حقوقية تكشف تفاصيل صادمة في قضية اختفاء الطبيبة رانيا العباسي وأطفالها منذ 2013
حقوقية تكشف تفاصيل صادمة في قضية اختفاء الطبيبة رانيا العباسي وأطفالها منذ 2013
● أخبار سورية ٢٠ يونيو ٢٠٢٥

حقوقية تكشف تفاصيل صادمة في قضية اختفاء الطبيبة رانيا العباسي وأطفالها منذ 2013

أطلقت الناشطة والناجية من الاعتقال السياسي، سوسن تللو العباسي، نداءً إنسانيًا عاجلًا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والجهات الحقوقية المعنية، مطالبة بالكشف عن مصير الطبيبة رانيا العباسي وأطفالها الستة، الذين اعتقلهم نظام الأسد عام 2013، في ظل معطيات مقلقة ظهرت خلال شهر شباط 2025، تضع القضية أمام تطور خطير يستوجب التحقيق الفوري.

وبدأت سوسن تللو تحرياتها إثر مناشدة نشرها شقيق الطبيبة، الدكتور حسان العباسي، عبر "فيسبوك"، ناشد فيها الجهات المعنية مساعدته في الوصول إلى شقيقته وأولادها. وقد دفعتها تلك المناشدة إلى التواصل مع شخص يدعى "طارق"، صاحب مكتب عقاري في منطقة العدوي بدمشق، زعم امتلاكه معلومات عن فتيات قد يكنّ من بنات الطبيبة رانيا، قائلاً إنهن يقمن في منازل مستأجرة تحت إشراف جمعية "SOS".

وفي إحدى الزيارات، رافق "طارق" سوسن إلى منزل قالت إنه يقع ضمن شبكة من المساكن السرية، حيث التقت أربع فتيات تتراوح أعمارهن بين 17 و19 عامًا، تحت إشراف مربية من طرطوس، وبرفقة شخص زُعم أنه "مدرّس". وشبّهت سوسن الأجواء داخل المنزل ببيئة الاعتقال، وذكرت أن سلوك المدرّس تجاه الفتيات كان صارمًا وغير إنساني.

ووفق روايتها، التقطت سوسن صورًا للمنزل بحجة رغبتها في شرائه، ولاحظت شبهًا واضحًا بين إحدى الفتيات وابنة الطبيبة، نجاح. إلا أن المربية لاحظت قيامها بالتصوير، وحاولت مصادرة هاتفها بالقوة، وهو ما زاد من شكوك سوسن بأن الفتيات محتجزات قسرًا في ظروف غير قانونية.

وعلى إثر هذه الحادثة، لجأت سوسن إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وتواصلت مع الوزير السابق القاسمي، ومع معاون الوزير أبو البراء الخالدي، وطلبت منهم فتح تحقيق رسمي، مزوّدة إياهم بأرقام هواتف ومراسلات مع "طارق" وآخر يُدعى "إلياس"، الذي اعترف لها – بحسب قولها – أنه مسؤول عن نقل الفتيات من ميتم في منطقة الديماس، وتوزيعهن على بيوت مستأجرة مقابل مبالغ شهرية تصل إلى 7 ملايين ليرة سورية، وأنهن غالبًا ما يُهرّبن إلى روسيا أو إيران بذريعة “لمّ الشمل”، رغم أن أسماءهن وبياناتهن قد تم تغييرها.

وتؤكد سوسن أن من وصفتها بـ"فداء الدقوري"، وهي إحدى العاملات في الشأن الإنساني، تدخلت لاحقًا بهدف طمس الأدلة، واتضح لاحقًا – بحسب قولها – أنها على صلة بجهات أمنية، وتورطت في إخفاء ملفات متعلقة بالقضية.

وأشارت سوسن إلى أن ما لا يقل عن 400 فتاة موزعات على منازل سرية في مناطق مختلفة من دمشق، بينها الزاهرة، العدوي، باب توما، وركن الدين، وسط تواطؤ من بعض موظفي الجمعيات وضلوع جهات أمنية في الاستيلاء على بيوت مهجّرين وتحويلها إلى مراكز غير قانونية لإيواء فتيات قاصرات.

وتقول سوسن إنها اضطرت لاحقًا لمغادرة سوريا إلى جدة، بعد تلقيها تهديدات مباشرة، لكنها تابعت توثيق القضية، وقدّمت شهادتها الكاملة لقناة ART التي أجرت معها مقابلة موسّعة لم تُبث حتى الآن.

كما استشهدت بشهادة إحدى الناجيات من الاعتقال، وتدعى "رقيّة"، أكدت فيها أنها التقت الدكتورة رانيا العباسي في فرع الخطيب بدمشق، قبل أن تُنقل الأخيرة إلى سجن صيدنايا عام 2014، بعد دخولها في إضراب عن الطعام. وأضافت "رقيّة" أن ابنها الذي أقام في أحد المياتم سابقًا، شهد حالات تعذيب ووفاة بين الأطفال بسبب ظروف الرعاية القاسية ومحاولات الهرب.

طالبت سوسن العباسي وزيرة الشؤون الاجتماعية السيدة هند قبوات بالتدخل العاجل، وفتح تحقيق شفاف يشمل كل من ورد اسمه في القضية، وإنقاذ الأطفال والفتيات المحتجزين قسرًا، ووضع حد لما وصفته بـ"شبكات الاتجار بالبشر"، التي تعمل تحت غطاء إنساني وبمساندة جهات أمنية سابقة.
وسبق أن كشف تحقيق لقناة "الجزيرة"، مصير أبناء معتقلين في عهد نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، بعد الحصول على وثائق رسمية من إدارة المخابرات الجوية بشأن ملف إيداع أطفال في دور للأيتام في حقبة النظام السابق.  

واعتقلت قوات النظام السابق نحو 4 آلاف طفل مع ذويهم منذ اندلاع الثورة عام 2011، إذ اختفى بعضهم تمامًا، وآخرون أُودعوا سرًا في دور للأيتام، ضمن ما يسمى ملف الإيداعات الأمنية لأطفال المعتقلين.  
وكشفت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الإدارة الجديدة عن هذا الملف، الذي دُفنت فيه قصص مئات الأطفال، الذين اعتقلوا مع أمهاتهم وأبعدوا عنهن إلى مكان مجهول، وبعد سنوات من الإيداع القسري تحت مسمى "سري للغاية"، نال مئات الأطفال والأمهات حريتهم والتأم شملهم، في حين لا يزال آخرون في عداد المفقودين، ولم يعرف مصيرهم بعد.  

ووفق تحقيق الجزيرة، تبدأ عملية الإيداع الأمني لأطفال المعتقلين بتوجيه كتاب رسمي وسري من الأجهزة الأمنية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي تقوم بدورها بإيداع الأطفال في 3 دور للأيتام في دمشق، تستقبل أطفال الإيداعات الأمنية مع أيتام حقيقيين. 

وتعمد نظام الأسد إخفاء ملف الإيداعات الأمنية بين آلاف الكتب الرسمية في الوزارة، ولم تجد الجزيرة ملفًا أو أرشيفًا مخصصًا يضم قوائم أطفال المعتقلين خلال سنوات الثورة، لكن ما وجدته بشأن هذا الملف كان بعد البحث في مئات الملفات المهملة منذ سنوات.  

ووجد التحقيق خلال عمليات البحث في أرشيف الإيداعات الأمنية بالوزارة، أحد الكتب الرسمية من إدارة المخابرات الجوية، ينص على إيداع أطفال من عائلة سورية في دار للأيتام بشكل سري، وملفًا آخر يشير إلى إيداعهم في دار الرحمة للأيتام في دمشق.  

التحفظ على الأسماء
بدورها، تقول مسؤولة ملف الأيتام بالوزارة ميسم علوش للجزيرة إنه كان يأتي إليها كتاب أمني يطلب التحفظ على اسم الطفل وتأمين المأوى له وعدم تسريب أي معلومة عنه.  

بدورها، أكدت مديرة دار الرحمة للأيتام براءة الأيوبي التحفظ على أسماء الأطفال، وعدم تسريبها تحت طائلة المساءلة الأمنية، نافية في الوقت ذاته طريقة تحويل الأطفال من إدارة المخابرات العامة إلى الدار مباشرة من دون الرجوع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.  

وأرجعت براءة للجزيرة سبب إيداع الأطفال في الدار وعدم تسليمهم لذويهم إلى أن العائلة تكون مطلوبة أمنيًا، وكذلك اعتبرت الأمر وسيلة ضغط على العائلة.  

الآثار على ذوي المعتقلين
وعرض التحقيق جانبًا من معاناة ذوي المعتقلين ومحاولة البحث عن أبنائهم، وحالات حالفها الحظ في العثور على أطفالها، ووثق كذلك لحظات الفرح التي عاشوها بعد رحلة عذاب شاقة.

 "SOS" وأجهزة النظام وراء تغيير هوياتهم  
وكانت أعادت قضية أطفال الطبيبة السورية رانيا العباسي، التي اعتقلها الأمن العسكري مع زوجها وأطفالها في بداية الثورة، إلى الواجهة قصص مئات من أطفال المعتقلين الذين لا يعرف مصيرهم منذ عام 2011، وذلك بعد الشك في وجود أطفال العباسي داخل إحدى دور الأيتام التابعة لمؤسسة "SOS" الدولية.  

كانت رانيا العباسي، التي كانت بطلة سورية في الشطرنج، قد اعتقلت من منزلها بتهمة تقديم مساعدات للنازحين من مدينة حمص في مارس/آذار 2013، مع زوجها وأبنائها ديمة (14 سنة)، وانتصار (11 سنة)، ونجاح (9 سنوات)، وولاء (8 سنوات)، وليان (سنة ونصف). وبعد عام من الاعتقال، تأكدت العائلة من مقتل الزوج الذي ظهرت صورة جثته في ملف "قيصر" الذي كشف عنه في 2014.  

وفي وقت لاحق، ظهر في إعلان نشرته مؤسسة "SOS" الدولية فتاة أكد حسان العباسي، شقيق رانيا، أنها ابنة شقيقته، ولكن بعد تواصل حسان مع المنظمة، تبين له أن الفتاة التي ظهرت في الفيديو ليست ابنة شقيقته.  

ووجه حسان العباسي اتهامات مباشرة لمؤسسة "SOS" بالتورط في ملف الأطفال المختفين، والتواطؤ مع النظام السابق في تغيير أسماء أطفال المعتقلين وإخفائهم وعدم تقديم أي معلومات عن مصيرهم.  

التحقيقات حول الأطفال المختفين
وأكد حسان العباسي أنه يواصل محاولاته الحثيثة لمعرفة مصير أولاد شقيقته من خلال التواصل مع المؤسسة، التي اعترفت بأنها قامت بعمليات طمس هوية لأطفال أُرسلوا إليها من قبل أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري المخلوع.  

وأكد العباسي أن جميع الجمعيات الخيرية التي كانت تخدم نظام الأسد يجب أن تكون تحت التحقيق، مستشهدًا بدور ميتم "سيد قريش" الذي كان يُدار من قبل ضابط شرطة في دمشق، وميتم "دار الأمان" بقسميه للذكور وللإناث.  

ادعاءات جديدة حول الاختطاف
كما كشف حسان العباسي عن تفاصيل جديدة توصل إليها من مسؤولة جمعية "دفا" لرعاية الأطفال فداء دقوري، وهي إحدى دور رعاية الأطفال التي تنسق مع "SOS"، حيث اعترفت بوجود أبناء معتقلين في هذه الدار، وأشارت إلى اقتحام مسلحين خلال الأيام الماضية مقر الجمعية بحثًا عن أطفال مفقودين.  

وقد تصدرت قضية رانيا العباسي حملة "من دون وجه حق" التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية في عام 2018، والتي سلطت الضوء على السجناء السياسيين في مختلف أنحاء العالم.  

موقف "SOS" وتنظيماتها
رغم رفض منظمة "SOS" التعليق المباشر على هذه القضايا، أكدت في بيان رسمي أن "الأطفال الذين انفصلوا عن أسرهم خلال النزاع السوري وضعوا في رعايتنا من قبل السلطات دون توثيق أصولهم، وأن هذه الإدخالات القسرية حدثت حتى عام 2019، وبعد ذلك طلبنا من السلطات التوقف عن إرسال أطفال بدون وثائق".  
ووفق مصادر حقوقية، ستكشف الأسابيع والأشهر القادمة عن آلاف الجرائم التي تم ارتكابها بحق المعتقلين في سجون نظام الأسد، إذ تشير الإفراجات التي تمت خلال تحرير جميع السجون إلى أن الخارجين منهم لايعادلون نسبة قليلة من حجم الأعداد المسلجة في سجون النظام، ولم يكشف عن مصيرهم، مايؤكد بشكل قطعي أنه تم تصفيتهم ودفنهم في مقابر جماعية ستتوضح في الفترة القادمة.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ