انتهت جميع المُهل والمماطلات الممكنة لتأخير تنفيذ قرار إنهاء الأزمة السورية، المُتخذ باجتماع فيينا منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، واقترب يوم المباشرة بالتنفيذ كثيراً. ولم يعد لدى الأطراف الدولية الشريكة بالأزمة السورية أي وقت لتغيير الموازين، فالحصاد تم، ووقت الرجاد حان، وسيقوم الجميع برجد حصاده إلى البيدر استعداداً لتحديد الحصص وفق الغلال. ولن تكون مهمةً بعد اليوم الحسابات التي اعتُمدت خلال سنوات الصراع، فحسابات الحقل، كما هو معروف، لا تُعتمد في البيدر. فالحساب الوحيد الذي سيتم اعتماده بين وزيري خارجية روسيا وأميركا هو حساب البيدر الحالي فقط.
لم يعد لدى الإدارة الأميركية، صاحبة مشروع إنهاء الأزمة السورية المندرج كأحد بنود مشروع القضاء على داعش، الذي اعتمدته فور هجمات باريس يوم ١٣ تشرين الثاني الماضي، سوى ثلاثة أشهر للانتخابات الرئاسية. ويتوجب عليها في هذه الفترة القصيرة تقديم إنجاز خارجي يدعم هيلاري كلينتون، المرشحة الديموقراطية لهذه الانتخابات. هذا فضلاً عن حاجة الرئيس أوباما إلى أن يحقق تقدّماً في حربه التي بدأها على داعش منذ قرابة السنتين ليغطي على ما أظهره التنظيم من قدرة على الوصول إلى غير بلد أوروبي، فضلاً عن تركيا وأغلب دول المنطقة. ولا يكفي الرئيس الأميركي تحقيق ذلك على الأراضي العراقية، على قلة الانتصارات هناك، بل يحتاج إلى تحقيق تقدم في سورية أيضاً. لكنه لا يستطيع ذلك بالقوات الكردية فقط المحصورة في مناطقها، فهو يحتاج إلى قوات عربية يمكن الاعتماد عليها، وبالتالي فهو يحتاج إلى إنجاز تسوية في سورية تتيح إمكان تعاون بين قوات النظام ومجموعات المعارضة «المعتدلة» لمباشرة معركة القضاء على داعش.
إضافة إلى الزمن الأميركي الضيق فإن اعتذار الرئيس التركي من موسكو عن إسقاط القاذفة الروسية في تشرين ثاني الماضي يساهم كثيراً بإنهاء المناكفات الروسية - التركية، بل من المحتمل أن نشهد إنهاء إشكاليات منطقة حلب وإدلب بعيد اجتماع الرئيسين الروسي والتركي المقبل. بل من المتوقع أن ينجم عن هذا اللقاء تعاون مشترك أوسع بين الدولتين بما يتعلق بالأزمة السورية ناجم عن حاجة الدولتين إلى بعضهما. فتركيا تجد في روسيا الدولة الكبرى الوحيدة الصامتة عن إجراءات اجتثاث معارضي حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا قبل أيام. وذلك في مواجهة عدم الرضا الأوروبي والأميركي عن هذه الإجراءات، الذي يأتي ليزيد في فتور العلاقات الأميركية - التركية القائم منذ بعض الوقت، والذي ظهر بوضوح خلال مجريات معركة عين العرب (كوباني) قبل نحو السنتين. كذلك يزيد في فتور العلاقة بين تركيا وأوروبا التي ظهرت خلال المحادثات في موضوع اللاجئين.
روسيا بالمقابل تحتاج إلى تركيا لتُضعف أثر الاعتراض الأوروبي على دورها التنسيقي مع الولايات المتحدة. فقد حاولت بعض الدول الأوروبية، في مقدمتها بريطانيا وفرنسا، متعاونة ومستقوية ببعض الدول الإقليمية، كالسعودية وتركيا، الاعتراض على تهميش دورها من قبل الولايات المتحدة التي تقوم بتنسيق عال مع روسيا. فعقدت خلال الشهرين الماضيين اجتماعين أولهما في باريس وآخرهما في لندن قبل أيام، حيث أبدت رغبة متواضعة بألا يترشح بشار الأسد للانتخابات المقرّة في نهاية المرحلة الانتقالية، وفق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤. متجاهلة بالمطلق مواقفها من موضوع الأسد خلال السنوات الخمس الماضية، بخاصة فرنسا التي كانت منذ ٢٠١١ تقول لنا بملء الفم: «رحيل الأسد شرط لبدء العملية السياسية»، ضاربة بعرض الحائط ما كنا نقوله: «يجب أن يكون رحيله نتيجة للعملية السياسية»، ظناً منا أن ذلك يمكن له أن ينجي البلاد من الخراب والدمار.
لا بد أن المصالحة الروسية التركية لعبت دوراً كبيراً في موضوع مشكلة جبهة النصرة، المشكلة التي كانت تعيق مفاوضات جنيف وفق اعتقادنا، خلال المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في زيارته إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي واجتماعه «النوعي» مع وزير الخارجية الروسي. هذا على رغم أنه لم يتم الإعلان عن نتائج هذا اللقاء وتم الاكتفاء بالتسريب المقصود لوثيقة اتفاق تقني روسي - أميركي، لأنه لا يجوز الإعلان عن محادثات بخصوص النصرة غير آليات القضاء عليها كونها مصنفة جهة إرهابية بالقرارات الأممية ذات الصلة. لكن أغلب الظن أن الاتفاق كان على من له الحق بالاستيلاء على مواقع النصرة بعد تصفيتها (وفق تسريبات) أو القضاء عليها.
من المفترض ألا تعنينا كسوريين العلاقة الروسية - التركية، ولا الإيرانية - السعودية، ولا غيرها من العلاقات أو الصراعات بين الدول، إلا ما يؤثر منها في أزمتنا في شكل مباشر. فليس لدينا أي نقص في المشكلات يجعلنا ندخل في لعبة الاصطفافات الدولية الرجراجة. فعندما نقول، أو نقرّ، بأن محصّلات الصراع في سورية تجعل من روسيا الرابح الأكبر في التصفيات الحالية، فلا يعني هذا ترحيباً بها، ولا يعني أيضاً اتهاماً لها. بل هو مجرد توصيف لواقع الحال في البلاد، واستدعاء لوضع آليات للتعامل مع الظرف الجديد.
فبالنظر إلى طبيعة العلاقة القائمة الآن بين موسكو ودمشق يبدو أنها باتت بحكم وصاية مُحكَمة من موسكو على دمشق تقارب وضعية انتداب غير مسمّى. وهذا يستدعي منا كسوريين، أن نعرف كيف علينا التعامل مع هذا الواقع بمسؤولية تترفع عن لوم روسيا واتهامها بالمحتل، وتُقلع عن العتب على النظام أو محاولة إثبات عدم أهليته لإدارة تحالفات دولية تحافظ على السيادة الوطنية. إذ من المعلوم أن جميع تجاربه مع الدول الأخرى أثبتت أنه لا يستطيع أن يقيم علاقات طبيعية أو ندية، مع أي دولة، لهذا نراه إما يعاديها ويسبّها أو يخضع لها تابعاً صاغراً، كحاله الآن مع إيران وكما كان حاله سابقاً مع قطر أو تركيا.
لهذا فإن تمسك موسكو بالرئيس الأسد ليس خدمةً له بل تثبيتاً لمكانتها الجديدة في سورية. هذه المكانة التي ترى أنها تخدمها جيداً في مساعيها لتأكيد تموضعها الدولي كدولة عظمى، وليس كدولة غنية من خلال مقايضة الرئيس الأسد بـ «حصة في الشرق الأوسط» تجعل منها «قوة أكبر بكثير بالمقارنة مع الاتحاد السوفياتي»، وفق عرض وزير الخارجية السعودي.
فإن صح اعتقادي بأننا ذاهبون خلال الأسابيع القليلة المقبلة إلى تسوية سياسية باتّة تنهي مرحلة الصراع العنفي المنفلش في سورية، لتنقلنا إلى مستوى آخر من الصراع لم تتبدّ مظاهره في شكل واضح بعد، فإن علينا أن نعرف كيف نستفيد من تجربتنا المريرة في السنوات الخمس الماضية. فإن كنا نحن من بدأ هذه الحرب بمحض غبائنا وجهلنا، وعجِزنا لاحقاً عن إنهائها، فلنقبل الآن، بمرارة، أننا لسنا نحن من يرتب مرحلتنا الانتقالية المقبلة، لكن علينا أن نعمل منذ الآن لنكون سادة خواتيمها
واشنطن وموسكو، تكثّفان جهودهما، للتوصل الى «تفاهمات» حول سوريا، تشكّل «رصيداً» مضموناً، للمرحلة القادمة التي تبدأ مع انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية. في قلب هذا المسار، الاجتماعات الدائمة بين وزيري الخارجية جون كيري، وسيرغي لافروف، تركّز هذه المباحثات، على إنجاز اتفاق حول القضايا المتفق عليها، أو القابلة للاتفاق، وترك القضايا الخلافية الى مرحلة لاحقة.
«القيصر» فلاديمير بوتين، مطمئن الى أنه سيدير الملف السوري ضمن «سلة» ملفاته الكبرى، لأن لا منافس له الآن وغداً. لذلك يمكنه المناورة وتنفيذ خططه، وهو مطمئن بأنه قادر على ضبط حركاتها وكأنه يلعب «الشطرنج» حيث كل حركة مدروسة في خدمة «الملك». المهم بالنسبة له إضعاف خصومه وتقوية وجوده!
المشكلة عند الرئيس باراك أوباما. لم يبقَ أمامه أكثر من مائة يوم من السلطة الفعلية. بعدها تبدأ عملية التسلم والتسليم حتى تكتمل في مطلع كانون الثاني من العام المقبل. من حق الرئيس أن يعمل وكأن خليفته هيلاري كلينتون مرشحة «الحزب الديمقراطي«. كلينتون تعرف الملف السوري جيداً، لكن التعامل معه من موقع «الرئيس» مالك القرار، مختلف جداً عن موقع وزيرة الخارجية التي لها رأيها لكنه في النهاية خاضع للقرار الرئاسي، وقد أثبتت اليوميات والتطورات تراجع كلينتون - الوزير أمام أوباما - الرئيس. من واجب أوباما «الديموقراطي» حزبياً دعم مرشحة حزبه عبر تسهيل مهماتها المستقبلية. من جهة أخرى على الرئيس أوباما، ترك «رصيد» للرئيس المنتخب حتى ولو كان الجمهوري ترامب، حتى لا يتهم بزرع الفراغ، وعرقلة رئاسة الولايات المتحدة الأميركية!
يجتمع الخبراء الأميركيون والروس غداً، لبحث «التفاصيل التقنية لاتفاق كيري-لافروف. معنى ذلك أن الطرفين أصبحا يملكان «خطة مشتركة تتضمن نقاط الاتفاق والاختلاف».
يشكل هذا تقدماً مهماً بعد الانكماش الأميركي عن التدخل، وتمدد روسيا بعد نزولها على الأرض السورية بكل قوتها بحيث أصبحت «اللاعب» الأول ميدانياً، مما أهّلها لأن تمسك بالقرار وتدير «اللعبة» مع الايراني والإسرائيلي بما يخدم استراتيجيتها. قاعدة موسكو الأولى التي توحي بها وكأنها لم تغير موقفها من مصير بشار الأسد انها «لا تدعو الى رحيله ولا تتمسك ببقائه». ترجمة هذا الموقف سياسياً انها تريد «ثمناً« مرتفعاً له. النقطة الثانية في المفاوضات التقنية هي، ببذل جهود مشتركة:
[ وقف إطلاق النار.
[ استئناف المفاوضات، وهنا يقال أنه قد تتم العودة الى المفاوضات في مطلع أيلول المقبل.
الغريب والعجيب في كل ذلك، أن مصير الأسد مطروح. الخلاف حول صيغته، أما هو نفسه، فإنه يستعجل بعد تحقيق عدة مجازر وتقدم ميداني غير ثابت، لأن يكون «شريكاً في التفاهمات الروسية الأميركية». علماً أنه في كل مفاوضات لا يمكن للأطراف المتفاوضة سوى تقديم «تنازلات مؤلمة»، طالما أن الحسم العسكري ممنوع إن لم يكن مستحيلاً. لأن أي نصر حاسم إلغاء لوجود الطرف المهزوم وهذا غير ممكن لأن الحرب في سوريا هي «حروب مصالح» بالوكالة وليست «حرب وجود» سواء لموسكو أو واشنطن أو لكل الأطراف الاقليمية المشاركة.
هذه المرحلة، تشكل مرحلة انتقالية. جميع الأطراف والقوى، تعمل على أخذ موقع متقدم لها على طاولة المفاوضات لاحقاً. لذلك يلاحظ التكثيف الميداني للأطراف. ليس بالضرورة أن يكون ذلك محصوراً في «الملعب» السوري، طالما أن كل «الملاعب» و»الميادين» مفتوحة على بعضها البعض، بحيث يصبح التسجيل في ميدان بعيد مثل ليبيا (انخراط فرنسا البري في الحرب) جزءاً من جمع النقاط والأرصدة للمفاوضات المقبلة. حتى الأسد يحاول كسب نقاط سياسية، في تقديم نفسه «محارباً» ضد «داعش» والارهاب.
السؤال الكبير، الى متى سيسمح «داعش» ومعه هذا الارهاب الأسود، للعالم بأن يتابع تصفية حساباته في الشرق الأوسط؟ «داعش» دخل كل المنازل في العالم. الرئيس أوباما، لم يقتنع أن دوائر النار المتروكة عن قصد لتحرق الأخضر واليابس في منطقة الشرق الأوسط، ستطلق من تحت الرماد إرهاباً يكون فيه ارهاب «القاعدة» نكتة سوداء أمامه. إرهاب «القاعدة« كان يمكن ضبطه وتوقع الكثير من عملياته، لأن غرفة عمليات تديره وتوزع مهماته. إرهاب «داعش» حرّ، متى استلب عقلاً، نهايته جريمة سوداء.
«الذئاب» المتوحشة والحاقدة تعمل بلا توجيه، إنجاز زرع الخوف والرعب ونشر الموت يتم بلا تكليف مباشر ولا معنون. «الذئب» يختار الهدف وينفّذه. هذا الإرهاب مرعب لأنه لا يمكن القضاء عليه، مهما جرى من عمليات مبرمجة ضد «رؤوسه».
من الضروري وضع خطط واضحة ومبرمجة لتنفيذها على مساحة الشرق الأوسط، لإطفاء نار الإرهاب الفردية الصاعدة من اليأس والألم والإيمان بأنه لا مستقبل لأهله خصوصاً الشباب منه على هذه الأرض.
مثل هذه العملية يجب أن تجمع شيئاً من «الأوبامية» الرافضة للحرب الشاملة، مع الكثير من النوايا والإرادات الحسنة وبرامج التنمية والتعليم التي تؤمن بأن هذا الشرق ليس مجرد ثروات تُحمَل ولا «مستودعاً» للشرور يجب اقفاله جيداً على المتقاتلين حتى الموت، لأن الموت يستجلب الموت!
حصار مدينة حلب وقصف النظام الدموي والمجرم مستشفياتها ومستوصفاتها يطرحان مسألة إفادة مجلس الأمن والأمم المتحدة. منذ ١٧ تموز (يوليو)، حاصر النظام السوري المدينة كلياً وكثف القصف عليها مستهدفاً أربعة مستشفيات. فالأطباء الشجعان والمسؤولون عن القطاع الطبي والممرضون هم في الخط الأول في الحرب الوحشية التي يشنها النظام على مدنه الباسلة لتدميرها وللقول للعالم أنه يحارب من أجل البقاء على كرسي الرئاسة، في بلد خربه وقتل وهجر الملايين منه.
فقد أغلق النظام جميع طرق حلب منذ أيام لخنق سكانها وقصف مستشفيات البيان والحكيم والزهرة والدكاك ومركز بنك الدم. والعالم يسكت عن جرائم نظام كان يجب وقفها منذ بدأ القصف بالطائرات والبراميل في مطلع حرب بدأت بتظاهرات سلمية من أجل الحرية ومكافحة الفساد وانتهت بتدخل روسي إيراني لحماية نظام مجرم شتت شعبه وأنهك مدنه. فلاديمير بوتين ونظام المرشد الإيراني و «حزب الله» يتحملون مسؤولية كبرى عن استمرار هذه الحرب المدمرة ومحاصرة المدن السورية وقصف المستشفيات والأطباء والأطفال والمدنيين. و «حزب الله» الذي يدّعي مقاومة إسرائيل ينتهج نموذج من يسميه عدوه الإسرائيلي في المشاركة في محاصرة المدن وقتل المدنيين والأبرياء. أما إدارة باراك اوباما التي لا تبالي بإجرام النظام السوري وشركائه، فهي تسكت عما يحدث في سورية لأنه بلد بعيد عن مصالحها، علماً أنه نظام شجع ظهور «داعش» الذي يهدد العالم العربي والغربي، ما يذكر بقول أحد قادة «حزب الله» في بداية الحرب السورية أن بشار الأسد لن يرحل إلا بعد أن يحرق سورية والمنطقة معه. واليوم هو أساس الإرهاب «الداعشي» المصدر الى الغرب. فالعنف الذي يستخدمه النظام إزاء شعبه بمساعدة الشريك الروسي والإيراني اللبناني، يؤدي الى تجنيد تطرف وإرهاب يساوي وحشية نظام الأسد.
إن سكوت العالم عن حصار حلب وتجويع المدينة ومنع إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين والأطباء فضيحة. فالعالم لا يسكت عن انتهاكات اردوغان لحقوق الإنسان بعد محاولة الانقلاب عليه والسكوت شبه عام عن حصار حلب من معظم أعضاء مجلس الأمن، باستثناء بعض الأصوات ومنها السفير الفرنسي في نيويورك.
نداء أطباء حلب لإنقاذها ينبغي أن يكون له صدى عالمي، لأنه نابع عن وضع مفجع لأطباء تم استهدافهم من نظام خانق. فقصف النظام المجرم أدى الى مقتل آخر طبيب أطفال في حلب هو الدكتور محمد وسيم معاز في ٢٨ نيسان (ابريل) خلال قصف مستشفى القدس، وفي ٢١ تموز أصيب طبيب القلب الدكتور عثمان هجاوي بجروح خطيرة نتيجة غارة جوية على المدينة وقال الدكتور عزيز وهو جراح في مدينة حلب أن القطاع الطبي في المدينة على وشك الانهيار وأن حلب ستحرم قريباً جداً من أي خدمات طبية. ومنذ ٢٠١١ عند بداية الحرب في سورية، قتل أكثر من ٧٠٠ طبيب سوري وذلك وفق رئيس لجنة تحقيق الأمم المتحدة البرازيلي باولو بينيرو. فكيف يسكت العالم عن هذه الجرائم ولا أحد من الدول الكبرى يعمل لإيقاف القصف القاتل؟ هل نحن أمام دفن إنسانية السياسيين في الدول الكبرى التي باستطاعتها أن توقف الجرائم ضد الإنسانية. أنقذوا حلب والشعب السوري قبل أن يفوت الأوان وتتحول دول العالم الى معاقل إجرام بدأ يظهر ويزداد يوماً بعد يوم.
لم يكن أحد في المنطقة العربية يتخيّل أن تجترح قمة نواكشوط حلولاً سحرية عاجلة، تستأصل أمراضنا وترمّم مناعتنا، وتتصدى لاستباحة العالم العربي والتهام خرائطه وتفخيخ حدوده.
نحن المستباحين يمكننا أن نطوّر لائحة أصحاب الأطماع والهيمنة، ومروّجي الفتن، وأن نحصي دولاً وتنظيمات وميليشيات، ومجانين، ونترحّم على الحرب الباردة، رغم انقسام العرب في تلك الحقبة معسكرين.
- ألا يستبيح قيصر الكرملين أرض سورية وسماءها ومياهها، متستّراً بورقة الحرب على الإرهاب، لتشجيع إرهاب آخر حصد حوالى أربعمئة ألف قتيل في البلد المنكوب؟
- ألا تستبيح إيران المرشد سورية، بميليشياتها ومستشاري الفتنة، وتصرّ على تطويق السعودية من اليمن، وإذلال اليمنيين بتعنّت الحوثيين؟ ألم تستبح طهران استقرار البحرين بالتحريض على المذهبية، وتجرّ العراق إلى جحيم الطائفية، وتستولد الفراغ في المؤسسات اللبنانية الدستورية؟
- ألم يستبح صمت باراك أوباما وعجزه، حقوق العرب كبشر، ويحرّض الروس على مزيد من التمادي في المنطقة لتصبح رهينة إلى أن تحين ساعة يالطا جديدة لاقتسام النفوذ؟ كم حرباً ستشتعل رغم العرب، حتى تحل لحظة الصفقات الكبرى بين واشنطن وموسكو؟
نحن المستباحين، في عالم العنف المجنون والإرهاب العابر للقارات، هل كنا نتوهّم بأن تتمخّض قمة نواكشوط عن «معجزات» في ساعات يوم واحد؟
صحيح أن الإرهاب وسرطانه حازا حصة الأسد في معظم كلمات الوفود، لكنّ الصحيح أيضاً أن لا استراتيجية عربية موحّدة وفاعلة، تتصدّى للوباء. حتى إسرائيل، أمّ الإرهاب التي كانت أول الأعداء، بات لها منافس، يحاول اصطياد أمن العرب ويزعزع استقرار دولهم، وينخر في مجتمعاتهم ويستنزف ثرواتهم.
مع التطرُّف وأطماع إقليمية، هويتها معروفة، يتشجّع العنف لضرب استقرار دول الخليج فيما تعاني تراجع عائداتها النفطية، وهاجسها هاجسان: فلا حرب اليمن مرشحة لأن تضع أوزارها قريباً، خصوصاً نتيجة إصرار طهران على تحريك ورقة الحوثيين وتمرُّدهم وتعنُّتهم إزاء الشرعية وإعادة الدولة الرهينة... ولا إيران أثبتت ولو لمرة صدقية في تطبيع علاقاتها الخليجية، بدليل حملاتها المتكررة على السعودية والبحرين.
وفيما السعودية منهمكة بحرب اليمن، وحماية حدودها، والتصدي للإرهاب الذي ضرب أيضاً في الكويت، لا تزال مصر مرتبكة باحتواء وبائه في سيناء، وليبيا مستباحة لجنون «داعش» والانقسامات، والجزائر حائرة متوجّسة من مرحلة ما بعد بوتفليقة.
سورية، ونكبتها الكبرى المنسيّة لدى الكبار، إلا في حالات خجولة، حين يطل الأميركي للاطمئنان إلى حفظ الروس الحرب «الوديعة»، هل يجدي معها إصرار على الحل السياسي فيما النظام لا يكترث إلا لحلٍّ عسكري، تشجّعه إيران وميليشياتها، وضحايا الجنون باتوا مجرد أرقام لم تعد تثير لدى القوى الكبرى سوى الملل؟!
«داعش» ومعه الميليشيات و «الحشد الشعبي» كفيلة باستنزاف العراق شهوراً طويلة، وهناك حيث «الحشد» الرديف العراقي لـ «الحرس الثوري» الإيراني، بات أقوى من الجيش، مَنْ يجرؤ على التصدي للمستشار قاسم سليماني ونصائحه؟
لم يغب عن هواجس الوفود في قمة نواكشوط، أن حلقات «الحشد» تمدّدت في المنطقة العربية إلى خرائطها وكياناتها، وأن إرهاب «داعش» يغذّي سطوة الميليشيات التي تقضم مؤسسات الدولة، وتحاصر قبضة الجيوش الشرعية. لكنّ حال القمة التي لم تكن سعيدة في دوراتها السنوية لتُلام نواكشوط على «خيبة أمل»، تستحضر العقدة المزمنة: العرب يشخّصون المرض لكن العلّة في التوافق على الدواء، وإذا توافقوا على العلاج انقسموا على نقطة البداية، وإذا بدأوا حاروا في الطريق.
بعد كل ذلك، هل يكفي أن نضيف إلى لائحة الأعداء، الإرهاب بعد إسرائيل والديكتاتوريات؟ الأكيد أننا يجدر أن نضيف أصحاب الأطماع الخفية الذين يتسترون بالفتن المذهبية والطائفية لدى العرب، لتمرير مشاريع التفتيت والتقسيم.
والذين أخذوا السودان إلى محطة التقسيم، طمعاً بثرواته، اكتشفوا بعد مغادرة القطار، أن الجنوب لن يستقر إلا تحت إدارة دولية. وأمامه خياران: إما تدويل استعماره وإما المجازر والمجاعة.
السيناريو ذاته، يُتوقّع استنساخه لبؤر نزاعات عربية. فهل يكفي بكاؤنا على أطلال القمة؟
تأتي التسريبات عن نضوج نوع من توافق أميركي ـ روسي بخصوص سوريا (راجع “العرب” اللندنية عدد 22 يوليو 2016) لتؤكد أن تقرير وضع النظام السوري ومصير السوريين بات في أيدي القوى الخارجية الدولية والإقليمية، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية وروسيا؛ مع إدراك الفارق بين الطرفين لصالح الأولى. وهذا الاستنتاج هو تحصيل حاصل لخروج الشعب، أو إخراجه، من المعادلة الصراعية بسبب حال الحصار والتهجير والصراع المسلح، التي تعرض لها السوريون منذ عدة أعوام، وتاليا لذلك تعذّر قدرة أي طرف من الطرفين المتصارعين على حسم الوضع لصالحه، إذ لا النظام استطاع هزيمة المعارضة، ولا المعارضة استطاعت إسقاط النظام، ناهيك عن تحول سوريا إلى ساحة صراع للقوى الدولية والإقليمية؛ هذا أولا.
ثانيا، إن هذه التوافقات تفيد بأن النظام والقوى المتحالفة معه (روسيا وإيران) استطاعا حرف الصراع من كونه صراعا بين النظام وأغلبية الشعب، من أجل التغيير السياسي وإقامة نظام ديمقراطي، إلى كونه صراعا ضد الإرهاب، إذ على رغم بقاء الصراع الأول، إلا أن الصراع الثاني طغى على المشهد، وبات يحتل أولوية عند القوى الدولية والإقليمية، على خلفية الأعمال الإرهابية التي باتت تضرب في هذا البلد أو ذاك، لا سيما في أوروبا، هذا إضافة إلى ارتدادات تزايد أعداد اللاجئين إلى البلدان الأوروبية، والتداعيات الناجمة عن ذلك.
ثالثا، هذه التوافقات تفيد بأن ملف سوريا بات في يد روسيا على حساب إيران، وذلك باعتراف الولايات المتحدة بهذا الواقع، أي أن ذلك سيفضي إلى تحجيم مكانة إيران في سوريا، وتحجيم دورها في تقرير مصير هذا البلد، وربما نشوء نوع من التباين بينها وبين الطرف الروسي، على هذه الخلفية، ومعنى ذلك أن المساومة الحقيقية في هذا الشأن هي بين روسيا والولايات المتحدة.
أما بخصوص التوافقات الحاصلة فثمة ما هو إيجابي فيها وما هو سلبي، مع تأكيدنا على عدم قدرة السوريين على فرض إرادتهم، وهذا ينطبق على النظام وعلى المعارضة. هكذا فمن ناحية الإيجابيات يمكن القول إن أي اتفاق يتضمن نوعا من الحظر الجوي أو وقف القصف بالبراميل المتفجرة يحتل أعلى سلم الأولويات، وهو ضروري جدا للسوريين، للتخفيف عن معاناتهم ووضع حد لتشردهم، وهو عامل قوة للثورة السورية، مع علمنا أن الذي يملك قوة نيران، ويملك قوة القتل والتدمير هو النظام السوري (وحلفاؤه)، وهذا أمر ينبغي إدراكه بعيدا عن العواطف، خاصة مع علمنا بضعف الجيش الحر، وضعف جماعات المعارضة المسلحة، أي أن هذا اتفاق ينبغي استثماره والبناء عليه. ثانيا، تضمن الاتفاق التأكيد أكثر من مرة أنه ينبغي أن يفضي إلى حل سياسي انتقالي، وفقا لإعلان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، وإقامة هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، وهذه نقطة ينبغي التأكيد عليها وتعزيزها.
أما بالنسبة إلى المخاوف المشروعة التي يمكن أن تنشأ من هذه التوافقات، فهي تتعلق، أولا، بإمكان تلاعب النظام، وروسيا، بهذا الأمر والتملص منه، كما حصل في التوافقات السابقة، أي أن الوضع يتطلب ضمانات تفيد بأن الإدارة الأميركية حسمت موقفها، وأن الأمر ليس متروكا لروسيا. ثانيا، أن الاتفاق على التركيز في محاربة داعش وجبهة النصرة لم يستكمل بالميليشيات الأخرى التي تقاتل مع النظام، وهي قوات حزب الله اللبناني وكتائب أبوالفضل العباس ولواء فاطميون ولواء نجباء وغير ذلك من الميليشيات العراقية، إضافة طبعا إلى قوات الحرس الثوري الإيراني. ثالثا، ثمة خشية من استغلال روسيا لهذا التوافق بحيث تحاول من خلاله إعادة تعويم النظام، بشكل أو بآخر.
مع كل ذلك، فإن المشكلة تبقى في مراجعة المعارضة لأوضاعها، أي لكياناتها السياسية والعسكرية والمدنية، وفي قدرتها على استعادتها لخطابها بخصوص إنهاء نظام الاستبداد، وإقامة دولة مواطنين أحرار ومتساوين، دولة ديمقراطية مدنية.
وسط الكمون في التحرّكات الدبلوماسية التي كانت نشطةً حتى فترة قريبة. لكن، من دون نتائج تذكر، ظهر خبر جديد. ولكن، متراجعاً خطواتٍ عن دائرة اهتمام الإعلام العالمي، أمام ما شهده العالم في الأيام القليلة الماضية من أحداثٍ ساخنة. أهمية ما ورد يعيد إلى الواجهة مسألةً على غاية من الأهمية، هو حجم التناقض في المواقف بين ما يتم الإعلان عنه وما يجري على مسرح الواقع من أحداثٍ تستدعي التأمل في جملةٍ من التناقضات يرفضها العقل، لكنها تبدو مقبولةً، ويتم التعامل معها، تحت مسمى بارز "العمل على إيجاد حلٍّ للأزمة السورية". وهذا عنوانٌ أصبح باهتاً لكثرة تداوله، لكنه يعكس، بوضوحٍ كبير، عدم تراجع القوى الكبرى في العالم عن موقفها الذي ما فتئ يتجاهل جذر المشكلة السورية، وضرورة العمل على إيجاد حلٍّ لها، فهذه الأزمة التي تم من خلالها إطلاق يد إيران في العالم العربي أصبحت ما يمكن تسميته نهر الذهب الذي تدفق على الدول المتقدمة، عبر صفقات تسلحٍ غير مسبوقة تصبّ، في النهاية، في سلة إنعاش اقتصاد هذه الدول. وجرى معها تحييد مدروسٌ لمسألةٍ أخلاقيةٍ في غاية الأهمية، وهي كمية الدماء التي تمت إراقتها في سورية، لتحقيق هذا الإنجاز المبهر.
تتحدث الأنباء حالياً عن اتفاقٍ عقد بين الشريكين، وزيري الخارجية الأميركي والروسي، جون كيري وسيرجي لافروف، ما طفا على السطح منه، وتم الإعلان عنه، هو هدنة تشمل كل الأراضي السورية. وكغيرها من الهدن السابقة التي أثبتت الوقائع أنها تفرض على طرف دون غيره، دشنت بأكثر من ستين ضحية، غالبيتهم مدنيون، بينهم أطفال، سقطوا في كل من حلب وإدلب وبلدة الأتارب أيضا. العنوان الكبير لهذا القتل هو محاربة جبهة النصرة، باعتبارها المقصودة بالحرب، وإضعاف "داعش" وفق تصريحاتٍ وردت سابقا من البيت الأبيض.
يحق، الآن، لروسيا أن تعلن للملأ انتصارها الساحق بجرّ أميركا لتكون شريكاً لا يُضاهى بالقتال ضد هذا الفصيل. من المهم، هنا، أن نعيد إلى ذاكرة العالم أن الشعب السوري هو من رفض وجود هذا الفصيل على أرضه، وقاد الحراك المدني في الشمال السوري مظاهراتٍ ضده، كلفته ضحايا عديدين. لكن، لمَ دمرت المستشفيات التي تعالج المصابين من ضحايا الضربات الجوية، غالبيتهم من المدنيين، وأسواق الخضار التي يتجمّع فيها الناس، لتأمين حاجاتهم الغذائية، وأفران الخبز أيضاً، بين الأهداف المهمة لغارات الطيران الروسي التي عملت مع طائرات النظام بها فتكاً وتدميراً؟ هل تملك وزارة الخارجية الأميريكية جواباً على هذا؟ في العودة قليلاً إلى الوراء، نجد أن الطائرات الأميركية استبقت عمل سلاح الجو الروسي في سورية بأيام معدودة، وقصفت مستشفىً في أفغانستان. حدثٌ صرّح الساسة الأميركيون إنه غير مدرجٍ ضمن واجبات الاعتذار، كونه يخدم هدفاً عسكرياً مشروعاً. قد يبدو الربط بين الحدثين، للوهلة الأولى، بعيداً عن المنطق، لكن عدم إدانة هذه العمليات يدفع التساؤل نحو الواجهة.
يكفي، إذن، أن يتكلم كبار الساسة، ليصبح الإخلال ببنود اتفاقيات لاهاي واتفاقات جنيف عملاً مشروعاً، لا يمكن تصنيفه ضمن جرائم الحرب.
إن صح اتفاق الشريكين، الروسي والأميركي، فهذا يعني أن الدبلوماسية الروسية نجحت بتجنيب ساستها المساءلة لاحقاً، بشأن ما اقترفته قواتها وطائراتها في سورية. وهذا يعني، أيضاً، أن الدبلوماسية الأميركية، على عادتها، سجلت حلقةً جديدةً في مسلسل تنازلاتها الكبرى، خلال هذا العهد من تاريخها. قد يبدو فهم الأمر على هذا النحو مربكاً للمتابع العادي، لكن الشعب السوري لا بد أن يدرك أن ما يعدّ له أكبر بكثير من مسألة عودة المفاوضات، وتمييع أهميتها، فالتاريخ ليس بعيداً إلى درجةٍ يصعب من خلاله فهم ما يجري.
أيام معدودة تفصل تاريخ زيارة وفد البرلمان الأوروبي دمشق ولقاء رجل التنازلات الكبرى في الكرملين. ولا دهشة في الإعلان أنه لا أنباء تقدّم للصحافة عن الزيارتين. الأهمية إنما في علاقة الذاكرة السورية بتاريخ الغرب مع الشعب السوري الذي سبق أن عاش تجربةً مماثلةً تقريباً، إثر مجازر الأسد الأب في جسر الشغور وحلب وسجن تدمر، والأكثر شهرة وإيلاماً للأخلاق مجازر مدينة حماة، ثم إعادة الحكومات العالمية إنتاجه ثانيةً، وتقديمه بطلاً قومياً لا يضاهى، متجاهلين الآلام الكثيرة التي تحمّلها الشعب السوري بكبرياء وأنفة.
توضح التحركات الدبلوماسية أن روسيا لا تمسك فقط بزمام الأمور، فيما يتعلق بالأزمة السورية، بل إنها فازت بتمرير كل خططها في سورية. وبالتأكيد، وفق أجندتها الخاصة ومشروعها الذي لم تقبل التنازل عن أي بندٍ فيه، بينما تتبع بقية الدول العالم أجندة البيت الأبيض وخارجيته التي لم تعد تتقن من فنون التفاوض سوى تقديم التنازلات، في إعلانٍ لا يقبل الجدل، يشير إلى أنها، كدولة قوية، وصلت إلى حالة تهتكٍ داخلي، لا يمكن التكهن بحجمه، ولا بنتائجه، على المدى المنظور.
وتضاف إليها الدول التي تمسك حالياً بمصير الشعب السوري، ومستقبله الغامض. بدأت هذه الدول الانقياد للرغبات الروسية، وتقديم التنازلات المتعلقة بمصير الشعب السوري الذي سلبته الدول الصديقة، قبل العدوة، حقوقه كافة.
التنازل الكبير قادمٌ لا محالة، فالعالم الذي وقف يتفرّج على دم الشعب السوري، وهو يسفح على الطرقات والأرصفة، من بداية الحراك السلمي، من دون أن يرمش له جفن، أو تختلج لديه، ولو ذرة واحدة من المشاعر، يبدو وكأنه يتحضّر من جديد، ويعمل في الخفاء لبلوغ لحظة إعادة إنتاج الأسد الابن، ثم تقديمه من جديد بطلاً لم يسبقه إلى فعلته أحد، في التاريخيْن، القديم والحديث.
كشف الجدل المحتدم حول فكرة الفيدرالية مدى التباينات بين السوريين، وقصور قدرة معارضتهم السياسية، خمس سنوات، على إدارة هذا النقاش، أو الاختلاف، لضمان إيجاد إجماعات جديدة، تؤدي إلى تصور مستقبل مشترك بين السوريين، بكل أطيافهم.
وجاءت ندوة الحوار التي أقامها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية حول المسألة الكردية والفيدرالية لتشكل نقطة انعطاف مهمة في آلية التعاطي مع الطروحات المقدّمة، أو المفترضة، لشكل الدولة المحتملة، فهذه المرة لم يكن النقاش حول الفيدرالية في غرفةٍ مغلقة، كما أنه لم يكن حواراً من طرفٍ واحد، بل كان حواراً بين قوى سياسية متعدّدة، اختلفت حول أحقية الطرح ومشروعيته، وملابسات وجوده على الساحة السياسية، بل وحول تفسيراته القانونية، ومفاعيلها السياسية. وربما تكون هذه الحالة الأولى التي تخرج بها تلك القوى في البوح السياسي، من تحت الطاولة إلى ما فوقها.
وإذا كنا في معرض الحديث الصريح، فعلينا الاعتراف بأن رفض فكرة الفيدرالية كان على ما يبدو ردة فعلٍ متعجلة، كأن بعض المعارضة يفكّر بطريقة النظام، أو يظنّ أنه سيرث النظام كما هو، مستبطناً، في ذلك، رؤية تنم عن عصبيةٍ قومية، ورفض للآخر. بينما كان على كيانات المعارضة أن تكون الأكثر حرصاً على توسيع أفقها، وتطوير مفاهيمها، وتمثيل أغلبية السوريين، بكل مكوّناتهم، لأنها المعنية باستقطاب القوى الكردية إلى جانبها، لا أن تتركها لقمة سائغة للنظام.
ولعل ما تقدّم كان نتيجة بعض الشبهات حول مواقف وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) وممارساته ومليشياته (قوات الحماية الشعبية)، وفرضه الإدارة الذاتية في مناطقه، من دون العودة إلى إرادة كل السوريين، بما يتعلق بشكل دولتهم المرجوّة، لكن هذا تحديداً لا ينبغي أن يدفع المعارضة نحو مقاطعة المفاهيم الصحيحة، كالفيدرالية مثلا، فقط لكونها تتقاطع مع مصالح هذا الحزب، فهذه ردة فعل غير منطقية وساذجة ومضرّة، لأن مستقبل سورية يفترض أن يشارك الجميع بصوغه. فهل نكون ضد الديمقراطية، لأن إسرائيل تنتهج الديمقراطية في علاقة الدولة بمواطنيها الإسرائيليين؟
من المفيد طرح فكرة الفيدرالية للنقاش وتوضيح أبعادها، لمعرفة مدى تطابقها مع أهداف الثورة، بإنهاء الاستبداد وإقامة دولة مدنية وديمقراطية، تضمن المساواة بين المواطنين. لذا يتحدد فهمنا للفيدرالية على الأسس التالية:
- أولاً: قيامها على وحدة سورية وطناً لكل السوريين، أي الفيدرالية نوعاً من تنظيم للإدارة، وتنظيم تقاسم الموارد، لمنع تسلط المركز، واستحواذه على معظم موارد البلد، وضمان توسيع المشاركة في الحكم وصياغة القرارات المصيرية.
ثانياً: الفيدرالية لا تعني قيام كل ولاية أو محافظة بإقامة علاقات خارجية أو تشكيل جيش أو عملة أو علم خاصين بها، وإنما تعني إدارة شؤونها في قضايا التعليم والصحة والخدمات والأمن الداخلي، أما الشؤون السيادية، وضمنها الخارجية والدفاع وإدارة الاقتصاد، فتبقى في يد السلطة المركزية.
ثالثاً: تقوم الفيدرالية على أساس جغرافي، وليس على أساس قومي أو طائفي، لأن ذلك يتناقض مع الديمقراطية، ومع دولة المواطنين الأحرار المتساوين.
رابعاً: في الدولة الفيدرالية الديمقراطية الليبرالية، لا يتم تعريف المواطن بقوميته أو دينه أو مذهبه أو جنسه، فالمكانة الحقوقية متساويةٌ لكل المواطنين، من دون أي تمييز بسبب الدين أو الإثنية أو الجنس. ويستنتج من ذلك كله أن الدولة الديمقراطية الفيدرالية تكون محصنةً ضد الاستبداد الذي يفضي، في أغلب الحالات، إلى الدولة التسلطية أو الاستبدادية.
وعلى هذه الأسس، فإن محاولة بعض أطياف المعارضة استبعاد هذا الخيار، حتى ضمن خيارات الحوار والنقاش، تشكل نقطة استدارة نحو خطابٍ أقرب إلى ما يتذرّع به النظام، بخطابه القومي الذي يُقصي الآخرين، وتحت شعاراتٍ هو أبعد ما يكون عن العمل بها، ناهيك عن إيمانه بعكسها.
قصارى القول: سورية التي نذهب إليها بحواراتنا، وصوغ إجماعاتنا الوطنية من خلالها، أفضل بكثير من سورية التي ستمنح لنا على ورق روسي، بامتياز أميركي.
هناك، في عقل المعارضة السورية السياسي، اعتقاد شائعٌ يوقن أن النظام هو حصة روسيا، وأن المعارضة حصة أميركا، وأن روسيا لن تسمح بهزيمة حصّتها، وفي المقابل، لا ولن تسمح أميركا بهزيمة جماعتها، وأن هذا التوازن الدولي يفسّر التوازن الداخلي بين النظام ومن يقاتلونه، الذي قد يكسر هنا أو هناك، لكنه يبقى مستقرّاً بوجه عام، لأن كسره محظور استراتيجيا.
اهتزّ هذا الاقتناع بشدة بعد الغزو الروسي لسورية، واعتماد واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي (البايادا)، الكردي، حليفا يخوض حربها البرية ضد الإرهاب، بالنيابة عن جيشها، أحدث إدخاله إلى الصراع ودعمه السخي تبدلاً جدياً في علاقات قواه الداخلية، ومواقف البيت الأبيض من الجيش الحر، وكشف جوانب من خططه حيال الدولة السورية الراهنة التي تعهّدت بالمحافظة على وحدتها في القرار رقم 2254، لكن ما اقترحته وثيقة راند، ومشروع "البايادا" السياسي، المستند إلى دوره العسكري، أثارا شكوكاً جدّية بالتزام واشنطن بالقرار الدولي، وبمعادلة: أميركا معنا وروسيا مع النظام، وهي لن تسمح بهزيمتنا، مثلما لن تسمح موسكو بهزيمته.
بدخول الروس إلى سورية، وبروز قوة كردية مقاتلة تدعم أميركا مشروعها السياسي الغامض أيضا، تغيّرت مكونات الصراع في سورية وحساباته الدولية، فأقلعت واشنطن بصورةٍ متزايدةٍ عن اعتبار الطرف الروسي خصماً تفضي خسارته إلى انتصارها وانتصار الثورة السورية، وأخذت ترى في التفاهم معه المدخل الضامن لمصالحها، وكان قد بدا، في فترة طويلة، أن نجاح الثورة هو ضمانتها، مع ما يحمله هذا التطور من تبدّلٍ في علاقاتها مع السوريين الذين لم تعد هزيمتهم هزيمة لها، لأنها تستطيع بلوغ أهدافها عن غير طريقهم، بل عبر التفاهم مع عدوهم الروسي، شريكها الدولي الجديد في حربها ضد الإرهاب: أولويتها التي غيرت مواقفها المعلنة دولياً ومحلياً، وبعد أن تقول إن نجاحها مستحيل في حال بقي بشار الأسد في السلطة، شرعت تقول ما قاله الروس دوماً: إن فشل الحرب محتم إذا لم يتوصل السوريون إلى حل خلافاتهم بأنفسهم، وإن مصير النظام والأسد يرتبط بتفاهماتهم، وبالتالي، بالواقع الميداني الذي تطور بعد الغزو الروسي غير صالح الطرف الثوري، أكثر مما يرتبط بوثيقة جنيف والقرارات الدولية.
تبدلت علاقات أميركا مع المسألة السورية، بعد تموضع الجيش الروسي في سورية. وغيّر احتضان "البايادا" عسكريا، ودعم مشروعها سياسياً، معطيات الصراع السوري الداخلي، وأضاف إليه أبعاداً جديدة، لم تكن له قبل الحرب على الإرهاب، أولوية واشنطن التي تفوق في أهميتها صراع الثورة والنظام، العامل الذي كان يفصلها عن موسكو، وها هي الحرب ضد "داعش" وجبهة النصرة تجمعهما. بهذا التبدل، لن ترى أميركا في هزيمة الثورة خطاً أحمر، لا تسمح لأحد بالاقتراب منه، ناهيك عن تخطّيه. ولن تعتبر نفسها مسؤولةً بعد الآن عن الحفاظ على وحدة سورية دولةً ومجتمعاً، بحجة ترك الحل للسوريين، انطلاقاً من الوضع الميداني الراهن الذي يحتل حزب البايادا فيه مساحةً من سورية أكبر من التي يحتلها الجيش الحر.
إذا كان هناك مثل هذا الانقلاب في موقف واشنطن تجاه الثورة وسورية، ما الخطأ في فتح حوار مع روسيا، وأطراف الداخل السوري، بما فيها أطراف من النظام وحزب البايادا، نحدّد بواسطته النظام الذي نريده لبلادنا، والتزاماتنا المتكاملة حياله، من اليوم وإلى أن يتحقق؟ ألا تمسّ حاجتنا إلى موازنة الموقف الأميركي، من خلال فتح قنوات خارجية وتوحيد الجهات المقابلة للنظام، وتفعيل قدرات شعبنا، وصولاً إلى أوضاع ذاتية، تقنع أميركا وغيرها باستحالة تمرير أي حلٍّ لا يخدم مصالحنا ويحقق حريتنا؟.
على الرغم من إعلان الكرملين أن لقاء وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو أخيراً، لم يتطرّق مباشرةً إلى مسألة التعاون العسكري بين البلدين في سورية، وإعلان البيت الأبيض عدم وجود تنسيق عسكري بين البلدين، إلا أن المعطيات تفيد بأن الجانبين قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى اتفاق حول هذه المسألة. فموافقة واشنطن أخيراً على وضع جبهة النصرة في مرمى النيران الأميركية ـ الروسية المشتركة، بحسب ما كشفته "واشنطن بوست"، وألمحت إليه الخارجية الأميركية ليس بالتطور العادي، خصوصاً بعد أشهر من رفض الولايات المتحدة توجيه ضرباتٍ قوية للجبهة، بسبب تداخل وجودها على الأرض مع فصائل أخرى تعتبر معتدلة، وأملاً في أن تنزع الجبهة عن نفسها عباءة "القاعدة".
من شأن هذا الاتفاق إن طُبق عملياً أن يغير المشهد الميداني في الشمال الغربي لسورية بالكامل، ويعيد بناء تحالفاتٍ عسكرية جديدة، ستؤثر سلباً على فصائل المعارضة في حلب وإدلب وحماة، وهي المناطق الثلاث التي تحظى فيها المعارضة المسلحة بثقل عسكري. وستجد الفصائل الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بما فيها حركة أحرار الشام، نفسها بين سندان الابتعاد عن "النصرة" مع ما يعنيه ذلك من انهيار "جيش الفتح"، وخسارة فصيل عسكري في غاية القوة، ما سيؤثر سلباً على مسار المعارك، وبين مطرقة الوقوف إلى جانب "النصرة"، مع ما يعنيه ذلك من تعرّض هذه الفصائل للصواريخ الأميركية ـ الروسية.
وقد بدأت ملامح هذا التوجه بالظهور، على الأقل لدى حركة أحرار الشام، وليس مصادفةً أن تنأى الحركة بنفسها عن المعركة التي شنتها الفصائل، بما فيها "النصرة" لاستعادة السيطرة على طريق الكاستيلو في حلب، والحجة التي رفعتها الحركة، لتبرير عدم مشاركتها غير منطقية (معركة خاسرة)، فهذه أول مرة لا تشارك الحركة في عمليةٍ بهذه الأهمية، وليس مصادفةً أيضاً أن تؤكد الحركة، في معرض ردّها، على منظمة العفو الدولية على ضرورة التميز بينها وبين جبهة النصرة.
ومع ذلك، لن تكون هذه الخطة المتفق عليها من حيث المبدأ في المحادثة الهاتفية، في 6 يوليو/ تموز الجاري، بين الرئيسين بوتين وأوباما، سهلة التطبيق، في ضوء التراجع العسكري للمعارضة في حلب.
عند هذه النقطة، يكمن الخلاف الروسي ـ الأميركي، فالولايات المتحدة تريد مقابل وضع "النصرة" في ميزان تنظيم الدولة الإسلامية أن تضمن عدم تعرّض الفصائل الأخرى للقصف من روسيا والنظام السوري (أحرار الشام، جيش الإسلام المدعومين إقليمياً وبعض الفصائل مثل فتح حلب ونور الدين زنكي وفصائل الجيش الحر).
تتفق واشنطن مع موسكو على أهمية فصل المعارضة المعتدلة عن جبهة النصرة، حيث كشفت الأشهر الماضية صعوبة ذلك، من دون تدخل أميركي مباشر، لكن الولايات المتحدة لا تريد أن يؤدي هذا الفصل إلى انهيار المعارضة وتدميرها، فهذا لا تتحمله دول الإقليم الداعمة للمعارضة، وهو أحد الهدفين الأساسيين اللذيْن حرصت واشنطن على عدم اختراقهما، منذ بدء الأزمة، إلى جانب الهدف الثاني المتمثل في منع إسقاط النظام عسكرياً.
تريد واشنطن قوة عسكرية معتدلة من المعارضة ذات أجندة وطنية، وتقطع مع أي توجّهٍ إسلامي راديكالي، تمهيداً للوصول إلى المرحلة الانتقالية السياسية والعسكرية التي تتطلب إعادة هيكلة وصياغة المنظومتين العسكرية والسياسية معاً، من دون أي انفصال، بما يحفظ للمعارضة وجوداً مهماً في المنظومة الجديدة. ولذلك، تطالب الإدارة الأميركية بإعادة تثبيت الهدنة، وإقامة مناطق خالية من القصف، في تطويرٍ جديد لاتفاق الهدنة العسكري الأساسي بين موسكو وواشنطن.
أما روسيا، فتريد أكثر من ذلك، حيث تطالب فصائل من المعارضة بالانخراط في جهود النظام وروسيا والأكراد في محاربة التنظيمات الإرهابية، وهذا مطلبٌ لن يجد تجاوباً من الفصائل، خصوصاً القوية منها، كما تدعو موسكو هذه الفصائل إلى الانخراط في مجلسٍ عسكريٍّ، لا يكون منبثقاً عن هيئة الحكم الانتقالية بموجب الشرعة الدولية، وإنما في إطار مجلسٍ يكون منبثقاً عن تفاهماتٍ مع النظام بوساطة روسية، بحيث يشكل جانباً عسكرياً من منظومةٍ متكاملةٍ، مضمونها حكومة وحدة، تجمع النظام وقوى تابعة له، أو مستقلة إلى حدٍّ ما.
وعلى عكس ما تروّجه سياسياً وإعلامياً، تبدو موسكو مستعجلةً كثيراً إلى إنجاز اتفاقٍ مع واشنطن، قبيل بدء العملية الانتخابية الأميركية، في محاولةٍ للاستعجال في استثمار النجاحات العسكرية على المستوى السياسي، وقد حدث تطوّران، يوضحان الرغبة الروسية في استعجال التسوية:
عودة قاذفات توبوليف بعيدة المدى إلى قصف أهداف لتنظيم الدولة، من أجل منع أي محاولةٍ لتغير الواقع الميداني القائم، ولإيصال رسائل إلى الأميركان أن موسكو جادّة هذه المرة في ضرب التنظيم. وتصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل أيام، حين رفض تصريحات المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، التي ربط فيها نجاح التسوية السياسية في سورية بما سيؤول إليه التفاهم الأميركي ـ الروسي، وأصر لافروف على ضرورة أن تمارس الأمم المتحدة مهامها في إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات سريعاً.
يكشف هذان التطوّران التكتيك الروسي للمرحلة المقبلة، فالجولة المقبلة من المفاوضات ستكون حاسمة من وجهة نظرها، ليس على صعيد الصيغة النهائية للتسوية، فهذه الشروط ما تزال غير ناضجة، وإنما على صعيد إعادة ترتيب المسار التفاوضي وهيكلة الوفد التفاوضي معاً، اللذين يتكاملان مع مسارٍ عسكريٍّ جديد، يقطع نهائياً مع المسارات السابقة خلال المرحلة السابقة.
يجدر بي التنويه في البداية إلى أنني عندما أتحدث عن حال المعارضة السورية من موقع مسؤوليتي فيها، فإن حديثي يأتي من باب الحرص عليها، ومن إدراكي أهمية تطويرها، لذا فإن نقدي لا يعني تحميل المعارضة مسؤولية كل ما يجري، فالنظام هو الذي يتحمل المسؤولية عن كل ذلك وعن المأساة التي يعيشها السوريون، كما أن الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة تتحمل المسؤولية عن هذه المأساة، بسكوتها عن جرائم النظام (القتل والتدمير والتشريد)، وبعدم تقديمها الدعم اللازم والمناسب للسوريين ولثورتهم. ولا أريد أن أحمّل المعارضة فوق ما تحتمل، فلا إمكاناتها تسمح لها، ولا موازين القوى، ولا التدخلات الخارجية تمكّنها من ذلك.
إن نقدي المعارضةَ ينبثق من رؤيتي جوانب التقصير عندها، والطريقة التي تفكّر وتعمل على أساسها، باعتبار النقد ألف باء العمل السياسي، وترشيد الأفكار السياسية، ودلالة على حيوية الأحزاب السياسية، وطريقة لترسيخ الديموقراطية التي ندعو إليها.
ويأتي هذا الحديث بعد أكثر من خمسة أعوام على نشوء هيئات المعارضة التي توالدت تباعاً، أي بعد تجربة طويلة وشاقة وغنية وباهظة الثمن، كان يفترض أنها أتاحت للمعارضة مراجعة طريقها ومفاهيمها، وليس البقاء عليها، وإعادة إنتاج أخطائها وقصورها كما هو حال ممثليها، فما كان يمكن غض النظر عنه في البدايات لم يعد مناسباً الآن.
كلنا يعلم أن التجربة السياسية السورية المعاصرة قامت مع الثورة، وتمثلت في الكيانات السياسية التي تألفت ضمن إطاري «المجلس الوطني» وبعده «الائتلاف الوطني»، وهذه التجربة مع الأسف لم تقم نتيجة جهود قوى حزبية لديها تجربة سياسية سابقة، ولا على قوى معارضة منظمة لها امتدادات قوية في مجتمع السوريين، ثم إن عملية البناء هذه جاءت فوقية، ومن قوى خارجية، ما جعل مشكلة التكوين تشكل محور أزمة المعارضة، التي لم تستطع حلها أو تجاوزها حتى الآن.
ما زاد الطين بلة أن هذه التجربة لم تستطع أن تفرض ذاتها ومكانتها في تمثيلها السوريين، وفي تعبيرها عنهم، أو في قيادة كفاحهم ضد الاستبداد، إذ ظل طريقها محفوفاً بالمشاكل والتقصيرات، الناجمة عن ضعف تكوينها، وعن غياب روح الفريق فيها، وضعف إدراكها أهمية العمل وفق رؤية وطنية، بعيداً من الحساسيات والمصالح الخاصة أو الحزبية. وقد تفاقم الأمر -وليسمح لي الجميع بهذه المصارحة مع الهيئة التي أنتمي إليها، وهي «الائتلاف»- مع اعتبار المعارضة نفسها ممثلاً حصرياً للسوريين، في وقت كان مطلوباً منها الانفتاح على مجمل القوى والشخصيات الوطنية الفاعلة في المجتمع السوري في الداخل والخارج، إذ ثمة مئات من الناشطين الذين يمتلكون خبرات حزبية معارضة سابقة، ومعارف سياسية، ولديهم تاريخ نضالي مشرف، ما زالوا لا يجدون طريقاً، أو إطاراً، تفرزه المعارضة كي يعبروا من خلاله عن أنفسهم، أو يشاركوا من خلاله في الكفاح من أجل حرية شعبهم، وبخاصة أن المعارضة لم تستطع تقديم الحماية أو الدعم لكثيرين منهم، حتى في المناطق «المحررة»، ما اضطرهم للمغادرة إلى الخارج. وليتهم اكتفوا بذلك، بل دفع الأداء المتواضع للمعارضة هؤلاء الناشطين إلى الوقوف في مواجهة الكيانات المعارضة كمعارضين لها ولأدائها الذي دلت عليه نتائجها.
ما أود أن أؤكده هنا هو أن معارضتنا يعتورها الكثير من التقصير والمشاكل والثغرات النابعة منا، ومن نمط تفكيرنا، ومن طرق عملنا التي عفا عليها الزمن، مع أن مخلصين كثراً بذلوا وحاولوا، ولكن كل ذلك ظل بمثابة جهود فردية لم تستطع أن تفرض نفسها على مؤسسة المعارضة، التي نشهد كثيراً من مظاهر الانفلاش والمزاجية والفردية في عملها، مع غياب روح الفريق، وتفشي العلاقات الكيدية. ولعلي أعتبر ما حدث مؤخّراً في الحرب الكيدية ضد شخصية معارضة كسهير الأتاسي، مثلاً، موجهاً ضد كل السيدات في المعارضة، وبغض النظر عن تقييم أدائها، ولكن للتأكيد على أن الحرب جاءت ضد المكون النسائي السوري في المعارضة.
لا بد هنا من تكرار الحديث أيضاً، عن تقصير آخر للمعارضة السياسية يتعلق بضعف دفاعها عن المبادئ والأهداف التي انطلقت الثورة على أساسها في البدايات، والتي كانت تتلخص بإنهاء نظام الاستبداد، وتمكين كل أفراد الشعب السوري، بكل مكوناتهم الطائفية والإثنية، من الحرية والكرامة والديموقراطية والمواطنة المتساوية، في وطن يضمن التعددية والتنوّع. إذ إن تخلّي المعارضة السياسية، لأي سبب، عن أهداف الثورة لصالح خطابات فرضتها الجماعات المتطرفة، التي لم تحسب نفسها على المعارضة السياسية، ولم تنضوِ في أطرها، أضعف من مكانة «المجلس الوطني» ثم «الائتلاف»، لصالح الجماعات العسكرية، المتباينة المواقف بدورها، الأمر الذي جعلنا نتخبّط في أدائنا السياسي وفي أدائنا العسكري، ووضع علامة شك حول صدقية المعارضة، وأضعف من التفاف السوريين من حولها.
ولعل هذه الأوضاع بالذات، أي ضعف مكونات المعارضة، وضعف العمل كفريق، والافتقار إلى خطابات واضحة، والفجوة بينها وبين الشعب، هي التي ضعضعت مكانة المعارضة في تقرير مستقبل سورية والسوريين، بحيث بات هذا المستقبل يتقرر بيد القوى الخارجية، حتى من دون أن تعلم المعارضة بما يجري!
ليس المطلوب أن نندب هذا الواقع، ولا أن نعتب على هذه الدولة أو تلك، ولا أن نشتغل بالمناكفة مع بعضنا، أو أن نشمت ببعضنا في المعارضة، وإنما المطلوب وقفة صراحة مع الذات، وأن نقف بشجاعة أمام مسؤولياتنا، وأمام الواقع الذي وصلنا إليه، وأن نستخلص الدرس والعبر اللازمة، فالزمن لا يرحم، وتضحيات شعبنا تستحق منا ذلك وهو أضعف الإيمان.
آن لنا كمعارضة أن نخاطب شعبنا، وأن ننقد أنفسنا على تقصيراتنا، وأن نوضح للسوريين التعقيدات والصعوبات التي تحيط بقضيتهم. آن لنا أن ننتزع أنانياتنا وحساباتنا الشخصية وأن نذهب إلى معالجة تقصيراتنا، وإعادة بناء مؤسسات وهيئات المعارضة، على أساس الكفاءة والنزاهة والروح الثورية.
وباختصار، آن للذين ثاروا على الاستبداد وعلى احتكار السلطة وتهميش الشعب، ومن ساندهم في ثورتهم وتبنى أهدافها، أن يضعوا حداً للاستئثار بمؤسسات المعارضة، وأن يفتحوا هيئاتها للمخلصين والمجربين وأصحاب الكفاءات، وأن نعتمد في علاقاتنا مع شعبنا على قواعد التمثيل والديموقراطية والانتخاب حيث استطعنا إلى ذلك سبيلاً، في الداخل وفي الخارج.
لا بد من طرح موضوع استبدال القائمين على مؤسسات المعارضة جميعها لتتمكن هذه المؤسسات، عبر الدماء الجديدة، من عبور مأزقها وتجاوز عثراتها، فليس مقبولاً أن نتحدث عن تداول المناصب وتمثيل الشعب بينما نحن نمارس احتكاره عن قصد أو عن غير قصد.
لم أثق بوجود الخطة «ب» رغم كثرة الحديث عنها، وتحديد موعدها في شهر أغسطس القادم، ولكن حالة الغموض التي رافقت اتفاق الولايات المتحدة وروسيا (الأخير) وعرضه على الاتحاد الأوروبي يعيد إلى الأذهان ما قيل عنها. وقد قرأت ما نشر في الصحافة عن الاتفاقية الجديدة التي سرعان ما كشفت الأحداث المأساوية ملامحها فيما حدث من مجازر مريعة في منبج ثم في الأتارب، وبعدهما إدلب التي ستكون ساحة مجازر يومية لكونها تخضع عسكرياً لـ«جبهة النصرة»، مع «جيش الفتح».
وتبدو «جبهة النصرة» مصرّة على ارتباطها بـ«القاعدة» رغم كل النصائح التي وجهت إليها كيلا تكون إدلب هدفاً لعمليات التحالف الدولي، وسبباً في تعرض مئات الآلاف من المواطنين للخطر ممن يسكنون في هذه المحافظة المتاخمة للحدود مع تركيا، والتي تقدر مساحتها بأكثر من نصف مساحة لبنان، والغالبية العظمى من سكانها مسلمون سُنة، مع وجود قرى صغيرة شيعية وأخرى درزية ومسيحية وعلوية عاشت منسجمة آمنة مع محيطها قروناً دون حدوث أية مشكلات قبل أن تهب رياح الطائفية المدمرة.
ويرتاب السوريون في أن تنظيم «داعش» صناعة خارجية محضة هدفها تشويه صورة الإسلام وتقديمه دين عنف وقتل ورعب وإرهاب، كما يرتابون في الصمت الدولي على نمو هذه «الدولة» السنية الدينية المزعومة التي تحارب أهل السنة أكثر مما تحارب سواهم، ومنحها فرصة التمكن منذ أن احتلت الرقة إلى أن تمكنت بطريقة مثيرة للأسئلة من احتلال الموصل، كما كان خروج قواتها من الحجر الأسود في دمشق براياتهم السوداء مثار تساؤلات أيضاً، فضلاً عن العقود النفطية وعن استلام تدمر وهدم آثارها وصولاً إلى إعادة تسليمها والخروج منها وتمددها إلى «الضمير» بوابة دمشق عبر طرق صحراوية آمنة من أية ملاحقة أو قصف جوي.
وقد أشرت مرات إلى ما طلبته روسيا حين قصفت العديد من الأحياء السكنية في سوريا وكان الضحايا أطفالاً ونساء مما جعل صورتها سوداء، فاقترحت حلاً غير منطقي، هو إبعاد المواطنين والفصائل المعتدلة عن «جبهة النصرة»، والمفارقة أن العالم لم يوافق سابقاً على اقتراح تركيا بإنشاء منطقة آمنة يلجأ إليها السكان، فقد رفضت الولايات المتحدة وروسيا هذا المقترح، بل إن روسيا طالبت بإغلاق حدود سوريا مع تركيا، وحين تصاعد القصف الروسي دعماً للنظام وحلفائه وصار عدد الضحايا المدنيين ضخماً واستخدمت فيه أسلحة محرمة دولياً، بتنا أكثر حاجة إلى مناطق آمنة واقترحت إقامتها بعيداً عن الحدود التركية حيث يمكن أن تكون بين إدلب وحماه فالناس لا يعرفون إلى أين يلجؤون حين يسمعون دوي الطائرات القادمة لقتلهم وتدمير مساكنهم، والحدود التركية مغلقة أمامهم، والعبور تهريباً قد يكلفهم حياتهم، ولا يملكون غير الفزع والرعب وهم لا يعرفون من منهم سيودع الحياة بعد لحظات.
ونحن في الهيئة العليا للمفاوضات وجهنا رسالة إلى بان كيمون نطالبه فيها بالتدخل الدولي لحماية المدنيين، فهم الذين يشعرون أنهم مهددون بالإبادة، وإذا كان بوسع المقاتلين أن يلجؤوا إلى الجبال المحيطة وإلى مواقع يأمنون فيها فإن سكان المدن والأرياف من النساء والأطفال والمسنين والمرضى والعجزة سيكونون هم الأهداف العسكرية كما حدث ويحدث كل يوم.
ولئن كان الاتفاق الروسي الأميركي يبشر السوريين بجدية بدء مفاوضات تفضي إلى هيئة حكم انتقالي وبنهاية دور الأسد في المستقبل فإن الدم الذي ستغرق فيه سوريا تحت يافطة مكافحة الإرهاب لن يسمح للمفاوضات بأن تستمر لأنها تحتاج إلى بيئة شعبية داعمة، ولن يتحقق ذلك مع هدير الطائرات وأصوات الانفجارات ورائحة الجثث المتراكمة تحت الأنقاض، وهذا ما يعرفه النظام وحلفاؤه حيث يصعدون هجماتهم على المواطنين مع بدء كل جولة تفاوضية لإفشالها.
وربما تكون الولايات المتحدة تريد إنجازاً سريعاً بالقضاء على الإرهاب في سوريا قبل رحيل أوباما، ولكن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري سيكون باهظاً وسرعان ما سيتحول عالمياً إلى إدانة دولية لإبادة ممنهجة سيكون ضحاياها أهل السنة بالضرورة.
ينبغي أن تدرس عملية مكافحة الإرهاب ضمن خطة ناضجة لحماية المدنيين، وأن تسعى الدول المعنية إلى إنهاء الملف الأخطر وهو الحل السياسي الذي سينهي مأساة وفواجع السوريين وسيتيح للشعب أن يتنفس الحرية بعد ست سنوات عجاف، وعندها ستتحول قضيته إلى مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار، ولا بد أن توكل المهمة إلى المجلس العسكري الذي يفترض أن تشكله هيئة الحكم الانتقالي التي تؤول إليها الصلاحيات التنفيذية دون أن يكون للأسد دور فيها.
هل تنزلق إيران نحو «السورنة»؟
سؤال شرعي ومشروع، حتى لو كان جارحاً. منذ قمع «الانتفاضة الخضراء» قبل سبع سنوات، ردد النظام الايراني، أن ضرب الفتنة بقسوة، جرى لمنع إشعال «النار» داخل البلاد، وعندما بدأ «الربيع العربي» مزهراً، ثم «أكلته» النيران، وتحوّل الى مسلسل من الحروب الأهلية والدمار، أعلن قادة النظام الإيراني وعلى رأسهم المرشد آية الله علي خامنئي، «أن تدخل إيران في دول الجوار هو لإبعاد المواجهات عن الحدود الايرانية وداخلها«. باختصار ابعاد شبح «السورنة» بالحرب في سوريا والعراق واليمن ولبنان (حرب باردة في اشغال اللبنانيين بالفراغ حتى اليأس وقبول ما يطالب به حزب الله).
نظام الولي الفقيه، لم ينتبه الى أمرين وهو منشغل في ارسال المقاتلين الى سوريا والمستشارين الى العراق واليمن:
[لا توجد دولة في الشرق الأوسط لا تكمن فيها «فيروسات القومية والمذهبية والفوارق التنموية الجهوية. لذلك فإن التعامل مع هذه «الفيروسات» في المنطقة وكأنها محصنة من الاصابة، يمكن أن يستمر فترة زمنية مهما طالت، فإنها في النهاية ستسقط أمام أي اختراق لأنه لا يوجد «لقاح» يقيها الإصابة به. توجد في إيران بؤر خطيرة وأخطر ما فيها أنها تشكّل «بوابات» حدودية مفتوحة على قضايا قومية ومذهبية في دول مجاورة، مما تؤدي إصابة «بؤرة» واحدة الى عدوى قاتلة، في إيران منطقة كردية وثانية عربية في خوزستان (عربستان الأهواز) وثالثة في بلوشستان المحاذية لبلوشستان الأفغانية والباكستانية. منذ سنوات والمناطق الثلاث تعيش على وقع «زلازل» خفيفة لكن متواصلة. الآن وقد اشتعلت مناطق كردستان في سوريا وتركيا وبوجود كردستان العراق، عادت كردستان إيران الى التحرّك والمواجهات العسكرية ولو المحدودة. أما في بلوشستان فقد مضت عدة سنوات على وجود أعمال عسكرية وُصفت دوماً بأنها إرهابية. أما في الأهواز فإن الشعور القومي العربي زائد التخلف الاقتصادي رغم أن المنطقة هي التي تنتج أكثرية النفط الايراني (المرشد خامنئي زار قبل مدة قصيرة المنطقة ووعد السكان بالتنمية بعد أن اعترف بتخلّف منطقتهم اقتصادياً وتنموياً) تشكل برميل نفط قابلاً للاشتعال في أي لحظة. بدورها بلوشستان تشهد تصعيداً غير مسبوق في المواجهات المسلحة، وعندما يعترف وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي بأنه «تم اعتقال أربعين عنصراً كانوا يعملون لمهاجمة مركزين عسكريين وأمنيين، بعد حفر نفق طوله أربعون متراً بعمق عشرين متراً، يعني أن المواجهات تجاوزت العمليات المحدودة سابقاً.
*ان «صبّ الزيت على النار الكامنة أو المشتعلة»، عملية سهلة وكلفتها بسيطة، خصوصاً إذا ما طبّقت الأساليب المعمول بها من الطرف الآخر. إتهام إيران للسعودية بتغذية الناشطين في هذه المناطق الثلاث، لا يضير السعودية، خصوصاً بعد أن قررت «الحسم» والمواجهة. لكن مثل هذه الاتهامات لا تحل شيئاً، بالعكس توسع دوائر المواجهات وتهدد بتحوّل المواجهات بالوكالة الى مواجهات مباشرة.
الجنرال محمد جعفري كان قد هدد سابقاً أمام اجتماع لقادة «الحرس» بإمكانية «وقوع حرب مع دولة أو دول عربية». مثل هذه «الحرب» إن وقعت فلن تحلّ شيئاً.
إيران تعتقد أن الثورة حلّت المشاكل القومية والمذهبية. لكن عندما تتراجع الثورة أمام الدولة، ولا تعمل الدولة على حل مشكلات التنمية والعدالة الاجتماعية ولا حتى حق المشاركة (لا يوجد وزير سني حتى قبل الثورة وبعد جهد شخصي من الرئيس حسن روحاني تمّ تعيين أوّل سفير كردي سني) فإن الانفجار الشعبي لا بدّ أن يقع.
أخطر ما في انزلاق إيران نحو «السورنة»، أن الكلام عن رسم حدود جديدة في المنطقة بعد اسقاط اتفاق سايكس-بيكو، لن يرحم أحداً، وليس بالضرورة أن تقسم دول المنطقة وإن كانت مثل هذه الفرضية قائمة. الأهم أن الدول الموجودة لن تبقى كما كانت في السابق. حتى لو بقيت سوريا موحدة فإن سوريا التي نعرفها انتهت على جميع الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. والعراق كذلك.
لذلك كله، فإن انزلاق إيران نحو «السورنة»، يشكّل سقوط «الحلقة» الصعبة، ويصبح مصير كل الدول من أفغانستان الى الجمهوريات الاسلامية السابقة في الاتحاد السوفياتي، وصولاً الى تركيا فالعراق وغيرها، معلقاً وسط المجهول. ما سيحصل أن هذه الدول ستغرق في الفقر وعدم الاستقرار، والأسوأ، أن تقع هجرة عفوية أو منظمة «للعقول»، فتنتهي منطقة الشرق الأوسط وإن بقيت جغرافياً.
لا يكفي أن تصرح ايران وكل الدول المعنية ان المنطقة تتعرض «لمؤامرة» خارجية. هذا هو أهون الحلول للتخلص من المسؤولية التاريخية. ما زال أمام الجميع، خصوصاً ايران، الوقت للعودة الى الوراء، ومعالجة الأخطار في العمل لإطفاء النار. مسؤولية ايران أكبر من الآخرين، لأنها هي التي بدأت بإشعال «النار»، سواء للتمدد ولقيام «إيران الكبرى»، أو «الهلال الشيعي» أو للضغط على الدول الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية في المفاوضات النووية.
اللعب بالنار خطير، خصوصاً إذا جرى ذلك في منطقة مليئة ببراميل النفط والبارود!