
حوادث قتل غامضة والمستفيد واحد .. من يستهدف الطائفة المرشدية في حمص..؟
تصاعدت في الآونة الأخيرة حوادث القتل الغامضة التي استهدفت أبناء الطائفة المرشدية في محافظة حمص بشكل خاص، ما أثار موجة من القلق الشعبي والتساؤلات الواسعة حول خلفيات هذه الحوادث، وتوقيتها، والأطراف المستفيدة منها.
وبينما لم تُعرف بعد الجهة التي تقف وراء هذه الجرائم، تبرز ترجيحات بأن هناك أطرافًا تعمل على تغذية الخطاب الطائفي في المجتمع السوري، عبر استهداف مجموعات دينية أو مذهبية بعينها، بما يخدم روايات قديمة لطالما روّج لها نظام الأسد حول استهداف ما يسميه "الأقليات"، في محاولة مكشوفة لإعادة تعويم هذه الكذبة في سياق سوريا الجديدة.
خلفية مشبوهة
تشير بعض المصادر إلى أن هذه الحوادث ليست بمعزل عن السياق السياسي المعقد الذي تمر به البلاد، وأنها قد تكون رسالة خفية لإبقاء المجتمع السوري أسير الانقسام والخوف ففي ظل المساعي المتصاعدة نحو إعادة بناء الدولة السورية على أسس المواطنة، وتحقيق العدالة الانتقالية، تتصاعد بشكل متوازٍ محاولات تعطيل هذا المسار من خلال ضرب نسيج المجتمع.
وتكررت حوادث القتل التي استهدفت أبناء الطائفة المرشدية في محافظة حمص، كان آخرها مقتل المهندس الزراعي محمود غصّة (59 عاماً) بعد اختطافه من وسط المدينة على يد مجموعة مسلحة مجهولة وقد عُثر على جثته في قرية الربيعة وعليها آثار تعذيب وتنكيل.
هذا المشهد أعاد إلى الأذهان جرائم سابقة طالت أبناء الطائفة، منها مقتل شابين في حي العدوية بطريقة مشابهة، ما أثار موجة غضب عارمة داخل الأوساط الشعبية للمرشديين في سوريا وخارجها.
ووسط هذه الأجواء المشحونة، تُرجّح مصادر محلية أن جهات خفية تسعى لتأجيج التوترات الطائفية عبر استهداف مكونات بعينها، بهدف تغذية السردية القديمة حول "خطر على الأقليات" في سوريا ما بعد الأسد البائد، وتوجه أصابع الاتهام بشكل متزايد إلى فلول النظام البائد وبعض الخلايا الساعية لزعزعة الاستقرار ومنع بسط الأمن في البلاد.
ويتداول نشطاء ومحللون فرضيات عدة حول الجهات التي قد تقف خلف هذه العمليات، من بينها فلول نظام الأسد البائد، الذين ما زالوا يحاولون إرباك الواقع الأمني في مناطق معينة، من خلال تنفيذ عمليات نوعية تستهدف رمزية الطوائف، أو تنشر الفوضى في بيئات معينة، لتقديم أنفسهم مجددًا كـ"حماة للاستقرار"، بعد أن كانوا أبرز أدوات القمع والتفتيت الاجتماعي طوال عقود.
رسائل عبر الدم
ويرى مراقبون أن استهداف طائفة صغيرة ومنغلقة مثل المرشدية، التي غالبًا ما تنأى بنفسها عن الاصطفافات السياسية، يحمل دلالة تتجاوز القتل المجرد، وتذهب إلى محاولة إشعال شرارة طائفية خافتة، من خلال المسّ بالمقدّس والهويات الدقيقة، بهدف خلق حالة من القلق العام بين مختلف مكونات المجتمع السوري، لا سيما في المدن المختلطة مثل حمص.
وفي المقابل، تحذّر أصوات حقوقية ومدنية من الانجرار وراء أي دعوات للرد أو التصعيد، مشددة على أن الحل يكمن في إطلاق تحقيق شفاف ومستقل، يوضح الحقائق، ويكشف المسؤولين، ويمنع توظيف هذه الجرائم في سياق تخويفي أو طائفي مرفوض.
وفي خضم هذه التطورات، تبرز دعوات مخلصة من داخل حمص وخارجها، بضرورة تعزيز حضور الدولة السورية الجديدة، ومؤسساتها الأمنية والقضائية، بشكل عادل وغير تمييزي، وبما يطمئن كل المواطنين بأنهم سواسية أمام القانون، وأن العدالة لا تستثني أحدًا.
كما يُناشد العديد من أبناء الطائفة المرشدية الجهات المعنية بالكشف عن ملابسات الجرائم الأخيرة، مؤكدين أن الدم السوري واحد، ولا يجب أن يتحول إلى مادة للابتزاز السياسي أو الطائفي.
وكان خرج مئات المدنيين من أبناء الطائفة المرشدية في اعتصام صامت، نُظم بالتزامن في حي كرم الزيتون بمدينة حمص، وقرية الغسانية في ريف المحافظة الجنوبي، وذلك احتجاجاً على مقتل شابين من أبناء الطائفة، بعد اختطافهما من قبل مجموعة مسلحة مجهولة الهوية.
الشابان، هادي محمد قاسم ومحمد وليد درويش، كانا يعملان في مكتب الأمبيرات بحي العدوية وسط حمص، حين اقتحم مسلحون مجهولون الموقع، واعتدوا على محتوياته، وسرقوا دراجة نارية، وجهاز حاسوب محمول، ومبلغاً من المال، قبل أن يقتادوا الشابين إلى جهة مجهولة.
وفي وقت لاحق عُثر على جثتي الضحيتين خلف مستوصف الخالدية وسط المدينة، حيث تم نقلهما إلى مستشفى الزهراء، وأظهر الكشف الطبي أن محمد أصيب بطلق ناري في الرأس وآخر في الصدر، بينما تعرض هادي لطلق ناري في الرأس وآخر عند أعلى الترقوة، إلى جانب وجود آثار تعذيب وتنكيل على الجثتين، وقدّر الطبيب الشرعي وقت الوفاة بنحو الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم الجمعة.
وطالب المعتصمون الجهات الرسمية في الحكومة الانتقالية بسرعة تعقب مرتكبي الجريمة، وتقديمهم إلى العدالة دون تأخير، كما دعوا إلى توفير الحماية اللازمة لأبناء الطائفة المرشدية، مؤكدين رفضهم للانتهاكات التي تهدد السلم الأهلي في المحافظة، وسط دعوات متزايدة لتعزيز الاستقرار الأمني، وملاحقة الشبكات المسلحة التي تهدد أمن المدنيين.