام 2012، كقانون مكافحة الإرهاب، منحت الأجهزة الأمنية صلاحيات استثنائية لتبرير الاعتقال والتعذيب والإخفاء، وألغت فعلياً أي ضمانات قانونية. كما تحوّلت المحاكم الميدانية والعسكرية إلى واجهات شكلية للعنف الممنهج، فيما أصبح التعذيب والإكراه أدوات قانونية مقنّنة.

التنسيق المؤسسي في خدمة القمع
يوضح التقرير أن فاعلية منظومة الاحتجاز جاءت من التنسيق الكامل بين الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية والقضاء والميليشيات، التي تعمل كوحدة متكاملة تنفذ سياسات مركزية تصدر من دمشق. وتُظهر الأدلة وجود اجتماعات وتعاميم تنظم عمليات الاعتقال والنقل وتوحّد أساليب التعذيب والتحقيق في مختلف المراكز، وتكشف التحقيقات أن عمليات النقل بين المرافق لم تكن إجراءات إدارية، بل وسيلة لإعادة إنتاج العنف واستمرار الضغط على المعتقلين.

وتصف الوثائق ظروف الاحتجاز بأنها أدوات تعذيب بحد ذاتها: الاكتظاظ الخانق، الحرمان من الماء والغذاء والرعاية الصحية، وانعدام النظافة، ما يؤدي إلى وفيات متكررة تُسجّل في المستشفيات العسكرية بشهادات مزوّرة. ويبرز التقرير تورط الكوادر الطبية في منظومة القمع، إذ تحوّلت المستشفيات إلى مراكز لإخفاء الجثث وتزوير أسباب الوفاة، في تواطؤٍ مؤسسيٍّ منظم يشمل إدارات ومهنيين على حدّ سواء.

أداة دولة للعنف الممنهج
خلص فضل عبد الغني إلى أن منظومة الاحتجاز الأسدية لم تكن نتيجة انهيار مؤسساتي بل مشروعاً سياسياً ممنهجاً، جعل من التعذيب والموت الجماعي سياسة دولة. فهذه الانتهاكات – التي اتسمت بالاتساق الزمني والجغرافي والتنظيم البيروقراطي – تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، إذ شكّلت جزءاً من هجوم واسع ومنهجي على السكان المدنيين بإشراف مباشر من أجهزة الدولة.

وأشار إلى أن الإفلات من العقاب شكّل الركيزة الأساسية لاستمرارية هذا النظام؛ فالحراس الذين مارسوا التعذيب، والقضاة الذين شرعنوا الاعترافات المنتزعة تحت الإكراه، والأطباء الذين زوّروا شهادات الوفاة، جميعهم استمروا في مناصبهم دون مساءلة. واعتبر أن هذا الإفلات ليس عرضياً، بل آلية مقصودة لتحويل العنف إلى بنية دائمة.

دلالات قانونية وسياسية
يرى عبد الغني أن تحويل منظومة العدالة إلى جهاز قمع ينتهك مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويقوّض مفهوم السيادة المشروعة للدولة، فحين يغدو الاحتجاز وسيلة للعنف وليس للعدالة، تفقد السلطة شرعيتها القانونية. ويشير إلى أن حجم الانتهاكات المنسّقة والمتكررة يؤكد توافر نية سياسية ممنهجة، ما يستدعي محاسبة شاملة تمتد من القيادات العليا إلى كل من شارك في تنفيذ هذه الجرائم.

اختتم فضل عبد الغني مقاله بالتأكيد على أن تجربة نظام الأسد تُمثّل نموذجاً صارخاً لتسليح مؤسسات الدولة ضد شعبها، إذ تحوّلت البنية القانونية والإدارية إلى وسيلة لإدارة الإرهاب الداخلي. ويرى أن الأدلة التي وثقتها الآلية الدولية والشبكة السورية لحقوق الإنسان يجب أن تدفع المجتمع الدولي إلى إعادة تعريف مفهوم العنف القائم على الاحتجاز ضمن القانون الدولي، لأن التجربة السورية كشفت كيف يمكن لنظامٍ استبدادي أن يستخدم مؤسسات العدالة ذاتها كأداة حرب ضد المواطنين، في واقعٍ تتلاشى فيه الحدود بين السجن وساحة المعركة، وبين السلطة والقهر.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ