مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ أكتوبر ٢٠١٧
دعه يمر أم يعمل؟... إيران النووية وتصريحات ترمب النارية

رغم كل ما بذله الرئيس الإيراني روحاني في تلميع صورة إيران الخارجية؛ فإن هذا التداخل الإقليمي المعقد لقضايا المنطقة التي تفككت جيوسياسياً على أنقاض الربيع العربي، وسمح ذلك بأن يطالها العبث الإيراني طولاً وعرضاً، بعد أن قامت إدارة أوباما بأكثر القرارات براغماتية على مبدأ «دعه يمر دعه يعمل»، ليتحول إلى «دعه يعبث» أيضاً، فبلغ السلوك الإيراني مداه في التدخل السافر في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفريقيا.

اليوم الإدارة الأميركية الجديدة تعمل بطريقة مغايرة، فهي رأت ابتداء أن الالتزام بالسلوك السياسي هو المعيار الوحيد لتقييم الالتزام بالاتفاق النووي، ولا يمكن الفصل بين أن تمر طهران إلى مربع الاعتدال دون أن تعمل بشكل مضن لإثبات ذلك، بما يضمن مصالح الأمن القومي الأميركي بالدرجة الأولى، ومن ضمنها حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

الكونغرس اليوم أمام اختبار بعد أن رمى الرئيس الأميركي ترمب الكرة في ملعبه بتصريحاته النارية، التي يبدو أن ردة الفعل الإيرانية لم تنظر إليها بجدية كبيرة بسبب إدراكها للصعوبات التشريعية وآلياتها في أميركا فيما يخص فرض العقوبات؛ فإعادة النظر في التعاملات مع القطاعات المالية وتوجيه ضربة اقتصادية كبيرة لإيران لا يبدوان محتملين مع التعنت والتململ الأوروبي قدر أنه محاولة لضبط السلوك الإيراني عبر التلويح بنقض الاتفاق برمته.

الأكيد أن نظام طهران يعي تلك الصعوبات، إضافة إلى كونه سيلعب على طرح كارت المظلومية السياسية، والاستعداء ضد إدارة ترمب، واستغلال الثغرات الكبيرة في الموقف الأوروبي القائم على الشره والانفتاح غير المسبوق باتجاه السوق الإيرانية.

كان خطاب الرئيس الأميركي ترمب ذكياً بتكثيف نقده للحرس الثوري الذراع الإيرانية للفوضى في المنطقة، وأحد أهم مفاعلات الإمداد الآيديولوجي والعقائدي والتدريبي لـ«حزب الله» في لبنان و«أنصار الله» في اليمن (الحوثيين)، وحتى الميليشيات العسكرية المتشددة في العراق، ومجموعات المعارضات للإسلام السياسي الشيعي في الخليج ودول العالم، وتفكيك بنية اقتصاد الحرس الثوري، وإيقاف الشركات التابعة له، رغم صعوبة تصور ذلك، سيلقي بظلاله على امتداد إيران في الخارج، وإعادة تنشيط حالة التململ في الداخل الإيراني، وتقوية الفئات المعتدلة في الشارع الإيراني والرافضين لسلوك الملالي، وإن كانوا يشكلون أقلية ليس لها ذلك التأثير، كما هو الحال في معارضات الخارج التي لا تزال لا تشكل قوة ضاغطة.

ويمكن القول إنه على رغم الأصداء اللامبالية تماماً لخطاب ترمب المهدد لإيران ولوضعية الاتفاق النووي؛ فإنه إيذان جديد بمرحلة انتقالية تعبر عن إعلان وفاة لسياسة أوباما القائمة على الفصل بين ملف الاتفاق النووي والسلوك الإيراني في المنطقة بدعم الميليشيات وتصدير السلاح والتدخل السيادي في سوريا ولبنان واليمن، لكن ذلك لن يؤتي ثماره قبل تصنيف «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية، في حين يصفه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بأنه «مصدر فخر لإيران».

الإدارة الإيرانية سبقت أي تهديد للحرس الثوري بإطلاق جملة من التصريحات لموضعته كمنظمة خلصت العالم من خطر «داعش»، في محاولة ذكية لتمرير الخطأ الكبير اليوم في النظر إلى الإرهاب الداعشي باعتباره صورة مكبرة للفوضى العنيفة، وإهمال الإرهاب السياسي المنظم الذي تمارسه الميليشيات الشيعية بإدارة الحرس الثوري، وهو جزء من إشكالية التعامل المزدوج مع ملف الإرهاب في العالم.

الإشكالية الحقيقية في إعادة ضبط ترمب لمبدأ «دعه يمر» على أساس عدم فصل السياسة عن المصالح الاقتصادية والسلوك على الأرض هي أنه متفائل، فالحرس الثوري لنظام طهران هو هويّة تعبر عن بنية النظام لا يمكن تصوره من دونه، كما هو الحال في كل الدول القائمة على نزعة الثورة وليس منطق الدولة، ومنها كوريا الشمالية التي ربما تكون نموذجاً ملهماً للسلوك الإيراني في الأيام القادمة متى ما انهار الاتفاق النووي بشكل ضعيف، ومن جانب الولايات المتحدة فقط دون الأوروبيين، وهو ما سينعكس سلباً على المنطقة، وسيعطي ذريعة للنظام الإيراني برفع مستوى التدخل، وإشعال الحروب، ومستوى حالة العسكرة لميليشياته كتعبير عن تأثيرات نقض الاتفاق عليه.

والحال أنه كما لم تكن دول الاعتدال في المنطقة، وعلى رأسها السعودية، تنظر إلى الاتفاق النووي على أنه هدية أوباما الثمينة لها، بسبب إدراكها بأن عمق الأزمة هو في السلوك الإيراني، فإن نقضه من قبل ترمب يجب ألا يعد إنجازاً تاريخياً، فما فعلته إدارة أوباما السابقة جاء في سياق رؤية سياسية نفعية تفكر في تحقيق مصالحها في المنطقة، مع ضمانة منع إيران من امتلاك السلاح النووي طيلة فترة الاتفاق المقدرة بـ15سنة وبرقابة دولية، عبر إعادة فتح أسواق إيران أمام الشركات العملاقة وما تمثله من إنعاش للاقتصاد الإيراني، وبالتالي الضغط على المحافظين والمتشددين، وهو أمر يتردد عادة في تبرير تغير الموقف الأميركي، في محاولة لتضخيم تأثيرات انتعاش الأسواق الإيرانية على خنق تيار الصقور، إلا أن المسكوت عنه هو أن الاتفاق النووي من جهة أخرى اعتراف بحجم إيران وتأثيرها في المنطقة، ورغبة أميركية حفزها تولي أوباما في التخفف من ضغط ملفات المنطقة، وتقليص حجم التدخل العسكري الأميركي إلى أقصى حدوده.

واليوم يريد ترمب نقض الاتفاق لكن بقدرة أقل على كسب تأييد أوروبي في حال تمرير القرار عبر الكونغرس، لكن تبقى الإشكالية ذاتها مع دول الخليج وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فالمسألة لا تخص قضية الاتفاق النووي.

جوهر الأزمة هو أن اشتراطات الولايات المتحدة أقل بكثير من متطلبات حلفائها في المنطقة بضبط السلوك الإيراني بحزم، وعلى رأسها إيقاف العبث والتدخلات المعادية في دول تتمتع بسيادة كاملة، كما أن جزءاً من أزمة الدبلوماسية الأميركية والصحافة الأميركية هو التركيز على استدعاء التحالف مع المعتدلين في إيران، وهو حديث يهمل جزءاً مهماً من القصة نفسها المتمثل في أن طموحات معظم المعتدلين، لو صحت التسمية، لا يمكن لها أن تؤثر على قرار الحرس الثوري بفيالقه التي تشكل سلطة مستقلة وهويّة ثورية راسخة على مستوى الداخل والخارج.

يتطلع الأميركيون إلى الحد الأدنى السياسي، وهو القدرة على اختراق جدار الصمت السياسي بينهم وبين إيران، لكن هذا الحد الأدنى لا يكفي اللاعبين الأساسيين في المنطقة: دول الخليج والاعتدال العربي التي تملك هواجس أمنية تتصل بالتدخل الإيراني في المنطقة، وتركيا التي لا تريد أن تواجه منافساً إقليمياً معيقاً لمشروعها، في حين أن كرة الثلج بينها وبين الولايات المتحد تتضخم، في ظل عودة روسيا للمنطقة بقوة أكبر وبقدرة على بناء تحالفات وإحداث تغيير في الملفات عبر الضغوطات الجادة على حلفائها، وهو ما يعني أن القضية اليوم أكبر من «تصريحات نارية».

اقرأ المزيد
١٨ أكتوبر ٢٠١٧
ترامب يطلق استراتيجية المواجهة مع إيران في لحظة عريها العربي

مرحلة جديدة افتتحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الغاضب من سلفه باراك أوباما والساعي إلى تقويض ما أمكنه من اتفاقيات أبرمها الأخير وإدارته مع إيران. لم يستطع الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ولم يبرمه أيضا وأعاده إلى الكونغرس في خطوة تعكس انزعاجا شخصيا حيال هذه الاتفاقية وتفلت من الضغوط الداخلية الداعية إلى توقيعها، وفي جانب آخر دعوة غير مباشرة إلى الكونغرس للمبادرة من أجل فتح أبواب التعديل أو ما تصفه وزارة الخارجية الأميركية تطوير الاتفاقية لتصل إلى ضم ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى صلب الاتفاق النووي، وهو ما كان مدار حديث بين وزيري الخارجية الأميركي والإيراني، ريكس تيلرسون ومحمد جواد ظريف، قبل ساعات من إعلان ترامب استراتيجيته تجاه إيران السبت الماضي.

ترامب تخفف من اتخاذ قرارات مباشرة من البيت الأبيض تجاه الاتفاق النووي ولم يصدر قرار إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، وأحال أمر العقوبات المالية إلى الخزانة الأميركية التي أعلنت فرض إجراءات عقابية مالية على الحرس الثوري بعد إدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية.

وهذه الخطوة تدشن مرحلة جديدة في العلاقة الأميركية-الإيرانية، تتسم باستراتيجية أميركية غايتها محاصرة نفوذ إيران في المنطقة العربية وتحجيم دورها، والضغط الاقتصادي من خلال التصويب المالي والأمني على منظمة الحرس الثوري الجهاز الأقوى في إيران بل الحاكم الفعلي أيديولوجيا وعسكريا واقتصاديا. فالحرس الثوري يتحكم بسلطات لا تقاربها أي سلطة في البلاد، إلى حد أن البعض من المتابعين للشأن الإيراني يعتبر ولي الفقيه ليس إلا الرجل الذي يلائم تطلعات الحرس وسلطته، والذي يستجيب لتوسع هذه السلطة وتمددها في السياسة والاقتصاد فضلا عن الأمن والوظيفة العسكرية، بحيث أن الجيش الإيراني، كما رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى، كلها مؤسسات لا يبرز حضورها ولا نفوذها إلا تحت سقف سلطة الحرس الثوري الذي يحكم إيران اليوم فعليا.

الاستراتيجية الأميركية التي تهدف إلى محاصرة نفوذ إيران في المنطقة العربية، تبدأ حسب خطة ترامب من السعي إلى تعديل الاتفاق النووي إذا لم يكن من الممكن الانسحاب منه، وتعمد إلى مواجهة تستند إلى العقوبات المباشرة للحرس الثوري ولأذرعه الميليشيوية وفي مقدمتها حزب الله، إذ تستعد واشنطن لإصدار قانون جديد مشدد يهدف إلى التضييق على النشاط المالي لحزب الله ومؤسساته لن تنجو منه الدولة اللبنانية بطبيعة الحال، فضلا عن الجهات الحليفة لحزب الله في هذا البلد أو القريبة منه، وهذا مؤشر على أن الاستراتيجية الأميركية ليست في وارد التورط مجددا في مواجهات عسكرية في المنطقة بعد تجربة احتلال العراق، من دون أن تلغي احتمالات حصول حروب بالواسطة أو استخدام التفاهمات مع روسيا في المنطقة لتحقيق الأهداف التي باتت أهدافا مشتركة لمعظم الحكومات العربية والإدارة الأميركية.

ويمكن القول بأسف إن مشكلة إيران لم تعد مع بعض الحكومات، بل ثمة شرخ بنيوي على مستوى الشعوب العربية وإيران أمكن لواشنطن أن تدخل في هذا المضمار الذي يجعل من سياسة العداء لإيران سياسة تحظى بتأييد واسع على مستوى المجتمعات العربية رغم العداء الذي تحمله الشعوب العربية لأميركا، لكنه بات بعد التورط الإيراني في سوريا وفي العراق وفي غيرهما أقل بكثير من العداء لإيران، بل بات العداء العربي للسياسة الإيرانية ولدورها في المنطقة العربية، مدخلا مثاليا لإسرائيل إلى المنطقة وللدور الأميركي الذي بات يحظى بشرعية بل بات طلبا ملحا إذا كان البديل إيران.

الدور الروسي أيضا ورغم الارتكابات التي قام بها في سوريا، بات مطلبا سوريا شعبيا إذا كان بديلا عن الدور الإيراني، ولهذا تدرك روسيا أن إيران التي ساعدت في تمدد روسيا في المنطقة العربية وأن واشنطن باركت هذا النفوذ والدور المتنامي في سوريا، إلا أن استقرار النفوذ الروسي ودوامه يتطلب غطاء عربيا ليبقى ويستمر، بهذا المعنى يمكن فهم العلاقة الروسية السعودية حيث سعت روسيا، من خلال الزيارة الأخيرة للملك سلمان بن عبدالعزيز بوفد تاريخي، إلى الإشارة إلى مسلميها وأنها على علاقة متينة مع رموز المسلمين السنة، وأن الصورة الدموية التي وصلت إليهم من سوريا لا تعكس الحقيقة الكاملة، إذ ليس خافيا أن روسيا مهتمة باستقرار العلاقة الإيجابية مع البيئات الإسلامية في الدولة الروسية والجمهوريات المحيطة بها وهي بيئات سنية في غالبيتها. تدرك القيادة الروسية أن مدخلها الاستراتيجي إلى العالم العربي والإسلامي هو السعودية وليس إيران.

من هنا يمكن القول إن تشكل النظام الإقليمي العربي اليوم يقوم على مواجهة النفوذ الإيراني وتمدده في القضايا المحورية، وتأتي التطورات الفلسطينية على صعيد المصالحة بين حركتي فتح وحماس، لتظهر بوضوح تراجع الدور الإيراني بحيث لم يسبق أن شهد تطور استراتيجي على الصعيد الفلسطيني منذ ربع قرن على الأقل مثل هذه الهامشية الإيرانية بل الغياب عن مثل هذا الحدث الفلسطيني، وكشف هذا التطور الفلسطيني غيابا لا يقل أهمية هو الغياب السوري، فيما ستكون الأيام المقبلة بما تحمله من نتائج هذا الاتفاق مدخلا لتطور سياسي واستراتيجي لا يقل أهمية على صعيد العلاقات العربية الإسرائيلية ودائما كنتيجة موضوعية لمخلفات الدور الإيراني في المنطقة العربية.

الاستراتيجية الأميركية ستزيد الحصار على الدور الإيراني لكن ماذا لدى القيادة الإيرانية وأذرعها في المنطقة العربية لتقدمه في المرحلة المقبلة؟ مع انحسار الإرهاب بمعناه الجغرافي تبدو فرص استثمار إيران في تمدده تتراجع، والأزمة الكردية التي انفجرت على حدودها من جهة العراق، تحولت إلى عنصر تهديد لها لا سيما أن إيران التي كررت أنها موجودة على حدود إسرائيل من خلال حزب الله، فإن إسرائيل تقول، بطريقة غير مباشرة، إنها موجودة على حدود إيران من خلال كردستان، خاصة بعدما أعلنت أنها مؤيدة للاستفتاء على استقلال هذا الإقليم، وأبدت استعدادها لمد المزيد من يد العون له.

ترامب يطلق استراتيجية المواجهة مع إيران وأذرعها في أسوأ مرحلة من مراحل العداء لإيران على امتداد المنطقة العربية، مرحلة ستدفع إيران إلى المزيد من التنازلات للدول العظمى على حساب علاقاتها مع المنطقة العربية.

اقرأ المزيد
١٨ أكتوبر ٢٠١٧
في قتل "زهر الدين" خبايا دفن الجرائم واستثارة غرائز الطائفية

لم يختلف سيناريو مقتل ضابط نظام الأسد، "عصام زهر الدين"، عن مقتل قيادات بارزة في حزب الله اللبناني في السنوات الماضية، لكن غاية النظام أن تكون العملية الجديدة (زهر الدين)، لإيهام الناس أن مقتل ركن من أركانه على يديه، هو لخروجه عن النظام بعد أن هدد اللاجئين السوريين وحذرهم من العودة إلى الوطن.

وما مقتل النظام السوري لزهر الدين، إلا إعادة لنموذج مقتل قيادي حزب الله اللبناني، "مصطفى بدر الدين"، مع اختلاف المسببات التي استخدمها الحزب بنسب مقتله لغارة إسرائيلية في مايو/ أيار عام 2016، وسبقه مقتل في قيادي الحزب، "عماد مغنية"، قائد العمليات الدولية في "حزب الله"، في 12 شباط 2008، في دمشق ونسب قتله إلى إسرائيل.

من يعرف الكثير عن ذاك الثعبان "ايران" وأذياله، ستكون نهايته كنهاية زهر الدين وبدر الدين ومغنية، فمثل هؤلاء القادة هم وقود لإشعال الحروب ووقود لزرع الخوف في نفوس كل من يفكر بالخروج عن زوبعة تدعى ايران.

المعلومات التي يعرفها زهر الدين عن نظام الأسد وعن حزب الله، هي أكثر مما ينبغي معرفته، وقد يكون خلافاً معهما جعلت منه عبرة ليعكس النظام ردة فعله العنيفة تجاه من يقترب من الشعب، ولكن الحقيقة أن زهر الدين عرف أكثر مما ينبغي، وانتهت مهمته في الحرب السورية، ولربما حان الوقت لتصفية من تلطخت يدهم بالدماء من القادة في النظام السوري وسيتبعهم قادة في حزب الله كما سبقهم قادة كانوا في سوريا الشهر الماضي.

ولم يكن لمقتل زهر الدين، فائدة باتجاه واحد، ففي مقتله استثارة للطائفة الدرزية، التي تعتبر نفسها من الأقليات، سواء كانت مؤيدة للنظام أو معارضة له، إلا أن نزعة الانتماء ستتحرك داخلهم، في الوقت الذي تشهد السويداء حراكا رافضا لدعم الأسد و الانضمام لقواته.

وثارت آنفاً أن الكثير من الخلافات داخل النظام بعد اتفاق أستانة، وبات ينبغي على النظام أن يحاول أن يظهر نفسه بمظهر "الوديع" كي يستمر في المماطلة في اجتماعات جنيف وأستانة المقبلان، ومهما تكن النتيجة والتبعات، فإن ما بعد أستانة وجنيف المقبلين ليس كما قبلها.

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٧
التكتل الجديد ضد طهران

الحقيقة فاجأتنا التحولات بسرعتها. فمنذ إعلان واشنطن قرارها ضد حكومة إيران، بدلت بريطانيا وألمانيا موقفهما، من الإصرار على الوفاء بالتزامات الاتفاق النووي إلى الإعلان عن تأييد مشروع ترمب بمواجهة نظام طهران في منطقة الشرق الأوسط.

ويبدو الأمر واضحاً، فالمشكلة ليست في الاتفاق على النشاط النووي بقدر ما هي في الحروب التي تديرها إيران إقليمياً. لا يعقل ترك النظام طليقاً في المنطقة ينشر الفوضى ويهدد الأنظمة، ويهيمن على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وذلك مكافأة له على تقليص تخصيب اليورانيوم!

بريطانيا وألمانيا انتقدتا الممارسات الإيرانية، وأعلنتا انضمامهما إلى الولايات المتحدة في مواجهة سياسة طهران. موقف يفشل مسعى إيران التي حاولت وضع الاتفاق كحزمة واحدة، وفرضه على الجميع دون التمييز بين منع النشاط النووي الذي يؤهلها للتفوق العسكري، وبين ممارسات النظام الخطيرة المستفيدة من الاتفاق النووي نفسه.

ولا بد أن نعترف بأن البيت الأبيض أدار المعركة بذكاء مع حلفائه الأوروبيين الذين كانوا يرفضون تماماً التراجع عن الاتفاق، وكل ما يؤدي إلى توتر العلاقة مع طهران. لكن الرئيس دونالد ترمب وضعهم أمام خيارين؛ تصحيح الأخطاء التي صاحبت الاتفاق أو إلغائه كله، مصراً على رفض الاستمرار في الوضع السابق. وهو موقف ينسجم مع موقف الحزب الجمهوري، وبالطبع أيده أركان حكومته.

وستبدأ العجلة تدور من جديد في الضغط على نظام طهران الذي سيكون مسؤولاً عن الأزمة المقبلة التي ستلحق به، اقتصادياً وسياسياً، وذلك في حال رفض تعديل سلوكه والتوقف عن نشاطاته العسكرية والميليشياوية في المنطقة. الولايات المتحدة، والحكومات المتضامنة معها، لا تعارض حق إيران في بناء مشروعها النووي المدني، لكن تتوقع منها أن تلجم الحرس الثوري وأجهزتها الاستخبارية المنتشرة في المنطقة. عليها أن تسحب ميليشياتها، التي بناها الحرس الثوري الإيراني وقام بتربيتها، من اللاجئين المغلوبين على أمرهم، من أفغان وباكستانيين وعراقيين وغيرهم، كما طورت وظيفة ميليشيا «حزب الله»، التي حولها إلى مرتزقة تشن لها الحروب في المنطقة، وهي تجهز «أنصار الله» الحوثي في اليمن للهدف نفسه. أيضاً، قامت باستخدام شبكة بحرية لتهريب السلاح إلى مناطق القتال في اليمن وسوريا ولبنان. وقد نجحت سفن التهريب في تمويل الحرب اليمنية واستمرارها، وحاولت مد أشرعتها إلى موانئ سوريا على البحر المتوسط. ولإيران نشاطات في أفغانستان بدعم الحرب منذ الغزو الأميركي لأفغانستان بعد هجمات الحادي عشر سبتمبر (أيلول).

ما كان لإيران أن تنتشر بهذا الحجم المخيف في المنطقة لولا أن الموقعين على الاتفاق رضخوا لشروطها، ورفعوا كل العقوبات من دون تمييز أو انتقاء. وهي ما كان لها أن تتمدد في سوريا لولا أن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، تساهلت معها خشية أن تتراجع عن توقيع الاتفاق.

التحدي سيكون في طرح مشروع جديد يعرض على طهران، رفع للعقوبات مقابل الاستمرار في الاتفاق، وإضافة التزامها بسحب كل ميليشياتها الأجنبية من مناطق القتال، والتعهد بوقف دعم ميليشياتها الحليفة المحلية، مثل الحوثي و«عصائب الحق» و«حزب الله - العراق» وغيرها.

واشنطن، من باب الضغط على طهران، قالت إنها ستعيد إحياء دعمها للمعارضة الإيرانية التي تعمل على إسقاط النظام، الذي كانت قد أوقفته إدارة أوباما، وعطلت دعم النشاطات الأكاديمية والإعلامية والسياسية الموجهة ضد طهران، وذلك إرضاء لحكومة روحاني.

وبعودة المواجهة السياسية أصبحت المعادلة الجديدة أمام نظام طهران، إما وقف الحروب وإما عودة العقوبات. ومعها سيتشكل تكتل جديد هدفه الضغط عليها وضمان تنفيذ العقوبات.

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٧
أميركا تعيد اكتشاف إيران

أهمّ ما في خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني انه يعالج موضوع إيران ككل ويضع الملف النووي في إطاره الصحيح. إنّه إطار السلوك الإيراني على الصعيديْن الدولي والإقليمي. لا يختزل الملف النووي، بأيّ شكل، مشكلة حقيقية اسمها النظام في إيران ما بعد سقوط الشاه. أي إيران التي تستثمر في كل ما من شأنه زرع حال من عدم الاستقرار في المنطقة العربية بشكل خاص، وفي كل المناطق الإسلامية بشكل عام.

لم تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق الموقع صيف العام 2015 بين إيران ومجموعة الخمسة زائدا واحدا، أي البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا. من الواضح أن الإدارة الأميركية قررت مسايرة حلفاءها الأوروبيين. تفادى ترامب الانسحاب من الاتفاق الذي كان الوصول إليه هدفا بحدّ ذاته لإدارة باراك أوباما ولإيران نفسها. أرادت إدارة أوباما القول إنّها حققت إنجازا ما على الصعيد الخارجي.

وفرت لإيران الغطاء الذي تحتاجه كي تتابع سياستها العدوانية على كلّ صعيد، من منطلق أن لا وجود سوى لـ“الإرهاب السنّي” في الشرق الأوسط والعالم. لم تسأل إدارة أوباما يوما من أين جاء “داعش”، ومن وفّر الحاضنة لـ”داعش” ومن على شاكلته.

هناك للمرّة الأولى، منذ إعلان “الجمهورية الإسلامية” في إيران، في العام 1979، إدارة أميركية تعرف تماما ما هي إيران. هناك وصف متكامل ورصد دقيق من الرئيس الأميركي لكلّ النشاطات التي تقوم بها إيران داخل حدودها وخارجها. يمكن القول إن أميركا اكتشفت أخيرا إيران وذلك عندما ربط ترامب بين الملف النووي من جهة، وبين سلوك إيران من جهة أخرى. لم تكن المشكلة يوما في الملف النووي الإيراني. المشكلة في السلوك الإيراني بغض النظر عن هذا الملف الذي استخدمته إيران لتغطية ما تقوم به الآن، بل ما قامت به في الماضي أيضا.

لذلك ليس صدفة أن يكون ترامب فتح في خطابه كل الملفات الإيرانية بدءا باحتجاز الدبلوماسيين في السفارة الأميركية في طهران رهائن لمدة أربعمئة وأربعة وأربعين يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979.

لم تطلق الرهائن إلا بعد الانتخابات الأميركية التي تغلّب فيها رونالد ريغان على جيمي كارتر الذي وضع الأسس للتراجع الأميركي أمام العدوانية الإيرانية عندما امتنع عن الإقدام على أي خطوة جدْية ردّا على احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين، باستثناء عملية إنقاذ فاشلة انتهت بكارثة سقوط هليكوبتر أميركية في صحراء طبس الإيرانية.

بات معروفا إلى أين أوصلت إدارة كارتر الولايات المتحدة التي لم تستطع في أي وقت الرد على الاستفزازات الأميركية، حتى في عهد ريغان الذي شهد تفجير مقرّ المارينز في بيروت يوم الثالث والعشرين من تشرين الأول – أكتوبر 1983 وقبله بأشهر قليلة تفجير السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية.

قتل في عملية تفجير السفارة التي كانت في منطقة عين المريسة البيروتية عدد كبير من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. أي). على رأس هؤلاء بوب إيمز الذي كان أوّل من حذر إيران من احتمال تعرّضها لهجوم عراقي في عهد صدّام حسين (الرواية الكاملة عن تحذير إيمز للمسؤولين الإيرانيين من الهجوم العراقي في كتاب “الجاسوس الطيّب” للكاتب كاي بيرد).

لم يعد سرا بالنسبة إلى الإدارة الأميركية ما الذي فعلته إيران منذ العام 1979 وصولا إلى اعتبارها “دولة مارقة” حسب تعبير دونالد ترامب. لم يفوّت الرئيس الأميركي ذكر أي دور قامت به إيران على أي صعيد كان، وذلك لتبرير تحوّلها إلى رمز لـ“الإرهاب”. لم يتردد في الإشارة إلى التعاون بين إيران و“القاعدة”، ولم يفوت أيضا الفرصة كي يشير مرات عدة إلى الدور الذي تلعبه الميليشيات المذهبية التابعة لإيران، بما في ذلك ميليشيا “حزب الله”. أكثر من ذلك، لم يتردد في التركيز على الدور الإيراني في دعم بشّار الأسد في الحرب التي يشنّها على الشعب السوري.

من الناحية النظرية، كان خطاب ترامب خطابا شاملا وضعه له أشخاص يعرفون تماما وبالتفاصيل المملة ما هي إيران وكيف شاركت في عملية الخبر للعام 1996 التي قتل فيها عسكريون أميركيون في المملكة العربية السعودية.

ما قاله ترامب يمكن أن يصدر عن أيّ سياسي لبناني أو عربي يعرف تماما ما ارتكبته إيران في بلد مثل لبنان صار رهينة لدى “حزب الله”، خصوصا بعد انتقاله، بشكل تدريجي، من الوصاية السورية إلى الوصاية الإيرانية إثر اغتيال رفيق الحريري في شباط – فبراير من العام 2005.

لا غبار على خطاب ترامب من الناحية النظرية، خصوصا أنّه جاء نتيجة لمراجعة للسياسة الأميركية استمرّت نحو تسعة أشهر. ولكن ماذا عن الناحية العملية؟

ثمة أمور عدّة تحتاج إلى التوقّف عندها. من بين هذه الأمور عدم وضع “الحرس الثوري” الإيراني في مصاف المنظمات الإرهابية. ما الذي جعل الإدارة الأميركية تتراجع عن ذلك وتكتفي بالكلام عن عقوبات على “الحرس الثوري”.

مثل هذا السؤال لا يزال يحتاج إلى جواب، أقله إلى توضيحات ما تساعد في فهم مدى جدّية ترامب في الدخول في مواجهة مع إيران ومع مشروعها التوسّعي. ما يطمئن إلى أن الرئيس الأميركي يعي تماما ما الذي يفعله إشارته إلى ضرورة رص الصف بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

هذا الكلام يعني، بكل بساطة، أن أميركا غيّرت استراتيجيتها الشرق أوسطية ولم تعد في وارد استرضاء إيران من أجل المحافظة على الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني. بكلام أوضح، لن تنسحب أميركا من الاتفاق، لكنها لن تفصل بينه وبين سلوك إيران على الرغم من كلّ الاعتراضات الأوروبية على هذه المقاربة المختلفة كليا عن مقاربة إدارة باراك أوباما.

حسنا، قال الرئيس الأميركي ما يريد قوله. هناك اعتراضات أوروبية وروسية، وهناك اعتراضات أخرى من داخل الإدارة نفسها حيث لا وجود لحماسة لدى وزير الخارجية ركس تيلرسون لأي مواجهة من أيّ نوع مع إيران. هناك جناح في الإدارة يفضّل اعتماد التهدئة والعمل على متابعة استرضاء إيران. وهذا يدل على قوة اللوبي الإيراني في واشنطن ومدى فاعليته.

يبقى في نهاية المطاف، كيف يمكن لترامب الانتقال من التنظير إلى التنفيذ. سيعتمد الكثير على ما إذا كانت هناك خطط عسكرية لتقطيع أوصال الوجود العسكري الإيراني في المنطقة، خصوصا في منطقة الحدود السورية – العراقية.

ليس بعيدا اليوم الذي سيتبيّن فيه هل خطاب ترامب ثمرة مشاورات بين كبار العسكريين الذين يشغلون مواقع مهمّة في الإدارة مثل الجنرال هربرت مكماستر مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس الأركان في البيت الأبيض الجنرال جون كيلي، أم انّه مجرد تسجيل لموقف؟

المهمّ أن أميركا أعادت اكتشاف إيران ما بعد الشاه، وأظهرت أنّها تعرف تماما ما هو الدور الذي تلعبه في المنطقة. بين الانتقال من النظري إلى العملي مسافة كبيرة ليس معروفا هل إدارة ترامب على استعداد لقطعها. الأكيد أن سوريا هي أحد الأمكنة التي سيظهر فيها هل من جدّية أميركية أم لا؟

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٧
إيران وهستيريا العقوبات

تعاملت الولايات المتحدة الاميركية لفترة طويلة مع البرامج النووية في منطقة الخليج والشرق الاوسط كمعادلة استراتيجية، بمعنى انها لا تشكل تهديدا عسكريا مباشرا عليها ولكن قد تخفض من نفوذها وسطوتها في المنطقة كدولة محورية عالميا.

هذا ما دفعها في الدرجة الاولى لاحتلال العراق، وهذا ما دفع سلاح الجو الاسرائيلي عام 1981 للقيام بغارة استهدفت مفاعل "تموز1" النووي العراقي ما عرف وقتها بعملية "أوبرا"،حيث دمر المفاعل تدميرا كاملا في اول هجوم على منشأة نووية في العالم. كما العراق، كذلك ليبيا حيث قامت بالتخلي عن برنامجها النووي بعد سلسلة من الضغوطات الدولية عليها، وكان ذلك في عهد الرئيس الاميركي جورج بوش في كانون الاول عام 2004.

وهذا ما دفع ايضاً الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني في أب 2005 الى القول "إن بلاده لا يمكن معاملتها مثل العراق أو ليبيا". وأن قرار إيران باستئناف برنامجها النووي غير قابل للإلغاء"، وذلك اثر مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبلده بتعليق نشاطاتها النووية آنذاك.

تحولت سياسة الولايات المتحدة مع الرئيس السابق باراك اوباما، حيث كانت له رؤية مختلفة في التعامل مع الدول وسياسة اميركا الخارجية، بالنسبة له أن قوة أميركا تنبع من تماسكها ونموها الداخلي وليس من علاقاتها الدولية وسطوتها الخارجية، ويمكن القول ان ولايته قد اطاحت بالكثير من الجهود الجبارة التي قامت بها الولايات المتحدة عبر عقود لتكريس نفسها كدولة عظمى.

جاء الاتفاق النووي الايراني بناءً لجهود اوباما الحثيثة، وجهوده تلك هي التي اعادت ايران الى الحظيرة الدولية، وهو الذي سمح لها وعلى امتداد ثماني سنوات ان تبسط نفوذها كدولة قوية في المنطقة من الصعب اقتلاعها لسنوات عدة.

استطاعت ايران وبدهائها ان تحقق انتصارا موصوفا بانتزاعها الاتفاق النووي، لكن هل حافظت ايران على انتصارها، وهل يستحق قرار الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب عدم التصديق على أن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي كل هذا التهليل؟

ما كان يوجع ايران بالمبدأ هو العقوبات الاقتصادية، اذ بلغت خسائرها قبل عام 2012 160 مليار دولار من عائدات النفط، ومع رفع تلك العقوبات يمكن لطهران الوصول إلى أكثر من 100 مليار دولار من الأصول المجمدة بالخارج.

رفعت العقوبات وافرجت الولايات المتحدة عن المليارات المجمدة ولكن الاموال المفرج عنها لم تذهب لتحسين الاوضاع الاقتصادية للمواطن الايراني، بل الى تمويل اهداف ايران وهي اكمال برنامجها النووي بالتوازي مع سياستها التوسعية في المنطقة، واحتلال ما تبقى من عواصم عربية لاكمال خريطة هلالها الشيعي.

اخطأ الاوروبيون والاميركيون عندما وثقوا بإيران، ذلك ان منهجيتها قائمة على السياسة التوسعية، ولا يمكن فصل السياسة النووية الايرانية عن مخططها الاستراتيجي، هدف الثورة الاسلامية الايرانية ومنذ قيامها عام 1979 كانت محددة تجاه المنطقة التخريب، بذر الفتن، نشر الارهاب والفوضى لاحكام السيطرة عليها.

لذا هي بحاجة للوفر المادي كي يذهب للحرس الثوري شريان النظام الحيوي، واذرعها في المنطقة من حزب الله في لبنان، الحشد الشعبي في العراق، انصار الله الحوثيين في اليمن، وما تراه مناسبا لمخططاتها من مؤسسات وانظمة في الاقليم.

جاء قرار الرئيس الاميركي ترامب، ولكن هذا القرار لا يكفي لقطع اذرع الاخطبوط الايراني، لا يزال لايران هوامش كثيرة للتحرك:

اولا ان الحرس الثوري وعلى لسان وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون لن يصنف منظمة ارهابية: "ترمب سيفرض عقوبات محددة الأهداف على مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني، إلا أنه لن يصنفه منظمة إرهابية".

ثانياً يمكن لايران الاتكال على الاعضاء الآخرون في مجموعة الدول 5+1 وهذا ما حصل فعلاً وفي بيان مشترك صادر عن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون افادوا: "ما زلنا ملتزمين بالاتفاق وتطبيقه الكامل من قبل جميع الأطراف"، وهذا يدل على ان الاتفاقات الاقتصادية الاوروبية لا زالت سارية المفعول، كما ان أوروبا تعالج مشاكلها الداخلية وهي بغنى الان عن مشاكل اضافية مع طهران.

ثالثا النظام الايراني وعلى الصعيد الداخلي لا يزال قويا وهو يحكم السيطرة على مؤسساته ويأتي في هذا الاطار تعليق قائد "الحرس الثوري" محمد علي جعفري في رده على قرار ترامب الاخير ، إلى أن "يكون واثقاً من أن الحرس الثوري والحكومة ووزارة الخارجية في إيران موحّدون" و "نحن على وفاق تام"، ويكفي التذكير كيف قمعت ثورة "التحرك الاخضر" عام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية اثر اعتراض متظاهرين على فوز احمدي نجاد انذاك وكان يتزعم المظاهرات مير حسين موسوي زعيم المعارضة، حيث قام النظام بسجن موسوي في بيته من 2009 وهو لا يزال يعيش تحت الإقامة الجبرية حتى الان، بكلام آخر اذا ما اعيد تفعيل العقوبات يستطيع "نظام الملالي" ان يصمد لسنين طويلة.

مع ذلك، يأتي قرار دونالد ترامب في مرحلة خطيرة وصعبة من تاريخ المنطقة ومن المواجهة مع ايران، وقد يكون ترامب جاد وحازم في قراره، لكن الادارات الاميركية تتبدل وتتغير، وايران ثابتة ولا تتحول عن اهدافها، يجب خلق قوة عربية توازيها قوة استراتيجيا وعسكريا كي تستطيع قطع اياديها، اي التحرك بخط موازِ لتحركها واسترداد الموقع العربي في ملفات المنطقة وبالتالي السيطرة على النفوذ الايراني.

وهو ما تقوم به المملكة العربية السعودية الآن، باستراتيجيتها الجديدة وبانفتاحها على اطراف كانوا حتى حين بعيدين عنها في السياسة، الانفتاح على الروس، استقبال اطراف عراقية معتدلة، مد اليد لاطراف ووفعاليات لبنانية من كل الاطياف، المحاولات الحثيثة لتوحيد المعارضة السورية ولحل سياسي بعيدا عن الاقتتال، وفي هذا الاطار ما جاء على لسان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بأن المملكة تؤيد جميع السياسات المحاربة للارهاب ومصدره واذرعه وعلى دول المنطقة جميعا ان تتوحد في مواجهه قتل الشعوب وتدمير السلم الاهلي"، هو بداية لتشكيل تحالف عربي استراتيجي موسع طال انتظاره بوجه التوسع الايراني.

على هذا التحالف ان يعمل بجهد حثيث امام المجتمع الدولي كي يضع:
اولا الحرس الثوري الايراني على قائمة الارهاب.
ثانيا محاولة عزل ايران مجددا اي اعادتها الى ما كانت عليه قبل الاتفاق النووي، وذلك عبر العمل مع المجتمع الدولي لكشف ايران وتعريتها كدولة راعية للارهاب.

نجحت ايران في انشاء مجموعات قوية موالية لها في الدول العربية بلعبها على الوتر المذهبي حينا والقضية الفلسطنية احيانا والمهمشين والمستضعفين احيانا اخرى، استطاعت ان تحمي نفسها وحدودها بدماء العرب ايضا، دماء شباب حزب الله في سوريا وشباب الحشد الشعبي في العراق والحوثيين اليمنيين، تغلغلت في النفوس والاعلام والمؤسسسات مستغلة اعتدال بعض الدول العربية كالمملكة السعودية والتهاء مصر بمشاكلها الداخلية وتفتت العراق وحرب سوريا، ولكن قد تواجه في المستقبل القريب حلفا واستراتيجية عربية قد تستطيع ان تسيطر على اطماعها التوسعية.

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٧
ترامب وإيران: إطلالة واشنطن الجديدة على العالم

تقدّم واشنطن رؤاها في السياسة الخارجية من خلال إطلالات رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. الأمر عادي ويجب أن يكون كذلك، لكن في الشكل الذي يتولى فيه رجل البيت الأبيض تقديم روايته، وهنا نتحدث عن إستراتيجية واشنطن إزاء إيران، ما يشبه نزقا شخصيا يتولاه المرشح ترامب لحصد أصوات الناخبين على الرغم من أن الرجل بات رئيسا كامل الصلاحيات منذ بداية العام.

والمشكلة أنه في السعي للاطلاع على الموقف الأميركي وكواليسه من خلال متابعة الصحافة الأميركية سهو عن حقيقة أن تسعين بالمئة من هذه الصحافة تكره ترامب وتعمل على تفريغ قراراته، وبالتالي فإن محاولة فهم إستراتيجية الولايات المتحدة في تناول شؤون العالم من خلال سطور صحافييها، تصبح مشوّهة مرتبكة حين تصدر عن ترامب وتفسرّها واشنطن بوست ونيويورك تايمز وأخواتهما.

وما أعلنه ترامب بشأن مقاربة الحالة الإيرانية قد يعدّ انقلابا جذريا في رؤى واشنطن السابقة، لا سيما في عهد الرئيس باراك أوباما، ويمثّل إعادة تعريف لوظيفة الولايات المتحدة على رأس هذا العالم. ففيما كانت الولايات المتحدة تتمتع في لملمة تراثها الشرق أوسطي وتمعن في الانسحاب من تقاليدها في المنطقة، تعيد إدارة ترامب توجيه دفة إستراتيجيتها في هذا الشرق إلى ما يعيد لها زعامة القرار والرعاية داخل كافة ملفات هذه المنطقة، وربما العالم أجمع.

غير أن ترامبية الخطاب الأميركي الجديد حيال إيران تطرح أسئلة حقيقية حول ما إذا كان الرئيس الأميركي ينطق بما يتماشى صوريا مع وعوده الانتخابية أم أن الأمر يمثّل الفكر الإستراتيجي العميق للولايات المتحدة. كما يلقي شكوكا أخرى حول ما إذا كان ترامب يسعى للإطاحة بـ”إنجازات” سلفه فقط، لمجرد الخضوع لنزوع شخصي انتقامي أهوج دون نضج خيارات بديلة على منوال تعجّله بالإطاحة بالنظام الصحي المسمّى “أوباما كير” دون التوصّل حتى الآن إلى بديل ناجع يرضي الكونغرس.

بدا موقف ترامب من الاتفاق النووي “انتخابيا” لا يغيّر كثيرا من موقف الولايات المتحدة المقبل حيال الاتفاق، كما لا يهدد موقع هذا الاتفاق بالنسبة لباقي الموقّعين. يرضي ترامب غروره بتأكيد اتساقه كرئيس مع تبرّمه كمرشح من “اتفاق أوباما” النووي، وبارتباط مصير تركة أوباما بمزاجه.

سحب ترامب بلاده من اتفاقية المناخ دون أن يكون ذلك وليد ضغوط داخلية من لوبيات صناعية، وهو قبل ذلك أصدر مراسيمه المقيّدة لدخول مواطني بعض الدول الإسلامية إلى بلاده دون أن يكون ذلك نتاج ضغط من أجهزة الأمن والمخابرات في الولايات المتحدة. ويقفز ترامب حاليا صوب موقف ملتبس مرتجل من البرنامج النووي الإيراني على الرغم من تحذيرات، حتى من داخل الحزب الجمهوري ومن إسرائيل نفسها، بضرورة الإبقاء على هذا الاتفاق.

للرئيس الكلمة الأولى والأخيرة في الولايات المتحدة. وحين يقذف ترامب بإستراتيجيته لمواجهة إيران فإن كافة شخوص الإدارة تعيد التموضع وفق قرار الرئيس. هكذا تجتمع كلمة نيكي هايلي مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، الترامبية الهوى، مع كلمة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي قيل إنه وصف رئيسه بالأحمق قبل أسبوع، بكلمة وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي كان يدافع عن ضرورة عدم انسحاب بلاده من اتفاق فيينا لعام 2015 الشهير.

ظهر أن موقف ترامب من الاتفاق النووي تفصيل هامشي أضيف إرضاء لسيّد البيت الأبيض على خطة عمل ميدانية أمنية عسكرية دبلوماسية تروم وقف تضخّم الظاهرة الإيرانية في الشرق الأوسط. لم تعد إسرائيل معنية بالجعجعة التي كان يطلقها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عهد أوباما في مواكبة المفاوضات التي أفضت إلى ذلك الاتفاق.

باتت تل أبيب تتحدث عن خطر إيراني في الشمال يمتد من سوريا إلى لبنان لا علاقة له بأي برنامج نووي. وباتت السعودية، التي أيّدت الاتفاق النووي رغم تحفظها على الظروف التي أحاطت بإبرامه، لا سيما في إهمال إشراكها في مداولاته، تنتهج سياستها الخاصة (في موسكو وبغداد وبيروت… إلخ) لمواجهة التمدّد الإيراني في أحزابه وتياراته ومنظماته وخلاياه، وهو أمر لا علاقة له ببرنامج طهران النووي. بمعنى آخر، بدا أن إيران أقفلت ملف برنامجها النووي ممنية النفس بأن “الحذاقة” التي أسكتت بها المجتمع الدولي تتيح لها فجورا في رسم سياستها بشراسة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وما يتداعاه ذلك على الخليج والمنطقة برمتها.

تمثّل الإستراتجية الأميركية الجديدة ضد إيران عملية متعددة الأبعاد لا تستهدف طهران فقط، بل تضع حدودا ومحددات لمناورات موسكو، وربما بكين، في المنطقة. تعود الولايات المتحدة بقوة، من خلال تدابيرها المعلنة والمقبلة ضد الحرس الثوري الإيراني، لوضع أسس وقواعد للمحافظة على المصالح الأميركية في المنطقة. فإذا ما كان حراك إيران وحرسها وميليشياتها أساسا حيويا في إستراتيجية روسيا في الأتون السوري، فإن التخطيط لضرب الأخطبوط الإيراني الذي يغذّيه الحرس الثوري وفيلق النخبة المسمّى “فيلق القدس” بقيادة اللواء قاسم سليماني، يضرب الإستراتيجية الروسية نفسها، على الأقل بالشروط التي أطلق من خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العملية العسكرية الروسية في سوريا في سبتمبر 2015.

صدر عن حلفاء واشنطن عشية إعلان ترامب عن إستراتيجيته ما يفهم منه ابتعاد علني عن خيار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي. لندن وبرلين متمسكتان بالاتفاق، فيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فوق ذلك، أعلن أنه ينوي زيارة طهران في سابقة تاريخية صادمة. لكن هذه العواصم نفسها لن تعترض على خيارات الولايات المتحدة في التصدي للحرس الثوري المسؤول تاريخيا عن أعمال إرهابية طالت هذه العواصم كما مصالحها في العالم. على هذا، وبعد 24 ساعة على إعلان ترامب إستراتيجيته، تكشف لندن أن ما كانت تعتقده من تورّط روسي في هجمات إلكترونية طالت مجلس العموم البريطاني وبرلمانيه في يونيو الماضي، اكتشفت أنه إيراني مصدره قراصنة تحركهم طهران.

في ذلك أن التحوّل الأميركي في مسألة مكافحة نفوذ إيران في الشرق الأوسط بما في ذلك أدواته الإرهابية، سيحظى بإجماع غربي لا يمكن معارضته. وفي ذلك أيضا أن موسكو التي تسعى لاختراق الشرق الأوسط دون كثير استفزاز واستعداء للولايات المتحدة، ستأخذ جيدا بعين الاعتبار، وربما بعين الرضى، تدابير واشنطن ضد الحرس الثوري بصفتها مصلحة مشتركة ترفع من شأن الشراكة الروسية الأميركية في ميادين تتقاطع داخلها أجندات موسكو بأجندات طهران.

ربما ما زال مبكّرا استشراف مفاعيل الاستدارة الأميركية على مستقبل الشرق الأوسط. طرُب ترامب لمسألة أن مستقبل الاتفاق النووي بات مرتبطا بمزاجه ورضاه، لكن الحضور الأميركي في مياه المنطقة وبراريها بات، وفق تلك الإستراتيجية، في مواجهة علنية مع الحضور الإيراني، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات الاحتكاك والمواجهة. وقد لا يكون مستبعدا أن هذا الصدام، على الأقل في ما أفاض به وزير الدفاع الإسرائيلي عن حرب إسرائيلية ضد الشمال اللبناني السوري، بات مطلوبا، ولو بجرعات مدروسة، في السعي لإطلاق استدارات كبرى للتعامل مع حالة “كوريا الشمالية” وأعراضها الروسية الصينية المقلقة.

اقرأ المزيد
١٦ أكتوبر ٢٠١٧
تركيا والأكراد في سورية

خصوصيات الوضعين التركي والسوري وتداخلاتهما كثيرة. بعضها ثابت، والآخر متحول، وهذا أمر يميز، في الشكل والمضمون، انخراط تركيا في الشأن السوري عن أي طرف إقليمي أو دولي آخر. وقبل كل شيء، هي جارة كانت تربطها علاقات جيدة مع نظام بشار الأسد قبل قيام الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، ومن ثم تحولت العلاقة الحميمة بين أنقرة ودمشق إلى عداوة حادة خلال فترة قصيرة جداً، بعد أن فشلت كل المساعي التركية في إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بسلوك طريق الإصلاح.

ومنذ بداية الثورة السورية، بقيت أمام تركيا أربعة خطوط تتحكم بكل خطوة من خطوات أنقرة. الأول، ضبط الملف الكردي من داخل سورية، بعد أن تبين أن مشروع حزب الاتحاد الديموقراطي هو إقامة كانتون كردي، يشمل الشريط الحدودي السوري التركي الممتد من الحدود مع العراق، وصولاً إلى منطقة عفرين في ريف حلب. والثاني، منع أي تأثيرات للتطورات السورية من الانتقال إلى الأراضي التركية، في ظل موجة الهجرة الكبيرة، سواء التي استقرت وهي قرابة ثلاثة ملايين أو العابرة، وهي تجاوزت مليوناً، وهذه مسألة ترتبت عليها أعباء اقتصادية وأمنية واجتماعية كبيرة. والخط الثالث هو إيجاد حل سياسي، يقوم على أساس رحيل النظام السوري. أما الخط الرابع فيتمثل في مراعاة الموقف الأميركي، وقياس أي موقف أو تحرك على أساس حسابات واشنطن.

بعض هذه الخطوط صمد، وتمرد بعض آخر على الحسابات، ولم يكن في وسع أنقرة التحكم به. وبالتالي، نجحت في إدارة ملف، ولم تحقق حساباتها المنشودة في ملف آخر، والسبب أنها كانت من دون حليف إقليمي، يمكن الركون إليه بقوة، منذ تسلمت السعودية ملف الفصائل السورية المسلحة في صيف عام 2013، في وقت عولت فيه على موقف إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي خذلها هو الآخر، وتركها في مواجهة قوتي إيران وروسيا، ولم يوفر لها أي غطاء عسكري أو دبلوماسي. وكانت أكبر طعنة تلقتها أنقرة من واشنطن تمييع مسألة إقامة منطقة آمنة في سورية، لاستيعاب اللاجئين ووقف نمو الحالة الكردية المتمثلة في حزب الاتحاد الديموقراطي الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.

تجد تركيا اليوم نفسها أمام معادلة سورية مختلفة، حيث بات مطلوباً منها أن تنخرط أكثر في الملف السوري، وفق مسار أستانة الذي رسمته مع كل من روسيا وإيران، وشكلُ الانخراط المطلوب هو نشرُ مراقبين من أجل التهدئة في محافظة إدلب، ووضع حد للوضع السائب هناك بسبب سيطرة الفصائل المسلحة، وخصوصاً "هيئة تحرير الشام" التي باتت القوة الأساسية في المحافظة.

تعتمد تركيا في عملية إدلب على قوات درع الفرات الباقية من الجيش الحر، والهدف المشترك بين الطرفين إقامة منطقة خالية من الفصائل المسلحة التي تحولت إلى أمراء حرب، وحماية المدنيين من القصف الروسي والنظام السوري، لكن الهدف التركي الفعلي من العملية هو مواجهة المشروع الكردي في سورية. ولهذا تحضرت أنقرة على مستوى التفاهمات مع موسكو وطهران.

لدى تركيا حساب خاص يتعلق بالوضع الكردي، فهي لم تبد إلى اليوم أي تهاون في ما يخص الوضع الجديد الذي فرضه حزب الاتحاد الديموقراطي بوسائل مختلفة، وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة التي اتخذته حليفاً أساسياً في الحرب ضد "داعش".

لم تتردد تركيا في إعلان نيتها أنها ستقوم بتدمير الكانتون الذي بناه حزب الاتحاد الديموقراطي، وهذا أمر سوف يزيد من عملية الفرز القائمة على الأرض السورية، ولن يكون سهلاً في كل الأحوال، لا سيما وأن واشنطن لن تقف متفرجة.

اقرأ المزيد
١٦ أكتوبر ٢٠١٧
هيئة تحرير الشام بين التعقّل والانتحار

وجد السوريون أنفسهم بعد ستة أعوام من ثورتهم أمام عدة خيارات قاسية، فرضتها مجموعة التحالفات الأخيرة بين الدول الضامنة لخفض التصعيد، وكان لزاماً عليهم التفكير بطريقة أخرى ووضع جميع أحلامهم السابقة في سلة وتعليقها جانباً؛ لأن الأمور لا تجري بصالحهم.

شهدت محافظة إدلب في الشمال السوري تحوّلات جذرية  نتيجة لتناوب السيطرة عليها من قبل مختلف الفصائل وتناحرها، لتتحوّل المحافظة المحررة الوحيدة من براثن الأسد إلى معضلة يصعب فكها بعد إضافتها لمناطق خفض التصعيد مؤخراً.

ساهمت عدة عوامل في تشكيل هذه المنطقة المناهضة للأسد المتاخمة للحدود التركية، دعمت ثباتها لتبقى خارج سيطرة الميليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب عصابات النظام، وأهمّ هذه العوامل:

– المعابر التركية المدنية المفتوحة مثل “باب الهوى” المعبر الإنساني والإغاثي الوحيد، إضافة للمعابر العسكرية التي تزوّد فصائل المعارضة من خلالها بالعتاد والسلاح لتثبت في وجوه أعداء الثورة المحيطة بها من كلّ جانب.

– احتواء المنطقة على أشدّ الفصائل مقاومة لنظام الأسد مع مجموعات مختلفة من السياسيين والناشطين في مجالات الإغاثة والإدارة والإعلام وغيرها.

– التهجير القسري للمعارضين  والرافضين لأي تسوية مع الأسد وعصابته، لجأوا إليها لأنها الخيار الوحيد أمامهم للبقاء أحياء.

تممت تلك العوامل الصمود الأسطوري لتلك المنطقة في وجه عصابات الأسد والدول المجرمة المساندة له مثل روسيا وإيران كما حدّت من توسع ميليشيات قسد الكردية وتهجيرها للسنة العرب من مناطق سيطرتها.

جاءت بعدها سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة بعد طردها لحركة أحرار الشام وفصائل الجيش الحر منها، ووجّهت لخصومها عدة تهم على رأسها التعامل مع تركيا، عمدت الهيئة لتفكيك ومحاربة منافسيها تدريجياً  إثر حضور ممثليهم مؤتمرات مثل آستانا أو الرياض، أو اتهمت بعضهم بقبولهم الحل السياسي؛ الذي يضيّع ثمرة الجهاد الشامي وتضحيات الشعب السوري وفق زعمها، لكن لم تمض أشهر قليلة على قتالها لحركة أحرار الشام حتى بدأت الأرتال التركية تعبر الحدود بحماية الهيئة ذاتها بعد يوم واحد من بيان التصعيد الذي أصدرته جهاتها الإعلامية التي تدعو عناصرها للتصدي ومقاومة الاحتلال التركي.

هذا التناقض المريب بين القول والعمل أربك العناصر التابعة لها والأقلام المدافعة عنها؛ التي انقلبت على نفسها ورأت في تصرف قيادة الهيئة عملاً حكيماً تشكر عليه بعد أن كان خيانة يجب قتال من يقول به.

شنّت المعرفات المعادية للهيئة حملات من السخرية بحق المعرفات المتناقضة، وقارنت بين تصريحاتهم السابقة واللاحقة ليقع العناصر المقلدة التابعة لها فريسة الشك والريبة، جعلها تحجم عن التقليد الأعمى وكمّ الأفواه المدافعة عنها، وتحوّلت في نظر الكثيرين إلى فصيل ككل الفصائل التي قاتلتها، وخاصة بعد فشل معركة حماة التي استنفر الطيران الروسي فيها، ونجاح معركة أبو دالي التي غاب عنها مما أدّى لخلافات في الأوساط القيادية والشرعية لهيئة تحرير الشام، وانقسمت بين أصوات تطالب بقتال الأتراك، بوصفهم أعداء “المشروع الجهادي” في سوريا. وأصوات ترفض هذا الخيار، مذكرةً بأنّ الرأي العام المحلي والشعبي في إدلب، يفضّل سيناريوهات التوافق الذي سيؤدي إلى وقف القصف والقتال.

تبيّن فيما بعد أنّ الكفة الثانية رجحت وغلبت صوت الشارع الشعبي في إدلب، ممّا أدّى لدخول عدة أرتال تركية برفقة هيئة تحرير الشام، وصمتَ أصحاب الخيار الأول لينتظروا الخطوة الثانية من التدخل التركي.

اقرأ المزيد
١٦ أكتوبر ٢٠١٧
لا سلام معه

تعتقد قطاعات واسعة من السوريين أن النظام الدولي تراجع إلى درجة خطيرة، ما يعود إلى سلوكه الملتبس، ثم الرافض ثورتهم من أجل الحرية، على الرغم من أنها تبنّت قيما وأهدافا تتفق وتأسيس نظام ديمقراطي يصون السلام العالمي، ومصالح منظمات الشرعية الدولية وقيمها، ويتكفل بحماية حقوق الأفراد والجماعات والشعوب، ويفتح أبواب العالم أمام التجارة وتبادل المنافع، ويلتزم بقوانين إنسانية، يعطيها الأولوية.

ويؤمن سوريون كثيرون أن العالم سيسقط بين يدي نظام دولي مجاف للنظام الذي تم إنشاؤه بعيد الحرب العالمية الثانية، وأن النظام الجديد سيقلص دور السياسة، ويعتمد القوة أداة لتحقق الدول الكبرى مصالحها، والدليل ما يفعله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سورية اليوم، وما فعله في أوكرانيا وأبخازيا أمس، وما بدأ ترامب يفعله في سورية والعراق وأفغانستان، وكذلك ما أبدته الولايات المتحدة وروسيا من تساهل ثقيل الكلفة، وغير أخلاقي حيال بشار الأسد الذي تعرفان جيدا دوره الموثق في تشكيل تنظيمات إرهابية، وما ارتكبه من جرائم ضد شعب"ه" الأعزل، واستقدامه مرتزقة محترفين لقتل مواطني"ه" الآمنين. ودعاه إلى احتلال سورية من حرس إيران الثوري، بينما رفض أي مصالحة وطنية أو حل سياسي، وأصر على حل عسكري، واستخدم جميع أنواع الأسلحة لتحقيقه، وفي مقدمها المحرّمة دوليا، وقتل مئات آلاف الأطفال والنساء بدم بارد، ثم عقد اتفاقيات تفرّط بالسيادة الوطنية وتعيد الاستعمار إلى سورية، طرفاها الآخران، روسيا وإيران اللتان سيرابط جيشاهما فيها إلى نصف قرن، على الرغم مما يثيره وجودهما في مناطق استراتيجية من البحر المتوسط، وعلى حدود العراق والأردن وتركيا، من مشكلاتٍ تتحدّى السيطرة عليها قدرات شعب تعرّض لمئات المجازر، وقتل ودمر عمرانه، فضلا عن الأزمات الدولية المشحونة بمخاطر تهدّد الشرق الأوسط بأسره، وحوض المتوسط وأوروبا.

واليوم، يقال إن العالم يريد أن يقبل السوريون بقاء بشار الأسد رئيسا لهم، على الرغم من أنه لم يترك جريمة سياسية أو إنسانية إلا وارتكبها ضدهم، وفعل بهم ما لم يفعله أحد قبله. هناك من يريد إبقاء الأسد، ضاربا عرض الحائط بملايين السوريين الذين تظاهروا سلميا عاما ونيفا من العام، للمطالبة بإخراجه من حياتهم، وربطوا حريتهم برحيله عنهم. ويعتبرون اليوم أيضا وجوده في وطنهم اعتداء صارخا على حقهم في الحياة، وحق أطفالهم في سقف فوق رؤوسهم، ومدرسة تعلمهم، وفرصة عمل يتعيشون منها، بعد إنهاء دراستهم، وحياةٍ آمنةٍ في وطن تحميهم قوانينه، وتقدّم لهم ما يليق بإنسانيتهم من احترام وعدالة وكرامة.

هذه الرغبة الشيطانية في الإبقاء على الأسد، يسوّغها أصحابها بعدم وجود بديل له! هل يصدّق عاقل أنه ليس هناك بديل لسفاح يقتل شعبا يحمل مئات الآلاف من بناته وأبنائه شهادات دراسية عليا، وتعجّ صفوفه بإداريين متميزين، ومثقفين مبدعين، وقانونيين مفوهين، بينما تبلغ نسبة فئاته البينية، المنتجة والمتعلمة، بين ستين وسبعين بالمائة من أبنائه؟ وهل يصدّق عاقل أن شعبا شارك في تأسيس الحضارة البشرية، تعداده 24 مليون مواطن، يخلو من بديل لمستبد قاتل، وعد السوريين بإصلاح أوضاعهم، قبل تسليمه الرئاسة وبعيده، وعندما ذكّروه بوعوده، انقضّ عليهم بكل ما في ترسانته من سلاح، وهدم بيوتهم على رؤوسهم؟

لنفترض أنه لا يوجد حقا بديل للأسد، هل يعطيه هذا الحق في رئاسة شعبٍ يرفضه، وقدم مليون شهيد خلال سبعة أعوام، كي يتخلص منه؟ أليس الحل المنطقي أن يتم البحث عن حل لمشكلته، بدل جعله المشكلة هو الحل؟ ألم يسبق للعالم أن وجد حلولا لمشكلةٍ كهذه في أكثر من مكان، خصوصا أن النظام الرئاسي الأسدي، الاستبدادي ألف بالمائة، لن يستمر كما يقال لنا؟ ألا يثير الاستغراب والإدانة أن يكون نظامه راحلا وهو باق، وأن يبقى بعد أن قتل وجرح وشوه واعتقل وعذب ملايين السوريين، دفاعا عن نظامه الاستبدادي، ولمنع قيام بديله الديمقراطي على انقاضه؟

من غير الجائز أن تكون هناك شرعية لقاتل، ومن غير المقبول ثوريا الامتناع عن فعل كل ما هو ضروري لتوفير مستلزمات رحيله التي لا بد أن تتعدّى، من الآن فصاعدا، المطالبة الكلامية به، إلى إقامة ظروف وأوضاع تجعل رحيله حتميا. هذا ما علينا فعله، لمنع العالم من أن يستمر في الاستهانه بنا.

اقرأ المزيد
١٦ أكتوبر ٢٠١٧
غليان الملف النووي

لا تترك الخطوات الأميركية الجديدة، في ما يخص إيران وكوريا الشمالية، مجالاً للشك بأن الأوضاع في العالم عموماً، وفي منطقتنا خصوصاً، مقدمة على مرحلة جديدة من الغليان والتوترات، وربما الحروب، الداخلية والخارجية. فما أعلنه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابه الخاص بإيران، أول من أمس، يوحي بأن الأمور في طريقها للعودة إلى المربع الأول، أي مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، وهو ما أوضحته طهران، بإعلانها أنها ستعود إلى ممارسة "أنشطتها النووية السلمية". لم يستمع ترامب إلى كل الأصوات الأوروبية المؤيدة للاتفاق، والتي تطلب تعديلات عليه، وأصر على فتح باب المواجهة مع إيران، وهي مواجهة ستكون المنطقة العربية تحديداً ساحة لها، سواء في لبنان أو سورية أو اليمن أو العراق. ولعل البلد الأخير هو المرشح الأوفر حظاً ليكون باكورة ساحات المواجهة، خصوصاً في ظل التوتر القائم حالياً بين بغداد وأربيل، ودخول الحشد الشعبي، الذراع الإيرانية في العراق، بقوة في التحضيرات للمعركة، والتي لن يكون قرارها عراقياً صرفاً.

فعلى الرغم من التطمينات الحكومية العراقية أنه لا نية للدخول في معركة مع الأكراد، إلا أن الأوضاع في محيط كركوك لا توحي بذلك، خصوصاً في ظل وجود قوات الحشد التي استولت على مواقع للبشمركة جنوبي المدينة. وعلى هذا الأساس، قد لا يكون قرار تفجير المواجهة بيد الحكومة العراقية، والتي تمتلك نفوذاً قليلاً على قوات الحشد، فالمعركة قد تندلع في حال جاءت كلمة السر من الحرس الثوري الإيراني، الذي وضعته إجراءات ترامب في مقدمة أولوياتها.

لا يعني هذا أن المعركة ستكون وشيكة، بانتظار الإجراءات الأميركية اللاحقة، سواء من وزارة الخزانة أو من الكونغرس، والتي قد تساهم في تفجير المواجهة، رغم محاولات الاحتواء التي تبذلها عواصم غربية عديدة. كذلك الأمر مرتبط بإيران التي تتوجس من العودة إلى المربع الأول، والدخول تحت نير العقوبات مجدداً بعد المتنفس الذي وجدته من الانفتاح الغربي عليها اقتصادياً، وتسلمها جزءاً كبيراً من الأموال المجمدة في الولايات المتحدة، وهي بالتالي ستكون منفتحةً على محاولات الاحتواء، لكن من دون تقديم تنازلات كبيرة، على غرار ما تريده بعض الدول الغربية، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة فتح الاتفاق النووي، وإدخال تعديلاتٍ عليه تشمل حظراً على تطوير الصواريخ البالستية.

كذلك فإن حدود الرد الإيراني لن تقتصر على العراق، خصوصاً أن طهران وحلفاءها ينظرون إلى دور لبعض الدول في المنطقة، خصوصاً السعودية، بأنه كان أساسياً في الانقلاب الأميركي على الاتفاق النووي، وهو ما توضح من الترحيب المباشر الذي أبدته كل من الرياض وأبوظبي بعد خطاب ترامب. ترحيب ستكون له تداعيات أيضاً، مسرحها المنطقة العربية، خصوصاً في اليمن ولبنان، ولا سيما بعد الخطاب الناري الذي وجهه الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، ضد السعودية الأسبوع الماضي، مستبقاً الخطوات الأميركية، والتي استهدفت أيضاً قياديين في الحزب.

بين العقوبات الأميركية المرتقبة والرد الإيراني المتوقع، لن تكون فترة الانتظار في المنطقة هادئة، إذ تبدو مفتوحة على مناوشات بين الحين والآخر.

اقرأ المزيد
١٥ أكتوبر ٢٠١٧
المواجهة السعودية الإيرانية عبر حزب الله

تطورت حدة المواجهة بين السعودية وحزب الله، إثر اشتعال التراشق الكلامي بين وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان وزعيم الحزب حسن نصرالله، ووصل إلى حد التجريح الشخصي. وواضح أن هذا السجال العنيف هو انعكاس لما يجري من تطورات إقليمية متسارعة ومتشابكة على أكثر من صعيد وفي غير اتجاه. إذ كان نصرالله يترقب بقلق، على ما يبدو، المواقف التي أعلنها لاحقا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتحديدا ما يخص زيادة العقوبات المالية، وتشديدها على حزبه، وفي ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران. فيما تبدو السعودية غير متأكدة من جذرية خطوات الإدارة الأميركية، وتعتبر الإجراءات ضد حزب الله غير كافية. وترافقت هذه الشكوك مع زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي الأولى التي يقوم بها ملك سعودي إلى موسكو.

وقبل أن يبدأ نصرالله خطابه بشن هجوم على أميركا والسعودية، وهي خطابات تتكرر بشكل لافت هذه الأيام، غرد السبهان على حسابه على "تويتر" إن "العقوبات الأميركية ضد الحزب المليشياوي الإرهابي في لبنان جيدة، لكن الحل بتحالف دولي صارم لمواجهته، ومن يعمل معه لتحقيق الأمن الإقليمي". وكان السبهان قد كلف بالملف اللبناني، وزار بيروت مرات، والتقى عددا من السياسيين، في محاولة لشد العصب ضد حزب الله، وإعادة تقريب وجهات النظر بين قوى "14 آذار" سابقا. وقد سبق تغريدته هذه بأخرى، وصف فيها حزب الله بأنه "حزب الشيطان". وجاءه الرد سريعا من نصرالله الذي قال إن "حزب الله أكبر من أن يواجهه السبهان وقادته بتحالف محلي. ولهذا هو يدعو إلى تحالف دولي لمواجهة حزب الله". ما بدا أنه تنويه وتباه من نصرالله بقوة حزب الله، وبدوره الإقليمي. ثم أردف واصفا السبهان بالزعطوط.

وانهالت التساؤلات مستفسرةً عن المعنى الذي يعكس، بطبيعة الحال، استخفافا بالشخص. وقد عثرنا في القاموس على تفسيرين متقاربين، الأول باللغة الآرامية يعني الشخص الراشد الذي يتصرف مثل طفل، وتصدر عنه سلوكيات غير مقبولة. والثاني باللهجة المغربية، ويعني قردا صغيرا يتمتع بوبر كثيف وحجم صغير. وقد بدا نصرالله في بداية الخطاب منفعلا ومتوترا بعض الشيء، فقد صب غضبه على الإدارة الأميركية "أصل كل الشرور، وهي مع السعودية صاحبة مشروع التآمر على المنطقة، والآخرون ملحقون". وأطال نصرالله الحديث عن الوضع اللبناني الداخلي، معلنا ومؤكدا أن لبنان سيبقى في مأمن عن أي تطورات سلبية في المنطقة. وكانت لافتةً إشادته بالحكومة، وبكل ما تقوم به من إجراءات اقتصادية ومعيشية، وتحسين أجور الموظفين والمتقاعدين ورواتبهم، وتصميمه وتأكيده على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها (مايو/ أيار 2018). وأشاد برئيس الجمهورية، ميشال عون، من باب الرد أيضا على ما تسرب عن الإدارة الأميركية أن واشنطن تعتبره عميلا لحزب الله. وقد نفى نصرالله التهمة قائلا إن "الأميركان يريدونه عميلا لهم وتابعا لسفارتهم". وقد فسر مراقبون هذه الإشادة وهذا "الاحتماء" بالوضع الداخلي بأنه يعكس ريبة الحزب من التطورات المقبلة التي يمكن أن تعني عودة المواجهة والتوتر بين أميركا وإيران، وربما عودة العقوبات مجددا على طهران. في الوقت الذي يبدو فيه قرار تشديد العقوبات على حزب الله ومضاعفتها مؤكدا، بهدف تجفيف كل منابع (وقنوات) تمويله، عبر منع أي متمول أو رجل أعمال له مصالح أو متعاطف مع الحزب، في أي دولة أو قارة وجد. ترافقها إجراءات لوجستية وتهديد بعقوبات على أي مصرف أو مؤسسة مالية تتجرأ بتحويل (أو نقل) أموال للحزب، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ويبدو نصرالله غير مرتاح جدا لتطور الميدان في سورية، على الرغم من تظاهره وإعلانه عكس ذلك، فها هي تركيا أصبحت في إدلب، ورجاله غارقون في صحراء البادية السورية، وقتلاهم بالعشرات. وهو يحاول في المقابل أن يضغط على الحكومة اللبنانية، لكي تفتح حوارا رسميا مع النظام السوري، بحجة تأمين عودة النازحين السوريين، وإذ بهؤلاء يرفضون حتى من هم موالون للنظام، والحكومة اللبنانية ترفض، لأن رئيسها سعد الحريري لم يتبقّ له إلا هذا الملف، لكي يشد به عصبيته، ويحافظ على شعبيته المعادية لبشار الأسد. كما أن الانتخابات باتت على الأبواب والخصوم في الشارع السني كثيرون.

ما ينتظر طهران وحزب الله إذا حصار خانق. وقد اعترف نصرالله بأن العقوبات ستكون قاسية ومؤلمة، وسترهب أصدقاء ومتبرعين كثيرين، لكنه أكد أنها "لن تدفعنا إلى تغيير موقفنا مهما كلف الأمر". ولكن هل ترامب جاد فعلا في ما يقول أو يخطط له أم أنه يشيع مجرد تهويل، و"فشة خلق" هنا وهناك، كما فعل إلى الآن تجاه كوريا الشمالية وتجاه بشار الأسد؟ تجاه موسكو أم بالتواطؤ معها؟ أو حتى مع إيران؟ وربما هذه الأسباب وغيرها ما يجعل السعودية غير واثقة أو غير مرتاحة لطريقة الإدارة الأميركية بشأن الأزمة السورية، وموقفها المتراخي وترددها في دعم المعارضة، ما يسهل انتشار إيران وتوسعها عراقياً وسورياً ولبنانياً، وغزلها مع تركيا. وقد تعانقت الطورانية والفارسية في أول زيارة يقوم بها رئيس تركي لطهران. وهي السياسة نفسها التي دفعت أنقرة إلى أحضان موسكو. هل يمكن القول إن السعودية قد خدعتها سياسة ترامب، على الرغم من كل ما أغدقته عليه من دعم مالي وسياسي واقتصادي؟ أم أن رزانة الملك سلمان، وبعد نظره كما يقول العارفون، يدفعانه إلى التمهيد لخلافة ولي العهد محمد بن سلمان، وهو من جيل العائلة المالكة الثالث، عبر السعي إلى ترتيب الأمور الخليجية أمامه، ثم العربية، بالتصدّي للتوسع الإيراني في المنطقة العربية. ثم ينفتح شرقا على الخصم التاريخي، بحثا عن توازن في العلاقات مع "الدب الروسي" الذي يمسك بزمام أمور الساحة السورية، وبالتالي الإقليمية؟ وهل تحمل هذه الخطوة، في طياتها أيضا، رسالة امتعاض إلى الحليف الأميركي؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى