
طفولة ناقصة: الحرب تأخذ الآباء وتترك الأطفال للوجع
يُعد اليُتم من أبرز الظواهر التي تفشّت بشكل واسع بين الأطفال السوريين خلال سنوات الحرب التي اندلعت عقب الثورة السورية في آذار/مارس عام 2011. آلاف الأطفال فقدوا آباءهم نتيجة المعارك، القصف، أو الاختفاء القسري، ووجدوا أنفسهم في مواجهة الحياة دون سند، ليشكل غياب الأب جرحاً لا يلتئم بسهولة، خاصة عندما يكون الطفل في مرحلة عمرية حساسة تتطلب وجود العائلة حوله لتوفير الأمان النفسي والدعم المعنوي والمادي.
عاش أولئك الأطفال أوضاعاً قاسية، تجاوزت في كثير من الأحيان حدود الاحتمال، حيث تجلى التأثير النفسي لليتم في أوجه مختلفة، أبرزها شعور الفقد الدائم والاحتياج العاطفي لحنان الأب. وتظهر هذه المشاعر بقوة في المواقف اليومية الاعتيادية، مثل وجود مشكلة مدرسية أو صحية، إذ يشعر الطفل وقتها بالحاجة المُلِحّة لوجود الأب بجانبه، ما يُعمّق من شعوره بالوحدة.
يشتد الألم عندما يرى الطفل أقرانه برفقة آبائهم، سواء في المدرسة أو في نزهة عائلية أو حتى عند شراء لعبة جديدة. تلك المشاهد التي قد تكون عادية في نظر البعض، تتحول إلى مصدر حزن وغيرة دفينين لدى اليتيم، لأنها تذكره دوماً بما ينقصه، لا سيما إن كان يعيش ظروفاً مادية ومعيشية صعبة.
وقد توصلنا، من خلال قصص وشهادات ميدانية، إلى أن كثيراُ من الأطفال يُسقطون معاناتهم اليومية على غياب الأب، فيرددون عبارات مثل: "لو كان أبي هنا لما حصل هذا"، أو "لو كان أبي معي، لحماني أو ساعدني". هذه العبارات البسيطة تُخفي وراءها حجم الألم النفسي والحرمان العاطفي الذي يعايشه الطفل.
وزادت بعض الحالات سوءاً، حين تزوجت الأم بعد فقدان الزوج، مما أدى إلى ابتعاد الطفل عنها، وفقدانه بذلك لآخر مظاهر الحنان والاحتواء الأسري. بعض الأطفال واجهوا واقعاً صعباًَ بالعيش مع زوج الأم، وتعرضوا لسوء المعاملة أو حتى التعنيف، رغم أن هذه ليست القاعدة العامة، إذ تختلف التجارب بين حالة وأخرى.
أما البعض الآخر، فقد انتقل للعيش مع أقارب من العمومة أو الخؤولة، وهناك أيضاً كانت الحكايات متباينة. من بينهم من وجد معاملة حسنة، لكن آخرين تعرضوا للعنف والإهمال، كما في حالة الطفل الذي ضُرب مؤخراًبوحشية من قبل عمه في ريف حماة، وهي الحادثة التي هزّت الرأي العام بعد انتشار فيديو يوثق ما تعرض له عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
إن هذه الظروف مجتمعة، النفسية منها والاجتماعية، تترك آثاراً عميقة في وجدان الطفل اليتيم، وقد تُشكل ملامح شخصيته المستقبلية. وعليه، فإن رعاية هؤلاء الأطفال ليست مجرد مسؤولية إنسانية، بل واجب أخلاقي يستدعي تدخلاً من الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية والاجتماعية، لتأمين بيئة حاضنة تضمن لهم حقوقهم، وتخفف من تبعات الفقد والحرمان.