
تفجير كنيسة مار إلياس يوحّد السوريين ويؤكد أن المحبة أقوى من الطائفية
وحّد التفجير الذي استهدف كنيسة مار إلياس يوم الأحد الفائت، السوريين بكل أطيافهم، ليقفوا صفاً واحداً في وجه الإرهاب، متجاوزين كل الانقسامات الطائفية. ورغم أن الجريمة أسفرت عن مقتل 22 مدنياً وإصابة أكثر من 59 آخرين، فإن الرد الشعبي كان أبلغ من أي خطاب: السوريون، مسيحيين ومسلمين ومن كافة الطوائف الأخرى، وقفوا إلى جانب بعضهم البعض، وملأت مشاعر الحب والتضامن الشوارع والمستشفيات ومواقع التواصل.
صور المحبة والتعاضد أقوى من أي تفجير
لم يكن المشهد بعد التفجير مشهد حزن فقط، بل تجلت فيه أسمى معاني التراحم والتكافل بين السوريين. لمسنا على الأرض مواقف لا تُنسى: شبان وشابات من مختلف الطوائف يهرعون إلى مراكز التبرع بالدم، كي يساعدوا المصابين، ومن بينهم سيدة محجبة ظهرت في لقاء إعلامي وقالت، إن زمرة دمها نادرة وقد يحتاجونها.
إلى جانبها، وقف شباب مسيحيون ومسلمون في صفوف واحدة، يحملون هوية واحدة فقط هي الانتماء للوطن، وقلوبهم مليئة بالقلق على بعضهم البعض، وكأن كل مصاب هو أخ أو جار أو صديق. ورصدنا في مواقع التواصل دعوات للوحدة والتعاضد والمحبة بين السوريين.
وتعاطف أبناء البلد مع ضحايا الحادث، وأعربوا عن حزنهم عليهم واستعدادهم التام لمساعدتهم، وأكدوا في الوقت ذاته أن الفاجعة لن تفرّقهم، بل تزيدهم تمسكاً ببعضهم البعض، ورأينا تعليقات ومنشورات من كل الاتجاهات، تواسي وتشد على الأيادي.
فشل محاولات الفتنة.. الشعب أوعى من التحريض
ومثل كل مرة، لم تغب محاولات المتصيدين عن المشهد، إذ حاولت بعض الصفحات المشبوهة استغلال التفجير لإشعال فتنة طائفية، لكن الرد كان صادماً لهم. وبدل أن تنتشر لغة الكراهية، وتتغذى النزعات والخلافات، وجدوا أمامهم جداراً من الوعي والمحبّة: شبان وشابات من مختلف الطوائف يتصدّون لأي خطاب فتنة، ويرفضون أي محاولة لتقسيم الصف.
وبعض الناشطين المسيحيين والمسلمين ذكّروا بمواقف إنسانية قدّمتها الدولة لأبناء الكنائس، وجهود الأمن العام بحمايتها، وأكدوا أن الاستهداف لم يكن موجّها ضد طائفة، بل ضد أمن السوريين جميعاً، ونشروا دعوات للحذر من الصف
تاريخ متجذر من التعايش.. يتجدّد في كل محنة
ما حدث في كنيسة مار إلياس ليس سوى تأكيد جديد على ما يعرفه السوريون جيداً: أنّهم أقوى معاً، وأن اختلافاتهم هي مصدر غنى لا صراع. والأيام الماضية كانت محملة بصور التعايش المشترك، ومنها قيام عزفت فرقة موسيقية مسيحية بعزف أنشودة "طلع البدر علينا" تزامناً مع حلول عيد الفطر، كما وزّع شباب مسلمون الحلوى أمام الكنائس في أحد الشعانين.
أراد منفذو التفجير أن يبثوا الخوف والانقسام، لكنهم اصطدموا بصورة مغايرة تماماً: شعب يداوي جراحه بحب، ويتجاوز آلامه بوحدة، ويردّ على الكراهية بالتضامن. دماء السوريين التي امتزجت في الكنيسة وفي المشافي لا تُفرّق بين طائفة وأخرى، بل تؤكد أن المصير واحد، والوجع واحد، والقلب واحد.