
نساء في واجهة القرار الدبلوماسي: تكليفات نوعية تعكس حضوراً متصاعداً في ملفات السياسة والقانون
أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين عن سلسلة من التكليفات الإدارية التي شملت تعيين عدد من المستشارين والمديرين في مواقع مختلفة داخل الوزارة. وبرز في هذه التعيينات تكليف أربع سيدات بمهام نوعية تتعلق بملفات سياسية وقانونية ودبلوماسية، في خطوة تعكس الثقة بالكفاءات المهنية والقدرات المتخصصة في التعامل مع قضايا دقيقة على المستويين الإقليمي والدولي.
وتأتي هذه الإجراءات ضمن توجه أوسع لإعادة هيكلة بعض المواقع الإدارية وتفعيل الطاقات المؤهلة، إلى جانب توسيع نطاق المشاركة النسائية في العمل الخارجي وتعزيز حضورها في المجالات الحيوية المرتبطة بالسياسة الخارجية. ومن بين الأسماء التي شملتها التعيينات الجديدة، تم تكليف سالي شوبط كمفوّضة خاصة لشؤون الأمم المتحدة، وربى محيسن كمستشارة للتعاون الدولي، وزهرة البرازي كمستشارة قانونية مفوّضة بملف العدالة الانتقالية، إضافة إلى رزان سفور التي عُيّنت مستشارة للإعلام والاتصال.
سالي شوبط
وعُرفت السيدة سالي شوبط بنشاطها الميداني والحقوقي، حيث راكمت خبرة واسعة من خلال عملها في منظمات دولية تُعنى بالقضايا الإنسانية. وقبل توليها منصبها الجديد كمفوضة خاصة لشؤون الأمم المتحدة، شغلت منصب مسؤولة قسم المناصرة في المنتدى السوري بمدينة نيويورك، حيث كان لها دور بارز في الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين والترويج لقضايا العدالة وحقوق الإنسان على الساحة الدولية. كما شاركت في مؤتمرات أممية ولقاءات دولية، وظهرت في مقابلة على قناة TRT عربي تحدثت فيها عن تداعيات العقوبات المفروضة على سوريا.
ربى محيسن
درست ربى محيسن الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم تابعت دراستها العليا في كلية لندن للاقتصاد (LSE)، حيث حصلت على درجة الماجستير في التنمية، وأكملت لاحقاً دراسات متقدمة في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS) بجامعة لندن، مركّزة على قضايا النوع الاجتماعي والتنمية الاقتصادية ضمن مسار أكاديمي وبحثي متخصص.
وبدأت مسيرتها المهنية كمستشارة اقتصادية، إلا أن اندلاع الثورة السورية في عام 2011 شكّل نقطة تحول في مسارها، فانتقلت إلى العمل المجتمعي وأسّست منظمة "سوا للتنمية والإغاثة" في لبنان لتقديم الدعم للاجئين السوريين.
وفي عام 2016، أنشأت فرعاً للمنظمة في المملكة المتحدة لخدمة المهاجرين السوريين واللاجئين قسراً في المهجر. ومن خلال عملها مع "سوا" وتحالف "ندى" الإقليمي، ساهمت في تطوير وتنفيذ برامج تنموية مستدامة تقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية وتمكين المجتمعات المحلية. ونالت محيسن عدة جوائز دولية، وشاركت في محافل إعلامية ومؤتمرات دولية بارزة ناقشت فيها قضايا اللاجئين، وحقوق المرأة، وأشكال التعاون الإقليمي والدولي.
رزان سفور
تنحدر رزان سفور من مدينة حمص، ونشأت في رحاب عائلة مهتمة بالشأن الوطني، فوالدها وليد سفور كان ممثلاً للائتلاف الوطني السوري في المملكة المتحدة عام 2012، الذي عمل على دعم الثورة السورية في محافل الخارج. نشأت السيدة رزان في المملكة المتحدة، وتلقّت تعليمها هناك، كما أنها حصلت على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة لندن، تُجيد عدة لغات من بينها الإنجليزية والتركية، وهو ما مكّنها من بناء قنوات تواصل فعّالة مع المؤسسات الدولية والمنصات الإعلامية العالمية المعنية بالشأن السوري.
انخرطت رزان في الدفاع عن حقوق النساء والمعتقلين واللاجئين، وشاركت في برامج تدريبية ومؤتمرات دولية نظّمتها منظمات مجتمع مدني تُعنى بتأهيل الكفاءات السورية الشابة. كما نشرت مقالات تحليلية في مراكز بحثية مرموقة، تناولت فيها مستقبل سوريا من منظور سياسي وحقوقي.
زهرة البرازي
أما زهرة البرازي، فهي محامية سورية كردية متخصصة في القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، وتنحدر من مدينة حماة. درست القانون قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة، حيث نالت درجة الماجستير من جامعة ليدز، ثم حصلت على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة تيلبورغ في هولندا. تركّزت أبحاثها على قضايا انعدام الجنسية، والنزوح القسري، والمواطنة، ضمن سياق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
شاركت في مشروع بحثي مشترك مع جامعة بوسطن تناول قضايا انعدام الجنسية، وأسهمت عام 2013 في تأسيس "برنامج التطوير القانوني السوري" حيث شغلت منصب رئيسة البرامج. كما ساعدت في إطلاق الشبكة الإقليمية "هويتي"، التي تهدف إلى التصدي لمشكلة الحرمان من الجنسية. وانخرطت في عدد من المبادرات الأكاديمية والمجتمعية التي تعنى بحماية حقوق اللاجئين والدفاع عن الفئات المهمشة في سياقات النزاع والهجرة القسرية.
تُعدّ مشاركة المرأة في المشهد السياسي عاملاً أساسياً في تعزيز التمثيل الشامل واتخاذ قرارات أكثر توازناً واستجابة لاحتياجات المجتمع بكافة مكوناته. فحضور النساء في مواقع صنع القرار، ولا سيما في المجالات الدبلوماسية والسياسية والقانونية، لا يضيف فقط بعداً تنوعياً، بل يعكس أيضاً واقعاً اجتماعياً أوسع يفرض نفسه في ظل التحديات المعقدة التي تمر بها المنطقة. ومن خلال خبراتهن المتنوعة ومساهماتهن الفاعلة في الملفات الحقوقية والإنسانية، تثبت الكفاءات النسائية أن إدماج النساء في الشأن العام لم يعد خياراً تكميلياً، بل ضرورة عملية لرسم سياسات أكثر عدلاً وشمولاً، تعزز من فرص الاستقرار والتغيير الإيجابي في المجتمعات.