لن يُعرف مدى التغيير في السياسات التركية في المدى القريب، وإنْ كان ما ظهر منه أخيراً يشير الى انعطاف كبير، بعضٌ منه يُفهم بمنطق المصلحة القومية بما فيها من سياسة وأمن وتجارة، وبعضٌ آخر بضرورات الحفاظ على تركيا في المعادلة الاقليمية. ومع افتراض أن أنقرة كانت مبدئية مئة في المئة في مقاربتها لقضية الشعب السوري، وفي مطالبتها برفع الحصار عن غزة، وفي سعيها الى إيجاد توازن داخلي عراقي يخفف من وطأة الهيمنة الإيرانية الفاقعة، إلا أن طبيعة الاستقطابات الدولية في المنطقة لم تسعف تركيا كما لم تسعف العرب من قبلها. أكثر من أي قوة إقليمية أخرى وجدت تركيا نفسها محكومة بشروط لا تبدو إسرائيل أو إيران مكبّلة بها، ربما بسبب إرث تركي تاريخي انطبع بالسلبية وتبِعه قرنٌ من الانكفاء عن الشرق العربي، أو لأن ازدواجية تركيا بعلمانيتها وإسلاميتها أربكت عودتها الى ذلك الشرق بعدما كانت إسرائيل وأميركا أمعنتا في إحباطه، فيما قطعت إيران شوطاً في نخره بسوسة «تصدير الثورة» وعسكرة الشحن المذهبي.
المؤكّد أن المسألة السورية هي التي ستحدّد ملامح الوجه الآخر للسياسات التركية الجديدة. فبعد الشروع في تطبيع العلاقة مع روسيا، وإنهاء الخلاف مع إسرائيل، وقبل ذلك وقف تدهور العلاقة مع إيران مع إقرار الدولتين باستمرار خلافهما على سورية، ومع التلميح الى احتمال حصول خطوة باتجاه إصلاح العلاقة مع مصر، لم يبقَ أمام أنقـــرة سوى نقلة واحدة: الاتصال بدمشـــق. قد تبدو هذه المبادرة صعبة لكنها لن تكون مستحيلة، إذا أمكن تركيا أن ترى الـــمصلحة وتلمسها. كانت آفاق التبادل مع روسيا رحبة وواعدة ولا تـــزال، ومجالات التعاون مع إسرائيل كبيرة ومتنوعة ولا تــزال، كذلك مع إيران، وكانت بلغت مستوى متقدّماً جداً خلال سنوات العسل مع النظام السوري... لذلك لم يكن عسيراً على رجب طيب اردوغان أن يفرمل اندفاعاته السلطانية ليعكف على ترميم الصورة واستعادة المشهد السابق رغم كل المتغيّرات العميقة التي استجدّت عليه.
لم يتوقّع أحد أن ترفع إسرائيل حصارها عن قطاع غزّة من أجل التطبيع مع تركيا. فحتى العرب لم يطلبوا رفع هذا الحصار مقابل التطبيع بل وضعوه في اطار تسويةٍ شاملة لا أحد يدري إذا كانت ستتم يوماً. ولو أُخذ في الاعتبار أن المصالح الرئيسية بين تركيا وإسرائيل لم تتأثّر بتداعيات حادث سفينة «مافي مرمرة»، بل إن جانبها التجاري شهد نمواً، فإن الحلول الوسط كانت متوافرة في انتظار الظرف السياسي الملائم. راح هذا الظرف يتبلور بعد أسابيع قليلة من تفجّر العداء الروسي لتركيا والعقوبات التجارية والسياحية التي فرضتها موسكو غداة إسقاط الـ «سوخوي 24»، فأعادت أنقرة تنشيط القناتين الإيرانية والإسرائيلية، الأولى لتجديد الفصل بين التعاون التجاري والخلافات السياسية وخصوصاً لحاجتها الى ضمان استمرار التزوّد بالطاقة بعد خسارة المصدر الروسي، والثانية لحل الخلاف القائم في شأن غزة لكن أيضاً للمساهمة في استثمارات الغاز الإسرائيلي.
استشعرت إيران كما إسرائيل أن اردوغان بات مستعدّاً للنزول عن الشجرة، لكن طهران لم تشأ أن تساعده بل كانت مرتاحة الى أن المسار الذي اتخذته روسيا من شأنه أن يضعف تركيا ويشطبها من المعادلة الإقليمية، أما بنيامين نتانياهو فوجد الوقت مناسباً لانتزاع تسوية لمصلحته لكنه لعب ورقة المصالحة مع اردوغان على الطاولة الروسية واستطاع من جهة إقناع فلاديمير بوتين باجتذاب تركيا الى دور مختلف في المسألة السورية، ومن جهة اخرى إقناع اردوغان بالتنازل لروسيا كي يحافظ على دور تركي موازٍ للدور الإيراني في سورية. قبل أكثر من شهرين بدأت مصادر تركيا وإسرائيل تؤكد توصّلهما الى اتفاق، وتردّد مراراً أن توقيعه وشيك، ثم تبيّن أن اعتراض موسكو هو ما أخّره، خصوصاً أنها وإسرائيل كانتا في صدد تطوير تنسيقهما العسكري في شأن سورية.
كان الإعلان في يوم واحد عن ذلك الاتفاق، وعن رسالة اردوغان الاعتذارية الى بوتين، رسالة بالغة الدلالة الى واشنطن، تحديداً الى باراك اوباما. فالأخير كان أنجز خطوة أولى عندما أقنع نتانياهو (أواخر آذار- مارس 2013) بمهاتفة اردوغان لإحاطته بـ «أسف - اعتذار» إسرائيل وإبداء الاستعداد لحل الخلاف. لكن اوباما الذي بدأ هذه المبادرة بـ «دوافع استراتيجية» اميركية لم يستطع إكمالها لانتفاء أي استراتيجية لديه، فتولّى بوتين إنجازها للدوافع نفسها، لكن لمصلحة استراتيجية روسية. صحيح أنه يمكن المجادلة بأن مجمل ما حصل لا يخرج عملياً عن إطار المعادلة الإقليمية التي تريد اميركا هندستها قبيل «مغادرتها» المنطقة. غير أن طريقة بوتين في ممارسته «القيادة» لا تنفكّ تكشف تراجع نفوذ اميركا وتقضم من «هيبتها».
لا شك في أن الخذلان الاميركي هو ما دفع تركيا باتجاه محور روسيا - إسرائيل. كانت أنقرة نسّقت مع واشنطن مقاربتها للأزمة السورية وقطيعتها مع نظام بشار الأسد، ومثلها فعلت الدول العربية الداعمة للمعارضة، وطوال الأعوام الخمسة تعرّف العرب والأتراك الى سياسة اميركية بوجوه متعددة وخطاب تضليلي منعدم الرؤية ودعم كاذب لقضية الشعب السوري. وفي أزمتها مع روسيا لمست تركيا أن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي غير معنيين بدعمها، وهو الموقف نفسه الذي أدركته السعودية ودول خليجية أخرى عندما بلورت مع تركيا صيغة مبادرة للمشاركة في محاربة الإرهاب، اذ فضّلت واشنطن التعاون مع ميليشيا كردية ومجموعات مسلحة متفرقة رغم علمها بأنها تثير مخاوف تركية بعبثها بالورقة الكردية وبأنها تطلق رسائل خاطئة في ما يتعلّق بالحرب على تنظيم «داعش».
اتسم اللقاء الأول، بعد القطيعة، بين وزيري الخارجية الروسي والتركي، باستعداد للتعاون في سورية، وبأنهما لا يختلفان حول تعريف الإرهاب. كيف ذلك وموسكو انفتحت على الأكراد وتنسّق معهم، فيما تسمّي أنقرة الإرهاب «بي كي كي» (حزب العمال الكردستاني) أولاً، ثم فرعه السوري «بي يي دي» (حزب الاتحاد الديموقراطي) ثم «داعش». فالأخير لا يهدد الكيان التركي ومصيره الى الزوال مهما طالت الحرب عليه، أما الخطر الكردي فيمثّل الخطر كل الخطر لتركيا، وبات مقلقاً لطهران مع بروز بنيته العسكرية في المناطق الكردية وذهاب إيران في مواجهاتها مع «البيشمركة» المحلية الى حدّ قصف مناطق حدودية في كردستان العراق. أقلّ ما يمكن أن يهدّئ هواجس أنقرة أن تحصل على «ضمانات» روسية لمنع أكراد سورية من إقامة اقليمهم الخاص، وهو ما لم تتمكّن من انتزاعه من اميركا رغم عراقة العلاقة وعمقها بينهما. قد يستجيب الروس، صدقاً أو كذباً، لكنهم سيطلبون ثمناً لذلك.
فجأة، وبلا مقدّمات، أعلنت إيران بلسان المرشد أنها رفضت عروضاً اميركية للتنسيق في شأن سورية، وكانت طهران طمحت دائماً الى تنسيق كهذا لكن بشروطٍ ليس أولها وأهمّها بقاء الأسد في الحكم كما قد يتبادر الى الأذهان، بل ضمان استمرار وجودها المباشر (وعبر «حزب الله» وسائر الميليشيات) لحماية ما تدّعيه من «مصالح». لذلك تفضّل طهران مع موسكو وإنْ كانت تفرض عليها تعايشاً مزعجاً مع الوجود الروسي في سورية. في المقابل، يحاول اردوغان وأركان حكومته فتح تطبيع العلاقة مع روسيا على أفق «حل» للأزمة السورية. ولأن الخيارات التركية محدودة، بسبب الممنوعات الاميركية والروسية، وحتى الإسرائيلية والإيرانية، التي اختبرتها تباعاً، فإن أنقرة قد تكتفي بأي ضمان لكبح الاندفاعات الكردية كي تقول وداعاً لسياسة ظلّ «رحيل الأسد» و «إزالة نظامه» عنوانها المعلن والمبطن. أما العنوان الجديد - «الواقعية» - فباتت تحدّده المصالحة مع الروس والإسرائيليين، المتوافقين على بقاء الأسد ونظامه في انتظار ايجاد بديل منه. لكن التبشير بـ «الحل» مرفقاً باستعداد غير واقعي وغير عملي لتوطين اللاجئين السوريين وتجنيسهم، فيعني أن هذا الحل لا يزال بعيداً.
كثيراً ما لعبت ايران الدور الأبرز في اثارة القلائل في المناطق العربية، من خلال اختلاق الحروب و زرع الميلشيات و دعم الأنظمة الاستبدادية و التحالف مع كافة شياطين الأرض، بغية تدمير الدول العربية، التي لا تربطها معهم إلا حالة تعرف بـ"انتقام حضاري" تم اسباغها السبغة دينية حتى تلقى التبجيل و الحقد اللازمين لضمان الاستمرار بها حتى الرمق الأخير.
و لكن في الوقت ذاته لم نشهد من أي دولة عربية استغلالها لتركيبة ايران التي تهددها بالانهيار و التفتت في صورة تشكل انتقاماً حقيقاً من دولة لم ترع أي شيء إيجابي في المنطقة بل كانت اللاعب الأبرز و الأقذر في خلق بؤر و منظمات إرهابية، ترسل الموت لكل المنطقة باستثنائها.
اليوم ايران تقف على شفا انفجارات قد تكون دفينة من ناحية الظهور الإعلامي، و لكنه فعلية و واقعية ، و تشبه سيلان الحمم الصادر من عدة براكين ،التي تأتي بطيئة بعض الشيء لكنها حارقة و مدمرة.
و لعل أبرز البراكين يأتي البركان "الكردي" الذي عاد للثوران من جديد مع تحسن أوضاع نظرائهم "الأكراد" في العراق الذي باتوا اقليماً مستقلاً شبيه بدولة متكاملة، فيما يقف الأكراد السوريين على أعتاب فيدرالية ، صحيح أنها من النوع الغريب و الغير متوازن أو ضامن الاستمرار، ويشعر ( الأكراد الايرانيون) بنوع من الحسرة فقد كانوا سباقين لنظرائهم و كانوا أول من أعلن دولتهم في "مهباد" عام ١٩٤٦ التي لقيت دعماً روسياً مؤقتاً استمر لقرابة العام إلا شهر ، لتنهار الدولة الكردية الأولى و يعدم رئيسها القاضي محمد، و اليوم النشاط الكردي تصاعد ووصل لحد الاشتباك من جديد بعد سنوات من الهدوء سبقتها قرابة ربع قرن من الحروب في الجبال الفاصلة بين ايران و العراق، انتهت حينها بنصر إيراني وأدت خلاله الحلم الكردي بالعودة للظهور مجدداً.
التقارير و التصريحات و القصف الذي بدأته ايران في الأسابيع القليلة الماضية، ينذر بأن الامور التي تجري على تلك الساحة غاية في الخطورة ، ووصلت حد لا مكان لاثنين، فإما نظام الملالي ينتصر و يواصل خنق كافة المكونات ، إما ينجح الاكراد في تكرار التجربة الأصل، حيث يقال أنها المنطقة التي ينتمي إليها أكراد المنطقة و شردوا منها بفعل الشاه و من ثم نظام الملالي.
أما البركان الثاني الذي لا يقل أهمية عن ذلك "الكردي"، فهم العرب الأحوازيون الذين لازالوا يدينون لعروبتهم و اسلامهم السني في غالبيتهم، و يعانون من الاضطهاد ما يفوق الشرح أو الوصف، و ظهور نضالهم المسلح للسطح منذ فترة عبرة جيش العدل، يدل على أنهم قرروا المواجهة .
بالإضافة إلى ذلك كله ، يوجد داخل المجتمع الفارسي الايراني وحتى الشيعي حالة من التملل و إضافة لظهور أجيال حالية ، والتي تشكل نسبة عالية من الشعب الايراني تعتبر أجيال ما بعد الثورة ، فهي لم تعاصر الشاه لتبغضه ، و لم ترى من الملالي إلا القمع و الاستبداد، و هي قنبلة بدأت بالظهور وتهديد أمن و سيطرة ، و ما حدث في أصفهان قبل أيام و خروجهم في مظاهرة رفضاً للتدخل الايراني في سوريا، ليس حالة عابرة ، إذ حالة التفلت الخلقي و عدم الانضباط داخل شوارع ايران التي غاب عنها اللباس المحافظ و بات نادراً بعد تأثر الجيل الجديد بالثقافات الغربية التي كشفت زيف الأحاديث التي يخوض بها المراجع الشيعية الهادفة لإخضاع العقول لمندوب "الله " على الأرض.
ففي ظل هكذا ظروف يقف العرب اكثر المتضررين من النشاط الايراني المؤذي و المضر و الذي وصل في سوريا و العراق إلى حد الإبادة و الاحتلال، يقف العرب متفرجين و مكتفين بتصريحات لا تغن و لا تسمن من جوع، رغم يقينهم التام أن ايران لن تهدأ أو تكف عن أفعالها الإرهابية ، مالم تنشغل بمشاكلها الداخلية.
و يبقى السؤال يبقى العرب متفرجين ، منتظرين هلاكهم !؟
اكثر من عشرة ملايين يناضلون من اجل حكم ذاتي كردي منذ عقود طويلة
وكانت لهم دولتهم جمهورية مهاباد الديموقراطية عام 1946 وكانت مدعومة سوفياتيا وتم افشالها بعد 11 شهراً واعدام القاضي محمد.
الان
نشاط مسلح كردي يتصاعد وصل حد الاشتباك و القصف العابر للعراق
حركة تحرير الاحواز العربية التي خرج منها جيش العدل و حركة التحرير الوطني الاحوازي
والمظاهرات التي
تململ داخل الطائفة و مظاهرات اصفهان في يوم القدس ضد تورط الملالي في سوريا
الذين يتحدثون عن قرب هزيمة "داعش" عليهم أن يعيدوا حساباتهم لأن التنظيم الإرهابي كثّف في الأسابيع الأخيرة من عملياته الإنتحارية العابرة للحدود، في سياق تصاعدي يمكن إعتباره حرباً خارجية تضرب بطريقة متتابعة في أكثر من جبهة وبلد، لهذا يمكن القول ان "داعش" بدأ حربه العالمية.
من منطقة الرقبان على الحدود الأردنية الى بلدة القاع اللبنانية، الى مطار أتاتورك في اسطنبول، الى دكا في بنغلادش، الى منطقة الكرادة في العراق، ثم الى القطيف حيث نجا مسجد شيعي من كارثة، فجدة حيث نجت القنصلية الأميركية، فالمدينة المنورة التي نجت ايضاً من مذبحة بربرية لو تمكن الإنتحاريون من الوصول الى حشود المصلين في هذه الأيام المباركة عشية عيد الفطر.
في القاع كان التتابع في الإنتحاريين وفي السعودية كان في العمليات، وكما تمكنت القاع من إحباط الدواعش تمكن رجال الأمن في السعودية من إحباط خطط الإنتحاريين، لكن هذا لا يحجب مدى إرتفاع نسبة الخطر والإجرام التي وصلت اليها عمليات "داعش"، الذي يبدو أنه قادر على الضرب في عشرات الدول من الولايات المتحدة الى بنغلادش مروراً بالدول الأوروبية وصولاً الى دول المنطقة، وهو ما يطرح السؤال هل إقتربت نهاية "داعش"؟
السؤآل الأهم : ماذ سيفعل اولئك الذين إستولدوا "داعش"، من مذهبية المالكي في الأنبار قبل إنسحاب الأميركيين وبعده، الى كيميائيات الأسد في الغوطتين، وماذا سيفعل الذين رعوا "داعش" وحضنوه ودربوا رجاله وسلّحوهم ثم هرّبوهم الى سوريا والعراق عبر حسابات السلطنة الأردوغانية؟
وماذا أيضاً سيفعل الذين تفرجوا طويلاً على الوحش ينمو ويكبر، سواء عبر الإستمتاع الأوبامي بفخار إسلامي يكسّر بعضه بعضاً بين سنة وشيعة، وسواء عبر الإصرار البوتيني على حماية النظام السوري والبطش بالمعارضة، بما سيعطي الداعشية مسوّغات سياسية تساعد شركة أردوغان للسفريات الإسلامية على إستقدام المزيد من الإنتحاريين، لتسرّ واشنطن وموسكو وتل ابيب وقد تحولت سوريا مصيدة دولية للإرهابيين؟
لم يكن أحد يتصوّر ان "داعش" سينصب المصائد الدموية من أورلاندو الى دكا ومن سرت الى تونس مروراً بباريس وبروكسيل وصولاً الى ذقن اردوغان، الذي يتحدث الآن عن التعاون مع روسيا لمحاربة "داعش" بعدما تحدث سابقاً عن تعاون مع أميركا للغرض عينه!
ولم يكن أحد يظن ان إنشاء تحالف دولي من ٦٤ دولة بقيادة أميركا سيكون ضحكاً على الذقون، بدليل ان "داعش" الذي زعموا أنهم يشنّون عليه حرباً دولية، هو الذي يشن عليهم هذه الحرب الإرهابية الدولية، التي طالما إستهدفت السعودية وقد سبق لها ان إنتصرت فيها، والتي تستهدف روح الإسلام عبر الجريمة المدوية حتى في المدينة المنورة... لهذا يبقى السؤال: من ينتصر العالم أم أبو بكر البغدادي؟
أدّت الأزمة السورية بتداعياتها ونكبة عددٍ من المخيمات الفلسطينية، وخاصة مخيم اليرموك، إلى خروج أعداٍ كبيرة من فلسطيني سورية من هذا البلد باتجاه هجرات جديدة عبر قوارب الموت، حيث يُشير مختلف المعطيات الموثقة، أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين في سجلات وكالة «أونروا» وصلت إلى نحو 560 ألف فلسطيني مع بداية العام 2016. لكن أعداداً لا بأس بها منهم باتت خارج البلد عبر عمليات النزوح والهجرة. ووصلت أعداد من خرجوا من سورية حتى أوائل شهر حزيران (يونيو) الماضي إلى نحو 235 ألف لاجئ فلسطيني يتوقع أن تتزايد أعدادهم مع المراحل التالية من لمِّ الشمل إلى البلاد التي وصلوها. وتقدر أعدادهم التفصيلية كما يلي وفق مكان الهجرة: الأردن نحو 15500 لاجئ فلسطيني سوري. لبنان نحو 42.500، مصر نحو 6 آلاف، تركيا نحو 8 آلاف، قطاع غزة نحو ألف لاجئ فلسطيني سوري، ونحو 120 ألفاً وصلوا إلى أوروبا، وتحديداً ألمانيا والسويد وهولندا والنمسا والدانمرك، إضافة إلى دول أخرى مثل بلغاريا ورومانيا وهنغاريا وروسيا. وبضعة آلاف وصلوا إلى ماليزيا واستراليا ونيوزلندا وكندا والولايات المتحدة والبرازيل.
الطامة الكبرى في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية أنهم أصبحوا عملياً بلا مرجعية ملموسة، أو تراجعت أدوار المرجعية المُمثلة لهم في أحسن الأحوال، وتخلت مُعظم الفصائل والقوى الفلسطينية عن معظم مسؤولياتها المطلوبة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين يعيشون الآن أوضاعاً صعبة نتيجة الانعكاسات العامة للأزمة الطاحنة في سورية عليهم وعلى أحوالهم من جوانبها كافة.
لماذا وصلت الأمور إلى هذه الحال، وهل من الإنصاف أن تُهمَلَ أوضاع فلسطينيي سورية بهذا الشكل من قبل القوى والفصائل والجهات الرسمية الفلسطينية، وهم الذين كانوا على الدوام الخزان البشري الذي لا ينضب الذي زود تلك الفصائل والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية بآلاف المُنتسبين والأعضاء الذين سقطوا في ساحات العمل الوطني الفلسطيني؟
في حقيقة الأمر، وحتى لا نُتّهَم من بعض المُتسرعين بالبعد عن الموضوعية، وجلد الذات، أو التجني أو التحامل على مجموع القوى والفصائل الفلسطينية العاملة في الساحة السورية، فإننا نبدأ بالقول إن الحديث عن غياب دور القوى والفصائل والمنظمة، لا يعني البتة المساس بمنظمة التحرير الفلسطينية ومكانتها، ولا يعني شطب أو إنكار دورها الوطني والتاريخي، ولا يعني إجمال جميع فصائلها ووضعها في بوتقة واحدة من حيث الدور والمسؤولية، فهي منّا ونحن منها، والحديث عنها يأتي من موقع الحرص على دورها المنشود والمطلوب من الشارع الفلسطيني في سورية الذي بات يَصرخ كل يوم مُتسائلاً عن دور المنظمة وتلك القوى في هذه الفترة بالذات حيث يعيش فلسطينيو سورية لحظات حاسمة من تاريخ وجودهم الموقت فوق الأرض السورية، فيما القلق يساور كل فرد منهم، بعدما باتت الحالة الضبابية تُسيطر على أوضاعهم بشكلٍ عام، وهي تحمل مُؤشراتٍ مُخيفة على مستقبلهم في ظل تفاعلات الأزمة الداخلية السورية وتشظيها، ودخول مختلف الأطراف الإقليمية والدولية على خطوطها ومساراتها، وبأجندات مختلفة.
موطن الخلل في أوضاع الفلسطينيين في سورية أن مجموع القوى الفلسطينية العاملة في الوسط الفلسطيني في سورية (مُخيمات وتجمعات) وعددها خمسة عشر فصيلاً، لم تستطع حتى اللحظة توفير غطاء ومرجعية وطنية لعموم الفلسطينيين في سورية، لأسباب تتعلق بالخلافات والتباينات في صفوفها، وقصور رؤية بعضٍ منها لمسار الأحداث العاصفة التي ضَرَبَت وما زالت تَضرِبُ بمفاعيلها الحالة العربية من أقضاها إلى أقصاها.
وفي هذا السياق، فإن الموقف المسؤول من عدد كبير من الكوادر الفلسطينية السابقة في صفوف العمل الوطني الفلسطيني في سورية، ركز على ضرورة وضع كل الخلافات والتباينات والثأرات والأحقاد التاريخية والضغائن وتصفية الحسابات والعصبيات التنظيمية والتحريض والمواقف المسبقة بين مختلف القوى جانباً، من خلال الارتقاء والسمو بالوعي الوطني العام وإعمال العقل وصولاً إلى التوافق على عنوان واحد يتمثل في ضرورة العمل من أجل حماية وتوفير شبكة جيدة من الأمان لفلسطيني سورية، تَضمَن سلامتهم بالحدود المُمكنة، وتَضمَن توفير وزيادة منسوب الدعم المناسب والمُمكن للمحتاجين منهم وهم يصارعون مشقة العيش وشظفه بعد أن تعطلت سُبل العمل بأرباب أُسَر آلاف العائلات نتيجة الوضع القائم في البلاد.
ومن المفارقات الملحوظة أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (أونروا) تفوّقت على دور القوى الفلسطينية من خلال برامج العمل التي بادرت إليها في الوسط الفلسطيني في سورية، وقد زار المفوض العام للوكالة (بيير كريهنبول) ممثلاً الأمين العام للأمم المتحدة أطراف مخيم اليرموك أوائل شهر أيار (مايو) الماضي لتفقد أوضاع الناس، وزار أيضاً بعض منشآت عمل الوكالة، وقام بجولة في عددٍ من مدارسها، كما تفقد بعض مراكز الإيواء الموقت للفلسطينيين الذين تركوا منازلهم بحثا عن الأمان.
لن يُعرف مدى التغيير في السياسات التركية في المدى القريب، وإنْ كان ما ظهر منه أخيراً يشير الى انعطاف كبير، بعضٌ منه يُفهم بمنطق المصلحة القومية بما فيها من سياسة وأمن وتجارة، وبعضٌ آخر بضرورات الحفاظ على تركيا في المعادلة الاقليمية. ومع افتراض أن أنقرة كانت مبدئية مئة في المئة في مقاربتها لقضية الشعب السوري، وفي مطالبتها برفع الحصار عن غزة، وفي سعيها الى إيجاد توازن داخلي عراقي يخفف من وطأة الهيمنة الإيرانية الفاقعة، إلا أن طبيعة الاستقطابات الدولية في المنطقة لم تسعف تركيا كما لم تسعف العرب من قبلها. أكثر من أي قوة إقليمية أخرى وجدت تركيا نفسها محكومة بشروط لا تبدو إسرائيل أو إيران مكبّلة بها، ربما بسبب إرث تركي تاريخي انطبع بالسلبية وتبِعه قرنٌ من الانكفاء عن الشرق العربي، أو لأن ازدواجية تركيا بعلمانيتها وإسلاميتها أربكت عودتها الى ذلك الشرق بعدما كانت إسرائيل وأميركا أمعنتا في إحباطه، فيما قطعت إيران شوطاً في نخره بسوسة «تصدير الثورة» وعسكرة الشحن المذهبي.
المؤكّد أن المسألة السورية هي التي ستحدّد ملامح الوجه الآخر للسياسات التركية الجديدة. فبعد الشروع في تطبيع العلاقة مع روسيا، وإنهاء الخلاف مع إسرائيل، وقبل ذلك وقف تدهور العلاقة مع إيران مع إقرار الدولتين باستمرار خلافهما على سورية، ومع التلميح الى احتمال حصول خطوة باتجاه إصلاح العلاقة مع مصر، لم يبقَ أمام أنقـــرة سوى نقلة واحدة: الاتصال بدمشـــق. قد تبدو هذه المبادرة صعبة لكنها لن تكون مستحيلة، إذا أمكن تركيا أن ترى الـــمصلحة وتلمسها. كانت آفاق التبادل مع روسيا رحبة وواعدة ولا تـــزال، ومجالات التعاون مع إسرائيل كبيرة ومتنوعة ولا تــزال، كذلك مع إيران، وكانت بلغت مستوى متقدّماً جداً خلال سنوات العسل مع النظام السوري... لذلك لم يكن عسيراً على رجب طيب اردوغان أن يفرمل اندفاعاته السلطانية ليعكف على ترميم الصورة واستعادة المشهد السابق رغم كل المتغيّرات العميقة التي استجدّت عليه.
لم يتوقّع أحد أن ترفع إسرائيل حصارها عن قطاع غزّة من أجل التطبيع مع تركيا. فحتى العرب لم يطلبوا رفع هذا الحصار مقابل التطبيع بل وضعوه في اطار تسويةٍ شاملة لا أحد يدري إذا كانت ستتم يوماً. ولو أُخذ في الاعتبار أن المصالح الرئيسية بين تركيا وإسرائيل لم تتأثّر بتداعيات حادث سفينة «مافي مرمرة»، بل إن جانبها التجاري شهد نمواً، فإن الحلول الوسط كانت متوافرة في انتظار الظرف السياسي الملائم. راح هذا الظرف يتبلور بعد أسابيع قليلة من تفجّر العداء الروسي لتركيا والعقوبات التجارية والسياحية التي فرضتها موسكو غداة إسقاط الـ «سوخوي 24»، فأعادت أنقرة تنشيط القناتين الإيرانية والإسرائيلية، الأولى لتجديد الفصل بين التعاون التجاري والخلافات السياسية وخصوصاً لحاجتها الى ضمان استمرار التزوّد بالطاقة بعد خسارة المصدر الروسي، والثانية لحل الخلاف القائم في شأن غزة لكن أيضاً للمساهمة في استثمارات الغاز الإسرائيلي.
استشعرت إيران كما إسرائيل أن اردوغان بات مستعدّاً للنزول عن الشجرة، لكن طهران لم تشأ أن تساعده بل كانت مرتاحة الى أن المسار الذي اتخذته روسيا من شأنه أن يضعف تركيا ويشطبها من المعادلة الإقليمية، أما بنيامين نتانياهو فوجد الوقت مناسباً لانتزاع تسوية لمصلحته لكنه لعب ورقة المصالحة مع اردوغان على الطاولة الروسية واستطاع من جهة إقناع فلاديمير بوتين باجتذاب تركيا الى دور مختلف في المسألة السورية، ومن جهة اخرى إقناع اردوغان بالتنازل لروسيا كي يحافظ على دور تركي موازٍ للدور الإيراني في سورية. قبل أكثر من شهرين بدأت مصادر تركيا وإسرائيل تؤكد توصّلهما الى اتفاق، وتردّد مراراً أن توقيعه وشيك، ثم تبيّن أن اعتراض موسكو هو ما أخّره، خصوصاً أنها وإسرائيل كانتا في صدد تطوير تنسيقهما العسكري في شأن سورية.
كان الإعلان في يوم واحد عن ذلك الاتفاق، وعن رسالة اردوغان الاعتذارية الى بوتين، رسالة بالغة الدلالة الى واشنطن، تحديداً الى باراك اوباما. فالأخير كان أنجز خطوة أولى عندما أقنع نتانياهو (أواخر آذار- مارس 2013) بمهاتفة اردوغان لإحاطته بـ «أسف - اعتذار» إسرائيل وإبداء الاستعداد لحل الخلاف. لكن اوباما الذي بدأ هذه المبادرة بـ «دوافع استراتيجية» اميركية لم يستطع إكمالها لانتفاء أي استراتيجية لديه، فتولّى بوتين إنجازها للدوافع نفسها، لكن لمصلحة استراتيجية روسية. صحيح أنه يمكن المجادلة بأن مجمل ما حصل لا يخرج عملياً عن إطار المعادلة الإقليمية التي تريد اميركا هندستها قبيل «مغادرتها» المنطقة. غير أن طريقة بوتين في ممارسته «القيادة» لا تنفكّ تكشف تراجع نفوذ اميركا وتقضم من «هيبتها».
لا شك في أن الخذلان الاميركي هو ما دفع تركيا باتجاه محور روسيا - إسرائيل. كانت أنقرة نسّقت مع واشنطن مقاربتها للأزمة السورية وقطيعتها مع نظام بشار الأسد، ومثلها فعلت الدول العربية الداعمة للمعارضة، وطوال الأعوام الخمسة تعرّف العرب والأتراك الى سياسة اميركية بوجوه متعددة وخطاب تضليلي منعدم الرؤية ودعم كاذب لقضية الشعب السوري. وفي أزمتها مع روسيا لمست تركيا أن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي غير معنيين بدعمها، وهو الموقف نفسه الذي أدركته السعودية ودول خليجية أخرى عندما بلورت مع تركيا صيغة مبادرة للمشاركة في محاربة الإرهاب، اذ فضّلت واشنطن التعاون مع ميليشيا كردية ومجموعات مسلحة متفرقة رغم علمها بأنها تثير مخاوف تركية بعبثها بالورقة الكردية وبأنها تطلق رسائل خاطئة في ما يتعلّق بالحرب على تنظيم «داعش».
اتسم اللقاء الأول، بعد القطيعة، بين وزيري الخارجية الروسي والتركي، باستعداد للتعاون في سورية، وبأنهما لا يختلفان حول تعريف الإرهاب. كيف ذلك وموسكو انفتحت على الأكراد وتنسّق معهم، فيما تسمّي أنقرة الإرهاب «بي كي كي» (حزب العمال الكردستاني) أولاً، ثم فرعه السوري «بي يي دي» (حزب الاتحاد الديموقراطي) ثم «داعش». فالأخير لا يهدد الكيان التركي ومصيره الى الزوال مهما طالت الحرب عليه، أما الخطر الكردي فيمثّل الخطر كل الخطر لتركيا، وبات مقلقاً لطهران مع بروز بنيته العسكرية في المناطق الكردية وذهاب إيران في مواجهاتها مع «البيشمركة» المحلية الى حدّ قصف مناطق حدودية في كردستان العراق. أقلّ ما يمكن أن يهدّئ هواجس أنقرة أن تحصل على «ضمانات» روسية لمنع أكراد سورية من إقامة اقليمهم الخاص، وهو ما لم تتمكّن من انتزاعه من اميركا رغم عراقة العلاقة وعمقها بينهما. قد يستجيب الروس، صدقاً أو كذباً، لكنهم سيطلبون ثمناً لذلك.
فجأة، وبلا مقدّمات، أعلنت إيران بلسان المرشد أنها رفضت عروضاً اميركية للتنسيق في شأن سورية، وكانت طهران طمحت دائماً الى تنسيق كهذا لكن بشروطٍ ليس أولها وأهمّها بقاء الأسد في الحكم كما قد يتبادر الى الأذهان، بل ضمان استمرار وجودها المباشر (وعبر «حزب الله» وسائر الميليشيات) لحماية ما تدّعيه من «مصالح». لذلك تفضّل طهران مع موسكو وإنْ كانت تفرض عليها تعايشاً مزعجاً مع الوجود الروسي في سورية. في المقابل، يحاول اردوغان وأركان حكومته فتح تطبيع العلاقة مع روسيا على أفق «حل» للأزمة السورية. ولأن الخيارات التركية محدودة، بسبب الممنوعات الاميركية والروسية، وحتى الإسرائيلية والإيرانية، التي اختبرتها تباعاً، فإن أنقرة قد تكتفي بأي ضمان لكبح الاندفاعات الكردية كي تقول وداعاً لسياسة ظلّ «رحيل الأسد» و «إزالة نظامه» عنوانها المعلن والمبطن. أما العنوان الجديد - «الواقعية» - فباتت تحدّده المصالحة مع الروس والإسرائيليين، المتوافقين على بقاء الأسد ونظامه في انتظار ايجاد بديل منه. لكن التبشير بـ «الحل» مرفقاً باستعداد غير واقعي وغير عملي لتوطين اللاجئين السوريين وتجنيسهم، فيعني أن هذا الحل لا يزال بعيداً.
لم تكن التوبة الأردوغانية المضاعفة التي بدأت بتهنئة الرئيس التركي نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعيد روسيا الوطني، وتبعتها بعد يومين رسالة اعتذار (متأخرة في توقيتها) عن إسقاط الدفاع الجوي التركي طائرة سوخوي روسية في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت كانت في مهمة استطلاعية على الحدود السورية الشمالية، ضرباً من معجزة أو من تداعيات الحرب السورية التي تدور برحاها الثقيل فوق دول المنطقة من دون استثناء. فالتوبة التي سبقت الآنفة الذكر جاءت على شكل لقاء وفد ديبلومسي تركي عالي المستوى مع نظير اسرائيلي له في العاصمة الإيطالية، بحضور عرّاب المصالحة بين اسطنبول وتل أبيب السيد جون كيري وزير الخارجية الأميركية، وتلتها عملية تطبيع بين البلدين، سريعة ومشروطة. وبالطبع ابتلعت أنقرة، وعلى مضض شديد، الشرط الإسرائيلي لإتمام عودة العلاقات بضرورة أن تتنازل أنقرة عن طلبها فك الحصار عن غزة.
مما لا ريب فيه أن الرئيس التركي أردوغان طرح على نفسه ودائرته المقرّبة العديد من الأسئلة قبل الدخول في متلازمة تلك التوبات، وقد تكون تلك الأسئلة ما فتح ثغرات للأكسجين في مضائق السياسة الخارجية التركية، والتي ستؤدي إلى تحولات كبرى في مسارها الإقليمي ما بعد حرب الجميع على الأرض السورية. ومما لا ريب فيه أيضاً أن التوتر الروسي التركي من أهم الملفات المعقّدة التي وجدت جواباً اسعافياً ضمن مروحة تلك الأسئلة الصعبة التي آن لحكومة أنقرة مواجهتها.
فأردوغان أصبح يدرك تماماً مدى التأثير الروسي في تصديع علاقات بلاده بالعراق وإيران فيما تحتاج إلى مسكنات لآلام الرأس التي يسببها حزب الاتحاد الديموقراطي على الحدود مع سورية، وكذلك حزب العمال الكردستاني متجاوزاً أزمات الحدود إلى توتير الداخل التركي. أما عن اليد الروسية الطولى في سورية فحدّث ولا حرج عن النرفزة التركية من السيطرة الجوية الروسية على حدودها الطويلة مع سورية والذي اقتضى انكماشاً في الإمداد اللوجستي في المناطق الحدودية، ناهيك عن توقف النشاط الجوي التركي غرب نهر الفرات في شكل شبه كامل.
ومن نافلة القول إن أردوغان غسل يديه من التجاوب الأوروبي مع نهجه في ما يتعلق باللاجئين السوريين، وكذا من تفهّم الولايات المتحدة لأم المشكلات بالنسبة إلى واشنطن، والمتعلقة بإرادة أنقرة ضبط الحدود ومنع تسلل المقاتلين الأجانب عبر أراضيها، وفي الاتجاهين. وجاء التسليح الأميركي والتغطية الجوية والدعم الاستشاري لقوات سورية الديموقراطية مباشرة من وزارة الدفاع الأميركية، وهي القوات التي 80 في المئة منها كرد ونسبة ضئيلة جداً من المكونين العربي والتركماني، ناهيك عن الإنجازات التي حققتها تلك القوات. وجاء الدعم الأميركي غير المسبوق لفصيل من فصائل المعارضة السورية ليعطي إشارة إنذار واضحة وقوية لحكومة أنقرة.
انتاب أردوغان إحساس عميق بأنه على طريقه لأن يدفع أثمان الاحتكاك الروسي الأميركي غير المعلن في سورية فاختار أرخص الأثمان وهو تقديم الاعتذار لموسكو وفك طوق الحصار السياسي والديبلوماسي والاقتصادي الروسي على بلاده بانتظار أن يتضح الموقف الأميركي مع انتخاب رئيس أو رئيسة جديدة للولايات المتحدة تخلف باراك أوباما. وكانت وكالة أنباء «الأناضول» التركية شبه الرسمية قد نقلت عن لسان أردوغان قبيل أيام من تطبيع العلاقات الروسية التركية قوله: «هناك مشروع خطير يُنفّذ جنوب بلادنا، ومع الأسف تقف وراء تنفيذه أطراف تظهر أنها صديقة لنا».
في ضوء هذه الانعطافة التركية الكبرى باتجاه الجار الروسي، وفي أجواء التنحّي الأميركي عن مواقع شغلتها الولايات المتحدة لعقود، يقفز رأس النظام السوري على شاشة تلفزيون اس بي اس الأسترالي ليقول: «ليست لدينا مشكلة مع الولايات المتحدة، إنها ليست عدوتنا ولا تحتل أرضنا، لدينا خلافات معها»، ويتابع: «لكن في أوقات مختلفة وخلال أحداث وظروف مختلفة تعاونّا مع الولايات المتحدة». فهل وقعت تركيا فعلاً في فخ توافق روسي أميركي مضمر على مخارج الأزمة السورية كما تراها الدولتان العظميان بعيداً من مصالح الشعب السوري المنتفض عن بكرة أبيه، أو عن رؤية الدول الإقليمية التي دعمت الشعب السوري ومعارضته بسبل مختلفة ووفق الزاوية التي ارتأت بها تقديم الدعم إنسانياً كان أو حربياً أو سياسياً؟ وهل موازاةً مع التهدئة المفتعلة لجبهات حلب، والقابلة للانفجار في أية لحظة، تُنفّذ خطة أميركية متقنة وخبيثة، برضا روسي، تهدف إلى ترك الوضع معلقاً في تلك المدينة المنحنية على جرحها العظيم، وذلك لتهيئة الأرضية اللازمة كما يراها الرئيسان بوتين وأوباما للمحادثات المقبلة في جنيف، والتي اعتمد موعد الإعلان عنها، كما صرّح المبعوث الدولي ديمستورا، «على الاتفاق الجديد بين روسيا والولايات المتحدة في شأن تفاصيل الحوار في جنيف»، مبدياً أسفه «لعدم سير اتفاق وقف الأعمال العدائية كما يجب في حلب وإدلب».
في فوضى هذا التلاطم السياسي والإعلامي، وسرعة تبادل الطرابيش وأحياناً الأقنعة بل المسدسات بين اللاعبين الكبار، تسري إشاعات عن وساطة جزائرية رفيعة المستوى لكسر الجليد بين أنقرة ودمشق! وبانتظار تأكيد أو نفي هذه الإشاعات يقف السوريُّ مشدوهاً، حافي القدمين وحاسر الرأس، يترقّب بحسرةٍ ما فات وبتوجّسٍ ما سيأتي من ضربات قدر يقرع الباب.
أقلب تصريحات أمريكا و فرنسا و أمر على رسالة ستيفان دي مستورا، مع التعريج على الاستهزاء الروسي بالجميع، لأصل إلى كم الجثامين المضرجة بالدماء و العيون الملآى بالألم و الرعب و الخوف ، لأتساءل أي حال وصلنا إليه ، و أي عالم "قذر" اجتمع على الشعب السوري و قرر إنهاءه بدون أي يرمش له جفن..
أتلقف أخبار الجبهات و لاسيما حلب ، لأرى حجم القهر الذي يملئ حروف الناشطين ، مدى الحنق الذي يسيطر على أصواتهم و هم يشرحون الحال و ما يتعرض له الثوار في مواجهة العالم بأجمعه ، داخل رقعة جغرافية لا تتجاوز بضع الكيلومترات تحوي من الجحيم و الحقد ما يكفي لتدمير نصف الكرة الأرضية ، ورغم ذلك لازال هناك من يقاوم ، و يدافع بجسد مرهق و بسلاح مهترئ.
قد يكون ما يحدث هو موجبات الاتفاق الأمريكي – الروسي الذي يتطلب رعبوناً يتمثل بإدخال حلب داخل دائرة الحصار و تحويلها لجزيرة تضربها كل الأمواج لتنهي ثورتها ، و تكون بداية للانطلاق بالتنفيذ الفعلي لمخطط قذر يضمن حقوق الجميع باستثناء السوريين.
أمريكا تركب موجة "القلق" و تعيد رسائلها "الخبيثة" لروسيا للمطالبة بالضغط على الأسد لوقف الحملة ، في حين أن من يجوب الأجواء هو الطيران الروسي ، وطبعاً غير مرئي و غير معروف فهو في خانة المجهول ، في حين أن أي كلام أو حديث عن داعش يكون بحكم القضية المقضية كخبر اليوم حول عمليات بيع السبايا عبر "الواتس آب" فهو من اليقين ما يكفي لإلغاء كل شيء يحدث في سوريا.
ودعت اليوم حلب ثلة كبيرة من ثوارها على أعتاب المجد ، غير ملامين أو متهمين بأي شيء ، فيكفي أنهم كانوا قادرين على مواجهة أكبر قوى العالم و المنطقة وحيدين ، في حين يقبع العرب في هذا الوقت للتجهيز لحرب الإرهاب المطلوب كداعش و أخوتها، فهم من الخطورة بمكان يلغي كل إرهاب العالم، متناسين أن داعش مهما عتت لن يكون لديها من الجيوش ما ترعب ، و لكن قرروا الاستكانة بانتظار مد يقترب من أعناقهم ليلقيهم في درك قد تكون جهنم رحيمة أكثر منه .
حلب اليوم تذبح ببرودة مع قهقهات "قذرة" من الجميع ابتداء بالقريبين و مدعي الصداقة قبل الأعداء الظاهرين، و لكن لحلب العزاء بوجود أبطالها ، الذين حتماً لن يتراجعوا و إن وهنوا مؤقتاً، و لكن لكل من تخاذل لن يكون هناك له عودة ، فهذه ليست بكبوة و إنما "موتة" حقيقية و إن بقي نفس شكلي يصعد تارة و يضل طريقه في الهبوط.
قفز إلى المخيلة مشهد مستقبلي على شاكلة أفلام "الخيال الجامح"، الرئيس الأمريكي باراك أوباما و هو واقف أمام الكونغرس ليقول "أنا أسف و اعتذر كثيراً من السوريين لأنني لم أنتزع الأسد "، بعد أن توصل تحقيق ضخم أن استمرا الأسد في الحكم طوال هذه المدة و بعد كل تلك المجازر تسبب بانفجار العالم وانتشار الموت فيه و بأعنف الأشكال.
مشهد قد يكون غير واقعي و هزلي، و لكنه من الممكن أن يحدث ، و حتى حدوثه لن يفيد و لن يدمل الجرح و لن يوقف آثاره الكارثية على العالم ، كما هو الحاصل الآن نتيجة حرب العراق في عام ٢٠٠٣.
اليوم وقف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مطأطئ الرأس أمام شعبه ، باحثاً عن تبرير لحربه على العراق و تدميرها و تسليمها على طبق ذهبي لشرذمة من عبيد السياسة التابعين عقائديا و تفكيراً و منهجياً لإيران و منها انطلق إلى العالم الموجة التي لم يعرف لها حل حتى الآن "داعش"، و اكتفى بالقول "المعلومات الاستخبارية كانت خاطئة، أعبر عن الأسى والأسف والاعتذار أكبر مما تتخيلون"، الخيال في قدر الاعتذار يبدو طويلاً مع ملايين القتلى و الجرحى و المشردين، الأهم غياب الوطن "أرض – شعب – سلطة" ، و تحوله لساحة رحبة للعبث بحياة الناس و المشاركة في أذية الجميع، عبر أفواج الميلشيات الطائفية التي تهدد المنطقة بقنبلة تفوق تلك الذرية.
اليوم المشهد العراقي يتكرر في سوريا و بآلية أعنف و أشد وطأة، و ينذر بمستقبل من السوداوية ما يجعل السيناريو العراقي عبارة عن راية ناصعة من البياض ، ويقف خليفة " بلير"، ديفيد كاميرون موقف المتفرج أو لاعب الخفة لإخفائه عن شعبه ، و لكن هذا الاخفاء لن يكون له من الدوام الكثير فستظهر النتائج سريعاً عندما تنفجر القنبلة العنقودية في سوريا لتطال كل من تخاذل عن انهاء العقدة السورية أو تباطئ بها.
و بلير شريك الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش ، و غداً ( أي بعد سنوات قد تكون في عام ٢٠٢٥) ، سيكون باراك أوباما في نفس موقف بلير، و قد نسمع منه كلمة اعتذارية عن يوم ٣١-٨-٢٠١٣ الذي قرر فيه التراجع عن ضرب الأسد بعد تجاوزه الخط الأحمر واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، و قد يجد أوباما مبرراً أنه لو أسقط الأسد في ذلك الزمان لتكرر سيناريو العراق مستشهداً بالتقرير البريطاني اليوم.
و لكن أغلب الظن أن المشهد العراقي هو نسخة مصغرة جداً عن نتائج استمرار الأسد في الحكم و القتل ، وما تحمله سوريا في جعبتها من مفاجأت سواء على صعيد تنامي العدائية ليس ضد الغرب فحسب بل ضد العالم بأسره، و ستجد هذه العدائية من الرواد الكثير ، فالمكلوم و المقهور و الأهم المحارب بـ"تطرف قذر" تقوده ايران، لم يجد من يساعده أو يخفف عنه فحسب بل وقف العالم مسانداً للقتلة، هذه الظروف ستولد أجيالاً من المعبأين و المجهزين للانفجار بوجه الجميع أينما حلوا و كيفما ارتحلوا.
تشهد العلاقات بين روسيا وتركيا توتراً، عقب إسقاط الأخيرة طائرةً حربيةً روسية، قالت إنها اخترقت مجالها الجوي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واعتبر الحادث الأخطر بين روسيا وتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ولم يحدث أن أسقط عضو في الحلف طائرةً روسية منذ الحرب الباردة، وسارعت روسيا إلى فرض عقوباتٍ اقتصادية ضد تركيا، ونفت اختراق طائراتها أجواءها. وبينما اتفق مراقبون على أن هذا التطور سينعكس على التوازنات الإقليمية، إلا أن الاختلاف كان على ردة فعل روسيا، إذ ذهب بعضهم إلى أنه سيكون رداً عسكريا قد يجرّ المنطقة إلى حرب. وفي هذا، أجابني سيرغي غلازييف، مستشار الرئيس الروسي، أن العقوبات الاقتصادية تبقى أفضل من العمل العسكري، وأوصلت موسكو بذلك رسالةً إلى القيادة التركية أن ما قامت به يعتبر تهديداً للأمن القومي الروسي، ويرى المستشار أن هذا الرد لم يعادل ما قامت به تركيا، إلا أنه أفضل من الصراع السياسي العسكري، لأنه يُبقي هذا الصراع في إطار المجال الاقتصادي.
يُعقّد هذا كله المشهد السوري، المعقد أساساً، ويجعل الحديث عن حلٍّ سلمي محتمل، أمراً مستبعدًا، على الأقل في المستقبل المنظور. وكما كان متوقعاً، لجأت روسيا إلى دعم حزب صالح مسلم، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف "إرهابيا" في تركيا وحلفائها في حلف الناتو، لإضعاف الدور التركي في سورية، ولإثارة الاضطرابات داخل تركيا، نوعاً من الانتقام.
وقال غلازييف، في حديثي معه، إنه لا بد من إيجاد توافقٍ، ومن الضروري إعادة الثقة ببعضنا، فحادث الطائرة أدى إلى انهيارها بين موسكو وأنقرة، وعقّد كثيراً في إيجاد استراتيجية مشتركة ضرورية لتسوية الأزمة في سورية.
صحيح أن الأمور تأزمت بين البلدين، وتبادلا الاتهامات، وكان هناك خطابٌ إعلاميٌّ انفعاليٌّ روسي، حتى أن الرئيس فلاديمير بوتين وصف ما جرى بأنه طعنة في الظهر. لكن، يبدو أن السياسة ستتفوق في النهاية، ولن تتطور الأمور أكثر، ولا سيما بعد رسالة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى بوتين، وتبعها اتصال بوتين هاتفياً بأردوغان، وبات جلوس الطرفين وحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية مسألة وقت.
والواضح أن هدف روسيا كان تطويق تركيا، في البحرين الأسود والمتوسط، إلا أنها لم تنو الحرب، على الرغم من حدّة التصريحات الصادرة بين الطرفين، والتي عكست توتراً شديدًا، لا سيما مع مطالبة الرئيس الروسي مواطنيه بعدم التوجه إلى تركيا.
إلا أنه لم يلح في الأفق، إلى الآن، أن أزمة مقاطعةٍ اقتصاديةٍ بين تركيا وروسيا قد حدثت، إذ إن غالبية المشاريع التي أرسيت، أخيراً، بين البلدين ذات طابع استراتيجي، وأيّ ضرر سيكون ذا حدّين، بسبب ازدياد العلاقات الاقتصادية بين موسكو وأنقرة، كما أن روسيا تؤمّن 60% من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه من تركيا. ولفترة طويلة، ارتكزت صناعة الغاز الطبيعي في روسيا على أوروبا، سوق تصديرها الرئيسية. ولكن، في الآونة الأخيرة، يبدو تحول اهتمامها إلى تركيا التي تحرص على ترسيخ مكانتها بوابةً لأسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وتماشياً مع هذا، ناقشت حكومتها بالفعل مقترحاتٍ لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز من أذربيجان وتركمانستان والعراق وإيران إلى أوروبا عبر أراضيها، وهي الآن أقرب من أي وقت لتحقيق هذا الهدف، نظراً لانهيار العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا، وقرار روسيا إلغاء مشروع "ساوث ستريم" لصالح وصلةٍ جديدةٍ عبر البحر الأسود إلى تركيا.
وتبقى الاشارة إلى أن ما جرى من استفزازاتٍ جوية قد يكون وراءه تنافس وصراع بين الجنرالات الروس ونظرائهم الأتراك، كما يحدث في معظم الأزمات والمناطق التي تكون حولها نزاعات عسكرية، ولا صلة للقيادة السياسية في البلدين بما حدث. ولا يخفى أنه، بسبب براغماتية الزعيمين (أردوغان – بوتين)، نحّى كل منهما خلافاتهما الكبيرة حول سورية وأوكرانيا وأرمينيا وقبرص جانباً، وسعيا إلى، ونجحا في، إيجاد وسائل لتعميق التعاون بين بلديهما. ولا يمكن تجاهل أوجه شبه كثيرة بينهما، وهما الشخصيتان المثيرتان للجدل في أحيان كثيرة، وهما يحكمان دولتين قويتين على الحدود الشرقية لأوروبا، مطلتين على منطقتي البحر الأسود والشرق الأوسط، ويتفقان في عدة قضايا مشتركة، لكنهما يتصادمان، أحياناً، في بعض الأهداف والقضايا السياسية، وكلاهما يناهز الستين، وكلاهما في السلطة منذ زمن طويل، بوتين منذ العام 1999، وأردوغان منذ 2002، كما يتمتع الرجلان بنفوذ واسع في بلديهما، وقد أعاد بوتين إلى روسيا هيبتها على الساحة الدولية، بعدما فقدتها بانهيار الاتحاد السوفييتي، وجعل أردوغان اقتصاد تركيا السادس أوروبياً، والسادس عشر على مستوى العالم لجهة الازدهار والتأثير.
ولا يكاد يمر أسبوع حتى ينتقد الرجلان أميركا وأوروبا، لكن العلاقة لم تسُؤْ بينهما وبين الغرب على الدوام، ولم تصل إلى حد القطيعة. ويحتفظ الاثنان بقاعدة شعبية كبيرة في الداخل، على الرغم من الاتهامات التي توجه إليهما بالتسلط.
وميراث البلدين التاريخي غني بالألقاب التي يحلو لمؤيدي الرجلين ومعارضيهما إطلاقها، أردوغان "السلطان"، وبوتين "القيصر"، وكلاهما لا يتردّد في فهم الجغرافيا السياسية، فبوتين يدرك أن أي زعيم روسي يجب أن يوفر مناطق عازلة لروسيا في أوروبا الشرقية والقوقاز، وأردوغان يدرك أن تركيا يجب أن تصبح قوةً مهمةً في الشرق الأوسط، من أجل كسب النفوذ في أوروبا. ويحظى بوتين بنظام رئاسي روسي قوي ومستمر، أما أردوغان فيطمح إلى تحويل النظام في بلاده إلى رئاسي، فتركيا تتمتع بتاريخٍ لأحزاب متعدّدة مقارنة بروسيا، والمجتمع المدني في تركيا أقوى منه في روسيا، ويمكن إضافة أن انخفاض أسعار النفط الحالي يُضعف بوتين، ويريح أردوغان.
وأي اتفاق بين أردوغان وبوتين سيكون له انعكاس على سورية التي تنظر إليها روسيا على أنها آخر معاقلها في الشرق الأوسط، وقاعدتها في المياه الدافئة، بينما هي أكثر من مجرد وسادةٍ أمنية لخاصرة تركيا الجنوبية.
بعد أن كانت مجرد تسريبات صحفية و غير واقعية، بات الاتفاق الأمريكي – الروسي بشأن سوريا واضحاً تماماً، و يبدو أنه قد تم ارساءه باتفاق الرئيسين باراك أوباما و فلاديمير بوتين، و الذي تم وفق منهج التنازلات المتقاربة بغية تحصيل أكبر قدر من المصالح، بعد اليقين أن لا منتصر وحيد في الحرب السورية.
ويقوم الاتفاق الأمريكي- الروسي ، الذي أرساه اتصال بوتين – أوباما اليوم، على فصل بين الفصائل السورية المعتدلة و التي تحظى بقبول دولي عن كل الفصائل التي تم إدراجها على قائمة الإرهاب الدولية و على رأسهم جبهة النصرة، و من ثم يبدأ التعاون الأمريكي – الروسي عسكرياً و بشكل فعلي بمواجهة الخارجين عن الاتفاق في إطار عام تحت بند "مكافحة الإرهاب".
هذا الخرق الروسي كان بحاجة إلى تضحية من الأخير إرضاء لأمريكا وحلفائها، و المتمثل بالقيام بعملية انتقال سياسي في سوريا تضمن تحقيق الشروط الدنيا التي تطلبها تلك الدول، و أولى الثمار بدأت اليوم بإعادة الحديث عن مجلس عسكري أعلى مشترك بين من يحظى بالرضا من قبل عموم الأطراف الدولية بين قيادات النظام و الثوار.
هذا الاتفاق وجد تفسيره الواقعي من خلال الحديث الهاتفي الذي جرى اليوم بين بوتين و أوباما، حيث حث الأول (بوتين) على ضرورة الإسراع في فصل الفصائل "المعتدلة" عن جبهة النصرة، و البدء بالتنفيذ مباشرة لارضاخ جميع الثوار للدخول في النسق الذي تم رسمه.
وسبق لروسيا أن أرسلت رسائل تطمين لأمريكا و حلفائها بأنها قادرة على إجبار الأسد و إيران أيضاً على تنفيذ الاتفاق، و ذلك من خلال التغييب الواضح للطيران الروسي عن أجواء معارك الساحل التي تحول فيها الأسد و ميلشياته إلى مجرد "عدائين" في الانسحابات، و تساقطت النقاط بشكل مريب، وسط دهشة موالي الأسد، و يبدو أنها كانت بوادر نتائج زيارة وزيرة الدفاع الروسي و إحضاره للأسد إلى القاعدة الروسية و تبليغه الرسالة شفهياً التي بُدأ بتنفيذها خلال معارك ريف حلب الجنوبي التي كانت بدورها رسالة للإيرانيين و ميليشياتها أنه لا مكان أو انتصار لأحد دونهما و بالتالي على الجميع الانصياع و تنفيذ ما يملى عليهم.
اليوم كان بوتين أكثر ود وقابل مقترح أوباما حول هذه الخطة برحابة صدر، رغبة منه فيما يبدو لإنهاء الحرب في سوريا ،قبيل نهاية ولاية أوباما ، وقبل أن يدخل البيت الأبيض رئيسا جديدا قد يملك شيء من الكرامة وباحثا عن أمريكا الشرطي الأوحد في العالم غير الراغب بمشارك له في هذه المهمة.
و يبقى أوباما أمام معارضة شديدة داخل فريقه سواء أكان العسكري المتمثل بوزير الدفاع آشتون كارتر أو السياسي عبر وزير خارجية جون كيري ، فالأخيرين عبرا عن خشيتهما من مثل هكذا الاتفاق و لاسيما مع شخصية كـ"بوتين" فكارتر يخشى من تسليم الاحداثيات المتعلقة بفصائل الثوار التي تحظى بقبول دولي خشية من قصفها من قبل روسيا إذ لا يمكن الوثوق بدولة يقودها متهور و يتخذ القرارات بشكل ارتجالي ولا قيمة للاتفاقات لديه، في حين كيري أبدى حذره من ذلك و لكن لازال يفضل أن يسير خلف أوباما باحثاً عن نتيجة تخلده بعد إنهاء المعضلة الأكبر منذ قرون .
.
علينا، نحن الصحفيين السوريين، أن نلتزم الصمت للأشهر الستة المقبلة على الأقل، فنحن اعتدنا أن نملأ الصحافة العربية بهمومنا وآلامنا، وننقل تفاصيل طاحونة الموت الدائرة في بلادنا، ونعلق على الأحداث السياسية، والنوافذ الضيقة التي تنفتح لتخلق الأمل بإمكانية الوصول إلى حلٍّ سياسي، وغالباً ما نلتقط جملةً وردت على لسان مسؤول أميركي، أو روسي، أو تصريحٍ يتبعه نشاط للمبعوث الدولي، أو لقاء جانبي أو عارض بين مسؤول إيراني ومسؤول تركي يحضران معاً اجتماعاً إقليمياً أو دولياً ما، ونبني على هذ الالتقاط توقعاتٍ وتحليلاتٍ، ونجدّد آمالاً غير موجودة، ونتمسّك بإشارةٍ ما وردت هنا وهناك.
في الأيام الأخيرة، هبط منسوب الاهتمام بسورية وبحربها الطاحنة، ولم يعد أحدٌ يلتقي بأحد لاستئناف مفاوضات الحل السياسي، ولم يعد يطلق التصريحات لضرورة الوصول إلى هذا الحل، لم يعد أحد يناكف أحداً، ولا أحد يوافق أحداً، فهل توقف الموت؟ بالتأكيد لا، وهل توقفت الطائرات عن إلقاء براميلها، والمدافع عن إطلاق قذائفها؟ بالتأكيد لا، فما الذي جرى؟ ولماذا هذا التلاشي في صورة سورية لدى العالم، خصوصاً لدى وسائل الإعلام؟
لا تفسير لذلك سوى انشغال أميركا بنفسها وبانتخاباتها المقبلة، وبالتالي، توقف وتيرة اللقاءات الدولية أو تراجعها، ونقص الاهتمام بالمبادرات والأفكار السياسية الجديدة، فحين تأخذ أميركا إجازة، يتراخى كل من تبقى في المشهد السياسي العالمي، فهي تشبه مديراً لمصنع هو العالم، وحين يغيب المدير في إجازته السنوية، يتراخى جميع الموظفين، أو يعملون بالحد الأدنى، وبأقل قدرٍ من الوقت، يغيب بعضهم، وتتوقف عجلة الإنتاج في المصنع، ربما يبقى أحد الموظفين، بكامل جاهزيته ونشاطه، ليستغل غياب المدير، لينفذ أمراً يخطط له منذ العام الماضي. وقد يكون هذا الأمر تخريب موجودات الشركة، أو اختلاس بعض منها، أو سرقة وثائق منها لابتزازها فيما بعد.
هذا ما يحصل في سورية اليوم، وربما سيستمر لأشهر مقبلة، بالمدير الأميركي لديه ما يشغله، ولن يصيبنا منه إلا ما يخدم انتخاباته، بغض النظر عن أي اعتباراتٍ تخصّنا، وسيستغل الموظف الفاسد الذي يمثله هنا النظام السوري وحلفاؤه هذه الفترة، ويفعلوا ما كانوا يتردّدون في فعله، ولنا أن نتخيّل أن الفترة المقبلة ستشهد جولةً من الممنوعات، لأنهم يعتقدون أنها ستمر من دون عقاب، ولن ينتبه إليها أحد، وسيتوقف العالم عن إطلاق المبادرات، وتسخين المشهد السياسي، وسنتوقف نحن عن إيجاد الموضوعات التي تستحق أن نكتب عنها، أو نعلق عليها مصيبين أو مخطئين، وربما علينا أن ندخل في الصمت الانتخابي.
هي مفارقةٌ بلا شك، أن تدخل مأساة إنسانية كبرى، كالحرب السورية، في الصمت الانتخابي الأميركي. ولكن المفارقة الأكبر أن فترة الصخب التي سبقت هذا الصمت لم يكن فيها سوى الضجيج، والكثير الكثير من الجعجعة من دون أي طحين، فلا جولة مفاوضات نجحت، ولا لقاءات الدول استطاعت أن تضع حداً لموت الملايين من السوريين وتهجيرهم، ولا قرارات مجلس الأمن وجدت من ينفذها، والجرائم التي تحصل منذ خمس سنوات تستمر من دون أن تكترث لشيء، ويضاف إليها مجرمون جدد في كل مرة، وبدلاً من موت السوريين على يد النظام، صار الموت على يدي النظام و"داعش"، وعلى أيدي التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، وعلى أيدي الميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية والافغانية، وفوق ذلك كله، بقصف الطائرات الروسية والأميركية على السواء.
ربما علينا أن نلجأ في الأيام المقبلة إلى الكتابة عن موضوعاتٍ أخرى، ونؤجل الحديث عن سورية، وتتبع مأساة شعبها، إلى ما بعد استلام الرئيس الأميركي الجديد (أو الرئيسة) لمهامه، ثم انتهاء فترة انشغاله بترتيب بيته الداخلي، لعله، بعد ذلك، يبدي اهتماماً ما، فينتقل هذا الاهتمام إلى المنظمة الدولية والدول الأخرى، فنجد نافذةً جديدةً للأمل نبشر بها، أو نحبط المستبشرين بها، وريثما يحين ذلك، لا حل أمامنا سوى أن نستحضر التاريخ، ونكتب عنه ونحلله، ونأخذ منه الدروس.
والتاريخ الذي أقصده ليس تاريخ الدولة الأموية، ولا حروب المماليك، ولا وقائع الحرب العالمية الأولى، بل التاريخ القريب، والقريب جداً، فخلال السنوات الخمس الماضية قدم لنا كل يوم من الأحداث والمواقف والحكايات ما يكفينا عقوداً، وزودنا السوريون بدمائهم وأرواحهم بذخيرةٍ لا تنضب من الحكايات والمشاعر والأفكار، فلتنشغل أميركا بنفسها ما شاءت.
بات في حكم المسلّم به أن روسيا تمتلك في شكل كامل مفاتيح الأحجية السورية برمتها بأبعادها العسكرية والديبلوماسية. فلا حراك عسكرياً للنظام وحلفائه من دون ضوء أخضر يتّسق مع رؤى القيادة في حميميم، ولا مقاربة سياسية تفاوضية تمرّ دون رضى موسكو. وإذا ما قيّض لمن لم يفهم هذه القاعدة أن يتمرد على تلك المسلّمة فإن خسائره سترتفع، كما حال «حزب الله» في ريف حلب الجنوبي، وجنرالاته سيسقطون، كما حال ضباط إيران في خان طومان.
لا يأتي هذا الاحتكار الروسي للملف السوري من جبروت كاسح لموسكو، بل من إجماع دولي، ويبدو إقليمياً أيضاً، لإيكال أمر سورية لإدارة الكرملين بزعامة فلاديمير بوتين. تأخرت هذه «الوكالة»، لكن واشنطن التي جرّبت الأداء الروسي خلال سنوات الأزمة السورية أقرت لموسكو بمواهب تؤهّلها للقيام بالمهمة وحتى إشعار آخر.
مارس الروس لعبة كرّ وفرّ مع الأميركيين أمام شواطئ سورية منذ اندلاع أزمتها عام 2011. كانت السفن الروسية تقوم بزيارات روتينية، أو استعراضية، لقاعدتها البحرية في طرطوس. وفي كل مرة كانت تطلّ سفن الأسطول الأميركي في المنطقة، كان الروس يسحبون سفنهم ويوجّهونها نحو مقاصد أخرى. وحين اتُّهم النظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي ضد الغوطة (شرق دمشق) في صيف 2013، اعتبرت إدارة أوباما أن خطّ الرئيس الأحمر قد اخترق، فحرّكت قطعها البحرية باتجاه الساحل السوري متوعّدة بالعقاب.
لم تصل سفن واشنطن ولم ينفَّذ تهديد أوباما. قامت موسكو باستدعاء وزير خارجية دمشق وليد المعلم لإبلاغه بـ «الغضب» الأميركي، وعملت على ترتيب بروتوكول يسلّم بموجبه النظام السوري ترسانته الكيماوية كاملة، وهذا ما حصل. تولّت موسكو برشاقة مذهلة العمل لمصلحة الإدارة الأميركية لتخليص إسرائيل (والسوريين بالمحصلة) من هاجس أمني يؤرقها. ولئن اقتصرت مصالح واشنطن في سورية على مسألة الأمن الإسرائيلي فقط، فإن روسيا التي أدركت مفاتيح الأمر، عجلت في تطوير علاقاتها مع إسرائيل، لدرجة أن الرئيس بوتين انتزع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدم ممانعته التدخل الروسي العسكري في سورية، طالما أن موسكو تلبي شروط تل أبيب الأمنية، بما في ذلك منح إسرائيل ضرب ما تراه خطراً على أمنها في سورية، وربما بتنسيق ورعاية روسيين.
جهد العالم بأسره لتوفير الظروف الضرورية لروسيا من أجل حسن سير «الوكالة» الممنوحة لموسكو. لم تكن الدول الإقليمية بعيدة عن ذلك، قامت السعودية بإعداد الوفد المعارض إلى جنيف، فيما تولى الأردن توفير لائحة بالمجموعات الإرهابية الواجب اعتمادها (والتي لم ترق للروس). وحدها تركيا التي أسقطت مقاتلة روسية في الخريف الماضي كانت تعبّر عن تململ من تلك «الوكالة» وتعتبرها تستهدف نفوذها ومصالحها.
لم يكن بالإمكان تخيّل أن تمرر روسيا مقاربتها السورية من دون مشاركة تركيا والدول المعنية الأخرى. أدركت موسكو منذ تدخلها العسكري (أيلول- سبتمبر 2015) أن قوة نيرانها لن تنجح في فرض رؤاها في سورية، وأن صمود المعارضة، على رغم كثافة التدخل العسكري لدولة يفترض أنها عظمى بالمعنى العسكري، لا يعود فقط إلى كفاءة المقاتلين، بل إلى استثمار إقليمي مضاد لن يسمح بسقوط سورية داخل المآلات التي يمكن أن يرسمها خطّ التحالف مع دمشق وطهران وتوابعها.
في المقابل، فهمت تركيا، أو أُفهمت، بأن أحلامها السورية بددها المزاج الدولي الإقليمي المعاند، وأن الـ «صفر مشاكل» التي أرادها أحمد داود أوغلو كلمة السرّ لرخاء بلاده ونجاح حزب العدالة والتنمية، تحوّلت كابوساً بسبب المسألة السورية وتورط أنقرة في مستنقعاتها. فهمت تركيا أيضاً جدّية «الوكالة» الممنوحة لروسيا، وصعوبة أن تعدّل إدارة أوباما، وربما إدارة من سيخلفه، موقف واشنطن من المسألة السورية.
في المواقف المعلنة، صار بالإمكان استنتاج رفض السعودية المطلق لإيرانية النظام السوري وقبولها أي تسوية تسحب أي نظام سوري بديل من تحت وصاية طهران. وصار بالإمكان استنتاج رفض تركيا المطلق لقيام كيان كردي شمال سورية يكون امتداداً لطموحات أكراد تركيا بقيادة حزب العمال الكردستاني. ووفق هاجسَي الدولتين، قد يجوز الاعتقاد أن بيد روسيا توفير ما يرضي أنقرة كما الرياض المتقاربتي الرؤى في شأن الحلّ السوري.
اجتمع وزراء دفاع روسيا وإيران في طهران في 9 حزيران (يونيو) الماضي. لم يرشح عن الاجتماع شيء يذكر، لكن بشار الأسد الذي استبق الاجتماع بالتصريح بأن حلب ستكون «مقبرة أردوغان»، أوحى بأن المجتمعين اتخذوا قراراً في هذا الشأن. على أن الهزائم التي مني بها النظام وارتفاع عدد قتلى «حزب الله» في الريف الجنوبي بعد أسبوع على اجتماع طهران، تكشف المزاج الروسي الحقيقي، وربما توحي أيضاً بمستوى التنسيق الذي كان جارياً مع تركيا قبل أسابيع من إعلان التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين، ذلك أنه لا يمكن تخيّل اندفاع حشود المعارضة بتسليح عالي النوعية داخل ما هو مفترض أنه جزء من مجال تركيا الاستراتيجي، دون ضوء أخضر إقليمي دولي، لا يبدو أن موسكو التي أبقت طائراتها في مهاجعها، كانت بعيدة عنه.
يوحي امتناع سلاح الجوّ الروسي عن تغطية الحراك العسكري لإيران وميليشياتها، بأن موسكو لن توفّر غطاء جوياً لأجندات لا تتوافق مع شروط «الوكالة». يوحي اللقاء المثير للجدل الذي جمع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع بشار الأسد بأن روسيا تودّ التأكيد أن قاعدة حميميم -التي يبدو أنها استضافت لقاء الرجلين- هي مركز القرار العسكري في سورية، وليس اجتماع وزراء الدفاع الشهير في طهران، كما تبعث رسالة إلى من يهمه الأمر في واشنطن حول التزامها التام بقواعد «الوكالة» وأصولها.
في مشاهد العلاقة المتقدمة بين روسيا وإسرائيل، مروراً بتلك التي بين تركيا وإسرائيل، انتهاء بفصل التطبيع المتسارع الوتيرة بين تركيا وروسيا، يكتمل عقد الوكالة الممنوحة لموسكو في سورية، على ما سيتداعى حتماً على تطوّر الأزمة السورية لإنتاج تحوّلات دراماتيكية مقبلة في الخرائط العسكرية كما في ضجيج أروقة في جنيف.