
المركزي السوري يُمهل البنوك ستة أشهر لاستيعاب خسائر الأزمة اللبنانية
أعلن حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر حصرية، أن المصرف أصدر توجيهات تلزم المصارف التجارية في البلاد بالاعتراف الكامل بخسائرها المرتبطة بانهيار القطاع المالي في لبنان، وتقديم خطط إعادة هيكلة موثوقة خلال ستة أشهر، في خطوة تهدف إلى إعادة تنظيم قطاع مصرفي أنهكته سنوات الحرب والعقوبات.
وأوضح حصرية في تصريحات لوكالة “رويترز” أن القرار، الصادر بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر، يُلزم البنوك بتكوين مخصصات تغطي 100% من انكشافها على النظام المالي اللبناني، وهو ما يعادل أكثر من 1.6 مليار دولار وفق تقديرات المصرف المركزي، تمثل نسبة كبيرة من إجمالي ودائع القطاع المصرفي التجاري البالغة نحو 4.9 مليار دولار.
وأكد حصرية أن المهلة بدأت فعلياً، وأن البنوك أمام خيارات عدة لتنفيذ هذه الخطط، من بينها التعاون مع فروعها في لبنان أو الدخول في شراكات مع مؤسسات مالية دولية. وأضاف: “لا نريد لأي بنك أن يواجه مشاكل، لكن إنكار الواقع ليس حلاً… ننتقل من إنكار النظام السابق إلى الاعتراف بالمشكلة ومعالجتها”.
ويأتي هذا التوجيه في إطار مساعٍ حكومية أوسع لتنظيف القطاع المصرفي وتعزيز الشفافية بعد سنوات من الإهمال في عهد النظام السابق، وفقاً لمسؤولين سوريين.
وقد دفع القرار بعض المصارف إلى البحث عن مستثمرين جدد أو دراسة صفقات استحواذ أجنبية. وأفاد ثلاثة مصرفيين سوريين أن بعض البنوك بدأت بالفعل محادثات أولية مع مؤسسات مالية عربية، خصوصاً من الأردن والسعودية وقطر، لدراسة إمكانيات التعاون أو الاستحواذ.
في المقابل، أبدى بعض المصرفيين تحفظهم على قصر المهلة الزمنية الممنوحة، معتبرين أنها غير كافية وتعكس طابعاً سياسياً. وقال أحدهم: “القرار من حيث المبدأ مبرر، لكن الوقت الممنوح ليس كذلك… إنه استباقي، وربما سابق لأوانه”.
وتشمل البنوك الأكثر تضرراً من القرار كلاً من بنك الشرق، فرنسبنك، بنك سوريا والمهجر، بنك بيمو السعودي الفرنسي، بنك الشهباء، وبنك الأهلي ترست، وهي مصارف لبنانية الأصل افتتحت فروعاً في سوريا خلال العقد الأول من الألفية.
وكانت تلك البنوك قد لجأت إلى إيداع أموالها في لبنان خلال الحرب في سوريا بسبب صعوبة الوصول إلى الأسواق الدولية نتيجة العقوبات الغربية، قبل أن تتجمد تلك الودائع عقب انهيار النظام المصرفي اللبناني عام 2019.
وأشار حصرية إلى أن الحكومة السورية تخطط لمضاعفة عدد المصارف التجارية العاملة في البلاد بحلول عام 2030، لافتاً إلى أن بعض البنوك الأجنبية بدأت بالفعل إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وكانت وزارة المالية السورية قد أعلنت في 21 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، على لسان معاون الوزير صالح العبد، عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتسهيل استعادة الأموال السورية المحتجزة في المصارف اللبنانية، والتي تأثرت نتيجة العقوبات الأمريكية بموجب قانون “قيصر”. وأكد العبد أن الوزارة تنسق مع الجهات اللبنانية المعنية لتسريع العملية ضمن إطار قانوني وآمن، مشدداً على حماية حقوق السوريين داخل البلاد وخارجها.
كما كشف حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر حصرية، في تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط”، عن خطة جديدة تهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار والحفاظ على قيمة الليرة السورية، بالتوازي مع تحسين بيئة التمويل وتعزيز دور القطاع المصرفي. وأشار إلى أن نقص السيولة في البنوك المحلية يعود بشكل رئيسي إلى الأزمة اللبنانية، وأن المركزي يعمل على ضبط عرض النقد ومعدلات الفائدة لتحسين قدرة المصارف على تمويل القطاعات الإنتاجية.