البحث عن الحقيقة: مؤسسة المفقودين في سوريا تواجه معركة المعلومات والثقة
البحث عن الحقيقة: مؤسسة المفقودين في سوريا تواجه معركة المعلومات والثقة
● أخبار سورية ٨ أكتوبر ٢٠٢٥

البحث عن الحقيقة: مؤسسة المفقودين في سوريا تواجه معركة المعلومات والثقة

أكدت رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، كارلا كوينتانا، أن أكبر التحديات التي تواجه عمل المؤسسة في الوقت الراهن تتمثل في نقص المعلومات وصعوبة الوصول إليها، مشيرة إلى أن هذا العائق يبطئ من جهود البحث عن المفقودين في البلاد ويؤثر في فرص كشف مصيرهم.

وقالت كوينتانا في حوار مع موقع "أخبار الأمم المتحدة" إن المؤسسة تبحث عن جميع المفقودين في سوريا وأثناء فرارهم منها، دون تمييز في الهوية أو الجهة المسؤولة عن اختفائهم، مؤكدة أن الهدف الإنساني للمؤسسة هو معرفة الحقيقة وتمكين العائلات من الوصول إلى العدالة، بغضّ النظر عن خلفيات الضحايا أو ظروف اختفائهم.

وأوضحت المسؤولة الأممية أن المؤسسة المستقلة تحتاج إلى ثقة العائلات بقدر حاجتها إلى الوثائق الرسمية، لأن تعاون الأهالي وتبادل المعلومات يشكلان ركيزة أساسية في تقدم عمليات البحث. وقالت: “المؤسسة لا تستطيع العمل في فراغ، نحن بحاجة إلى أن يثق الناس بآلية عملنا، وأن يقدّموا ما لديهم من بيانات أو شهادات أو وثائق، فكل معلومة يمكن أن تُحدث فرقاً في كشف مصير إنسان مفقود”.

وأضافت أن خبراتها السابقة في المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وغواتيمالا وغيرها من الدول التي شهدت حروباً أو نزاعات داخلية ساعدتها في التعرف إلى المنهجيات الفعالة في البحث عن المفقودين، إلى جانب الاستفادة من التجارب التي لم تنجح، مشيرة إلى أن نقل التجربة إلى سوريا يتطلب فهماً دقيقاً لطبيعة السياق المحلي.

وبيّنت كوينتانا أن عامل الوقت يعدّ من أكثر العوامل حساسية في البحث عن المفقودين، وقالت: “ليس لدينا وقت للتجربة، فكل يوم يمرّ يعني تلاشي أثر جديد أو ضياع خيط من المعلومات”، وأكدت أن التجربة السورية تختلف جذرياً عن تجارب أميركا اللاتينية أو البلقان، لذلك **يجب أن تكون العملية بقيادة سورية كاملة مع دعم تقني وخبرة دولية لضمان النجاح والاستمرارية.

وأشارت إلى أن المؤسسة تعتمد على منهجيات علمية دقيقة في جمع البيانات وتحليلها ومشاركتها، مؤكدة أن حماية المعلومات والحفاظ على سريتها جزء أساسي من عمل المؤسسة، لما تحمله من حساسية شديدة بالنسبة للعائلات والضحايا.

عمل جماعي ومسؤولية مشتركة
وأكدت كوينتانا أن فكرة إنشاء المؤسسة المستقلة جاءت نتيجة إدراك العائلات السورية منذ سنوات طويلة أن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الجهد الجماعي، وقالت: “هذا مسعى جماعي، وعلينا جميعاً أن نجتمع ونكشف أوراقنا ونتشاركها”، موضحة أن الربط بين النقاط والمصادر هو السبيل الوحيد للعثور على المفقودين.

وأضافت أن المؤسسة تواصل بناء جسور التعاون بين العائلات والمنظمات الحقوقية والجهات الحكومية، موضحة أن “كلما زادت المعلومات التي نملكها، ازدادت فرص العثور على المفقودين أو تحديد مصيرهم بدقة أكبر”.

مسارات تحقيق متعددة
وكشفت رئيسة المؤسسة أنها فتحت مسارات تحقيق محددة تشمل البحث عن الأشخاص الذين اختفوا قسراً على يد النظام السابق، وكذلك عن الأطفال المفقودين في عهد النظام البائد، بالإضافة إلى ملفات الاختفاء التي نفذها تنظيم “داعش”، وحالات المهاجرين الذين فقدوا أثناء الفرار من البلاد، فضلاً عن الاختفاءات التي حدثت بعد 8 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

وأوضحت أن فتح هذه المسارات لا يعني حصر العمل في نطاقها، بل يشكل نقطة انطلاق لجمع المعلومات، مشيرة إلى أن المؤسسة تلقت بالفعل “كمية كبيرة من الإفادات والمعلومات القيّمة من الناجين والعائلات التي شاركت قصصها”.

مؤسسة وليدة بدعم العائلات السورية
وأكدت كوينتانا أن المؤسسة أُنشئت بفضل إصرار عائلات المفقودين على معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، موضحة أن الهدف من وجودها هو دعم هذا المسار ومرافقته، لا استبداله. وقالت: “نحن هنا لدعم العائلات السورية التي لم تتوقف يوماً عن البحث عن أحبائها، ولضمان أن تكون العملية بقيادة سورية حقيقية بدعم وخبرة دولية”.

وأشارت إلى أن المؤسسة حديثة العهد، إذ لم يمضِ على تأسيسها سوى عامين، لكنها تمثل ثمرة نضال طويل للعائلات السورية التي رفضت الاستسلام للغموض، وواصلت المطالبة بحقها في المعرفة والعدالة، مؤكدة أن “الأمل في العثور على المفقودين أو معرفة مصيرهم ما زال حياً، وهذا الأمل هو ما يدفعنا جميعاً للاستمرار”.

 الأهمية الإنسانية للمؤسسة
وتُعدّ المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا اليوم إحدى أبرز الآليات الدولية التي تعمل على توثيق حالات الاختفاء القسري والكشف عن مصير المفقودين بعد سنوات من الحرب، في وقت تشير فيه تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود مئات الآلاف من السوريين المفقودين أو المختفين قسراً.

وترى كوينتانا أن نجاح المؤسسة لا يقاس بعدد الملفات المغلقة، بل بمدى إعادة الثقة بين السوريين والعدالة الدولية، مؤكدة أن “البحث عن المفقودين ليس عملاً فنياً أو إدارياً فحسب، بل هو جزء من عملية شفاء وطنية عميقة، تهدف إلى إعادة بناء المجتمع السوري على أساس الحقيقة والكرامة الإنسانية”.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ