
من منصة الحكم إلى قفص الاتهام: القضاة الذين خدموا الاستبداد
تفاعل السوريون مع قرار عزل عدد من القضاة الذين خدموا النظام البائد، إضافة إلى قرار آخر بمنع سفر نحو مئة قاضٍ معزول، من بينهم قضاة كانوا يعملون في ما يُعرف بـ"محكمة الإرهاب"، التي فض فسادها ناجون من المعتقلات.
وبينما تتوالى الأنباء الميدانية والعسكرية والسياسية، يأمل السوريون ألا تتوقف هذه الإجراءات عند حدود العزل فقط، للقضاة الذين تورطوا بانتهاكات ضد أبناء الشعب السوري، بل تمتد لتطال وتعاقب كل من دعم نظام الأسد المجرم خلال سنوات الحرب السابقة، وأصدر أحكاماً جائرة بحق من نادوا بالحرية والعدالة والكرامة.
اليوم، قد يتابع أولئك القضاة الأخبار بتوجس وقلق، يرتعبون لسماع أصوات أمهات الشهداء المطالِبات بمحاسبتهم، وهو ذات الرعب الذي عاشه المعتقلون وهم يقفون أمامهم في المحاكم، يواجهون ظلماً وانتقاماً باسم القانون، دون أن يشعر من يقاضيهم بأدنى شفقة أو رحمة تجاههم..
دخل هؤلاء القضاة وزارة العدل ومؤسسات القضاء في سوريا بعد أن أقسموا على احترام الدستور وتحقيق العدالة. لكنهم خانوا القسم، وخانوا العدالة، وفضّلوا الولاء للطاغية الذي لم تكن جرائمه خفية، بل علنية وموثقة بالشهادات، والتقارير الحقوقية، وشواهد العيان من قلب المجازر والمعتقلات، والأماكن الأخرى التي طالها بطش الأسد.
كم من بريء وقف أمامهم لا لذنب اقترفه، بل فقط لأنه طالب بحقه في الحياة والحرية والكرامة، فكان نصيبه حكماً بالإعدام أو السجن المؤبد أو أحكاماً قاسية لا تتناسب مع أي منطق أو قانون. لم يشفع له ضعفه، ولم يُراعَ ظرفه، وتجاهلوا أثر تلك الأحكام على أسرته وأطفاله ومجتمعه.
لقد كانوا سبباً في حرمان أطفال من آبائهم، وتشتيت أسر، وتفريق بين الأزواج، وبكاء الأمهات على أبنائهن بحسرة وألم. وكانوا أيضاً سبباً في معاناة مئات الشباب الأبرياء الذين تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي داخل السجون، على غرار ما فعله الديكتاتور الذي خدموه.
اليوم، يطالب السوريون بالعدالة، لا بالثأر. يريدون أن يُحاسب كل من أسهم في مأساتهم، ويُنصف من حُرموا من حقوقهم لسنوات. لا يكفي أن يُعزل القاضي، بل يجب أن يُحاكم، وأن يُفتح تاريخه القضائي أمام الرأي العام، وتُستمع شهادات من وقفوا أمامه مقيّدين، مظلومين. العدالة ليست فقط في طيّ صفحة الماضي، بل في محاسبة من صنعوا ذلك الماضي المؤلم.