
قضية "ميرا وأحمد" مثالاً حياً ... من "قصة حب" لتعويم سردية "السبي والخطف" وتأجيج الكراهية الطائفية في سوريا
شُغلت مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا خلال الـ 24 ساعة الماضية وحتى اليوم، بقضية الشابين "أحمد وميرا جلال ثابات"، طالت قصتهما الكثير من التزييف والتلفيق، واستثمار القضية التي باتت قضية رأي عام في سوريا من قبل بعض القوى والأطراف التي تسعى لتعويم فكرة "السبي وخطف العلويات" لتأجيج الكراهية الطائفية في سوريا.
ذنب "ميرا" أنها من الطائفة العلوية، ربطتها علاقة حب مع زميلها أحمد المنحدر من ريف إدلب ومن المكون السني، حيث أنهما يدرسان سوريا في المعهد الفندقي السياحي في حمص، ولأن عائلة ميرا رفضت علاقتهما ورفضت عرض الشاب للزواج بسبب اختلاف الطائفة، عانت "ميرا" لأسابيع في منزل عائلتها وشعرت بأن لها الحق في اختيار الشريك، فتحدت العادات والتقاليد الأسرية والدينية لديهم وقررت الفرار.
وفق رواية "ميرا وأحمد" في لقاء قبل أقل من ساعة من نشر هذا التقرير في بث مباشر مع الحقوقي "عمر إدلبي" في أحد شوارع مدينة حمص، أكدت ميرا أنها قررت الزواج بأحمد بعد معاملة التي رفضتها وحرمانها من التواصل معه ورفض الزواج به، وأنها قررت الفرار مع عبر إيهام عائلتها أن لديها امتحانات في المعهد الذي حرمت من الدوام فيه لأسابيع من قبل عائلتها.
وأوضحت الفتاة أنها اتصلت بأحمد عبر أحد زميلاتها وخرجت معه بمحض إرادتها من المعهد، رغم أن والدها كان ينتظرها في الخارج والذي لم يشعر بنيتها إلا بعد تأخرها في الخروج ومراجعته كمرات المعهد، ميرا أكدت أنا تزوجت أحمد بعقد شرعي ولدى شيخ وبحضور شهود، وأنا اختارت لبس الحجاب ومن ثم الخمار وأنها لم تجبر على ذلك.
بدت "ميرا" اليوم مرتاحة كلياً في المقابلة مع "عمر إدلبي" وتحدثت بكل أريحية وبدا كلامها واضحاً غير مشوش، ينفي بذلك كل التكهنات والترويج المسبق عن خطفها وإجبارها، واستعراض لقطات من حضورها لمنزل عائلتها بمرافقة المحامي وقوى الأمن يوم أمس عقب ادعاء والادعاء على أحمد وتدخل القوى الأمنية في القضية، ومساهمتها بحلها من خلال إحضار ميرا وأحمد إلى منزل عائلتها والمصالحة بينهم.
عللت "ميرا" سبب اضطرابها في لقائها أسرتها يوم أمس، بأن والدتها كانت لاتزال غاضبة ولم تصبح عنها، وكانت ترفض بشكل قطعي ماجرى، وأنها لاقت ميرا عند دخولها للمنزل بالصراخ ماخلق لديها توتراً كبيراً أمم الجميع، كما أنها قالت إن الأمور بينها وبين عائلتها تسير للأفضل وأنها تسعى لتقبل قرارها الذي اتخذته بمحض إرادتها.
وحول الترويج عن هوية أحمد، وأنه ينتمي للأمن العام تارة، ولفصائل متشددة مارست الخطف والسبي تارة أخرى، أوضح أحمد المنحدر من بلدة أبو الظهور بريف إدلب، وهو من سكان مدينة حمص، أنه لا ينتمي لأي فصيل عسكري أو أمني، بل هو طالب في المعهد منذ زمن النظام البائد، حتى أنه بقي في مناطق النظام لحين سقوطه، أي أنه لم يعش في إدلب، ولم يكن ضمن أي فصيل متشدد كان أو غير ذلك.
حديث "أحمد وميرا" قطع الطريق على المتصيدين، والساعين لتعويم فكرة "السبي والتشدد وإلزامها بالحجاب والخمار" رغم أن القيم الاجتماعية ترفض هذا النوع من الزواج، وربما لايوجد قوانين ناظمة في سوريا توضح آلية التعامل مع هذه الحالات في السلطة الجديدة، لكن الثابت بأن هذه الحالة ليست الأولى ولكنها جاءت في وقت يعول البعض على الاصطياد لأي حالة لتمرير أفكارهم وتعويم فكرة "السبي والخطف".
إذ عادت قضية "السبي والخطف" للفتيات العلويات لتصدر المشهد الإعلامي، لاسيما الصفحات الصفراء والمستمرة بحملات التحريض على أساس طائفي ومذهبي، في محاولة مستمرة لخلق حالة من عدم الأمان والثقة والفوضى، موجهة الاتهامات للسلطة الجديدة، رغم أن غالبية الحالات التي تم تصديرها إعلامياً على أنها خطفت، تبين زيف تلك الادعاءات، وتوضح أنها قضايا عائلية متكررة.
"سبي وخطف العلويات" بالتحديد بات رائجاً وفي كل مرة قصة جديدة يتم تسويقها إعلامياً، وتنتشر على مئات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بسردية واحدة مركبة لاتتغير عنوانها خطف وسبي للفتيات العلويات ونقلهم إلى إدلب، دفع هذا النشطاء لتعقب تلك الحالات ورصدها وكشف حقيقتها، علاوة عن تفاعل أمني مع تلك الحوادث والسعي لكشف ملابساتها.
هروب الفتيات وترك منازل عائلاتهن ليس حدثاً جديداً في سوريا، فهناك قصص وحكايا قديمة وحديثة لحالات ترك المنزل لخلافات عائلات وقصص عاطفية تتخذ فيها الفتاة قراراً بترك عائلتها واللجوء لأقرباء لها أو شخص تحبه وتفصل الفرار والعيش معه بسبب رفض عائلتها، لاسيما لدى بعض المجتمعات المنفتحة والتي لاتخاف فيها الفتاة من العواقب.
يهدف أيتام الأسد وعدة أطراف أخرى اليوم تعارض السلطة في سوريا، إلى تشويه صورة المجتمع السوري، وتفكيك الترابط والعلاقة التي دأب نظام الأسد على زرع الشقاق بينها وخلق النزعة والتعصب للطائفة، ومن أبرز محاولاتهم الفاشلة تسليط الضوء إعلامياً على قضايا الخطف واختفاء الفتيات في الساحل، وحمص، وبعض القرى العلوية، بهدف إحياء روايات قديمة ومفبركة، من أبرزها الادعاء باستخدام أولئك النسوة كسبايا في إدلب والمتاجرة بهنّ.
وأبرز القصص التي روّجوا لها كانت قصة آية طلال قاسم، فتاة علوية تنحدر من الساحل، اختفت لفترة قصيرة، فسارعت فلول النظام وأتباعه إلى اتهام الأمن العام السوري بخطفها، مستغلين غيابها لبثّ الذعر والتشكيك في الجهات الأمنية.
لكن آية ما لبثت أن ظهرت في مقطع فيديو مصوّر، نافية تلك الادعاءات بشكل قاطع، موضحة أنها كانت برفقة إحدى صديقاتها التي تعرفت عليها قبل شهرين، وانتقلت معها للعمل في حلب، ونفت كل الشائعات التي رُوّجت حول اختطافها، مما فضح الحملة التضليلية التي حاولت استغلال غيابها لأهداف سياسية وإعلامية.
ثلاث فتيات كانت صفحات موالية للأسد قد زعمت أن الأمن العام خطفهن، وذكر التفاصيل الحقيقية لكل حالة، منهم الفتاة نور كمال خضر في بلدة المشرفة والتي روجت لاختفائها صفحات النظام البائد على أن الأجهزة الأمنية قامت باختطافها ليتبين أنها تقيم في منزل صديقتها في حماة للضغط على طليقها وذويها لإعادتها لأطفالها".
وسبق أن أثارت الناشطة النسوية المدعوة "هبة عز الدين" والتي تدير منظمة "عدل وتمكين" العاملة في شمال سوريا، الجدل عبر منشور على حسابها في "فيسبوك"، تحدثت فيه عن مشاهدتها لسيدة غريبة عن المنطقة ترافق أحد المقاتلين في مدينة إدلب، وقالت إنها علمت أن السيدة من إحدى قرى الساحل السوري، وقام بإحضارها معه بعد أحداث الساحل الأخيرة، وزعمت أنها تعرف الشخص.
سردية "عز الدين" التي توجه اتهامات واضحة لأبناء محافظة إدلب بشكل رئيس بـ "سبي العلويات"، هي استكمال لرواية دأب أيتام النظام البائد الترويج لها في الحديث عن "مظلوميتهم" والتي سارت على دربهم قبل أسابيع "غادة الشعراني" في السويداء، وروجت لذات المزاعم والأكاذيب، كذلك ماروجه أيتام الأسد في مظاهرات طائفية في جنيف، واللعب على وتر "خطف النساء وسبي العلويات".
هذه السردية التي روتها الناشطة النسوية، لاقت موجة ردود أفعال واسعة النطاق في أوساط النشطاء والفعاليات الأهلية، واعتبرت أنها في سياق الحرب الدعائية التي تستهدف أبناء محافظة إدلب بشكل خاص، واتهامهم تارة بارتكاب المجازر في الساحل وتارة بـ "سبي العلويات"، من خلال بناء صورة سوداء عن المحافظة التي تنحدر منها الناشطة بالأصل.
ولاقت السردية الغير منضبطة، والتي لم تستند لأي معلومة حقيقية، رواجاً واسعاً في صفحات الذباب الإلكتروني لفلول وأيتام نظام الأسد، والتي تعج بالأخبار المضللة يومياً عن حالات خطف وقتل وسلب وتعويم للفتنة، وكانت مادة دسمة للاستناد لها وإعادة العزف على ذات الأمر الذي سبق وأن حاولت الترويج له مراراً دون أن تقدم أي أدلة أو معلومات تثبت عمليات خطف أو سبي.
وبالرغم من أن عدد من النشطاء قاموا بالتواصل مع الناشطة على حسابها الشخصي (نشروا المحادثات لاحقاً)، وطلبوا منها تقديم معلومات واضحة كونها قالت إنها تعرف الرجل الذي تزوج المرأة، للوقوف على حقيقة "سبي المرأة" إلا أنها تهربت وادعت عدم معرفتها بالشخص، مناقضة نفسها في منشورها الأساسي الذي اضطرت لإخفائه لاحقاً ومن ثم إخفاء حسابها من مواقع التواصل "فيسبوك".
هذا الحدث عن "سبي النساء العلويات" بات رائجاً في الأسابيع الأخيرة، رغم أن أحداً لم يتطرق له عقب أحداث الساحل السوري الدامية، وكانت نظمت مايسمى بـ "رابطة العلويين المغتربين"، وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة في جنيف للمطالبة بوقف ما وصفوه بـ"سبي النساء العلويات" و"الإبادة الجماعية" التي تتعرض لها الطائفة في سوريا.
هذه الوقفة أثارت ردود أفعال مختلفة، لاسيما أنها تأتي في وقت يحاول فيه البعض استثمار أحداث الساحل السوري الأخيرة والتي بدأت بهجمات فلول نظام بشار الأسد، لتعويم مايسمى بـ "مظلومية العلويين"، مطالبين تارة بحماية دولية، وتارة أخرى بالانفصال عن سوريا وتقرير المصير، لتبدأ اللعب على وتر "خطف النساء وسبي العلويات"، علماً أنه لم تسجل حالة خطف واحدة في عموم المناطق السورية للنساء خلال الأحداث الأخيرة.
حقوقية سورية تستنكر استخدام أجساد النساء كـ "سلاح دعائي" لخدمة التراشق الطائفي
سبق أن قالت "نور الخطيب"، مديرة قسم التوثيق في "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن النساء سيظلن في قلب الحملات الدعائية التي تُستغل أجسادهن ورمزيتهن لخدمة التراشق الطائفي، مؤكدة أن ذلك بدأ من كذبة "جهاد النكاح" وصولًا إلى شائعة "الاغتصاب في حميميم".
وأوضحت الخطيب في منشور على "فيسبوك" أنه عندما يُراد تأجيج خطاب الكراهية، يكون استخدام قصص الاعتداء الجنسي من أكثر الأساليب فعالية، حيث يستهدف هذا الأسلوب الحساسية العاطفية في أي مجتمع.
وأضافت أن هذا ما حصل تمامًا مع كذبة "جهاد النكاح"، واليوم يُستنسخ نفس الأسلوب مع شائعة الاغتصاب في قاعدة حميميم، مشيرة إلى أن القاسم المشترك بين الروايتين هو أن كليهما لا يستهدف النساء فقط، بل يطال النسيج الاجتماعي الذي تنتمي إليه كل مجموعة.
واعتبرت الخطيب أن إطلاق كذبة "جهاد النكاح" كانت لها تأثيرات مدمرة على النساء، حيث تعرضت العديد منهن للعنف الاجتماعي والوصم، خاصة في المعتقلات. وقالت: "هذه الروايات الملفقة تؤدي إلى إيذاء حقيقي على الأرض، وليس مجرد معارك كلامية على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام".
وأشارت إلى أن الأطراف التي روجت لكذبة "جهاد النكاح" في الماضي هي نفسها التي تدافع اليوم عن النساء اللواتي لجأن إلى قاعدة حميميم، وترفض وصمهن، بينما الأطراف التي كانت تنكر "جهاد النكاح" هي نفسها التي تروج اليوم لشائعة "اغتصاب النساء في حميميم".
واعتبرت الحقوقية السورية، أن هذا يثبت أن القضية لم تكن يومًا دفاعًا حقيقيًا عن النساء، بل مجرد استخدام لهن كسلاح دعائي كلما تطلبت الظروف ذلك، مطالبة بضرورة إجراء مراجعة أخلاقية وكسر الحلقة المفرغة التي تجعل النساء وقودًا لحروب لا ناقة لهن فيها ولا جمل.
واختتمت الخطيب بالإشارة إلى أنه من "جهاد النكاح" إلى شائعة "الاغتصاب في حميميم"، ستظل النساء في قلب الحملات الدعائية التي تُستغل أجسادهن ورمزيتهن لخدمة الأغراض الطائفية، وأكدت أن هذه الأكاذيب، سواء كانت "جهاد النكاح" أو "اغتصاب حميميم"، تؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة وهي "تدمير حياة النساء وتشويه صورة مجتمعات بأكملها".
ورغم كل ماظهر من تهميش وقهر مورس بحق أبناء "الطائفة العلوية" مارسه نظام بشار الأسد بدا واضحاً عقب هروبه وانهيار نظامه، إلا أن هناك من يحاول استثمار أحداث الاضطراب الأمني في سوريا للمطالبة بحماية الأقليات واستثمار الورقة دولياً لمحاربة السلطة الجديدة في سوريا، لاسيما من أزلام وأتباع النظام السابق ورجالاته الذين أقروا علانية بمسؤوليتهم عن الانقلاب الأمني الأخير في الساحل السوري، دون تحمل عواقب ماحصل ولاسيما أن "الطائفة العلوية" كانت أكثر المتضررين.