مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٧ يوليو ٢٠١٦
الجدل التركي حول تجنيس السوريين

الإدماج والديمقراطية التركية
التجنيس بين الاقتصاد والسياسة
التنافس والاستقطاب

أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول تسهيل إمكانية الحصول على الجنسية التركية للاجئين السوريين الراغبين بها، جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية داخل تركيا وخارجها، حيث اشتعلت على مواقع التواصل الاجتماعي، موجة من الهاشتاغات الرافضة للتجنيس، والمعادية لوجود السوريين بشكل عام في تركيا.

وقد قابلتها موجة أخرى مرحبة بهذا الوجود، ومضخمة لمسألة تجنيس السوريين، مع أن حقيقة الأمر لا تتعدى تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية التركية لذوي الكفاءات والخبرات العلمية والتقنية ورجال الأعمال المميزين، وعددهم في تركيا لا يتجاوز 50 ألف سوري، فضلا عن أن لجنة تركية مختصة، كلفت بإعداد ملف التجنيس، ورفعت تقريرا إلى رئاسة الجمهورية، يتحدث عن تجنيس الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، ويوصي التقرير بضرورة اتخاذ إجراءات لتسهيل حصول الراغبين منهم على الجنسية التركية وعلى دفعات.


الإدماج والديمقراطية التركية
اعتبر بعض الساسة والكتاب الأتراك أن مسألة إدماج ما يقارب 2.7 مليون لاجئ سوري في المجتمع التركي اختبارا حقيقيا للديمقراطية التركية، وأن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لمخيم للاجئين في مدينة كيليس في الثاني من يوليو/تموز الجاري تدخل في هذا الإطار، لكنها أشعلت نقاشا وطنيا حول مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، ووصل الأمر إلى نشوب جدل حاد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق الرافضون لتواجد اللاجئين السوريين في تركيا هاشتاغ # لا أريد السوريين في بلدي، وتصدر موقع تويتر.

ولاشك أن اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي يتطلب إجراءات تقنية وقانونية، وهناك وعود، بل وإجراءات محدودة في هذا المجال، لكن مسألة اللاجئين السوريين، ينظر إليها من جهة اختبار النموذج التركي للديمقراطية، وتأتي قدرة الحكومة التركية على اتخاذ إجراءات، تسهل منح الجنسية للاجئين السوريين، كي تكسر الجمود في هذه الأزمة الإنسانية، التي يعاني من تبعاتها ملايين السوريين، بعد أن أجبرتهم الحرب الشاملة التي يخوضها النظام الأسدي وحلفاؤه الروس والإيرانيون ضد غالبيتهم إلى مغادرة بلادهم، وباتوا يعانون كثيرا من تبعات التهجير القسري.

وليس ثمة في الأفق ما يشير إلى نهاية مأساتهم المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، الأمر الذي جعلهم يهيمون على وجوههم، بحثا عن ملجئ آمن، وملاذ يمكنهم من العيش والاستقرار، لذلك يشكل الحصول على الجنسية التركية، أو أي جنسية أخرى، بالنسبة إلى أغلبهم، حلما بعيد المنال.

ويجادل الباحث التركي برهان الدين دوران بأن بلاده لم تمنح حق اللجوء للسوريين بسبب الوضع القانوني للجوء، نظرا للقيد الجغرافي الذي وضعته اتفاقية جنيف حول اللاجئين في عام 1951، وأنها لو منحتهم الوضع القانوني، فإنه سيرتب عليها مزيدا من الأعباء والمسؤوليات، وخاصة تقديم المساعدات المالية وتأمين التعليم والتوظيف لهم، لذلك يعتبر أن منح الجنسية للاجئين السوريين، هو الخطوة التالية بعد نظام الحماية المؤقتة الذي تطبقه الحكومة.

ويرتبط النقاش حول منح الجنسية بالتركيز على مستقبل السوريين في تركيا من جهة كونها مسألة سياسية وإنسانية طويلة الأمد، وقد صدرت دراسات عن مراكز بحوث وجامعات تركية، حيث أوصت دراسة لجامعة "حاجي تيبه" (HÜGO) التركية، الحكومة والشعب التركي، بالاستعداد نفسيا على الأقل، على تقبل احتمال أن غالبية اللاجئين السوريين في تركيا سيبقون في تركيا ولن يعودوا إلى بلادهم. وأظهرت أن "13 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا يقيمون في المخيمات، أما البقية فقد اعتادت الإقامة في المدن، وأسست وسطا تعيش فيه، وعلاقات اقتصادية واجتماعية، وتقبل على تعلم اللغة التركية، وشجعهم على ذلك حسن الاستقبال الشعبي، وعدم ظهور موجة رفض اجتماعية كبيرة ضدهم".

ويرى الكاتب التركي أَسَر قرقاش، أن "القسم الأكبر والأهم من السوريين أناس متعلمون ومثقفون، ويوجد بينهم كثير ممن يتقنون اللغة الفرنسية والإنجليزية، وكثير منهم لديه مهنة واحدة على الأقل"، وبالتالي يمكن لهؤلاء العمل في تركيا، ويستطيعون تأسيس أماكن عمل وفرص استخدام للعمال. كما أن ذلك "يُخفف الضغط عن السيد أردوغان حول التناقص في عدد السكان الذي يخشى منه، ذلك أن ضمّ ما يقارب مليوني شخص إلى كثافتنا السكانية، ولغتهم الأم هي اللغة العربية سيؤثر على النظرة السيئة في مجتمعنا، حول مفهوم المواطنة العنصري الخارج عن المفهوم العام في هذا العصر، والموجود ضمن المادة 66 في الدستور الحالي، وتغيير هذا المفهوم مهم جدا، ويضغط اجتماعيا بشكل إيجابي على العنصرية والتمييز العنصري".

ويخلص قرقاش إلى أن "ضمّ مليوني مواطن عربي إلى مواطنينا، من شأنه أنّ يُؤثّر على مكانة تركيا في الشرق الأوسط بشكل كبير جدا، ويقودها إلى نقطة قوية وثابتة أكثر مما هي عليه الآن".

غير أن المعارضة التركية، لها قول مختلف تماما، إذ ترى أن تسهيل إجراءات منح الجنسية التركية للسوريين الراغبين فيها، يدخل ضمن سعي أردوغان للحصول على مليون ونصف مليون صوت إضافي كي يتمكن من تعديل الدستور وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، واعتبر بعض قادة حزب الشعب الجمهوري أن الرئيس يريد توطين اللاجئين السوريين في الولايات ذات الأغلبية الكردية والعلوية ما يعني القيام بعمليات تغيير ديموغرافية في تلك المناطق.

وقد سبق أن تعهد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال حملته في انتخابات السابع من يوينو/حزيران 2015، فيما يتهم بعض أعضاء حزبه ومناصريه اللاجئين السوريين بأنهم "دواعش"، وأنهم سينجبون كثيرا من الأطفال، بما يفضي إلى زيادة عددهم ليصل إلى 20 مليون نسمة خلال العقد المقبل، وأنهم سيطالبون بحكم ذاتي في ولاية "هاتاي" (أنطاكية) وغازي عنتاب وكليس.


التجنيس بين الاقتصاد والسياسة
منذ اندلاع الثورة السورية وقفت القيادة التركية إلى جانب مطالب السوريين في الحرية والخلاص من الاستبداد، ومع الحرب التي أعلنها النظام على الثورة وحاضنتها الاجتماعية، بدأ الفارون من أتونها في اللجوء إلى تركيا التي اعتمدت سياسة الباب المفتوح إزاء جميع اللاجئين السوريين، وهناك اليوم أكثر من مليونين و700 ألف سوري يقيمون في تركيا، لكنهم لم يمنحوا صفة لاجئ، بل اعتبرتهم الحكومة التركية ضيوفا بموجب نظام "الحماية المؤقتة" الذي يتضمن إجراءات قانونية تلجأ إليها الدول لتنظيم وضعٍ تعتبره استثنائيا ومؤقتا، يختص بمنح الحماية لفئة محددة من الأجانب دون التقيد بالأحكام المتعلقة بالأجانب، والحماية الدولية في قوانينها المحلية، أو المنصوص عنها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي صادقت عليها الدولة المعنية.

ونظام الحماية المؤقتة الذي أنشأته الحكومة التركية يتماشى مع المعايير الدولية، للتعامل مع الزيادة الكبيرة والمفاجئة لأعداد اللاجئين الذين يعبرون الحدود، ويضمن الإقامة غير المحدودة في تركيا، وحماية من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال ومعالجة الاحتياجات الأساسية الفورية.

ومنذ عام 2011، يتم تقدم المساعدات للسوريين بشكل منتظم داخل المخيمات، أما بالنسبة لمن هم خارجها، فتقدم المساعدة على أسس خاصة، باستثناء الحصول على الرعاية الصحية والطبية العامة، والتي فتحت أمام جميع السوريين في تركيا. ويشمل نظام الحماية المؤقتة جميع اللاجئين، بمن فيهم الذين لا يملكون وثائق تعريف شخصية كالهوية وجواز السفر. كما يشمل أيضا الفلسطينيين من سوريا، وكذلك الأشخاص بدون جنسية القادمين من سوريا.

ويقرّ الاقتصاديون الأتراك بالإسهام الكبير للسوريين في دورة الاقتصاد التركي خلال السنوات الخمس الماضية، ورغم كونهم شكلوا عبئا على الاقتصاد التركي، فإن العائد الاقتصادي لاستثماراتهم وخبراتهم وقوة عملهم في تركيا كانت أكبر.

وقدم السوريون إلى سوق العمل التركي خبرات عديدة، وكذلك للمنشآت والمصانع التركية، فضلا عن الورش والمطاعم وسواها، إضافة إلى قوى عاملة رخيصة، واحتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها في تركيا خلال العام الماضي، المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد، بنسبة وصلت إلى نحو 22.3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وذلك وفقا لبيان صادر عن رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية (آفاد)، التابعة لرئاسة الوزراء التركية، وأسّس رجال الأعمال السوريين خلال العام الماضي ألفا و429 شركة، وليست هناك أرقام دقيقة لحجم الاستثمارات السورية في تركيا، ويقدرها بعض الاقتصاديين بحوال 10 مليارات دولار أو ما يزيد عن ذلك.

ولا شك أن تجنيس الراغبين من اللاجئين السوريين، يهدف إلى الحفاظ على الأموال والاستثمارات والخبرات، خاصة وأن الاقتصاد التركي شهد تباطؤا في النمو نتيجة أزمات عديدة.

وإن كان الاقتصاد له أسهم في مسألة تجنيس السوريين في تركيا، فإن السياسة أيضا لها ما تقول، وخاصة أن المسألة أدخلت في التجاذبات السياسية ما بين الحكومة والمعارضة، فالحكومة هي من تتولى هذا الملف، وكل ما تمارسه أحزاب المعارضة يدخل من باب ما يمكن تسميته "فقه النكاية" أو المناكفة، خاصة أن الصراع السياسي بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأحزاب المعارضة الثلاث (حزب الشعب الجمهوري، والحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي)، شهد تجاذبات شتى منذ دخول المسألة السورية على خط السياسة التركية، ومرشح لمزيد من الاحتدام حال اتخاذ الحكومة التركية رسميا، إجراءات لتسهيل تجنيس السوريين.

وترى المعارضة التركية، أن التجنيس المقترح للسوريين هو "خطوة، يراد بها توفير غطاء لتحقيق أهداف سياسية"، حسبما اعتبر الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري كاميل أوكياي سندر. وفي نفس السياق ذهب نائب رئيس حزب الحركة القومية مهميت غونال إلى التساؤل عن "خفايا" إثارة الحديث عن تجنيس السوريين في هذه المرحلة، وعما إذا كان يرتبط بـ"صفقة مع إسرائيل وروسيا"، لكنه ركز على أن مسألة تجنيس السوريين، تشكل خطوة، "يريد منها أردوغان كسب مزيد من الشعبوية".


التنافس والاستقطاب
وإذا كان الجدل حول تجنيس اللاجئين السوريين في تركيا لم يهدأ ومرشح للاحتدام، فإن التنافس التركي مع دول الاتحاد الأوروبي آخذ في الازدياد، حيث نشأ في الآونة الأخيرة تنافس ما بين الأتراك والأوروبيين لاستقطاب الكفاءات والخبرات السورية، ولم يخف المسؤولون الأتراك عزمهم على الاستفادة من طاقات السوريين، وأبدوا في أكثر من مناسبة رغبتهم في أن تهاجر هذه الكفاءات إلى الدول الأوروبية، حيث أكدوا بأن حكومتهم أخبرت أعضاء الاتحاد الأوروبي، بشكل رسمي أنها لن تسمح بأن يتم نقل اللاجئين السوريين من ذوي الخبرات والكفاءات العلمية، ضمن الاتفاق الذي أبرمته هذا العام مع الاتحاد الأوروبي.

لا شك أن الحديث عن تجنيس السوريين يراد به طمأنة السوريين، بأن التغيرات في السياسة الخارجية التركية، لن تطال الموقف التركي من المسألة السورية، فضلا عن مرام وأهداف أخرى، لكن أيا كان الجدل حول تجنيس السوريين، فإن تجنيس بعضهم لن يحل مشكلتهم، ولن ينهي معاناتهم. وإن كان ثمة حلّ، فهو في تلبية مطالب السوريين في الخلاص من نظام الاستبداد، وبناء سوريا الجديدة.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
أية نظرة إلى النظام الأسدي؟

يمتنع العالم عن جرّ النظام الأسدي إلى محكمة الجنايات الدولية، أو أية محكمة دولية أخرى، على الرغم من تقارير هيئات ومنظمات تابعة للأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى، تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يؤكد وقوعها ما تعرّض شعب سورية له من عمليات إبادةٍ لم يتصوّر أحد أنه يمكن لمخلوق سويّ، أو حتى لحاكم مافياوي، القيام بها، مهما كان مجرماً ومعادياً للبشر.

بالحصانة التي يمنحها العالم للأسد، صار من حقّ كل سوريٍّ أن يشعر بقدرٍ من الظلم والغضب، يحوّله إلى راغبٍ في الانتقام من عالمٍ سكت على قتله ومحاصرته وتجويعه وتعذيبه واغتصابه وتشريده وتهجيره، ولم يفعل أي شيء على الإطلاق لحمايته، أو ليقول للمجرم: كفى، أنت، بقتلك شعباً يُطالبك سلمياً بحريته، تنتهك حقنا نحن أيضاً في الحرية، وتدوس أرواحنا وتمتهن كرامتنا وتهدّد وجودنا، وتخرج على جميع القوانين والأعراف التي نظمت، وأنسنت، علاقات البشر على امتداد تاريخهم. ويُذكر للسوريين أنهم، على الرغم من فظاعة ما يحدث لهم، لا يقومون بأي شيء يتّسم بالعداء لعالمهم الظالم الذي بلغ حدّاً من الانحطاط الأخلاقي والسياسي، لا يخجل معه من ادّعاء صداقتهم، بينما يستمتع، منذ خمسة أعوام، بالفرجة عليهم، وهم يذبحون، كباراً وصغاراً، من الوريد إلى الوريد.

يشعر السوريون بالقهر، ويدينون مواقف صارت تفخر بعدائها لهم، كمواقف روسيا التي طالما كانوا تاريخياً أصدقاء تقليديين لها، ولعبوا دوراً رئيساً في دخولها إلى المنطقة العربية أوائل خمسينيات القرن الماضي، حين كان الغرب يُحاصرها إلى حد الاختناق، لكنها تفعل اليوم المستحيل، لتبقي مجرماً يفتك بهم في الحكم، وتُجاهر بتأييده، على الرغم من قراراتٍ دوليةٍ وافقت عليها، تضعه في خانة مجرمي الحرب، بل وترسل جيشها للحفاظ على نظامه، بقتل ضحاياه الذين لم يسبق لهم أن أبدوا أي رغبةٍ في تقييد (أو تهديد) مصالحها، في سورية والمنطقة العربية، وأعلنوا دوماً استعدادهم لتفاهمٍ طويل الأمد معها، بسبب ضرورته لحمايتهم من سطوة أميركا وعدوانية إسرائيل، ولإعادة الحياة الطبيعية إلى وطنهم الذي يريدون أن يكون لروسيا دور رئيسي في إعادة بنائه على الصعيدين المدني والعسكري. لذلك، من غير المعقول أن يكون رد روسيا على يدهم الممدودة بالصداقة مقاتلتهم، لإحكام قبضة القاتل على أعناقهم، والإمعان في تهجيرهم وتجويعهم واعتقالهم وتعذيبهم، وتدمير ما بنوه خلال قرون على رؤوسهم.

لا يتفهّم السوريون هذا الموقف الروسي، ولا يقبلونه، وينتظرون أن تبادر روسيا إلى تغييره. وهم يدينون سياساتها التي تقتل مطالبين بالحرية، هدفهم الذي سبق لشعبها أن ثار من أجل بلوغه. ولا يتفهّم السوريون موقف أميركا التي تتظاهر بدعمهم، لكنها المستفيد الأكبر من مأساتهم، والدولة التي تدير أزمتهم، وتصارع بدمائهم خصومها الإيرانيين والروس، وتحقّق تفوقاً إسرائيلياً مطلقاً على المنطقة، بينما ترسم خطوطاً حمراء تحدّد أدوار المنخرطين في الصراع السوري، بما في ذلك دور روسيا. لم يعد السوريون قادرين على تفهم الدور الأميركي أو على قبوله، وهم يرفضون ويدينون الطريقة التحقيرية التي استخدمها باراك أوباما، أخيراً، في الحديث عنهم، وكشف خلالها كم وكيف مارس هو ومساعدوه الكذب عليهم، وضلّلوهم، وقدّموا لهم معسول الوعود، بينما كانوا يسقونهم، في الواقع، سم سياساتٍ من مستويين: واحد خفي، تجاهل حقوقهم ورفض مطالبهم، وآخر معلن، أيّدهم ظاهرياً، لكن هدفه كان تخديرهم وإبقاءهم غافلين عمّا تريده واشنطن منهم ولهم، تنفيذاً لخططٍ اعتبرت في الحدث السوري أزمة تكمن مصلحتها في إدارتها وإطالتها، والتحكّم بمجرياتها، والامتناع عن بذل أي جهدٍ جدّي لإيجاد حلٍّ لها، بما أنها تمكّنها من تصفية حسابات إقليمية ودولية مع إيران وروسيا، وتحول دون وقف الصراع أو السماح بانتصار الثورة أو إيجاد حلٍّ لها، قبل ترويض إيران وإركاعها وإنهاك روسيا.

هل يحق للسوريين أن يروا في أنفسهم ضحايا سياسات تنتهجها الدولتان، يفضي تكاملها إلى موتهم بالجملة وخراب وطنهم؟ وهل يحق لهم أن يغضبوا، وهم يتخبّطون في متاهةٍ صنعتها لهم سياساتٌ دولية متجبرة، تتعمد ألّا تنصفهم أو تتفهم حقوقهم، جعلت منهم أدواتٍ لا تبدو، في الأفق، نهاية لتلاعبها بهم، أو لفردٍ حمايتها على قاتلهم ونظامه وعصاباته.
أيها العالم الظالم: لصبر السوريين نهاية.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
العرب وإيران.. القطيعة لا تكفي

لم يدرك العرب إلا متأخرين أن العلاقة التي تربطهم بإيران لم تكن سوية. وكما يبدو فإن محاولاتهم لضبط سلوك النظام الإيراني في حدود اللياقات الدبلوماسية قد باءت بالفشل، وهو أمر كان متوقعا في ظل استمرار ذلك النظام في نهجه العقائدي الذي يستمدّ منه الحق غير المشروع في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

ولأن تصحيح تلك العلاقة المضطربة أمر ميؤوس منه فإن تفادي أضرارها هو الفعل الإيجابي الوحيد الذي يمكن أن تلجأ إليه الدول العربية متجنبة الانزلاق إلى ما هو أسوأ. وهو ما يمكن أن يجرّ المنطقة إلى كارثة شبيهة بحرب الثماني سنوات التي خاضها العراق في ثمانينات القرن الماضي.

وقد تبدو مسألة تفادي الأضرار هيّنة إذا ما ارتبطت بإنهاء تلك العلاقة غير السوية، غير أنها لن تكون كذلك إذا ما تعلق الأمر بمنع النظام الإيراني من الاستمرار في التدخل، مستثمرا هيمنته على عدد من الجماعات والمنظمات والأحزاب التي وضعت نفسها في خدمته وارتضت أن تكون منفذة لمخططاته كما هو حال حزب الله في لبنان.

صار واضحا أن تلك الكيانات التي لم تخف ارتباطها بالنظام الإيراني قد انفصلت بطريقة لا تقبل اللّبس عن أيّ خيار وطني يجمعها بفاعليات المجتمع الذي يحتضنها، بعد أن انساقت وراء المشروع التوسّعي الإيراني الذي يتّخذ من المسألة الطائفية وسيلة له في عزل جماعات بعينها عن المجتمع. وهو ما لم يخفه نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامي في العراق حين تحدث عن الخطر المحدق بالمشروع الإسلامي وهي التسمية المضلّلة للمشروع الإيراني.

ولأن تلك الأحزاب غير الوطنية بسبب ولائها المطلق لنظام ولاية الفقيه تعمل داخل المجتمعات العربية مستغلة علوّ الصوت الطائفي وسط الفوضى السياسية التي تعيشها دول ضعفت أو تلاشت فيها قدرة المجتمع على ضبط سلوك أفراده قانونيا كالعراق ولبنان وسوريا، فإن خطر التمدد الإيراني يفوق بأضعاف الخطر الإسرائيلي الذي تراجع بسبب قوة التدمير الذاتي التي صارت تعصف بالعالم العربي.

وكما أرى فإن جزءا أساسيا من تلك القوة التدميرية يستمد طاقته من وجود أحزاب تشارك في صنع القرار المحلي معتصمة بالخندق الإيراني. وهو ما يجعلها بمثابة أذرع تنفيذية لما يرغب النظام الإيراني في أن يراه سائدا في العالم العربي. وليس من الصائب التغاضي عن تصريحات حسن نصرالله التي يؤكد من خلالها تبعية حزبه المالية والعقائدية والسياسية لنظام الولي الفقيه.

في ظل تلك المعطيات الواقعية تبدو مقاطعة إيران غير مجدية لتفادي أضرارها. فعلى المستوى العملي لا يمكن إنكار حجم التأثير الإيراني داخل القرار السياسي العراقي على سبيل المثال. وهو ما يعني أنّ العراق لن يكون في إمكانه أن يلعب دورا إيجابيا في صيانة الأمن القومي العربي، إذا لم تتح له فرصة إلحاق الضرر بأمن الدول العربية.

وهنا ينبغي التذكير بموقفيْ لبنان والعراق السلبيين من مسألة الإدانة العربية للهجوم الغوغائي المتعمد الذي تعرضت له سفارة المملكة العربية للسعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. بطريقة ضمنية كانت إيران من خلال لبنان والعراق حاضرة في مجلس الجامعة العربية يومها.

لذلك فإنّ التصدي للخطر الإيراني لا يمكن أن يكون نافعا من غير تفحّص ومعالجة الأضرار التي ألحقها التمدد الإيراني بالجسد العربي في أوقات سابقة. وقد يكون مناسبا هنا أن يبدأ الحلّ من المسألة السورية التي جعلت من إيران طرفا في تقرير مصير شعب عربي ألقي به في أتون حرب أهلية، لم يكن الموقف العربي منها قائما على أساس الشعور بالمسؤولية إزاء ما يمكن أن تشكّله تلك الحرب من خطر على الأمن القومي.

إن مراجعة نقدية جادة لذلك الموقف من شأنها أن تقلب جزءا من المعادلة المضطربة. فتراجع الدور الإيراني في القضية السورية من شأنه أن يقلّم جزءا من أظافر إيران ويعيدها إلى حجمها الطبيعي. وما لم تنتقل الدول العربية من موقع تفادي تلقّي الضربات الإيرانية إلى موقع المبادرة الاستباقية التي تهدف إلى منع وقوع تلك الضربات، فإن روح التوسّع الإيراني ستبقى قادرة على بثّ سمومها في أجزاء واسعة من العالم العربي وتصدير ثقافة الموت، وذلك أقصى ما يمكن أن تقدمه طهران للآخرين.

في أحسن أحواله وإذا ما توفّرت النيّة الحسنة فإن نظام ولاية الفقيه سيكون متفضلا بكرم إذا ما قدم للآخرين ما يقدمه لشعبه. وهي نتيجة تدعو إلى الشعور بالتعاسة. فإيران بلد كئيب، تتراجع فيه أسباب الحياة، يُدار من قبل طغمة خفية تعتصم بالخط الذي يصل بينها وبين الإرادة المطلقة والصلة منقطعة تماما بين ما يرغب فيه المجتمع وبين ما صار سياقا ثابتا للعيش.

وهو ما يمكن أن يحدث في أيّ بلد، يُقدّر فيه لرجال الدين أن يحكموا سيطرتهم على مجتمعه. لا بسبب ماضويتهم وهو أمر مفروغ منه بل بسبب عقدهم المتراكمة من الحياة، بصيغتها الأرقى كونها مختبرا لتلاقي العناصر وامتزاجها وانصهارها وانبعاثها من جديد في صيغة أقوى وأجمل.

للحياة من وجهة فقهاء الدين المتزمتين صورة واحدة لا تقبل التحديث، هي تلك التي تمهّد للموت. ما من شيء أكثر. وتشهد وقائع السنوات الأخيرة على أن إيران لم تطور شيئا بقدر ما طورت وسائل وأدوات الموت. وإذا ما كان العالم قد منعها من الحصول على السلاح النووي فإنها استطاعت في مكان آخر أن تطور أسلحة للدمار الشامل، هي ليست أقل خطرا من السلاح النووي.

المعجبون بإيران ومريدوها يفاخرون بقوّتها الفتاكة. وواقعيا فإن إيران لم تبخل بخبراتها المتراكمة على جيرانها العرب. فهي لا تصدّر عقيدتها القتالية مجرّدة من موقفها من حقوق الإنسان مثلا. ولهذا فإن حزمة الخدمات التي تقدّمها إيران لأتباعها لا بد أن تؤدّي بالضرورة إلى تدمير فكرة المجتمع المدني وتحدُّ من إمكانية قيام دولة مدنية، يقوم أساسها المتين على شرعة حقوق الإنسان.

ولكم في العراق مثل على ما يمكن أن يلحقه المشروع الإيراني من أضرار مهلكة ببنية المجتمع. فالعراق الذي يمشي على الألغام الإيرانية لا يمكن أن يستعيد شيئا من دولته المدنية التي حطمها المحتل الأميركي. لقد قُدّر للعراقيين أن يُصابوا بخلل دمّر قدرتهم على استعمال حواسّهم، بعد ما سمّم الحزبيون الموالون لإيران حياتهم بمعجزات نظام ولاية الفقيه التي لا يمكن إدراك عظمتها من خلال الحواس المباشرة.

في حقيقتها فإن إيران لا تملك ما تقدمه للآخرين سوى الأزمات. الأزمات المستمرة وحدها هي ما يكسب الميليشيات شرعية تحتاجها من أجل السيطرة على المجتمع. ولأن إيران متعهدة جيدة في مجال إنشاء الميليشيات، ولها في ذلك تجربة عظيمة من خلال الحرس الثوري، فقد كانت حاضرة بقوة في لبنان وسوريا والعراق من خلال الميليشيات التي تأتمر بأوامرها وتمهّد أمامها الأرض لإنجاز حلمها في الاحتلال المباشر. لم تقدم إيران لجيرانها العرب سوى الميليشيات وهي عصابات مسلحة لا تخضع لقانون ولا تعترف بوطن ولا تحترم شعبا. أما المستشارون الإيرانيون من نوع قاسم سليماني فهم خبراء في فنون القتل وعلوم الإرهاب.

لذلك يكون من العبث والسخرية من الحقيقة إذا لم نعترف بأنّ إيران لا تملك شيئا سوى الموت تقدمه للعرب، جيرانها الذين يحلمون بحياة حرة، كريمة يضعون في خدمتها ثرواتهم التي حباهم الله بها.

وإذا ما كانت إيران قد نجحت في غفلة من العرب في نشر رموز الموت من شاكلة حسن نصرالله وهادي العامري في أماكن مختلفة من العالم العربي فلا يزال في إمكان العرب أن يدعموا رموز الحياة في الأماكن نفسها وسواها.

ما يجعلني متفائلا بإرادة الخير شعوري بأن المشروع الإيراني قد وصل إلى طريق مسدودة، وهو ما لا يعني أن النظام سيستسلم ويعكف على نفسه ولا يعني أن الفاسدين ممن أقسموا على الولاء لولاية الفقيه سينسحبون طوعا من المشهد، بقدر ما يعني أن المجتمعات التي كانت غافلة عن المشروع الإيراني باتت اليوم متأكدة من أن هلاكها إنما يكمن في ذلك المشروع.

إرادة الحياة العربية ستنتصر على إرادة الموت الإيرانية، غير أن ذلك الأمر لن يتم من غير العمل القومي المنظم.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
شاحنة نيس وبراميل الأسد

شاحنة الموت التي قادها الارهابي وسط الجموع المحتفلة بالعيد الوطني في فرنسا في مدينة نيس كان هدفها قتل البشر وبينهم كثرة من الاطفال الذين أراد أولياء أمرهم ان يدخلوا الفرح الى قلوبهم في هذه المناسبة التي تثير بهجة المحتفلين بها.ولم يقد الارهابي دبابة كما انه لم يقد طائرة حربية لتنفيذ مذبحة نيس بل اعتمد على شاحنة لم يتم صنعها يوما لتكون آلة قتل.

أطفال نيس الذين رحلوا من الدنيا إلتحقوا بأطفال سوريا الذين لا يتوقف إرتحالهم عن الدنيا ببراميل لم تكن يوما آلة للموت قبل أن يكتشف رئيس النظام السوري بشار الاسد أنها كذلك متباهيا بإكتشافه هذا بدلا من الخجل على حد ما قاله في المقابلة التي أجرتها معه محطة تلفزيون إن بي سي الاميركية عشية مجزرة نيس. فقد سأل المراسل الاسد عن البراميل المتفجرة التي يستخدمها نظامه "بصفتها أسلحة غير تمييزية في المناطق المدنية" فإجاب:"ما من جيش يمكن أن يستخدم أسلحة غير تمييزية في مثل هذا الوضع الذي يكون فيه إختلاط تقريبا بين الطرفيّن".ووسط ذهول المراسل الذي هاله ان يعلن الاسد قتل المدنيين من دون إبداء الأسف قال لمضيفه"إنك تعلم ما تقوله المسودة الاولى للتاريخ أنك ديكتاتور قاس تلوثت يداه بالدماء" فرد الاسد:"سأستخدم مثال الطبيب الذي يقطع يد مريض مصاب بالغرغرينا لإنقاذ المريض ولا تقول عندها انه طبيب قاس".

لو سمحت الظروف لارهابي نيس أن يدلي بحديث تلفزيوني لقال ما قاله الاسد حول مبررات جريمته.ولا يشك أحد في أن نبع الارهاب الذي يجتاح العالم اليوم هو واحد.إذ ليس هناك فارق بين قاتل يريد أن يذهب من الدنيا بدماء الابرياء وبين قاتل يريد أن يبقى في الدنيا بعدما ان يتولى ترحيل ملايين السوريين منها .

حاليا تتولى واشنطن وموسكو تنسيق الموقف من سوريا على قاعدة مقترح أميركي يقضي بتوقف طيران الاسد عن أي قصف جوي في مناطق يتم تحديدها مسبقا. وتقول صحيفة التايمز البريطانية إن "على موسكو أن تكون سعيدة بالمقترح الاميركي ... وتعتبره فرصة لتحقيق مصالحها مقابل ان تمارس ضغوطا على نظام بشار الاسد لوقف الغارات على المناطق... التي تكون آهلة بالمدنيين".

المنطقة تمرّ بأسابيع عصيبة كما يشير بعض المحللين. وستكون بؤرة لكل مجانين الارهاب كي يروعوا العالم كما حصل في نيس كلما ضاق الخناق عليهم في سوريا والعراق.وليس حال تنظيمات الارهاب أقل وطأة من أنظمة تستغل الدماء السورية بدعمها نظام الاسد.فالنظام الايراني بقيادة المرشد متمسك بالاسد الى أقصى الحدود في مرحلة التحولات التي أدت أيضا الى إلتباس مثير في الموقف التركي من التعامل مع النظام السوري.وهذا الاختلاط للاوراق يثبت ان الاسد هو ليس سوى سائق براميل يجب وضع حد له بعدما تحول نموذجا لكل مهووس بقتل الابرياء.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
"الأمم المتحدة" .. من مجزرة البوسنة إلى اقتحام داريا

منذ 23 عامًا، أعلنت "الأمم المتحدة" أن بلدة "سريبرينيتسا"، الواقعة شمالي شرق البوسنا، منطقة آمنة وتحت حماية قوات أممية، فسلّم المتطوعون البونسيون الذين كانوا يدافعون عن مدينتهم بوجه الصربيين أسلحتهم للأمم المتحدة، وبعد عامين تقريبًا وفي 11-07-1995، قامت القوات الصربية بعملية تطهير عرقي ضد مسلمي البوسنا "المعروفين باسم البوشنياق" وهم الأغلبية الساحقة في تلك المنطقة، فوقعت جريمة إبادة جماعية في "سريبرينيتسا"، وعلى مرأى من القوات الأممية، وصفها السيد كوفي عنان عام 2005 بأنها أسوأ جريمة على الأراضي الأوربية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قتلت القوات الصربية أكثر من 8 آلاف مدني من البوسنيين خلال أيام، وقامت بعمليات اغتصاب ممنهجة للنساء البوسنيات، أثناء اجتياحها للمنطقة.

قبل شهرٍ ونيّف دخلت الأمم المتحدة إلى مدينة "داريا" في غوطة دمشق الغربية، لمعاينة الأوضاع فيها، بوفدين أقل ما يقال عنهما إنهما إهانة لكل المبادئ التي تحملها هذه الأمم، بعد أكثر من أربع سنين تُركت فيها داريا لتواجه كل وكل التجويع والحصار والمنع عن المواد الغذائية والطبية وتواجه البراميل المتفجرة والصواريخ المتنوعة التي جعلتها الصورة الحية لمشاهد لا تُرى إلا في الأفلام الخيالية التي تتحدث عن نهاية الكوكب، ثم قامت قوات نظام الأسد مع حلفائها باقتحام داريا في 11 ـ 07 -2016 إحياءً للذكرى 21 لمجزرة "سريبرينيتسا"، وكانت قد تغافلت الأمم المتحدة عن كل جرائم نظام الأسد وحلفائه طيلة السنوات الفائتة ضد هذه المدينة، ولعل أبرزها كانت مجرزة شهر 05 / 2012.

ومن الملفت أيضًا، دخول عدة وفود من الأمم المتحدة إلى مناطق في غوطة دمشق الشرقية منذ شهرين ونيف، والتي تعاني من الحصار ومحاولات الاقتحام منذ مطلع عام 2013، حيث كانت ما تحمله سيارات الأمم المتحدة لا يكفي لعدة أسر في حي من أحياء الغوطة، ثم بعد أسابيع بدأت عمليات اقتحامٍ للغوطة من قبل قوات الأسد وحلفائها ـ مستفيدةً أيضًا من الصراع الداخلي بين الفصائل ـ، وأصبحت هذه العمليات قاب قوسين أو أدنى من تهديد الغوطة الشرقية كاملة.

لعل 21 عامًا ـ منذ مجزرة سريبرينتسا ـ كانت كافية لتطوير أداء الأمم المتحدة، فلم تعد مضطرةً لوضع مناطق تحت حمايتها ثم تسلميها للمجرمين، بل أصبحت تترك هذه المناطق ليواجه الناس فيها مصائرهم، وتكتفي بإطلالاتٍ لتطمئن أن الناس يموتون على ما يُرام، وأنهم كما ينبغي من العجز والضعف.

يُذكر أن مادلين أولبريت ـ وزيرة الخارجية الأميريكة آنذاك ـ عرضت لمجلس الأمن في جلسةٍ مغلقة 10 / 08 / 1995 ـ أي بعد شهرٍ على مجزرة سريبرينيتسا ـ، صورًا للأقمار الصناعية تُظهر مدافن جماعية لبوسنيين قُتلوا على يد القوات الصربية، لكن المفاجأة أنه تم العثور على 33 جثة، وليس كما ادعت أولبريت حينها أنها لآلالف الجثث، بينما كانت الجثث في مواقع أخرى تم الكشف عنها لاحقًا، ويرى الباحث جورج بمفري في "مذبحة سربينيستا، أخدعة؟" أن: "الحكومة الأمريكية ممثلة بوزيرة خارجيتها حاولت صرف انتباه المجتمع الدولي عن الأماكن الحقيقية لوقوع المجزرة" حيث استخدمت تضليلًا للبحث عن مكان وقوع المجزرة  ودفن الضحايا بدلًا عن ملاحقة مرتكبيها  والدفاع عن الضحايا، كعادة دور الولايات المتحدة في مثل هذه الحوادث، فقد تحدثت هيلاري كلينتون والسفير الأميريكي في دمشق ـ سابقًا ـ روبورت فورد والمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، كلهم تحدثوا ونعوا وأدانوا مقتل الناشط غياث مطر في شهر 09- 2011 والذي يُعتبر من أبرز نشطاء داريا والثورة السورية، وتركوا قاتليه دون حساب، وتركوا داريا كاملة تُقتل من يوم انتفضت في آذار / 2011 حتى اليوم، مع أنها جسّدتْ أهم ملامح الثورة السورية وأنقاها، وأفضل تجربةٍ لها على معظم الأصعدة، ولكن "داريا" دفعت ضريبة قربها من قصر نظام الأسد، الذي أصبح علانيةً تحت رعايةٍ أممية، وضريبة نقائها الزائد.

 لعلنا لم نفهم بعد الرسالة من هذه الأمم المتحدة، أو لعلها شُكلت حتى تكون على قياس الطغاة لا على قياس الضحايا، فتركُ الناس يُقتلون لا يقلُّ جريمةً عن قتلهم.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
ليلة القبض على البوط العسكري

بعد أن تذبذب مقياس التوقعات لصالح هذا أو ذاك، وبعد أن وضعت التوترات أوزارها، وبعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود،  يستطيع القلم الآن أن يسجل ما يرتاح إليه القلب ويقتنع به العقل..

المعني من هذا الكلام هو ما جرى ليلة الخامس عشر من تموز في تركيا.. ففجأة وخارج كل التوقعات، حدثت محاولة انقلاب، وكان الغموض سيد الموقف لعدة ساعات.. ثم يحتل الانقلابيون مبنى التلفزيون الرسمي، ويذيعون منه بياناً يعلنون فيه السيطرة على الحكم وفرض الأحكام العرفية ويمنعون التجول إلى غير ذلك من الإجراءات، ومنها استهداف مبنى البرلمان التركي بالقنابل لمنع النواب من الاجتماع تحت قبته، وتعبيراً غير معلن عن النية المسبقة في القضاء على الديمقراطية..

إذن.. الانقلاب نجح، هذا ما يمكن استنتاجه للوهلة الأولى، ثم يبدأ الإعلام العالمي نشاطه العشوائي وتكثر التوقعات والتخمينات، منها البريئة ومنها المغرضة، فبعد الإعلان عن توجه رئيس الجمهورية طيب أردوغان إلى اسطنبول، ثم إلى مطار أتاتورك، اشتغل الدويّ الإعلامي المغرض، ولا سيما إعلام النظام السوري وحزب الله وإيران وإعلام السيسي ومن لفّ لفهم، وأخذوا يفبركون الأخبار وهم يفركون أيديهم فرحاً، ويؤكدون على أن أردوغان في طريقه إلى الهرب خارج البلاد، ومنهم من قال إن أردوغان طلب اللجوء الى ألمانيا..

أما قناة الميادين فتأكد لديها أن الانقلاب نجح بجدارة، من هنا استبقت الزمن كثيراً، حين ذكرت أن " الجيش التركي " أمهل المعارضة السورية يومين فقط لمغادرة تركيا "..

وعلى اعتبار أن  إعلام السيسي هو إعلام أحمق، سفيه، فاجر، حاقد، فقد سارع مشاهيره للتعبير عن مشاعرهم القبيحة عبر أقلامهم المأجورة.. فهذا أحد مقدمي البرامج التلفزيونية يقول: لم يقم الجيش التركي بانقلاب، وإنما قام بثورة، وإذا قام الجيش التركي بثورته، فلا بد أن ينتصر، وها هو قد انتصر. "..

حتى مصطفى بكري الصحفي المشهور بصوته الخطابي، وعضو برلمان السيسي، والعاشق المخلص للرئيس بشار الأسد..!!. كتب يقول مقرراً: سقط أردوغان، وبقي الأسد، وانتصر الجيش التركي، وسبحان مغير الأحوال، "..  

أما عامة الناس وشبيحتهم، ممن يهوون توزيع الحلوى في الأفراح والليالي الملاح، فقد اشتروا أسفاط الحلوى وهيأوا زمامير سياراتهم للتجول في الشوارع تعبيراً عن سرورهم الغامر، وانتظروا قليلاً ليقوموا بتوزيعها على المريدين والمشاركين معهم في احتفالات سقوط أردوغان.. وهذه حقيقة جرت في دولة عربية شُرّد نصف سكانها واستشهد فيها أكثر من نصف مليون إنسان، كما جرت في دولة عربية ليس فيها دولة.!!!. ومن طائفة تعتمد ثقافة البكاء على دماء الرموز المذهبية التاريخية منذ نحو ألف وخمسمائة عام، وتطالب بالثأر من أحفاد الأمويين في القرن الواحد والعشرين.. 

ويقال، والله أعلم، إنه بعد سحق الانقلاب، أراد المشترون أسفاط الحلوى ترجيع ما اشتروه، ولكن أصحاب المحلات رفضوا ذلك، فعلق أحدهم ساخراً: اشتباكات بالأيدي في الضاحية الجنوبية وفي العاصمة دمشق بين المواطنين وأصحاب محلات الحلو على خلفية ممنوع ترجيع البقلاة.!!!.. "..

 

وبما أننا لا نزال نتحرك تحت عباءة " ليلة القبض على البسطار العسكري " فإن المشهد الدرامي تحول فجأة حين ظهر أردوغان عبر جهازٍ نقال، يدعو الشعب التركي للخروج إلى الشوارع لحماية الديمقراطية، وظننا أن أردوغان فعل ذلك كمجرد محاولة يائسة، ولكن المفاجأة العظيمة أن الشعب خرج إلى الشوارع وواجه آليات الانقلابيين وسدوا عليهم المنافذ والطرقات لمنعهم من التحرك والسيطرة على مؤسسات الدولة..

هنا أقف عند نقطة هامة جداً، وهي أن أردوغان توجه بندائه إلى الشعب، والشعب وحده، لحماية تركيا، ولم يعتمد كما هي العادة على المدفع والصاروخ لحماية حكمه وحكم حزبه.. وهذه مسألة ذات مغزى كبير، فكأن أردوغان يريد أن يقول: نحن جئنا بإرادة الشعب، وللشعب وحده الحق في الدفاع عن تركيا وعن نظام الحكم الديمقراطي..   

وأخيراً انتصر الشعب التركي على البسطار العسكري، دون الدخول في التفاصيل..

لكن أجمل ما حدث أن الشعب التركي الذي تربى على الديمقراطية الحقيقية طوال أكثر من خمسة عشر عاماً، لبى النداء، بكل فئاته من مؤيدين ومعارضين، وإسلاميين وعلمانيين، ونزلوا إلى الشوارع وواجهوا آليات الانقلابيين وأسلحتهم، وحاصروهم وسدوا عليهم المنافذ والطرقات، وضحى البعض منهم بحياتهم في سبيل أن تبقى راية الديمقراطية الحضارية عالية في سماء تركيا.. حتى أن الأحزاب المعارضة التي كان العداء السياسي على أشده بينها وبين حزب العدالة والتنمية، قد سارعت إلى التضامن مع اردوغان والوقوف ضد الانقلاب.. وبالمحصلة لم نشهد أية شخصية مدنية واحدة وقفت إلى الانقلابيين.. 

وهكذا كان الشعب التركي بطل ذلك الفيلم الدرامي الطويل..

والملاحظة الملفتة أن الأسلوب الحضاري والإنساني تجلى في التعامل مع الانقلابيين، حين رأينا على شاشات التلفزة عدة مشاهد لضباط معتقلين، وكل واحد منهم يمسك به اثنين من رجال الأمن، دون أن نشهد أية مظاهر تعنيف أو تأنيب أو ضرب بالأيدي أو ركل بالأرجل، وإنما كان التهذيب هو سيد الموقف.. وقد ظهر ذلك أكثر فأكثر في الفيديو الذي خرج فيه قائد إحدى الدبابات مستسلماً، فبدأ بعض الشباب الغاضب يرشقه بالحجارة وزجاجات البلاستيك، ومن حقهم ان يغضبوا فقد سالت دماء كثيرة بسبب دفاعهم عن ديمقراطية الوطن، لكن رجل الأمن القريب منه حضنه كما يحضن أخاه او صديقه، وحماه من غضبة أولئك الشباب.. وهنا لابد من المقارنة بين رجال الأمن التركي الذين تربوا على التعامل الإنساني في دولة ديمقراطية، وبين رجال الأمن في أي دولة عربية دكتاتورية، ولاسيما في سورية ومصر، حيث يموت عشرات الآلاف تحت التعذيب دون سبب أو تهمة..

هذه هي الثقافة الإنسانية التي تربى عليها عناصر الأمن التركي في مرحلة الديمقراطية الحضارية التي أرسى جذورها حزب العدالة والتنمية وعلى رأسه رجب طيب أردوغان..

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا حدثت محاولة الانقلاب الفاشلة في هذا الوقت بالذات، وليس قبل أو بعد ذلك.!!؟.

ربما التحليل الأقرب إلى الصحة، هو أن تركيا نتيجة وقوفها إلى جانب الشعب السوري، ابتلت بالكثير من الأعداء، من روسيا وإيران والنظام السوري ونظام العراق وأميركا والاتحاد الأوروبي وحتى بعض الدول العربية التي لا يحلو لها العيش إلا في خضم الفتن والمشاكل التي تزرعها في أرض " شقيقاتها العربيات..!! ".. كل هؤلاء بدأوا يحفرون في أساسات الدولة التركية.. حتى باتت مهددة في أمنها الوطني، وفي تمزيقها إلى عدة دويلات عرقية.. فداعش وحزب العمال الكردي يستهدفانها بالتفجيرات المتواصلة، وروسيا وإيران تتربصان بها، وأميركا لم تترك لها أية مساحة للتحرك من خلالها فيما يتعلق بالصراع السوري..

وحين أدرك الجميع أن " الطبخة نضجت " وحان الوقت المناسب للتحرك، أعطوا الإيعاز إلى عملائهم في الجيش التركي الذي يهوى الانقلابات عبر تاريخه الطويل، ثم حدثت المحاولة الفاشلة، ووقع المدبرون والمنفذون في شر أعمالهم..

وما يساند هذا التحليل هو الاتهام الموجه من قبل بعض المسؤولين الأتراك للإدارة الأميركية بأن لها ضلعاً  في تنفيذ هذه الحركة الانقلابية، كما اتهموا فتح الله غولن المقيم في أميركا بالتخطيط للانقلاب عبر جماعته المنتشرون في مؤسسات الجيش..   

بقي أن نقول إن زمن ما قبل ليلة الخامس عشر من تموز سيختلف كثيراً عما بعده، والانقلاب الفاشل سيؤدي إلى نتائج عميقة ستظهر على المدى القريب والبعيد، وهي نتائج فيما نرى ستكون لصالح أردوغان وتركيا الديمقراطية.. صحيح أن تركيا ستخرج منهكةً بعض الشيء بسبب التطهير الذي بدأ سريعاً في البيتين العسكري والقضائي، وهذا ما عبر عنه أردوغان حين قال: القوات المسلحة ستقوم بتطهير نفسها وإعادة بناء مؤسساتها ".. وإعادة بناء تلك المؤسسات وتمكينها يحتاج إلى بعض الوقت.. إنما ستخرج تركيا في النهاية أكثر قوة وأكثر عمقاً في مسيرتها الديمقراطية، وربما سيتم القضاء نهائياً على فكرة الانقلابات التي سادت طوال عشرات السنين، وربما ايضاً ستتراجع أهمية الرمز العلماني المتشدد، والذي يتجسد في استمرار صورة أتاتورك على جدران مؤسسات الدولة.. 

  

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
سيناريو "أصفر" لحلب و ثوارها .. الضغط حتى الخنق للسير في تسوية مع "قسد"

"أوقفوا الهجوم على الشيخ مقصود فوراً فإن روسيا ستهجم " هي الرسالة التي قالها المبعوث الأمريكي إلى سوريا ما يكل راتني ، قبل أشهر قليلة من الآن عندما كانت المعارك تدور بين الثوار و قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي عزمت على قطع "الكاستلو" ، و طبعاً فشلت.

راتني الذي جن جنونه من رد فعل الفصائل على تجاوزات "قسد" ، و بوحه بوجود نية روسية عزاها لطابع انتقامي، في محاولة لإخفاء الخطة التي يبدو أنها كانت موضوعة من قبل الروس و الأمريكيين بشأن حلب ، و الهادفة إلى الضغط على الفصائل الثورية إلى الخنق ، و اجبارهم للتوجه نحو "قسد" ، تمهيداً لذوبانهم ضمن هذا التشكيل الذي يحظى بقبول دولي.

بمراجعة بسيطة لتسلسل المجريات التي طرأت على حلب ، و تغيير المجرى باتجاه المدينة ليس لإعادة احتلالها ، و إنما لخنقها ، إذ التركيز كان كاملاً على قطع طرق الامداد سواء البشرية أو الغذائية و بطبيعة الحال الذخيرة ، مع ضرب الحواضن الشعبية و تدمير الخطوط الخلفية التي قد تقدم الدعم سيما في حريتان و عندان اللتان نالتا من القصف ما يكفي لمنع أي حركة .

أذكر إشارة الزميل ماجد عبد النور منذ حين من الزمن أن المستقبل سيظهر أن طيران أمريكا كان يساند نظيره الروسي في حلب ، و قام بالقصف القاسم لبعض المقرات التابعة لفصائل الثوار ، في حين أن "قسد" اتخذت  موقف الحياد و عدم التدخل بانتظار اللحظة المناسبة لتقديم العرض للفصائل الثورية بأن تنضم لهم ليشكلوا قوات مشتركة تحكم قبضتها على المناطق الحدودية مع تركيا ، لينطلقا يد بيد في معارك قتال تنظيم الدولة و جبهة النصرة جنباً إلى جنب.

و في اطار قراءة التطورات و استرجاع بعض التصريحات و خصوصاً لـ"راتني" الذي قال في لقاء مع قادات الفصائل بأن ليس أمام الثوار إلا خيارات ثلاث أوضحها بالألوان "الأحمر و الأسود و الأصفر" أي " قوات الأسد – داعش – قسد" و أن عليهم الاختيار اللون المناسب بين هذه الألوان الثلاث، فلا وجود للون الأخضر .

فعلياً التسلسل الآنف الذكر هو المسار الوحيد الذي يمكن أن يجمع عليه أبرز الفاعلين في الملف السوري ، سواء روسيا و أمريكا أم تركيا التي ستضمن عدم تفرد كامل للقوات الكردية بالمنطقة الشمالية ووجود تمثيل عربي جيد نسبياً يحد من طموحات الأكراد بالانفصال التام و الانفراد بدولة قومية.

لاشك أن حديثي السابق قد يكون جنونياً أو ضرب من ضروب الخيال ، و لكنه يبدو واقعياً بعد مشاهدات ميدانية و الأهم بناء على مصادر ميدانية مطلعة عليها ، و طبعا مع التأكيد أن الفصائل تحاول الفرار من هذا السيناريو بما أتوا من قوة .

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
تركيا بعد "محاولة الانقلاب" هل ستزيد دعمها للثورة أم .... !؟

بعد أن انطفأت ألسنة نيران " محاولة الانقلاب" في تركيا ، و بقاء بعض الدفء تحت الرماد ، يطفو على السطح سؤال ما هو وجه تركيا بعد الانقلاب ، اذ من المفروض أن يكون مختلفاً و متغيراً ، الوجه الذي أقصد هو المتعلق بالشأن السوري و إلى أين تتجه الأمور و كيف مجراها في ظل تطورات غريبة سبقت و تزامنت و لحقت بالمحاولة الفاشلة للانقلاب في تركيا يوم ١٥ الشهر الجاري .

القراءة في مآلات المحاولة الفاشلة للانقلاب على الملف السوري ، تختلف بين النظريتين التين تحدثتا عن "المحاولة"، ولكل نظرية فكرة تختلف تماماً عن الأخرى .

فأولى النظريات تتحدث عن انقلاب فعلي و حقيقي ، وكاد أن يؤتي أوكله لولا "لطف الله" ، كما كررها في ظهوراته الثلاث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، و بالفعل تم النجاة منها و الخروج بدون خسائر مادية ذات قيمة و لكن سيكون الرد عليها بتغيير و تعزيز الطريق في مواصلة دعم الثورة السورية و اتمامها حتى الوصول إلى الهدف ، فالانقلاب الذي تم افشاله يقوم عليه بشكل أو بآخر "فتح الله غولن" الذي يملك نظرة مغايرة تماماً لأردوغان في العديد من القضايا المحورية و من ضمنها سوريا ، و بالتالي فإن نجاح الانقلاب كان يعني أن المصالحة مع الأسد مسألة وقت لا أكثر ، ووفقاً لذلك فإن أردوغان سيرد بشكل معاكس تماماً و يزيد اصراره على الدعم المناهض للأسد ، ويعزز ذلك بعض الآراء التي تتحدث عن إيقاف أو تحجيم الدعم للثوار يأتي نتيجة وجود عناصر داخل الجيش ترفض تنفيذ رؤية أردوغان التي يكررها في كل مناسبة و اجتماع و خروج اعلامي، ألا وهي اسقاط الأسد و محاسبته .

و طبعاً المضي بهذه النظرية، التي تتمتع بشيء من الواقعية، يتطلب أن نطرح أن غولن هو الواجهة الإعلامية أما الداعم الأصيل و الأساسي هو أعضاء بارزون في المجتمع الدولي ، يكاد يشمل الجميع سواء الحلف الروسي أو الأمريكي ، فالاتهامات الموجهة للجميع في المشاركة بإبعاد الحكومة التركية ليصار السير بالمخطط المرسوم و تقاسم المصالح ، بدون شريك مزعج كتركيا ، وهذه النظرية تفضي إلى تصاعد حدة الخلاف التركي مع الجميع ، وقضية الحديث عن إيقاف مؤقت لقاعدة انجرليك ، تسريبات صحيفة عن تدخل ضباط فيها بمجريات ماحدث ، حتى أن الأمر وصل إلى اتهامات بتقديم دعم لوجستي للمنقلبين ، هذه الأمور يجعل تركيا تدافع عن بقائها بكل شيء حتى بالمواجهة و العدائية ، وفق ما أسر به رئيس الوزراء بن علي يلدريم.

وفي اطار وجوب طرح كل النظريات المطروحة يكون لزاماً مناقشة نظرية أن ما حدث عبارة عن خطة مدروسة، من قبل السلطة التركية ذاتها ، بغية تمرير مشروع في غاية الخطورة و يشكل انقلاباً تاماً على المفاهيم و الأسس التي تقوم عليها الدولة التركية ، لا أتحدث عن قضية الأسد أو شأن سوري معين ، و لكن القصد أن الجيش هو المواجه الفعلي و المباشر مع الميلشيات الكردية في جنوب البلاد و أكثر الممتعضين و المعترضين على تمددهم في شمال سوريا ، التمدد الذي يحظى بدعم أمريكي و روسي و لنقل وصفاً عاماً دعم دولي ، وبالتالي لابد من الرضوخ له في هذه المرحلة ، الرضوخ هنا لا يمكن أن يكون من قبل مؤسسة كالجيش التركي المعروف عنها رفض أي نقاش أو مساومة على الأمر و هنا توجب ابعاد الرافضين تحت جنح "محاولة الانقلاب"، صحة هذه النظرية تدفعنا لتوقع تغيير تام و كبير في السياسة التركية اتجاه القضية السورية .

و نحن في دائرة البحث و انتظار أقرب الروايتين للظهور ، يبقى الوضع في الأرض من الصعوبة بمكان يجعل الثبات في النقاط و المحافظة على ما نملك مع التحضير للأسوأ ، وفق مبدأ صيني يقول "على المرئ أن يتمنى الأفضل و يتهيأ للأسوأ".

اقرأ المزيد
١٦ يوليو ٢٠١٦
الأسد محطّماً الرقم القياسي في التوحّش

لم يكن الشاعر السوري محمد الماغوط يجهر بنبوءة خارقة حينما قال أن "الطغاة كالأرقام القياسية، لا بد من أن تتحطم في يوم من الأيام"، فصاحب "سأخون وطني" كان يرى وقائع الطغيان بادية أمام حواسّه كلها، ومن حسن حظه أنّ نبوءته تحققت بعد رحيله، فجاء بشّار الأسد ليحطم الرقم القياسي في التوحّش، وربما سيحتفظ به زمناً طويلاً.

ومن حسن حظ الشاعر أيضاً أنه لم يستمع لتصريحات من أطلقتُ عليه منذ بداية الثورة السورية "دراكولا العصر"، وهو يأمل "بأن يذكرني التاريخ بأني الرجل الذي حمى بلده من الإرهاب ومن التدخل الخارجي، وحافظ على وحدته وسلامة أراضيه" وفق ما قال في مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" نشرَتها الخميس، الرابع عشر من الشهر الجاري.

ومثل سائر الطغاة في التاريخ، لا يزال دراكولا يحلم ويأمل، بعد أن حوّل سورية إلى أرض من حطام ولعنات، وقتل أكثر من 300 ألف شخص، وجرح ما ينوف على 1.5 مليون، وهجّر أكثر من عشرة ملايين سوري، وما انفك العدد مرشّحاً للمزيد من الضحايا، ما دام الطاغية، الذي لا يرتاح إلا بين الموتى، يأمل ويحلم.

هكذا كان كاليغولا أيضاً. ذات مرّة استبد به الألم، لأنّه خشي من أنّ التاريخ لن يذكره، والتاريخ مولع بالتراجيديا، لذا افتعل كاليغولا مجاعة في روما، وقام بإغلاق مخازن الغلال، وراح يتلذّذ برؤية أهل روما يموتون جوعاً.

ويمثل "الإنكار" أحد الميكانزمات الأساسية في شخصية الطاغية، فهي تزوّده بالذرائع، وتزيّن له سوء أعماله، فتتورّم أناه إلى حد لا يعود يرى إلا ذاته في مرآة أورامه وأوهامه. ويمتد "الإنكار" وفقدان الصلة بالواقع إلى حاشية الطاغية وأهله، فنرى زوجة الأسد أسماء الأخرس، حريصة على عدم انقراض طائر أبو منجل الأصلع الشمالي بسبب سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة تدمر الأثرية، أكثر من حرصها على البشر الهالكين، والآثار التي سُويت بالأرض، وصارت كهوفاً لسكنى الهاربين من جحيم الموت.

بمثل هذا الترف، تصرّف نيرون، قبل أكثر من ألف وتسعمائة سنة، وهو يحرق روما ويحوّلها إلى كتلة من نار أتت على عشرة أحياء من المدينة، ثم ارتقى إلى برج مرتفع، وراح يتلذّذ برؤية اللهيب المجنون وهو يلتهم الأجساد والصرخات والتاريخ. لقد خلب الموت المشتعل لبّه، فخلّده العار!

وعلى رغم محاولته الدؤوبة في التقاط روح الشر الكامنة لدى "فلاد الثالث" الملقب دراكولا، إلا أنّ الروائي الإنكليزي برام ستوكر، قلّل من العنف الحقيقي عندما رسم شخصية كونت دراكولا، مصاص الدماء الأشهر، في روايته الصادرة عام 1897.

لقد كان دراكولا الأول يجد متعته الباهرة وفاتحة شهيته، لدى تناوله الطعام، في رؤية ضحاياه يتعذّبون فوق الخوازيق، وعلى الدرب نفسه سار دراكولا العصر الجديد بشار الأسد الذي سيدخل التاريخ لا محالة من أوسع أبوابه الدموية، لا باعتباره حمى سورية من الإرهاب، وحافط على سلامة أراضيها، كما يهرطق، بل لأنه برع في إنتاج الجحيم الذي صوّرته الكتب السماوية، وحسب ذلك أن يشحن ذاكرة التاريخ بجرائمه التي بوّأته موقعاً "مرموقاً" في موسوعة الموت والهمجية!

اقرأ المزيد
١٥ يوليو ٢٠١٦
تأملات في ما خصّ إنقاذ الثورة السورية

حرب العصابات أو الحرب الشعبية ضدّ السلطة العسكرية، هي ما نظّر له الجنرال البروسي كلاوزفيتز في زمن الحروب النابوليونية، وما أطّره ومارسه الكثير من حركات التحرّر في القرن العشرين، وحتى طالبان في أفغانستان تقوم على استنزاف العدو سياسياً واقتصادياً وعسكرياً مع تجنّب التحصّن العسكري في أي رقعة جغرافية تستطيع قوات النظام المدججة بالسلاح استهدافها وتدميرها في شكل مباشر ومفتوح.

على العكس من ذلك ومتأثرةً بالنموذج الليبي، قامت استراتيجية الثورة السورية في مرحلتها العسكرية على الهجوم على مناطق جغرافية وتحريرها والدفاع عنها بانتظار تمدّد رقعة التحرير، من دون أن يكون لدى قوى المعارضة المسلّحة قدرة عسكرية على خوض حرب تقليدية مفتوحة ومتكافئة ضد تحالف عسكري كان ينجح النظام السوري في توسيعه كلما استدعت الضرورة. فقد أنقذه التدخل الإيراني في منتصف 2012، وتالياً التدخل الروسي المباشر منذ أواخر 2015.

استراتيجية مراكمة الملاحم التراجيدية من حمص والقصير إلى داريا وحلب المهدّدتين حالياً، أدّت إلى تحميل القاعدة الشعبية أكلافاً بشرية ومادية ضخمة، كان من الممكن استيعابها لو كانت استراتيجية التحرير سليمة و فعالة.

فعدا الضحايا والتدمير الذي شهده الكثير من المدن والبلدات السورية، وضعت هذه الاستراتيجية القاصرة المعارضة تحت رحمة إمداد قوى إقليمية مدفوعة بأجنداتها الخاصة لتأمين العتاد الكافي للدفاع عن جبهات تقليدية، وسهلت للنظام تركيز توزيع قواته العسكرية والاقتصادية استراتيجياً. وكان قبول هذه المآسي أسهل لو كان هناك أفق واضح عن نظام آتٍ بديل يكفل الحرية والعدالة والكرامة للسوريين. هذا الأفق تتلبّد رؤيته بازدياد مع الحضور القوي لقوى متطرّفة متداخلة وذات مواقف معادية أو ضبابية تجاه مبادئ الحقوق الديموقراطية والمواطنة، وتشكّل حجر عثرة أمام تقديم المعارضة السورية كبديل معتمد للنظام الأسدي.

وإذا رجعنا إلى الاستقلال الأول، فقد خاض السوريون معركة استقلالهم عن الانتداب الفرنسي بتحالف ضمت قيادته نخباً سياسية واقتصادية وشخصيات ذات توجه وطني من منابت وأقاليم أقلوية، وارتكزت هذه القيادة على قاعدة شعبية من مختلف المدن والأرياف السورية. قادة هذا التحالف نجحوا في تقديم مشروع دولة وطنية ديموقراطية حديثة، سهّل سحب البساط من تحت أقدام الفرنسيين والحصول على دعم بريطانيا والولايات المتحدة لكسب معركة الاستقلال. فبعد تعنّت الفرنسيين في منح سورية استقلالها التام وقصفهم دمشق ومدناً أخرى لثلاثة أيام في أيار (مايو) 1945، كتب شكري القوتلي رسالة إلى الرئيس الأميركي هاري ترومان يطالبه بالتدخل، وعلى أثرها نسّق رئيس الوزراء البريطاني تشرشل – الذي كان التقى قبل ثلاثة أشهر بشكري القوتلي في القاهرة - وترومان الجهود لردع فرنسا عن مخططها، وتدخلت القوات البريطانية عسكرياً في دمشق وأمرت القوات الفرنسية بالانسحاب من المدن السورية إلى ثكناتها. وعلى عكس موقفهم في فيتنام التي كانت مستعمرة فرنسية، ساند الأميركيون الاستقلال السوري رغماً عن محاولات ديغول المماطلة. مواقف تشرشل وترومان لم تكن خيرية، إلا أن شكري القوتلي وجميل مردم بيك وفارس الخوري وغيرهم من قيادات وطنية سورية قدموا لهما طرفاً جديراً بالثقة اعتقدوا أنهم يستطيعون التوافق والتنسيق معه في منطقة استراتيجية مهمة.

وتبدو خيارات الثورة السورية الآن ثلاثة: الخيار الأول يقرأ في الانتخابات الأميركية وفوز هيلاري كلينتون، فرصة كامنة للحصول على الدعم الكافي للتصعيد العسكري ضد النظام مع القيام بما يتطلب ذلك من تقديم بديل جدي ومعتمد ومناوئ لمشاريع «القاعدة» وتنظيم الدولة الإسلامية. ومع أنّ تخاذل مواقف الرئيس أوباما في سورية والعراق يحمّله جزءاً كبيراً من مسؤولية تدهور الأوضاع إلا أن هذا الخيار يتطلب في ظل الانتخابات الأميركية المقبلة سحب الذرائع من يد المرجفين عن مساعدة الثورة السورية، فضلاً عن توريط حلفاء أقوياء في النزاع يكافئ تحالف النظام السوري.

ووفق الخيار الثاني، تجب الاستعاضة عن حرب المواجهة التقليدية واعتماد خيار الحرب الشعبية بما تمليه من اعتماد على القوى الذاتية، واستنزاف النظام سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مع الابتعاد من السيطرة المباشرة والتحصن ببقع جغرافية كثيفة السكان قبل الوصول إلى مرحلة التكافؤ العسكري، ومع تأسيس هيكل سياسي وعسكري متماسك ذي قاعدة شعبية ويقدّم مشروعاً واعداً للداخل والخارج.

هذا الخيار لا يخلو اتخاذه من الصعوبات في ظروف الحرب الحالية وأطرافها، وامتناعه سيقودنا إلى الخيار الثالث، وهو الدفع إلى تدويل حل الصراع بمعنى الوصول إلى صيغة تفرض دولياً بالقوة لإحلال السلم والعدالة الانتقالية وتأمين حد أدنى من التعايش المؤسس على حكم ديموقراطي لا مركزي. وهذا أقل الحلول سوءاً في حال فشلت المعارضة السورية بتكتلاتها كافة في تقديم خريطة طريق للأزمة السورية، في ظل الدعم المتصاعد للنظام من جانب حلفائه الأقوياء.

وفي حين يقرأ النظام السوري التوازنات الدولية ويَحذَرتغيُّرها مع الانتخابات الأميركية والاستحقاقات التفاوضية فيصعد من حملته في حلب وغيرها بعون حلفائه، تبقى ردود أفعال المعارضة، مع التسليم ببطوليتها، متشرذمة وخالية من روح المبادرة في وسط كل هذه التغيرات الإقليمية والدولية.

إن تضحيات الشعب السوري تستحق مراجعة صادقة لاستراتيجية الثورة التي قامت في سبيل حياة كريمة أفضل يستحقّها. وللسوريين في تجربة استقلالهم الأولى سواء بتحالفها الشعبي أو مشروعها الوطني أو سياستها الدولية الكثير من الدروس في معركتهم ضد الانتداب الأسدي.

اقرأ المزيد
١٥ يوليو ٢٠١٦
الاستغناء الروسي عن الاتفاق مع أوباما

في كل مرة تجرى جولة جديدة من المفاوضات بين موسكو وواشنطن تحت عنوان البحث عن الحل السياسي المعلّق، تقوم قوات النظام السوري مع حلفائها الإيرانيين والميليشيات التابعة باندفاعة جديدة ضد مناطق المعارضة السورية، بغطاء روسي.

هكذا تتجه بلدة داريا في ريف دمشق، والأحياء الشرقية لمدينة حلب إلى مرحلة جديدة من التدمير الممنهج والقتل العشوائي، والأخطر، إلى حرب الحصار والتجويع، لتضافا إلى عشرات المناطق التي يموت الأطفال والمدنيون فيها جوعاً وعطشاً، على مرأى من ناظري تنفيذ القرار الدولي الرقم 2254 الذي تنص بنوده على إدخال المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق بصرف النظر عن نجاح أو انطلاق مفاوضات الحل السياسي.

وفي كل مرة تتصاعد تدابير وخطط الحلف الأطلسي بتوسيع تواجد قواته ضد «التهديد الروسي» في شرق أوروبا، كما حصل خلال قمة دول الحلف الأخيرة في وارسو، يكون الرد الروسي في بلاد الشام، ليتحول السوريون إلى حقل تجارب للسلاح الروسي، في تحدي الكرملين للعدائية الغربية لطموحاته باسترجاع النفوذ على بعض القارة العجوز. هكذا تعود القاذفات الروسية الاستراتيجية إلى الأجواء السورية فتقصف مواقع المعارضة في ريف حلب تحت مظلة قصف مواقع «داعش» و «جبهة النصرة» في تدمر والرقة، فتستهدف الفصائل غير المصنفة إرهابية، وتلك المصنفة معتدلة وتتيح للنظام إحداث تقدم على الجبهة يعينه على تشديد حصاره وممارسة وحشيته ضد المدنيين، فهؤلاء هم وقود الرسالة «الاستراتيجية» التي أراد القيصر تسطيرها بأن في استطاعة قاذفاته الضخمة أن تنطلق من قواعدها في روسيا وتتجاوز الدرع الصاروخية الأطلسية في تشيكيا والقوات المنتشرة في رومانيا وبولندا ودول البلطيق، حاملة القذائف على أنواعها لتضرب حيث تشاء. أما في الحساب السوري، فإن العارفين بموقف موسكو يعتبرون أن دعم القصف الجوي لمصلحة قوات الأسد هو تعويض له عن الخسائر التي تكبدها في ريف اللاذقية وبعض ريف حلب، وعن إسقاط المعارضة 5 طائرات له قبل أسبوعين.

ولم يعد هناك من حساب للصفة «الدراكولية» للنظام السوري على رغم الصيحات الدولية بأنه يرتكب جرائم حرب، فالأمر بلغ حد قول بشار الأسد في مقابلته مع محطة «إن. بي. سي.» إن الصحافية الأميركية ماري كولفن التي قتلها قصف قواته عام 2012 ، «هي المسؤولة» عن مقتلها، فالشعب السوري في اعتقاده أمام الامتحان بين القتل و بين الولاء له.

الأهم أن السوريين يستمرون بالتعرض للمحرقة بالدم البارد بسبب استمرار الخلاف الأميركي الروسي على مشروع الحل في سورية، الذي يشهد جولة جديدة من التفاوض مع زيارة جون كيري إلى موسكو، وهي جولة تتم في ظل تراجع نظرية الدب الروسي بأنه من الأفضل التوصل إلى الحل السياسي في سورية مع إدارة باراك أوباما قبل انتهاء ولايته، لأنه سلم لروسيا بيدها العليا فيها، وخشية مجيء إدارة أكثر تشدداً الخريف المقبل، لمصلحة التردد في تقديم التنازلات لإدارة راحلة، وضعيفة. والأسباب عدة منها:

- أن الاجتماعات المكثفة التي يعقدها مستشار الرئيس الأميركي في مجلس الأمن القومي روبرت مالي مع المسؤولين الروس (وممثلي دول أخرى) في جنيف حول التصور التفصيلي الذي تقدم به أوباما لمعالجة الوضع السوري وتنسيق الحرب على الإرهاب لم تصل إلى نتائج. فهذا التصور تتراوح بنوده بين تنسيق طلعات الطيران الأميركي والروسي في الأجواء السورية والمواقع التي عليهما قصفها وبين السعي لمرحلة انتقالية يتحدد فيها متى وكيف يرحل الأسد، في وقت تريد موسكو حرية الحركة في القصف الجوي، وتمتنع عن البحث في رحيل الأسد وتترك الأمر لانتخابات رئاسية يحق له الترشح إليها، على أن تكون بإشراف ورقابة دولية.

- أن أوباما يركز على محاربة «داعش» في العراق ويهمل مكافحته في سورية.

- تعتقد موسكو أن الوقت بات داهماً وسيتعذر إطلاق العملية السياسية بوضع دستور جديد وقيام حكومة جديدة في أوائل آب (أغسطس) المقبل.

- منذ الاتفاق على الهدنة في شباط (فبراير) الماضي أثبتت واشنطن أنها لا تمون على المعارضة في تنفيذ ما يتفق عليه فتلجأ إلى تركيا والمملكة العربية السعودية أو قطر، لتحقيق خطوات ما. وباتت موسكو ترى أن إنهاء قطيعتها مع تركيا يتيح لها التنسيق المباشر معها، بمقابل هم الأخيرة الحد من طموح الأكراد في الاستقلال، فضلاً عن أن علاقتها مع الرياض تسمح بتواصل مباشر للتعاون. وباتت أنقرة، بعد استئنافها الاتصالات المخابراتية مع دمشق، شريكاً في التفاوض على قيام مجلس عسكري يكون منطلقا للمرحلة الانتقالية، في انتظار الإدارة الأميركية الجديدة.

اقرأ المزيد
١٥ يوليو ٢٠١٦
إنقاذ «جنيف» قبل النفاذ!

قبل وقف محادثات «جنيف» كان الحديث منصباً على ضرورة إنقاذ سوريا بالسلام، طبعاً هذا لم يتحقق خلال كافة الجولات الماضية، ومن الطبيعي أن شيئاً اسمه السلام لم يدر بخلد أحد بعد وقف تلك المحادثات. فكان الحل هو البحث الجاد ليس عن إنقاذ سوريا في هذه المرحلة التي قضت ست سنوات خلالها في الوحل والسحل، بل إنقاذ «جنيف» المجهول من الانهيار، وإن كان الانهيار مستداماً في سوريا بالتتابع.

قبل أسابيع اجتمع وزراء خارجية عشرين دولة من المجموعة الأوروبية لدعم سوريا وبحث ملفها الذي طال عليه الأمد وقست قلوب كل الأطراف وعصي على التوصل إلى أي حل يرضي الجميع. وفي اجتماع أبريل الأخير تجمدت الأزمة وانسدت طرقاتها بالثلوج الكثيفة بعد أن أعلنت المعارضة السورية الرئيسية تعليق مشاركتها بسبب تواصل أعمال العنف التي زادت جرعة الهشاشة في الهدنة وخفتت جرأة التوصل إلى الحسم الدولي وعاد الحديث يدور حول «الأسد» من جديد. حيث قال بعض مرافقي كيري إلى ذلك الاجتماع المجمّد «إن واشنطن ما تزال مصممة على رحيل الأسد، على أن يتم بحث كيفية الوصول إلى تحقيق ذلك قبل شهر أغسطس»، مع أن الكل يدرك جيداً ويعلم أن الرئيس السوري الذي تدعمه إيران وروسيا و«حزب الله» اللبناني لم يُظهر، وقد لا يُظهر أبداً، أي بوادر للرحيل، ولذا فإن بعض حلفاء واشنطن يشككون في إمكانية تحقيق الطلب المتعلق برحيل الأسد بحلول أغسطس.

وعندما بدأ جليد المفاوضات في الذوبان بعد أسابيع التجمد القاسية ليعلن كبير مفاوضي المعارضة السورية عن استقالته بسبب فشل «جنيف» الذريع، في تحقيق أي تسوية سلمية أو تخفيف الضغوط على السوريين الذين يعيشون في مناطق تحت الحصار المزدوج من النظام المتورط بالتعاون مع «داعش» لإتمام مهمة إبادة الشعب السوري. وكذلك رئيس وفد المعارضة السورية أكد بدوره ترك منصبه في الهيئة العليا للمفاوضات. وقال أحد مصادر المعارضة إن الزغبي تم عزله في تعديل لفريق الهيئة العليا للمفاوضات الذي يشمل فصائل عسكرية وجماعات سياسية.

وبما أن خيار السلم قد تجمد في «جنيف» وتجمدت «جنيف» ذاتها عن الحراك نحو الأمام فقد حدا ذلك بالجبير القول إن الوقت قد اقترب للتفكير باعتماد «بدائل» لتسوية الأزمة السورية إذا رفض الأسد الامتثال للجهود المبذولة لتثبيت وقف لإطلاق النار في كل الأراضي السورية «ونحن نعتقد بأننا كان يجب أن ننتقل إلى خطة بديلة منذ زمن طويل». وأضاف قائلاً: «إن خيار الانتقال إلى خطة بديلة تتضمن تسليح المعارضة السورية، هو خيار يبيد نظام بشار بشكل كامل، فإذا رفض النظام الالتزام بما يقرره المجتمع الدولي علينا التفكير بالخطوات الأخرى التي ينبغي اتخاذها».

إذا كان الخيار أو البديل هو إبادة شعب أو إبادة نظام فلا نعتقد أن تحديد الأولوية يخفى على أي سياسي لديه قدر من الحنكة في التعامل مع الأزمات المتقابلة. فالعلاقة بين إبقاء النظام على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة حتى وهو في العناية المركزة، يعني الإمعان في إبادة المزيد من السوريين ولا نقول القتل، لأن مرحلة القتل والحل قد تعدتها الأزمة منذ سنوات.

فعلى الساسة في العالم البحث عن وسيلة أو خطة بديلة لإنقاذ الشعب السوري من الإبادة، وليس التفكير في كيفية إنقاذ اجتماعات «جنيف» الثالثة، والرابعة معلقة في الطريق الوعر. فإزالة نظام دموي أولى من الصبر على استمراره في ممارسة كل ما يصنف في خانة جرائم الحرب بلا مواربة، وليس هناك حتى الآن أي مؤشر على هذا الأمر أو هذه الخطوة التي ستنقذ السوريين من الأزمة التي بدأت بالمطالبة بحق العيش الكريم والكرامة وإعادة الإنسان السوري إلى مكانه الصحيح في سلم الإنسانية العالمية، إلا أن هذه المطالب انتهت بين مخالب النظام السوري والتدخل الروسي والإيراني من قبل إلى شيء يصعب أن نجد له مسمى واضحاً في القاموس السياسي فضلاً عن الإنساني.

«جنيف» تدور حول نفسها والنظام يدور حول ذاته والمعارضة تتفكك «براغيها» أو مفاصلها، وإذا كان هذا هو الهدف الحقيقي الذي يراد تحقيقه على أرض الواقع، فإن سوريا مقبلة إما على فوضى لا مرد لها أو تقسيم يُنسي العالم أنه هناك كان، يوماً، بلد اسمه سوريا التاريخ والعراقة والحضارة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى