تقف أم عبده أمام منزلها المدمَّر، تحدِّق في تفاصيله، ثم تتنقّل بين أرجائه وهي تسترجع صورته الجميلة كما كان قبل أن يصبح ضحيةً لقصف الطيران قبل سنوات، ثم فريسةً لجيش "التعفيش" الأسدي. تتمنى لو أنها مخطئة، وأن هذا ليس منزلها، لكن الموقع والتفاصيل المتقاطعة بين شكله القديم والحالي، يثبتان الحقيقة المرّة. تتحوْقَل، وتُلقي بنظراتها على منازل الجيران والأقارب المحيطة، التي لم تكن أوفر حظاً.
تقول أم عبده (55 عامًا) من ريف حماة: "دمار المنازل كسَر ظهورنا، لكن هذا يمكن تجاوزه مع الوقت، ويمكننا إعادة بنائها، ربما بشكل أفضل مما كانت عليه. لكن ماذا عن الأبناء والأحبة الذين خطفتهم الحرب منا؟ لقد فقدت ثلاثة من أولادي؛ أحدهم قُتل خلال اشتباكات اندلعت بين فصائل قبل أحد عشر عاماً، وآخر قضى في حادث سير في بدايات النزوح من القرية قبل خمس سنوات وسبعة أشهر، ولحق به شقيقه بعد واحد وعشرين يوماً فقط. ثم تُوفي زوجي بعدهم، وكأن قلبي لا يزال يُنتزع قطعةً قطعة".
وتتابع بصوت يغلبه الحزن: "قبل أن أعود، كان مجرّد التفكير بالرجوع إلى الحارة والمنزل من دونهم يضيق صدري، وتُظلم الدنيا في عيني. سأراهم في كل تفصيل، في كل لحظة تمرّ بي. في ساحة الحارة حيث اعتادوا أن يتجمعوا مع أصدقائهم، في الأرض عندما كنا نعمل معًا وتملأ ضحكاتهم المكان، على"على مائدة الطعام التي باتت تفتقد وجودهم، وأصبحت أماكنهم الفارغة تذكّرني دومًا بأن شيئًا كبيرًا ينقص هذا البيت."
ليست أم عبده وحدها من تعيش شعور الفقد واللوعة بسبب ما خلّفته الحرب من ظروف قاسية، فكل سوري أصابته خسارة ما، باختلاف أشكالها. عدد الضحايا يُقدَّر بالآلاف، سواء في السجون أو تحت القصف أو خلال محاولات الهجرة غير الشرعية، ناهيك عن وقائع الاعتقال، والدمار، والسرقة، والتخريب، وعمليات "التعفيش".
لم يكن التخلّص من حكم آل الأسد أمراً سهلاً، خصوصًا أن هذا الحكم امتد لعقود طويلة وتحالف مع الروس والإيرانيين. ومع ذلك، سقط في 8 كانون الأول/ديسمبر من عام 2024. لكن جراح السوريين لم تندمل بعد، فذاكرتهم ما زالت مثقلة بالآلام والأحداث المروّعة التي يصعب نسيانها، وقد فُتحت تلك الجراح مجددًا مع العودة إلى الديار، حيث الغياب الواضح لأفراد العائلة يُعيد المأساة إلى الواجهة.
تخشى أم محمد العودة إلى منزلها في ريف إدلب الجنوبي، إذ تحاول قدر الإمكان الهروب من ذكرى وفاة ابنها الذي قُتل في قصف جوي قبل نحو سبع سنوات، حين بدأت الحملة العسكرية على مناطق ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وبدأ جيش النظام بالتقدّم.
تقول السيدة الخمسينية: "نزحنا من القرية في الأيام الأولى للحملة، بينما أصرّ أولادنا الشباب على البقاء لحماية المنازل من السرقة، ودعم المقاتلين على الجبهات. لم نتمكن من إجبارهم على المغادرة. مع تصاعد القصف، كان الشبان يختبئون في كهوف قمنا بحفرها تحت الأرض لتوفير الحد الأدنى من الأمان".
وتتابع أم محمد: "كان ابني في منزل أحد الجيران يسهر مع اثنين من أصدقائه عندما استهدفت الطائرات الحي بالغارات. سقط صاروخ على المنزل فقُتل ابني على الفور، وأُصيب أحد أصدقائه إصابة بالغة في العمود الفقري أفقدته القدرة على الحركة، أما الثالث فقد نجا بإصابات طفيفة لأنه كان في المطبخ يعدّ الشاي وقت الضربة".
تغيّرت حياة تلك المرأة بشكل كبير بعد فقدان ابنها، حتى أن أبناءها الآخرين باتوا يتجنّبون ذكر اسمه أمامها، كي لا تنفجر بالبكاء. بل أصبحوا يبتعدون عن كل ما يرتبط به: طعام كان يفضّله، ملابس كان يرتديها، ذكريات تجمعهم به، وحتى المناسبات التي كان يشاركهم فيها. فمجرد أن يخطر على بالها، تنخرط في نوبة بكاء حادة، وقد ترفض تناول الطعام لساعات طويلة. "كيف يمكن أن تنسى ما حدث، وهي تمرّ يومياً أمام المنزل الذي فقدته فيه؟"، تقول منار، ابنتها، التي كانت حاضرة معنا أثناء اللقاء مع والدتها.
ولدى مناقشة الآثار النفسية والاجتماعية لتلك الذكريات على الأمهات، تحدثنا مع براء الجمعة مختص في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، وقال: "في السياق السوري، لا يمكن اختزال الذاكرة بمجرد اضطراب نفسي ناجم عن الصراع؛ بل إنها تمثل شاهداً حيّاً على انتهاك القيم الإنسانية، وجمراً تحت الرماد يُهدّد بالاشتعال كلما اصطدم خطاب النسيان القسري بجرحٍ لم يُعترف به.
بالنسبة للأمهات السوريات، تتداخل الذكريات مع غياب العدالة لتشكّل "ألماً مركّباً": ألم الفقد ذاته، وألم الغياب التام للاعتراف المجتمعي والدولي بضحاياهن. ومع استمرار غياب آليات المساءلة الفعلية، تتحوّل الذكريات إلى شكل من أشكال المقاومة الرمزية ضد الإقصاء، وتُعزز شعوراً بالاغتراب، خاصة في البيئات التي يُفرض فيها خطاب "المصالحة" قسراً دون محاسبة.
وأضاف: "التأثيرات اليومية لا تنفصل عن بنية المعاناة المستمرة، حيث تظل مظاهر الفقر والتهميش والعنف البنيوي متجذرة في تفاصيل الحياة، ففي العلاقات الأسرية: يظهر توتر دائم في ديناميكيات الأمومة، يتجسد في حساسية مفرطة تجاه الأبناء الناجين، كرد فعل على فقدان السيطرة خلال فترات الحرب، ما يضع الأمهات في صراع داخلي بين الحماية والخوف من التكرار.وفي الجسد: تتجلّى آثار الظلم في صيغ جسدية؛ آلام مزمنة، اضطرابات في النوم، وشكاوى صحية متكررة لا تجد تفسيراً طبياً واضحًا، ما يشير إلى وجود علاقة عميقة بين المعاناة النفسية والتجسيد الجسدي للصدمات".
وذكر الجمعة أن الدعم الفعّال للنسوة لا يُختزل في جلسات علاج فردية، بل يتطلّب مقاربة شاملة تعترف بالذاكرة كحق إنساني، وبالمعاناة كقضية نظامية لا كخلل في الدماغ أو العاطفة.على مستوى السياسات: يجب تعزيز المبادرات المجتمعية التي تُمكِّن النساء من إعادة تشكيل سردياتهن بأنفسهن. التوثيق المحلي، والأرشيفات المجتمعية، ومشاريع التمكين التي تدمج بين سبل العيش ومساحات الحكي، تساهم في ترميم الكرامة قبل استهداف "الصحة النفسية".
وتابع: "على مستوى الممارسة النفسية الاجتماعية: من الضروري تبنّي أدوات تُعيد تعريف الهوية بعيدًا عن دور "الضحية"، مثل تقنيات السرد الجماعي والتدخلات القائمة على استعادة المعنى. كما يُعدّ الدمج بين الدعم النفسي والتحرك المجتمعي وسيلة فعّالة لتحويل الألم الفردي إلى طاقة جماعية للضغط والتغيير.
وعلى مستوى الخطاب الإعلامي والأكاديمي: ينبغي استبدال مفردات مثل "الضحايا" بـ"الناجيات" أو بدائل أخرى ملائمة، مع الالتفات إلى توثيق قصص الصمود اليومي، بما يعكس القوة والتكيّف، لا الألم فقط.
تقفُ نورا في المطبخ تُعدّ السندويشات لأطفالها الثلاثة، تنظر إلى ساعتها وتحاول الإسراع كي تلبسهم ملابسهم قبل الذهاب إلى المدرسة، وسط جو يعجّ بالطلبات:"أمي، مشطي لي شعري"، "أنا جائع"، "لا أريد الذهاب اليوم!". ليقاطعهم صوت زوجها: "أين قهوتي؟ هل كويتِ البنطال؟ أريد الذهاب إلى العمل".
تحاولُ نورا إنجاز المهام بسرعة، وبعد الانتهاء منها ترتدي ملابس عملها، تتناول قطعة خبز مع الجبن على عجل، ثم تنطلق.
اعتادتْ نورا، وهي سيدة في منتصف الثلاثينات، وتعملُ في مهنة التدريس، على هذا النمط من الحياة منذ أن قررت العمل لمساعدة زوجها في تغطية نفقات المنزل. لكن رغم ذلك، تمضي يومها تركض بين المجلى والغسالة، والتنظيف وإطعام الأطفال، بالإضافة إلى واجباتها الزوجية. كثيراً ما تفكر بترك العمل لتخفيف العبء عن نفسها، لكن الظروف المادية الصعبة التي تمرُّ بها الأسرة وحاجتهم إلى دخلها يجعلها تتراجع عن القرار.
عشرات السوريات معيلات لأسرهن
نورا واحدة من عشرات النساء في سوريا اللواتي يحملن على عاتقهن مسؤوليات مضاعفة، في العمل داخل المنزل كأمهات وزوجات وربّات بيوت، وخارجه في وظائف متعددة سواء في المنظمات، أو المشافي، أو المدارس، أو الأعمال الزراعية، أو المصانع، أو البيع المتنقل، وغيرها من فرص العمل المتاحة للنساء.
لكن ثقل هذه المسؤوليات، وقساوة الظروف التي تحاول النساء التوفيق بينها، يجعلهن عرضة لصعوبات نفسية، صحية، واجتماعية، سنتناول بعضها استناداً إلى شهادات جمعناها خلال إعداد هذا التقرير.
غياب عن الجمعات العائلية
تشتكي بعض النساء من عدم تمكنهن من حضور التجمعات العائلية المحببة، فغالباً ما يكون لديهن التزامات مثل تحضير طعام اليوم التالي، أو إنهاء مهام العمل المتراكمة في المنزل. كما أن بعضهن يتعرضن للاتهام بالتقصير في الواجبات الاجتماعية كزيارة الأقارب أو الجيران، بينما تحاول كثيرات استغلال أوقات الفراغ أو العطل في العناية بالمنزل أو الأطفال، أو على الأقل نيل قسط من الراحة.
تقول فاطمة (30 عامًا)، مقيمة في ريف إدلب الشمالي وتعمل في إحدى المنظمات الإنسانية في مجال المراقبة والتقييم: "في البداية كنت أنزعج من عتاب الجارات والأخوات والصديقات بسبب تقصيري في زيارتهن، لكنني اعتدت الأمر لاحقًا. فأنا أعمل من لحظة استيقاظي حتى المساء، وأسعى لإنجاز المهام المترتبة عليّ.
حتى يوم العطلة أخصصه للحالات الطارئة كزيارة مريض أو تهنئة بمناسبة لا يمكن تجاهلها. وإن لم توجد مناسبة، أقضيه في ترتيب المنزل. فالعمر ينتهي، لكن عمل البيت لا ينتهي".
تعب جسدي وإرهاق
وتعرضتْ نساء أخريات لتعب جسدي شديد نتيجة كثرة الأعمال اليومية الملقاة على عاتقهن. ووفقاً لسيدات تحدثنا معهن، تجلّى هذا التعب في آلام بالظهر، والركبتين، واليدين، والرقبة، خصوصًا لدى من يعملن في الزراعة، مثل الحصاد، وتنظيف الأراضي من الأعشاب الضارة، وقطاف الثمار، واقتلاع البطاطا، وجمعها في أكياس.
ولا تقتصر الآلام على العاملات في الزراعة، فالمعلمات أيضاً يعانين من الوقوف لساعات طويلة أثناء الشرح والتنقل بين الطلاب. وبشكل عام، لكل مهنة نوعها الخاص من الإرهاق الجسدي، والذي يتضاعف عند الجمع بين العمل داخل المنزل وخارجه.
تعلق أم محمود (45 عامًا) من ريف حماة، وأم لخمسة أبناء:"خلال العمل في الأرض، نضطر للاستيقاظ قبل بزوغ الفجر. أشعر أحياناً وكأن ظهري سينكسر، لكن لا خيار أمامي، فلا يكفي دخل زوجي من عمله في مكبس الحجارة لتلبية متطلبات الأسرة. أتعب كثيراً، وأشعر بآلام في أنحاء مختلفة من جسدي، وعندما أعجز عن التحمل، أضطر للبقاء في المنزل حتى أتحسن، ثم أعود للعمل من جديد".
ضرورات العمل
وتعيش كثير من النساء تحت ضغط نفسي ناتج عن تراكُم المهام والمسؤوليات، مما يؤدي إلى شعور دائم بالقلق والتوتر والتفكير الزائد، وقد يصل الأمر إلى اضطرابات في النوم. ومع ذلك، لا يستطعن التخلي عن أحد العملين، فالمنزل واجب مفروض عليهن حسب العادات والتقاليد، والعمل الخارجي أصبح ضرورة ملحّة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وصعوبة تأمين أبسط مقومات المعيشة.
بل إن بعض النساء اضطررن لتحمّل مسؤولية الأسرة كاملة، خاصة في ظل ظروف الحرب، التي أودت بحياة بعض الأزواج، وأدت إلى اعتقال البعض الآخر، مما أجبر النساء على لعب دوري الأب والأم في آنٍ واحد.
تحكي سلمى (42 عامًا) من ريف دمشق:"اعتُقل زوجي في بدايات الثورة، ثم انقطعت أخباره كلياً. قررت ألا أستسلم، وأن أقوم بواجباتي تجاه الأسرة بالكامل. ساعدتني عائلتي قليلاً، لكن ذلك لم يكن كافياً، فاضطررت للعمل. وبعد تهجيرنا إلى إدلب، التحقت بدورات تدريبية في الدعم النفسي، وتمكنت من الحصول على وظيفة براتب جيد. وبعد تحرير السجون، لم نعثر على زوجي، ويُرجّح أنه استُشهد".
وتواصل سيدات سوريات على متابعة مهامهن يومياً، صابرات على التحديات الجسدية والنفسية التي يواجهنها بصبر وقوة لا توصف، لأنهن العمود الفقري لأسرهن، مجسدات مثالاً حقيقياً للصمود في وجه الظروف القاسية.
سجل الدولار الأميركي صباح اليوم الخميس، 1 أيار 2025، تفاوتًا ملحوظًا في سعر صرفه أمام الليرة السورية بين المحافظات السورية.
إذ بلغ في الحسكة شمال شرق سوريا 12100 ليرة سورية للشراء و12200 ليرة سورية للمبيع، وهو أعلى سعر مسجّل في البلاد حتى الآن.
في المقابل، استقر الدولار في كل من دمشق، حلب، وإدلب عند 11800 ليرة للشراء و11900 للمبيع، دون أي تغيير عن اليوم السابق.
ويأتي هذا التفاوت في ظل أزمات اقتصادية ومعيشية متصاعدة، وسط توقعات باستمرار الضغوط على الليرة نتيجة غياب الاستقرار النقدي وانخفاض الاحتياطي الأجنبي.
وسجّلت أسعار الذهب في السوق السورية ارتفاعًا ملحوظًا اليوم، تزامنًا مع تقلبات أسعار الأونصة عالميًا واستمرار تدهور سعر صرف الليرة السورية.
وبلغ غرام الذهب عيار 18 سعرا وقدره 920,000 ليرة سورية وغرام الذهب عيار 21: 1,072,000 ليرة سورية.
وغرام الذهب عيار 24 سعرا وقدره 1,221,000 ليرة سورية وسعر أونصة الذهب عالميًا 3,220.33 دولار أمريكي.
ويأتي هذا الارتفاع وسط ترقب في الأسواق المحلية لأي تغيّرات في سعر الصرف أو القرار المركزي بشأن تسعير الذهب في الأيام المقبلة.
بالمقابل يبقى مستقبل الإصلاح المالي والاقتصادي في سوريا رهناً بالاستقرار السياسي والاجتماعي على المستويات الداخلية والخارجية، وما ينتج عن ذلك من تفاهمات تمهد الطريق لمواجهة التحديات الهيكلية، أبرزها العقوبات الدولية وتداعيات البنية التحتية المدمرة.
ويعد استعادة التعاون مع النظام المالي العالمي عاملاً أساسياً في تفعيل التمويل المنتظر من المؤسسات الدولية، إذ تبدو جهود الإصلاح المالي محدودة التأثير دون توفير التمويل والدعم اللازمين لضمان تطبيقها على أرض الواقع.
الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي المهندس باسل كويفي أكد أنّ أي إصلاح مالي واقتصادي من أولوياته الاستقرار السياسي ومواجهة تحديات هيكلية، مثل البنية التحتية المدمرة، واستمرار العقوبات التي تعوق إعادة الإعمار أو التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية سواء بالمنح أو القروض.
موضحاً أنّ عدم طلب القروض الدولية موقفاً رمزياً، نظراً لأن سوريا ليست في وضع يسمح لها بالحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية حتى الآن، بسبب العقوبات وشروط الإصلاح الصارمة التي تفرضها هذه المؤسسات، أو الخوف من زيادة التبعية الاقتصادية للخارج.
وبين أن تحديات الإصلاح، من دون وجود تمويل خارجي ودعم مالي كبير، يبدو صعباً من أجل تنفيذ إصلاحات جوهرية، خاصة في قطاعات مستهدفة مثل الطاقة والبنية التحتية والخدمات العامة والقطاع المصرفي والتسييل النقدي وبرامج التدريب والمشاريع التنموية.
ولكنها تتطلب إرادة سياسية تأخذ في الحسبان التداعيات الجيوسياسية وانعكاساتها على الاقتصاد، مع تحسين آليات الرقابة المالية والشفافية والحوكمة والمحاسبة، وإصدار القوانين والتشريعات اللازمة لتحقيق الأهداف، بما يعزز الصلابة في مواجهة التحديات والصدمات لتعزيز النمو رغم ارتفاع مخاطر الاستقرار المالي العالمي بشكل كبير.
مع تشديد الظروف المالية العالمية، ومعدلات الديون العالمية وأزمة الرسوم الجمركية فى ظل تصاعد وتيرة التوترات التجارية بين الدول والكيانات الاقتصادية العالمية وينعكس على معدلات النمو والتضخم والتوظيف.
ويرى أنّ المواضيع الأكثر اهتماماً في الوقت الحالي عالمياً وإقليمياً ومحلياً هي الآفاق الاقتصادية العالمية، واستئصال الفقر والتنمية الاقتصادية، وخطط دعم النمو الاقتصادى والتعامل مع الديون، وتمويل التحول إلى الطاقة النظيفة، وتسريع وتيرة المساواة بين الجنسين، وآليات تحقيق التنمية المستدامة، والقضايا التى تواجه الأسواق المالية العالمية.
وانطلاقاً من تلك السياسات، يرى أنه لا بدّ من تحقيق اندماج متوازن لسوريا مستقبلاً في الاقتصاد العالمي عبر مناقشة “عواقب الاندماج والإقصاء المالي”، حيث تدهور اقتصاد سوريا وعلاقاتها التجارية والمالية الدولية، خلال فترات حكم النظام البائد.
ما استبعدها من النظام التجاري والمالي المتعدد الأطراف، إضافة لفرض عقوبات اقتصادية، بسبب نظام القمع والاضطهاد أدت إلى تراجع كبير في مستوى الخدمات والإنتاج، وما رافقه من فساد مستشر في المؤسسات الحكومية والمالية والمصرفية.
يذكر أن الليرة السورية فقدت أكثر من 315% من قيمتها خلال عام 2023، مما أثر سلبًا على الاقتصاد السوري، وسط دعوات لتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
لم تكن دراستي الجامعية مجرد سنوات من الكتب والمقررات، بل كانت ملحمة شخصية، خضتُ فيها معركة بقاء للحلم وسط رماد الحرب. لم أكن طالبة فحسب، بل كنت شاهدة على زمنٍ تنزف فيه الأحلام وتتشبث فيه الكرامة بخيط رفيع من الأمل.
كانت نقطة التحول في عامي الثاني، حين خرجت مدينة إدلب عن سيطرة النظام. شعرتُ يومها وكأن المدينة تنفست الصعداء عني، وكأن سجنًا فُتح ببطء. لكن لحظة النشوة لم تكتمل، إذ أصبحت جامعتي بعيدة، شبه مستحيلة. لم أستسلم، حملتُ أختي وقلقي، وذهبنا إلى جامعة حماة الخاضعة للنظام.
الرحلة التي بدأت بالأمل انتهت على حاجز عسكري حيث وقعنا في فخ الإهانة والذل. ادّعى الجنود أن الحافلة تحوي متفجرات. تفتيش، شتائم، وضربٌ لشاب فقط لإذلاله. لم أُصب جسديًا، لكن كرامتي ضُربت في صميمها. وعدتُ يومها بقرار واحد: لا علم يُطلب على حساب الكرامة.
مرّت شهور وأنا أراقب أحلامي تتآكل بصمت. لكنني لم أنسَ الطريق. حين فُتحت لي فرصة لمتابعة الدراسة في إدلب، قفزتُ إليها دون تردد. لا شيء كان سهلاً. كل شيء من حولنا كان يدفعنا للانسحاب: القصف، المخاوف، الأصوات المثبطة: "شو هالدراسة؟"، "ما إلها قيمة!". لكنني كنت أتابع الطريق بابتسامة عنيدة، لأنني ما كنت أبحث عن شهادة، بل عن نفسي التي تركتها ذات يوم على مقعد خشبي في قاعة باردة.
كانت السماء تمطر نارًا، والطائرات لا تغيب، والمقاعد تفرغ أحيانًا من أصحابها إلى الأبد. لن أنسى ذاك اليوم الذي استُشهد فيه شاب من أبناء حارتي، زميل مقاعد وحلم مشترك. سقط بيننا، على عتبة الحياة، بينما صرخات أهله تشقّ صدر السماء. والدته ناحت على جثته: "ما لحقت أفرح فيه!". لم يكن مشهدًا عابرًا، بل جرحًا مفتوحًا في ذاكرة لا تنسى.
ورغم كل ذلك، أكملتُ. وتخرجت بمعدل 80%. تحت القصف، فوق الخوف، بجانب الشموع. وبعد التخرج، حظيتُ بفرصة عمل محترمة، شعرتُ معها أن كل خطوة في طريقي المثقل لم تذهب سدى. كان ذلك العمل بداية جديدة في حياة تشبه الحلم وسط ركام الواقع.
لقد اخترت أن أمشي هذا الطريق، رغم الأشواك. لم يكن سهلاً، لكنه كان طريقي… وأنا مشيتُه حتى النهاية.
على مدار سنوات حكمه، اعتقلَ نظام الأسد آلاف السوريين انتقاماً من مشاركتهم في الثورة المعارضة له، وزجَّ بهم في معتقلات يغيبُ عنها الحدّ الأدنى من المعايير الإنسانية. في تلك الزنازين المظلمة، عانى المعتقلون من أقسى أنواع التعذيب والإهمال، حتى فارقَ كثير منهم الحياة دون محاكمة أو معرفة ذويهم بمصيرهم. وبينما أُفرج عن بعضهم قبل سقوط النظام، وخرج آخرون بعد التحرير.
لكن الخروج من السجن لم يكن نهاية المعاناة، يعتقدُ البعض أن معاناة المعتقل تنتهي بمجرد فتح أبواب السجن وإطلاق سراحه، وكأن الحرية تطوي ما مضى من صفحات العذاب التي عاشها خلال سنواتٍ اقتطعتها القضبان من عمره.
إلا أن الواقع مختلف تماماً؛ إذ يواجه الناجي من الاعتقال سلسلة متواصلة من التحديات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويحتاج إلى جهد كبير لاستعادة توازنه والاندماج مجدداً في حياته الطبيعية. في هذا التقرير، نستعرض بعضاً من هذه الصعوبات، استناداً إلى شهادات ميدانية جمعناها من أصحاب التجربة أنفسهم ومن ذويهم.
الندوب النفسية والآثار الجسدية
غالباً ما يعاني الناجون من الاعتقال من استمرار استرجاعهم للأحداث الصادمة التي تعرضوا لها داخل السجن، مثل التجويع، والضرب، والإهانة، وغيرها من أساليب القمع التي اعتاد النظام السوري استخدامها ضد المساجين.
وقد أفادَ عدد من المعتقلين السابقين بأنهم يرون كوابيس متكررة تجسد مشاهد مشابهة لما عاشوه، مما يعكس استمرار تأثير الصدمة النفسية حتى بعد الإفراج عنهم. ويُعد الشعور الدائم بالخوف، واضطرابات النوم، والقلق والتوتر من الأعراض الشائعة لما يُعرف بـ"اضطراب ما بعد الصدمة"، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الحالات وفق ما تؤكده الدراسات النفسية.
ولا تتوقف آثار الاعتقال عند الجانب النفسي فقط، بل تمتد إلى الجسد الذي ناله نصيب وافر من العذاب، مخلفًا إعاقات دائمة ومزمنة لدى كثير من المعتقلين. فالتعذيب القاسي داخل السجون تسبّب بإصابات بالغة لعدد من المعتقلين، وصل بعضها إلى إعاقات دائمة، وفقًا لما أكدته تقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى جانب توثيقات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وقد أشارت هذه المصادر إلى أن عدداً من المعتقلين تعرّضوا لإصابات جسدية خطيرة، شملت حالات بتر أطراف نتيجة الضرب المبرح أو الإهمال الطبي، بالإضافة إلى شلل جزئي أو كامل بسبب الصعق بالكهرباء أو إصابات في العمود الفقري. كما وثّقت التقارير فقدان بعض المعتقلين لحاسة البصر أو السمع، إلى جانب إصابة آخرين بأمراض مزمنة أو فشل في بعض الأعضاء نتيجة الحرمان من العلاج وسوء ظروف الاحتجاز.
أعباء اقتصادية وتحولات اجتماعية
وإلى جانب الجوانب النفسية والجسدية، يواجه المعتقلون المحررون تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة، تُثقل كاهلهم وتُعيق اندماجهم في الحياة الطبيعية. إذ أن معتقلون اصطدموا بواقع اقتصادي متردٍ، لا سيما في ظل اضطراره لإعادة بناء حياته من الصفر.
وفي كثير من الحالات، لا يمتلك ذوه القدرة المادية الكافية لتأمين احتياجاته اليومية أو دعمه في تجاوز المرحلة الانتقالية بعد خروجه من السجن. كما أن السنوات التي قضاها في الاعتقال قد حرمته من فرص التعليم أو العمل، ما يقلل من إمكانية اندماجه مجددًا في سوق العمل ويزيد من صعوبة تأمين مصدر دخل ثابت.
كما صُدم عدد من الناجين من الاعتقال بالتغيرات الجذرية التي طرأت على أوضاع أسرهم خلال فترة احتجازهم، بعضها كان مأساوياً؛ إذ فقد بعضهم أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة دون أن تتاح لهم فرصة الوداع أو حتى معرفة التفاصيل.
ولم تتوقف الصدمة عند هذا الحد، فقد عانوا أيضاً من آثار الحرب المدمرة، خصوصاً في المناطق التي تعرضت لقصف أو اجتياح من قبل قوات النظام، والتي سُجّلت فيها حالات انتقام جماعي من السكان بسبب مواقفهم المعارضة. وجد كثير من الناجين أنفسهم أمام مشهد قاسٍ: منازل مدمّرة، أراضٍ محروقة، وأشجار مقطوعة، ليتبدد ما تبقى من ملامح الطفولة والانتماء.
تُظهر قصص المعتقلين الناجين من سجون النظام السوري أن الخروج من السجن لم يكن نهاية رحلة المعاناة، بل بداية فصل جديد من التحديات التي لا تقل قسوة عمّا سبق. فالألم النفسي، والضرر الجسدي، والضياع الاقتصادي، والانهيار الاجتماعي، جميعها تلتقي لتشكّل واقعًا معقّدًا يحتاج إلى استجابة شاملة من قبل المؤسسات الحقوقية والإنسانية والمجتمعية.
واليوم، بعد أن كُشف جانب من الحقيقة، تبقى العدالة والمساءلة، إلى جانب برامج الدعم وإعادة التأهيل، ضرورات لا بد منها لتمكين الناجين من استعادة حياتهم وكرامتهم، ولضمان ألا تتكرر هذه المأساة في مستقبل سوريا.
شهدت السوق السورية اليوم الأربعاء 30 نيسان/ أبريل، تغيرات طفيفة حيث سجلت ارتفاعاً في سعر صرف اليورو مقابل الليرة السورية في عدد من المحافظات.
وسجلت الليرة تراجعاً ملحوظاً أمام الدولار خلال التعاملات المسائية اليوم في دمشق، بلغ سعر شراء الدولار 11,775 ليرة سورية، وسعر البيع 11,875 ليرة، بانخفاض 125 ليرة عن اليوم السابق.
وتزامنت أسعار الصرف في حلب وإدلب مع دمشق، مسجلةً ذات الأرقام أما في الحسكة، فقد شهدت الليرة تراجعاً أكبر، حيث سجل سعر الشراء 12,050 ليرة والبيع 12,150 ليرة، وفق موقع “الليرة اليوم” المتخصص.
في المقابل، حافظ مصرف سوريا المركزي على سعر الصرف الرسمي عند 12,000 ليرة للشراء و12,120 ليرة للبيع، حسب نشرته اليومية.
وسجّل اليورو في دمشق، حلب، وإدلب سعراً موحداً بلغ 13,359 ليرة للشراء و13,477 ليرة للمبيع، بزيادة بنسبة 1.44% عن الأسعار السابقة.
أما في محافظة الحسكة، فقد بلغ سعر شراء اليورو 13,643 ليرة وسعر المبيع 13,762 ليرة، بزيادة نسبتها 1.62%، ما يشير إلى تباين واضح في حركة السوق بين المناطق.
يأتي هذا الارتفاع وسط تذبذب مستمر في أسعار الصرف بالتوازي مع الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
وتجدر الإشارة أن السوق السورية للذهب تشهد تذبذباً حاداً نتيجة عوامل داخلية تتعلق بسياسات العرض والطلب، إلى جانب تأثيرات غير مباشرة من السوق العالمية وتقلبات أسعار الصرف محلياً.
وسجل سعر غرام الذهب من عيار 21 قيراط إلى 1,080,000 ليرة سورية في دمشق، بزيادة قدرها 10,000 ليرة عن سعر يوم أمس.
يذكر أن الليرة السورية فقدت أكثر من 315% من قيمتها خلال عام 2023، مما أثر سلبًا على الاقتصاد السوري، وسط دعوات لتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
لا تكاد جراح الغياب تندمل في قلوب السوريين حتى تعيدهم قصة مؤلمة إلى واجهة الألم، مذكّرة ببشاعة ما ارتكبته سنوات القمع والاعتقال. وفي قلب هذه المأساة تقف السيدة أم علاء، التي تعيش وحيدة في منزل يفتقر لأدنى مقومات الحياة، بلا أبواب أو نوافذ أو حتى مكان مخصص لقضاء الحاجة، وتعاني وضعاً صحياً يتطلب عملية جراحية تبلغ كلفتها 5000 دولار لا تقوى على توفيرها.
وسط هذا الحرمان، تبقى حسرتها الأكبر على ابنها علاء، الذي اُعتقل قبل 14 عاماً وهو في العشرين من عمره. تقول أم علاء في لقاء إعلامي: "لو كان حياً لكان عمره الآن 34 عاماً"، قبل أن تغرق في موجة بكاء، وهي تتحسر على مصيره المجهول وعلى الحال الذي وصلت إليه، مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن معاناة ابنها وآلاف غيره من المختفين قسرياً.
دعوات متجددة للمحاسبة
أم علاء ليست حالة استثنائية؛ بل هي واحدة من مئات الأمهات السوريات اللواتي يرفعن أصواتهن يومياً مطالبات الحكومة السورية الجديدة بتطبيق العدالة ومحاسبة كل المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال حكم النظام السابق.
فبعد سقوط الرئيس المخلوع وفتح السجون، اصطدمت العديد من العائلات بواقع مرير، حيث غاب أثر الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً. وبحسب تصريحات فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن عدد المختفين قسرياً الذين لم يُعثر لهم على أثر حتى بعد التحرير تجاوز 112 ألف شخص.
فقدان السند في رحلة العودة
مع انطلاق قوافل العودة إلى القرى والمدن المحررة، تجد كثير من الأمهات أنفسهن في مواجهة صادمة مع واقع فقدان السند، خاصة من لا معيل لهن.
تروي أم عبدو (65 عاماً)، النازحة من ريف حماة: "يا حسرة علينا.. أنجبنا الأولاد ليكونوا عوناً لنا عندما نهرم، لكننا فقدناهم على قيد الحياة. كلما احتجت لتركيب جرة غاز أو إصلاح عطل، يشتعل الحنين إلى ابني محمد الذي مات خلف قضبان بشار الأسد".
العودة إلى الأماكن والذكريات المؤلمة
في موازاة ذلك، تعبر أمهات عن خوفهن من العودة إلى قراهن الأصلية، خشية أن توقظ كل زاوية ذكرى مؤلمة. تقول الحاجة آمنة (70 عاماً)، النازحة من ريف إدلب الجنوبي: "في كل مرة أشتاق لابني عبد الله، الذي اُعتقل قبل 12 عاماً، ألوم نفسي وأتساءل: لو أنني منعته من السفر إلى دمشق للدراسة، هل كنت أنقذته؟ ثم أعود لأستسلم لقضاء الله".
أمهات رحلن قبل معرفة مصير أبنائهن
ولم يمهل القدر بعض الأمهات فرصة معرفة مصير أبنائهن، كما حدث مع أم كرمو، التي توفيت قبل أيام قليلة من تحرير المنطقة، دون أن تعرف شيئاً عن ابنها المعتقل منذ أكثر من 13 عاماً، وسط سلسلة طويلة من الإشاعات وابتزاز السماسرة.
انتظار العدالة رغم الألم
وترفض كثير من الأمهات تصديق أن أبناءهن قضوا تحت التعذيب، طالما لم يسلّمن جثامينهم أو يُقم لهن وداع لائق أو قبر يحمل أسماءهم، واليوم، تقف أمهات المختفين قسرياً موحدات خلف مطلب العدالة، مطالبات بتطبيق المحاسبة الحازمة ومعاقبة المجرمين حتى لا تذهب دماء أحبتهن هدراً.
شهدت الليرة السورية تحسنًا محدودًا مقابل الدولار الأمريكي، مع تسجيل سعر 11,500 ليرة للشراء و11,600 ليرة للمبيع في كل من دمشق وحلب وإدلب.
أما في الحسكة، فقد بلغ السعر 11,700 ليرة للشراء و11,800 ليرة للمبيع، مع حفاظه على استقرار نسبي مقارنة بالأسواق الأخرى.
ويعكس الانخفاض الطفيف بنسبة 0.43% في بعض المناطق تحسنًا محدودًا في قيمة العملة المحلية، وسط استمرار تأثرها بالظروف الاقتصادية الداخلية والخارجية.
واصلت أسعار الذهب في سوريا ارتفاعها، حيث سجل غرام الذهب عيار 18 سعر 922,000 ليرة سورية، بينما بلغ غرام الذهب عيار 21، وهو الأكثر تداولًا، 1,075,000 ليرة.
ووصل سعر غرام الذهب عيار 24 إلى 1,224,000 ليرة سورية، ما يشير إلى زيادة الطلب على الذهب كوسيلة لحماية المدخرات.
على المستوى العالمي، ارتفعت أسعار الذهب أيضًا، وسجلت أونصة الذهب 3282.94 دولارًا أمريكيًا، في ظل استمرار الاضطرابات الاقتصادية العالمية.
وأعلن وزير المالية السوري، محمد برنية، أن بعثات دولية ستبدأ بالوصول إلى دمشق في إطار ورشة شاملة للإصلاح المالي والاقتصادي تغطي مختلف القطاعات.
وأوضح أن الهدف من هذه البعثات هو الاستفادة من الخبرات الفنية والدعم المؤسساتي، مؤكدًا أن الحكومة السورية لا تسعى لطلب قروض جديدة، بل تركز على تطوير بنيتها المالية عبر الدعم التقني فقط.
وفي مقابلة مع قناة "الشرق"، شدد الوزير على أن سوريا لا تطلب تمويلًا من المؤسسات الدولية، بل تسعى للحصول على مساعدات فنية وتقنية لإعادة بناء النظام المالي والمصرفي، مع الالتزام بمعايير الشفافية والاستدامة المالية.
ويذكر أن الحكومة السورية الجديدة تسعى إلى إعادة بناء الاقتصاد من خلال التعاون مع المؤسسات الدولية وتنفيذ إصلاحات هيكلية ومع ذلك، فإن استمرار العقوبات والصعوبات المعيشية يشكلان عقبات كبيرة أمام تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام.
الغربة داء لا دواء له إلا بالعودة إلى أرض الوطن. تغمض عينيك عن كل ما هو جميل حولك، ويقتادك الحنين كل يوم إلى عوالم الذكريات، ينهش داخلك، ويثقل عقلك بالتفكير، فمنذ أن راودتني فكرة الهجرة إلى تركيا، كنت أدرك تماماً حجم الألم الذي سأعيشه بعيداً عن مسقط رأسي، وكيف ستصبح حياتي مجرد أيام خاوية تمضي ببطء قاتل.
ابني لم يحتمل ألم الغربة
لم أتخيل أن ابني "صلاح" سيكون أول من تضيق روحه بفراق قريتنا كفر سجنة. تحولت حياته إلى سلسلة من الشكوى والحنين، وكان طلبه الوحيد هو العودة، مهما كانت التضحيات.
هربنا إلى مدينة أورفا عبر طرق التهريب، لكن الغربة خنقته، وغدا كل همّي أن أصبّره ريثما تهدأ الأوضاع. ومع ذلك، كانت ملامحه تفضح حزنه العميق، وكان يقضي ساعاته بالتواصل مع أصدقائه الذين بقوا في سوريا، يعدهم بعودته القريبة.
وصلنا إلى تركيا في آذار عام 2017، وكان صلاح في الثانية عشرة من عمره. في العام التالي، تمكنّا من زيارة سوريا بإجازة عيد الأضحى. لا أنسى فرحته العارمة عندما اقترب موعد السفر. أمضى صلاح أيامه متنقلاً بين الحقول والبيوت، يزور الأصدقاء والأقارب، ولم يمكث في منزلنا سوى للنوم. قال لي حينها: "لم أشعر بسعادة كهذه من قبل".
المرض المفاجئ والوصية المؤلمة
لكن مع انتهاء الإجازة، اضطررنا للعودة إلى تركيا. رفض صلاح العودة بشدة وبكى، لكن والده تمكن من إقناعه بالعودة مؤقتاً، مقابل وعدي له بأننا سنرجع إلى قريتنا قريباً.
بعد أسابيع من عودتنا، أصيب صلاح بمرض مفاجئ؛ ارتفعت حرارته وخارت قواه. في البداية ظننته مرضاً عابراً، لكن حالته ساءت سريعاً. وفي مساء أحد الأيام، قال لي بصوت واهن: "أمانة برقبتك يا أمي... إذا متت، تدفنيني بالضيعة".
أسعفته إلى المشفى، وهناك تلقينا صدمة بعد الفحوصات: القلب والكبد والدماغ بحالة سيئة. لم أستوعب ما قاله الأطباء إلا بمساعدة أحد الزوار الذي ترجم لي المأساة.
بقي صلاح في قسم العناية المركزة. في المساء، تلقيت اتصالاً من المشفى، وأخبروني أن ابني قد فارق الحياة.. ومرت أكثر من ست سنوات ونصف على ذلك اليوم المشؤوم، لكن وجع الفقد ما زال حاضراً في قلبي، وكأن اللحظة لم تمر.
تنفيذ الوصية مهما كان الثمن
رغم محاولات العائلة وبعض رجال الدين إقناعي بدفن صلاح في أورفا، لم أتردد لحظة في تنفيذ وصيته. ساعدني قريبي في إنهاء إجراءات نقل الجثمان، وتم السماح لنا بالبقاء عدة أيام في سوريا.
وصلنا إلى القرية مع أذان المغرب. استقبلنا الأهالي والأقارب بحزن بالغ. دخل صلاح منزلنا لآخر مرة ليلقي عليه الأحبة نظرة الوداع، ثم حُمل على الأكتاف إلى مقبرة القرية ليرقد هناك حيث أراد.
رغم أن تنفيذ وصيته حرمني طويلاً من زيارة قبره متى شئت، إلا أنني شعرت بالرضا أنني كنت وفية لرغبته الأخيرة.
العودة المرتقبة إلى الوطن
اليوم، وبعد تحرير سوريا من النظام، أرتب أموري للعودة مع عائلتي إلى الوطن، يتقد شوقي لزيارة قبر صلاح، الذي طالما حُرمت من رؤيته حتى خلال زياراتي القصيرة أثناء العيد، حين كانت قريتنا ترزح تحت سيطرة الأسد... الآن وقد أزيح الكابوس، أحمل قلبي المثقل بالذكريات، وأتهيأ للقاء صلاح الذي سبقنا إلى تراب الوطن.
سجلت الليرة السورية خلال تعاملات اليوم الأحد، حالة من الاستقرار أمام الدولار الأميركي في التعاملات الرسمية، وفق نشرة مصرف سوريا المركزي.
ووفقا لما أوردته مواقع اقتصادية محلية سجلت الليرة السورية مقابل الدولار في دمشق سعر للشراء 11500، وسعر 11600 للمبيع، وسجلت مقابل اليورو سعر 13070 للشراء، 13189 للمبيع.
ووصل في محافظة حلب، سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، سعر 11500 للشراء، و 11600 للمبيع، وسجلت أمام اليورو 13070 للشراء و 13189 للمبيع.
كما وصل في محافظة إدلب، سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، سعر 11500 للشراء، و 11600 للمبيع، وسجلت أمام اليورو 13070 للشراء و 13189 للمبيع.
بالمقابل أكد وزير المالية محمد يسر برنية، أن الحكومة السورية تسعى لإجراء إصلاحات اقتصادية دون الاعتماد على القروض، مع التركيز على الدعم الفني المقدم من المؤسسات الدولية والدول الصديقة.
وقال برنية في مقابلة مع "اقتصاد الشرق"، إن بعثات دولية ستصل إلى سوريا خلال الأيام المقبلة لتقييم الوضع الاقتصادي واقتراح خطط عمل وفقاً للاحتياجات الوطنية.
وأشار الوزير إلى أن سوريا لا تطلب قروضاً أو تبرعات، بل تسعى لبناء القدرات الاقتصادية ودعم صناديق التنمية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وأشاد برنية بالاهتمام الكبير الذي حظيت به مشاركة سوريا في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، مشيراً إلى أن الطاولة المستديرة حول سوريا كانت "حدثاً غير مسبوقاً" من حيث حجم الحضور الدولي.
وشدد برنية على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، لافتاً إلى وجود "تفهم دولي كبير" لهذا المطلب، رغم اعتباره أن خطوات تخفيف العقوبات من قبل بريطانيا والاتحاد الأوروبي غير كافية.
وأوضح أن وزارة المالية تركز على تحقيق عدة أولويات تتعلق بتوفير احتياجات المواطنين الأساسية، خصوصاً في مجالي الطاقة والكهرباء، إضافة إلى تعزيز بيئة الاستثمار ومحاربة الفساد.
ونبّه إلى أن نحو ربع سكان سوريا يعيشون في فقر مدقع، نتيجة ممارسات النظام السابق الذي خلّف مؤسسات متهالكة ومنظومة فساد واسعة.
على صعيد آخر، أثير جدل عقب تعيين وزارة الاقتصاد والصناعة مستشاراً تنفيذياً لشؤون السيولة والنقد، وهو ما اعتبره بعض المراقبين تدخلاً غير مباشر في عمل المصرف المركزي.
وطرح رئيس تحرير موقع "الاقتصادي"، حمود المحمود، تساؤلات حول مدى احترام استقلالية المركزي بعد هذا التعيين، محذراً من استنساخ ممارسات النظام السابق التي ساهمت بتفاقم أزمة السيولة.
ورد وزير الاقتصاد نضال الشعار على هذه المخاوف بالتأكيد أن "حرمة المصرف المركزي مصانة"، موضحاً أن مهمة المستشار تنحصر بإدارة سيولة مؤسسات الوزارة المندمجة فقط.
بدوره، أكد المستشار المعني، جورج خزام، أن تعيينه جاء تماشياً مع قرار دمج وزارات الاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية، مشدداً على أن إدارة السيولة باتت أكثر تعقيداً نتيجة تضاعف الإيرادات والمصاريف.
وفيما شدد على أن هدفه الأساسي هو دعم الصناعة السورية وتوسيع فرص العمل، أوضح المستشار مازن ديروان أن الهدف النهائي يجب أن يكون رفع إنتاجية المجتمع، محذراً من التركيز على "فرص عمل كاذبة" لا تحقق إنتاجاً حقيقياً.
يذكر أن الليرة السورية فقدت أكثر من 315% من قيمتها خلال عام 2023، مما أثر سلبًا على الاقتصاد السوري، وسط دعوات لتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
شهدت الليرة السورية اليوم السبت، 26 نيسان، تغيرات طفيفة في قيمتها أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الرئيسية، وسط أنباء عن تحركات اقتصادية جديدة على المستوى الداخلي والخارجي.
وسجلت الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي في دمشق سعر 11,350 ليرة للشراء و11,450 ليرة للمبيع، بينما بلغت مقابل اليورو 12,900 ليرة للشراء و13,018 ليرة للمبيع، بحسب بيانات تطبيق "العملات اليوم".
وفي حلب، حافظت الليرة على نفس المستويات المسجلة في دمشق، في حين سجلت القيم ذاتها تقريباً في محافظة إدلب، ما يعكس استقراراً نسبياً رغم الضغوطات الاقتصادية المستمرة.
محادثات لافتتاح أول فرع لبنك تركي في سوريا
في تطور اقتصادي لافت، كشف حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، عن محادثات جارية مع محافظ البنك المركزي التركي، فاتح كاراهان، لبحث إمكانية افتتاح أول فرع لبنك تركي داخل سوريا.
وأوضح حصرية أن اللقاء تناول بحث سبل تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، واصفاً الاجتماع بأنه خطوة قد تفتح آفاقاً جديدة للتجارة والاستثمار وجهود إعادة الإعمار، مشيراً إلى أهمية استمرار الحوار وصولاً إلى تعاون اقتصادي مستدام.
من جانب آخر، أكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، أن الصندوق يعتزم دعم سوريا في جهودها للانخراط مجدداً في الاقتصاد العالمي.
مشيرة إلى أن محافظ البنك المركزي السوري ووزير المالية شاركا هذا الأسبوع في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين.
وأضافت جورجيفا أن الهدف الأساسي يتمثل في مساعدة سوريا على إعادة بناء مؤسساتها الاقتصادية بما يمكّنها من العودة إلى المنظومة المالية الدولية، مشيرة إلى عقد لقاءات مع مسؤولين سوريين وأطراف معنية أخرى لمناقشة قضايا تتعلق بإعادة إعمار سوريا.
وفي سياق متصل، رأى الخبير الاقتصادي، أسامة قاضي، أن استبدال العملة الورقية السورية بات مسألة وقت، لكنه مرتبط أولاً بضرورة تحديد القيمة الحقيقية لليرة في سوق نشط تدخل فيه مليارات الدولارات.
وأوضح قاضي، في تصريحات للجزيرة نت، أن المصرف المركزي بحاجة إلى استقرار اقتصادي قبل المضي بخطوات مثل طباعة عملة جديدة، مشيراً إلى أن كلفة الطباعة العالية والحاجة لتقنيات متطورة لمنع التزوير تُعد تحديات أساسية.
وكشف قاضي عن تقديمه مقترحاً رسمياً لطباعة فئة جديدة من العملة بقيمة 5 آلاف ليرة سورية، كإجراء يهدف إلى تقليص التزوير، والحد من المضاربات، ومكافحة غسل الأموال، مبيناً أن عدة دول أبدت استعدادها لتمويل العملية على ثلاث دفعات، مع ترجيحات بتبني إحدى الدول العربية تمويل الدفعة الأولى.
كشف المهندس شفيق عثمان، الخبير الزراعي ومستشار الزراعة المحمية في اتحاد الغرف الزراعية، ورئيس غرفة زراعة طرطوس، أن أسعار البندورة المعدة للتصدير تتراوح حاليًا بين 8 و10 آلاف ليرة، وتمثل نحو 15-20% من إجمالي الإنتاج، ويقتصر إنتاجها على فئة محدودة من المزارعين الذين يعتنون بمحاصيلهم بعناية فائقة.
أما البندورة المخصصة للسوق المحلية، فتباع بأسعار تتراوح بين 5 و7 آلاف ليرة حاليًا، فيما أوضح عثمان أن حركة الاستيراد من الدول المجاورة تتوقف خلال هذا الشهر، ليبدأ تصدير المحصول السوري إلى الخارج، مع ارتفاع درجات الحرارة في الأردن ومصر والعراق.
ورغم ارتفاع الأسعار الحالي، توقع عثمان أن يكون هذا الارتفاع مؤقتًا، حيث يُتوقع أن تبدأ الأسعار بالتراجع مع بداية إنتاج البندورة المكشوفة في درعا ودمشق.
مشيرًا إلى أن السعر العادل لضمان استمرارية المزارعين في الإنتاج يجب أن يكون 5 آلاف ليرة على مدى سبعة أشهر، حيث تبلغ تكلفة الكيلو وسطياً 4 آلاف ليرة عند سعر صرف الدولار بـ10 آلاف ليرة.
كما شدد عثمان على جودة البندورة السورية وتميزها عالميًا من حيث الطعم والنوعية، ما يعزز تنافسيتها في الأسواق الخارجية.
يذكر أن الليرة السورية فقدت أكثر من 315% من قيمتها خلال عام 2023، مما أثر سلبًا على الاقتصاد السوري، وسط دعوات لتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
كم هو محظوظ من عاش في بلدٍ لم تطرق الحرب بابه. منذ طفولتي، كنتُ أرسم ملامح مستقبل بسيط: أكمل دراستي، أحصل على وظيفة، أشتري منزلاً وسيارة، وربما أفتتح مشروعاً صغيراً. لم يخطر في بالي يوماً أن تلك الأحلام البسيطة ستصبح من ضروب المستحيل.
بدايات الحرب.. وانكسار الطموح
في آذار/مارس 2011، كنتُ طالباً في الصف العاشر عندما بدأت الثورة السورية. عاماً بعد آخر، تصاعدت الأحداث واشتد القصف على قريتنا في ريف إدلب الجنوبي. مع حلول عامي الدراسي الثالث عشر، أُغلقت المدارس بسبب الغارات الجوية، ولم تكن لدي القدرة المالية على الالتحاق بدورات خاصة كما فعل كثيرون. فُرضت إدلب كمركز لتقديم الامتحانات، لكنها كانت تحت سيطرة النظام، فلم أتمكن من الذهاب.
حينها، اتخذت قراراً صعباً: تعليق دراستي والدخول إلى سوق العمل. مارست أعمالاً زراعية وتاجرت بالدراجات النارية. وخلال عام واحد، ادخرت مبلغاً جيداً دفعني للتفكير بالسفر إلى تركيا.
الهجرة والعمل في إسطنبول
دخلت تركيا بطريقة غير نظامية عام 2015، واستقر بي الحال في إسطنبول، حيث عملت في معمل حديد. لم أتوانَ عن قبول أي فرصة عمل إضافي، فكنت أعمل لساعات طويلة، وأرسل المال شهرياً لعائلتي في إدلب. لكن الضغط الجسدي كان كبيراً، وتسبب لي بآلام متكررة في الظهر تجاهلتها طويلاً حتى سقطت عاجزاً عن الحركة.
بعد رحلة علاج قصيرة، عدت إلى قريتي في إدلب، حيث منحني والدي قطعة أرض صغيرة بمساحة دونمين. بدأت ببناء منزلٍ حلمت به طويلاً. بيت بسيط من غرفتين وصالون ومرافق، محاط بأشجار الليمون والبرتقال والزيتون والرمان والتين.
لحظة الانهيار.. الفرح المؤجل إلى أجل غير معلوم
في نيسان/أبريل 2019، انتهيت من بناء المنزل، جهزته بالأبواب والنوافذ، وطلبت من والدتي أن تبحث لي عن عروس. لم أنم فيه ليلة واحدة. لم أرتشف القهوة على شرفته، ولا شعرت بدفء جدرانه. بعدها بأيام، بدأت حملة عسكرية عنيفة على ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، فأُجبرنا على النزوح.
أصر الأقارب على نزع الأبواب والنوافذ لحمايتها من السرقة، لكنني رفضت. لم أتوقع أن يغيبني النزوح لأكثر من خمس سنوات. كنت أظنها أياماً قليلة ونعود.
حين عدت... لم أجد شيئاً
بعد سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، سارعت بالعودة مع بعض الأصدقاء للاطمئنان على المنزل. كنت أحمل أملاً صغيراً في أن يكون قد نجا. لكنني وجدته ركاماً. لا جدران، لا سقف، لا أثر للأشجار. دُمرت أحلامي، ذبلت أوراق الأشجار كما ذبلت فرحتي.
جلستُ أمام الدمار أتأمل ذكرياتي، تذكرت كل لحظة عمل وكل قرش ادخرته وكل أمل علّقته في ذلك البناء الصغير. أنفقت عليه ما يقارب ستة آلاف دولار من عرق غربتي، واليوم لم يتبقَ منه سوى الحطام.
ختاماً... لست وحدي من خسر
لم تكن خسارتي فريدة. مئات الآلاف فقدوا أعزاء، وهُدمت بيوتهم، وتقطعت أوصالهم. كل سوري عاش فصلاً من الألم. أما أنا، فقد عاهدت نفسي أن أعود مجدداً، وسأبني بيتاً آخر، وربما يكون أجمل من الأول. لأن الحياة، برغم كل ما مررنا به، يجب أن تُستعاد.