حنين زائف؟ علي الديك يغني للغربة وذاكرة السوريين لا تنسى
حنين زائف؟ علي الديك يغني للغربة وذاكرة السوريين لا تنسى
● أخبار سورية ٢٣ مايو ٢٠٢٥

حنين زائف؟ علي الديك يغني للغربة وذاكرة السوريين لا تنسى

في مشهد بدا بعيداً كل البعد عن سياق المأساة السورية، أطلق الفنان السوري المعروف بموالاته لنظام المجرم بشار الأسد، علي الديك، أغنيته الجديدة بعنوان "جاي يا إمي"، ظهر فيها وهو يشكو البعد عن أمه وحنينه إلى دفء الوطن، بعد شهور قليلة فقط من مغادرته سوريا، ليتعرض للسخرية اللاذعة من قبل ناشطين.

لم ينسَ السوريون بعد موقف علي الديك المعلن والحاد في تأييده السابق للمخلوع الأسد، وظهوره المتكرر في برامج ولقاءات يدافع فيها عنه بحدة ويهاجم كل من ينتقده. فتجاهل القصف، الصواريخ، البراميل المتفجرة، المجازر، والتهجير، وصم الآذان عن أصوات الأمهات وصرخات المعتقلين، لم يكن يوماً عابراً بل موقفاً اختاره بكل وعي. فبينما كانت المدن تُقصف، والمدنيون يُذبحون من قبل قوات الأسد الإرهابي وأعوانه، كان الديك يغني للجيش ويُمجّد حاكمه.

هذه الخلفية لم تغب عن ذاكرة السوريين حين ظهر الديك في فيديو كليب أغنيته الجديدة، يؤدي مشهداً تمثيلياً لمكالمة مع والدته، يشكو فيها شوقه لكعك العيد ودفء عائلته. فانهالت التعليقات الساخرة التي استحضرت الوجوه الحقيقية للغربة، تلك التي لم يعرفها بعد. كتب أحدهم: "الغربة ليست فقط بعداً عن الأم.. الغربة أن تجهل مصير أخيك المعتقل منذ عشر سنوات دون تهمة"، بينما علّق آخر: "الغربة أن تعود إلى بيتك في العيد وتجد الحائط مكان غرفة ابنك، بعد أن سويَ المنزل بالأرض".

الناشطون السوريون وجّهوا رسائل قاسية لعلي الديك، قالوا فيها إن الغربة ليست رحلة عابرة أو غياباً مؤقتاً عن دفء العائلة، بل هي وجوه كثيرة لم يرها بعد: غربة القهر، الغربة في الزنازين، الغربة في المخيمات التي لا تعرف الليل من النهار، الغربة داخل الوطن ذاته، حين يتحوّل إلى مكان لا يشبهك ولا يأويك.

وفيما بدا علي الديك متأثراً بمشاعر "المغترب الجديد"، لم يغب عن كثيرين أنه ذاته الذي لطالما جاهر بولائه للأسد الديكتاتور، ذاك الذي تسبب في تهجير الملايين وإلقاء عشرات الآلاف في غياهب السجون ليذوقوا قسوتها وغربتها. فتساءل الناشطون بسخرية مريرة: "أي غربة تلك التي يتحدث عنها من صفق لمجرم أذلّ شعبه؟" شماتة المعارضين لم تكن مجرد انتقاد، بل تعبير عن ألم مضاعف، حين يرون من شارك في دمارهم يغني اليوم عن ألم لم يعشه. غربة الديك، كما وصفها البعض، ليست سوى ظلٍ باهت لغربة أناس لا يُسمع صوتهم، ولا تُرى دموعهم، ولا تلتقطهم الكاميرات في مشاهد مصورة، بل يعيشونها كل يوم بصمت مميت.

ووفقاً لتقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لانطلاق الثورة السورية، فإن معاناة السوريين لم تزل مستمرة وبأرقام مفزعة. فقد وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 234,145 مدنياً منذ منتصف آذار 2011، فيما لا يزال 177,021 شخصاً قيد الاختفاء القسري، غالبيتهم على يد قوات النظام البائد، في ظل دمار هائل طال البنى التحتية في مختلف أنحاء البلاد. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل شاهد حي على حجم الجريمة التي ارتُكبت بحق شعب كامل، دون أن يرف جفن للمؤيدين، وفي مقدمتهم فنانون كرّسوا حضورهم للدعاية والتصفيق.

كما أعاد بعض الناشطين تداول مقطع مصور لعلي الديك عندما كان ينتخب، فبصم لبشار الأسد بدمه بعد أن وخز يده، في مشهد حمل رمزية مرعبة، تلخّص مساراً دموياً امتد سنوات. تساءل الناشطون: أين كان صوت "المغترب الجديد" آنذاك، عندما سال الدم في الشوارع ولم يكن حبراً على أوراق، بل دماء على أرصفة المدن المقصوفة؟

في بلد تحوّل فيه الغياب إلى هوية وطنية، والحنين إلى نزيف دائم، لم يجد كثيرون في أغنية علي الديك إلا محاولة تجميل لصورة مشروخة، وتغافلاً متعمّداً عن واقع مؤلم لا تنفع معه أغانٍ باردة، ولا مشاهد تمثيلية. فالغربة التي يعرفها السوريون لا تُغنّى، بل تُعاش، وتُحتمل، وتُبكى في كل عيد، وعلى كل مائدة ينقص فيها فرد من العائلة، ربما إلى الأبد.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ