مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ فبراير ٢٠١٦
لماذا التدخل البري في سورية؟

لم يتوقف وزير الخارجية السعودي عادل جبير، منذ أشهر، عن تكرار ما بات لازمة في الموقف السعودي من الشأن السوري: لا مستقبل للأسد في سورية المستقبل، والرياض مع أي حلّ ديبلوماسي يضمن رحيله، فإن لم يرحلْ بالحوار فالخيار العسكري جاهز لإجباره على ذلك.

ما بين الموقف السعودي والموقف الأميركي مشتركٌ لفظي قد لا يعبّر بالضرورة عن استراتيجية مشتركة. تمعن واشنطن في النأي بنفسها عن أي تدخل عسكري أميركي مباشر في الصراع السوري، على رغم الانخراط الكامل والمباشر الذي تمارسه روسيا في الميدان السوري. فيما تعتبر السعودية أن المعركة السورية جزءٌ لا يتجزأ من المعركة اليمنية في ردّها للتقدم الإيراني في المنطقة، وفي دفاعها عن أمن المملكة الإستراتيجي، بما يفسّر حيويتها في كل محاور الصراع السوري ومواكبتها لتطوراته.

في انسجام الأوبامية مع نفسها في الشأن السوري، تبدو الديبلوماسية الأميركية تعمل في خدمة الورشة الروسية في سورية. تراجعت واشنطن عن «جنيف» لمصلحة «فيينا» الذي انتج القرار الأممي 2254 المناسب لرؤى موسكو. تولّت الضغوط الأميركية سوق «معارضة الرياض» نحو المفاوضات، فيما تبرّع وزير الخارجية الأميركي، لمصلحة موسكو، بإنذار المعارضة وتهديدها ووعدها بأشهر صعبة إذا ما عاندت مسار المفاوضات في جنيف. لم تعاند الرياض «تواطؤ» الجباريْن، بل واكبته بحنكة وصبر وأناة، وهي مدركة أن لا نجاح للمفاوضات وأن لا طائل من تعطيل ما لا أمل في إنعاشه.

يخاطب الرئيس السوري العالم في مقابلته الأخيرة متأثراً بالإنجازات التي حققها نظامه براً تحت الغطاء الروسي جواً. لكن العارفين في شأن سورية يدركون أن منجزات النظام عرضية موقتة لا يمكن التأسيس عليها، طالما أنها معتمدة على تفوّق جوي سببه الأساسي غضّ طرف دولي وإقليمي يتيح له التفوّق. فالخبراء العسكريون مجمعون على التزام كافة دول المنطقة، حتى الآن، بالمحظورات الأميركية التي تمنع تزويد قوى المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات (لا سيما تلك من طراز ستينغر الشهير)، وأن احتمالات اختراق المحظور واردة في أية لحظة، بما قد يجرّد الغطاء الجوي الروسي من تفوّقه.

يبدو الإعلان السعودي التركي عن خطط التدخل البري تجاوزاً لرتابة في تشكيلة القوى الفاعلة في سورية وعلامة من علامات تجاوز المحظورات. يرسل البلدان ما يفيد بأنهما قد يصبحان بحلٍّ من التفاهمات الأميركية-الروسية، وأنهما بصدد تشييد تفاهمات إقليمية ستكون رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في ما يُرسم لسورية. تتصرف الرياض وأنقرة بمهنية عالية المستوى لا تحتمل تأويلاً ولا تشوهها انفعالية هواة. يأتي خطاب الدولتين متوائماً مع الجهد الدولي المعلن لمحاربة «داعش»، بحيث تكتمل الاستعدادات للتدخل البري، ويمهد لها بـ «رعد الشمال»، على أن لا تنتقل إلى حقبة الفعل إلا وفق خطط التحالف الدولي، أي بقيادة الولايات المتحدة. وبالانتقال مما هو تهويل نظري إلى ما هو سلوك عملي تنتقل طائرات سعودية (وخليحية) إلى قاعدة أنجرليك التركية، فيما تنهال نيران تركية على مواقع كردية شمال سورية، بما يشكّل انذاراً تركياً جدياً بالتحرك الميداني لمنع العبث بالخرائط على حدودها الجنوبية.

تنشر «الغارديان» البريطانية مقالاً يحذّر من خطر فلاديمير بوتين على الاتحاد الأوروبي. تعتبر الجريدة اللندنية التي تعبّر عن رأي نخب أوروبية، أن طوفان اللاجئين الذي تسببه الحملة الروسية في سورية هدفه إغراق البلدان الأوروبية بما يدفعها للتفكك ويجعل خروجها من أقسى الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية أمراً عسيراً. قبل مقال «الغارديان» كان جون كيري قد عبّر عن قلق بلاده من أزمة المهاجرين كخطر شبه «وجودي» على أوروبا، بما يعكس توجساً حقيقياً من سياسات الكرملين وتداعياتها على العالم الغربي. في تلك البيئة تطلّ أعراض حرب باردة مع موسكو، على ما يجعل من تركيا حاجةً ملحة لا يمكن تجاهلها في قلب الحلف الأطلسي.

ضمن ذلك المنظور يأتي الكلام عن التدخل البري، ليس بصفته تمرداً إقليمياً على الزمن الروسي في المنطقة فقط، بل بما يوفّره من أوراق ضغط جديدة تملكها واشنطن وأوروبا في مقاربة موسكو، سواء لعبت، في الشكل، دوراً توفيقياً أو مباركاً لمسعى الرياض وأنقرة (أوباما دعم استعداد الرياض للتدخل البري ودعا الدول الأخرى لذلك).

اللافت أن موسكو (مدفيديف) التي تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة جراء الميول التدخلية الشائعة، تعتبر أن الأمر سيكون خطيراً في ما لو جرى من دون التنسيق معها. على أن الحراك السعودي لم يوح لحظة أن الاستعداد للتدخل البري يأتي معادياً لروسيا، لا بل استمر التواصل الديبلوماسي بين البلدين وأعلن الكرملين عن زيارة سيقوم بها الملك سلمان إلى موسكو منتصف الشهر المقبل. وشكّلت زيارة ملك البحرين حمد بن عيسى إلى موسكو، وما أدلى به من تصريحات هناك، ما يفصح عن توافق في رؤى روسيا والمحصلة الخليجية، أو امكانية التوصل إلى تفاهمات في شأن سورية. وقد يجوز اعتبار أن السيف «الدمشقي» الذي أهداه الملك البحريني لسيّد الكرملين مؤشر إلى احتمالات ذلك.

واللافت أيضاً أن مسألة التدخل البري على ما أعلنت الرياض باتت أمراً واقعاً في الحسابات الإيرانية. تفصح تهديدات طهران عن احتمالاته من جهة، وتفصح دعوة وزير الخارجية الإيراني في ميونيخ للتعاون مع «الأشقاء» في السعودية لحلّ المسألة السورية عن ميول لمجاراته. يبقى أن التدخل البري قد بدأ فعلاً منذ الإعلان عنه، بحيث بات عملة للصرف في سوق التبادل السياسي والديبلوماسي.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٦
توتر إيران إزاء أي مبادرة عربية

تعيب طهران وحلفاؤها على المملكة العربية السعودية، ان إعلانها الاستعداد لإرسال قوات برية لمحاربة «داعش» في سورية، في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب، وتعتبر أن هدف الإعلان السعودي أن «يكون لها موطئ قدم في سورية»، كما قال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه قبل 4 أيام.

لا حرج لدى القيادة الإيرانية في أن تهدد الرياض رداً على مبادرتها هذه آخذة عليها السعي الى دور في بلاد الشام، سواء في قتال «داعش»، أم في الحل السياسي للأزمة السورية، فيما هي، الجهة غير العربية، تصادر حق التدخل وتصعيد الحرب وانتهاك سيادة دول عربية والسعي الى قلب موازين قوى داخلية وتنصيب أتباع وتقويض مقومات الدولة ومؤسساتها في هذه الدول، تحت شعار «المقاومة»، وبحجة محاربة الإرهاب. ولا حرج أيضاً لدى طهران في ادعائها محاربة «داعش»، فيما المعارك التي تخوضها، وفق مواقفها المعلنة، تهدف الى حماية بشار الأسد من السقوط أمام الفصائل المعارضة المسلحة المتحاربة هي الأخرى مع «داعش»، من ريف دمشق ومحيطها، الى درعا جنوباً وريف حلب شمالاً، تاركة مع الميليشيات التي استقدمتها، مناطق سيطرة «داعش» لحالها حيث يعبث التنظيم المتوحش بحياة السوريين مثلما تفعل هذه الميليشيات في سائر المناطق التي تدخلت فيها. تحت ستار احتكار محاربة مزعومة لـ «داعش»، يكمل التدخل الإيراني مصادرة قرار الشعب السوري بالانعتاق من نظام مستبد، تحكّم برقابه لعقود، ويساهم في تحويل الصراع الدائر الى حرب أهلية طاحنة تدمّر الدولة والنسيج الاجتماعي والديموغرافي لمصلحة دور طهران الإقليمي. فالنفوذ الذي يتغنى به الرئيس الإيراني حسن روحاني حين قال أثناء جولته الأوروبية الأخيرة إن «أميركا لا تستطيع تسوية أي مشكلة في المنطقة من دون نفوذ إيران أو كلمتها»، بلغ حد مصادرة قرار النظام السوري نفسه، هو هذا «النفوذ» الذي استدعى التدخل الروسي الصيف الماضي بالنيابة عن بشار الأسد، حين كادت المعارضة (غير الداعشية) تسيطر على مناطق عدة تزيل ورقة التين التي تتستر بها طهران للإبقاء على وجودها المباشر في بلاد الشام. وهو النفوذ نفسه الذي صعّد الكراهية بين السوريين ورفع درجة الاستنفار المذهبي، وأدى الى المزيد من الدمار والتهجير وقتل المدنيين بلا رحمة، بمساعدة فلاديمير بوتين. أليس هذا النفوذ، هو الذي صنع «داعش» في العراق واستقدمها الى سورية فبات عنوان مقاتلتها غطاء للفتك بالشعب السوري؟

تزداد طهران وحلفاؤها توتراً كلما فاجأتها السياسة السعودية الجديدة بالانخراط في الصراع على النفوذ والأدوار في المنطقة، بخطوات أو مبادرات جديدة. هكذا ارتفعت لهجة التهديدات للرياض من الجانب الإيراني إثر القرار السعودي مواجهة ذراعهما الحوثية في اليمن، بعدما كان السيد نصرالله وجه انتقادات شديدة للخليجيين، وبعدما عاب عليهم أنهم هم الذين «تركوا الساحة فملأت إيران الفراغ»... فالجموح الإيراني ما زال يتكل على مرحلة العقود السابقة من الانكفاء العربي حيال سعي طهران إلى الامتداد في الإقليم. وأصحاب الجموح هذا قامت حساباتهم على هذا الانكفاء، وما زالوا يرفضون التسليم بتحوله الى انخراط فعلي واستعداد لدفع أثمان المشاركة في الحروب والقتال مع ما تتطلبه من تضحيات بدل الاستغراق في حال الرخاء وتفادي الانغماس في التحديات.

الذروة الجديدة للتوتر الإيراني مع الاستعداد السعودي للمشاركة في قوات على الأرض لمحاربة «داعش»، مع أنها مشروطة بموافقة التحالف الدولي، وأمامها صعوبات يقع على عاتق الرياض تذليلها بالاشتراك مع واشنطن وتركيا، تعود الى تصدّر الدولة «السنية» الأبرز محاربة التطرف السنّي الذي أخذ يمس الاستقرار داخل المملكة. وهو تطور يأتي في سياق الاستعاضة عن التلكؤ الأميركي في خوض غمار هذه الحرب على الأرض، ويسقط حجة واشنطن بأن على الدول السنية أن تأخذ دورها في هذه الحرب. ولم يجد السيد نصرالله للتعمية على هذا التطور الجوهري، سوى السعي الى لصق تهمة «قبول الصداقة مع إسرائيل» ببعض السنة، لمجرد أن مسؤولاً إسرائيلياً سابقاً تحدث عن آماله في هذا المجال.

حققت طهران طموحات وتقدماً على الأرض في سورية، في الآونة الأخيرة لكنها في كل مرة تعمل على قطف ثمارها السياسية تجد ما يعاكس النفوذ الذي تحدث عنه روحاني، وما بشر به نصرالله من «انتصارات» قريبة في اليمن وسورية (منذ 2011) وكل مكان، من دون نتيجة. وهو لذلك يتوعد بأنه سيستمر في الحروب «في العقود الآتية وحتى القرون الآتية»، كما قال، «لتحقيق الانتصارات».

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٦
أميركا إذ تسـلَّم سورية للروس والإيرانيين

جاء يوم، خلال الأسبوع الماضي، كان الوضع الميداني في مناطق ريف حلب الشمالي كالآتي: الطائرات الروسية تقصف مواقع المعارضة على مدار الساعة، متجنِّبة مواقع مجاورة لتنظيم «داعش»، فيما كان هذا الأخير يهاجم أيضاً المعارضة بالتزامن مع هجمات من قوات «وحدات حماية الشعب» الكردية ترفدها أعداد من مقاتلي ما تسمّى «قوات سورية الديموقراطية»، ومن جانب آخر كانت بعثة رمزية تابعة للنظام تواكب ضباطاً وجنوداً من «الحرس الثوري» الإيراني ومقاتلين من ميليشيا «حزب الله» اللبناني وميليشيات عراقية وأفغانية في هجوم ضخم ضد فصائل المعارضة...

سبعة أطراف، بما فيها روسيا و «داعش»، تلتقي ضد هدف واحد: تصفية المعارضة وإنهاء ثورتها على نظام بشار الأسد. ولا يحرّكها التقاء المصالح فحسب، بل ارتباطها جميعاً بمحرّك أرضي واحد: إيران. لكن ما جعل هجماتها وتقدّمها ممكنين، هو عنصر حاسم واحد: طائرات روسيا. وقد تمتّعت هذه الطائرات وتلك الهجمات بغطاء ديبلوماسي قوامه القبول الأميركي بـ «سحق» المعارضة عسكرياً كي يمكن سحقها سياسياً. فباراك أوباما، مثل فلاديمير بوتين، لم يقتنع يوماً بأن هناك شعباً ثار للتخلّص من الظلم والاستبداد، بل انشغلا معاً في إدارة الصراع واستكشاف إمكانات استغلاله، أوباما لتسهيل التوصل الى اتفاق نووي وقد حصل عليه، وبوتين للبحث عن مساومة يخرج منها رابحاً في... أوكرانيا ولم يحصل عليها بعد.

وفي هذه المساومة يعرض بوتين رأس الأسد لكنه يطالب بثمنه، مدفوعاً مسبقاً. «ثمن الأسد» ليس في سورية بل خارجها، ووفقاً لمسؤول أوروبي بارز فإن لبوتين أربعة مطالب: الاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم الى روسيا، تسوية غربية - روسية لتقاسم أوكرانيا، اتفاق حصري على تزوّد أوروبا بالغاز الروسي، ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية. ويمكن إضافة مطلب خامس يتعلّق باستجابة شروط روسيا على مشروع «الناتو» نشر درع صاروخية في أوروبا... لم تستجب أميركا وأوروبا لمطالب بوتين، ولو كانت الحرب متاحة في أوروبا لكان سارع إليها بلا تردد، بالنظر الى أهمية أوكرانيا استراتيجياً لروسيا.

قبل أن تصبح العقوبات أكثر إيلاماً، رأى بوتين الالتفاف على مأزقه بالذهاب الى حرب في سورية واستخدامها للضغط والتصعيد استدراجاً للمساومة. لكنه لمس أن ليس لدى الغربيين في سورية ما يقايضون به في أوكرانيا، حتى أنهم وافقوا على بقاء الأسد، بل لم يهتموا لتهديده بالإجهاز على المعارضة. قال للروس أنه ذاهب الى ضربة استباقية لإرهاب «داعش» قبل استفحاله ووصوله الى موسكو، لكنه استهدف المعارضة، ثم راح يستفز تركيا ليتحرّش بـ «الناتو»، ارتكب جرائم تطهير عرقي، ضاعف أعداد اللاجئين لإقلاق الأوروبيين، نسف مفاوضات جنيف ومزّق القرار 2254، مؤكّداً توجّهه الى حل عسكري، ثم أرسل وزيره الى ميونيخ حاملاً عرضاً لـ «وقف إطلاق النار» علَّه يسمع من نظيره الأميركي ولو تلميحاً بصفقة ما في شأن أوكرانيا والعقوبات. وبعد تفاوض ماراتوني، ظهر جون كيري وسيرغي لافروف ليلاً ليقولا أن لديهما «اتفاقاً»، وليعاودا الظهور نهاراً فيقولا أنه «اتفاق» غير قابل للتطبيق.

على رغم هول المأساة الإنسانية، والقتل العلني المباشر والدمار غير المسبوق، ليست هناك اليوم أي مرجعية دولية يمكن أن تُستحثّ للنظر في جرائم الاحتلال الروسي لسورية. أصبح بوتين شريك الأسد في جرائمه بل تجاوزه. وكما سكتت واشنطن على جرائم النظام وإيران، فإنها لا تضيق الآن بارتكابات روسيا. هكذا كان منطق/ لا منطق النظام الدولي دائماً، ولطالما اعتبرت روسيا خلال الأعوام الخمسة الماضية أنها في صدد «إصلاح» هذا النظام، وأسهبت في انتقاد السياسات الأميركية وتجريمها، إلا أنها في تجربتها السورية بدأت من أسفل المستنقع الأميركي.

هذه مرحلة تفجّر التناقضات والمصالح والأكاذيب في أكثر لحظات المحنة السورية خطورةً، فالأوراق والأدوار اختلطت الى حدّ تساوي نظامين مارقين في سورية وإيران مع دولتين كبريين في دفع الأزمة الى الفوضى والانسداد... بل الى أجواء «حرب عالمية» أو «حرب باردة جديدة». وإذ تبقى المسؤولية أولاً على عاتق واشنطن وموسكو، فإن الوضع السوري بات صادماً في إظهار تواطؤهما أو «تفاهمهما» على الأهداف، ثم في توظيف هذا التواطؤ لمصلحة نظامَي الأسد والملالي، لتكون المحصلة استعداداً لتفكيك سورية ولقتل شعبها وتبديد قضيته. هذه ليست مجرد لعبة مصالح، بل هي جريمة العصر بتوقيع دولتين عُظميين لم تتعلّما شيئاً من تبعات أخطائهما في أفغانستان، ولا من دروس العراق وليبيا والصومال. والمؤكّد أن الأخطاء التي ترتكبانها، في ما تسمّيانه بحثاً عن نهاية للصراع في سورية، تمهّد لتصدير الصراع الى مجمل الإقليم، في انقياد أعمى وراء «التحالف الشيطاني» بين الشحن المذهبي الإيراني والإرهاب «الداعشي».

لم يعد سرّاً أن الأميركيين سلّموا بفكرة استبقاء بشار الأسد، تأسيساً على أن تدخّل الروس جاء لحسم الموقف الميداني لمصلحته، والحجة المعلنة من الجانبين هي الحفاظ على الدولة ومؤسسات الجيش والأمن. لكن هذه كانت الكذبة التي استند إليها الروس والأسد والإيرانيون، وقد غذّتها أميركا ولمّعتها لتعترف في نهاية المطاف، وبسذاجة مصطنعة، بأن الخيار ضاق جداً: فإمّا الأسد وإمّا «أبو بكر البغدادي». لم تسأل مَن صنع «البغدادي» لأنها تعرف، ولا مصلحة لها في كشف الحقيقة. كانت تقول وتكرّر أن الاسد هو الإرهابي الأول، ثم تبنّت النتيجة التي قالها الأسد وكرّرها: هذا شعب من الإرهابيين. وهكذا سلّمت أميركا أيضاً بضرب المعارضة، معتدلة أو غير معتدلة، مدنية أو مقاتلة، على أيدي الروس أو سواهم. غضّت النظر عن وجود إيرانيين وعراقيين ولبنانيين وأفغان وباكستانيين، ولم تستسغ وجود مقاتلين سوريين على أرضهم في «جيش الإسلام» أو «أحرار الشام». اتّضح الآن أن أوباما وإدارته وجنرالاته لم ينزعجوا من جرائم الأسد وشبّيحته، ولا من مجازره وبراميله واستخدامه السلاح الكيماوي، ولا من اقتلاع السكان وإفراغ المدن والبلدات، ولا من تدخلات إيران وميليشياتها... بل كان شعب سورية مصدر الإزعاج الوحيد لهم.

عملياً، كانت واشنطن حسمت أمرها بتسليم سورية الى نظامَي روسيا وإيران، المشابهَين لنظام الأسد، وتوقّعت من حلفائها، لا سيما السعودية وتركيا، أن يستسلموا لهذا الواقع، وأن يتفرّجوا على الأسد والإيرانيين وهم يحاربون «داعش» بعدما صنعوه واستخدموه الى أن انتهت صلاحيته، بل توقّعت أن يقبل حلفاؤها بإخراجهم من المعادلة السورية. لم تلتفت أميركا الى التداعيات السيئة لخيارها، لم تعِ أنها تساعد إيران على تصدير الاضطراب الى عموم المنطقة. فسلوكها في ما سمّته حرباً على الإرهاب، أو على «داعش»، يُظهر أنها كانت تقيّد حلفاءها الإقليميين وتضلّلهم، الى أن ينجح الروس في إيصال قوات النظام والميليشيات الإيرانية لمؤازرة أكراد «وحدات الحماية» ومقاتلي «قوات سورية الديموقراطية» في دخول الرقّة. وعلى رغم استعداد السعودية والإمارات وتركيا لإرسال قوات برّية لمقاتلة «داعش»، واصلت واشنطن التلكؤ في دعم هذه المبادرة، فهي لا تمانع في سورية ما تستبعده في العراق، حيث رفضت دخول ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية الى مناطق السنّة.

يخفي صمت واشنطن فيما التوتر الإقليمي يتصاعد على نحو خطير، أن التواطؤ مع روسيا وإيران بلغ حدّاً من التهوّر يتخطّى تجاهل مصالح السعودية وتركيا الى التآمر الفجّ على هذين الحليفين ودورَيهما. أكثر من ذلك، هناك مبالغة فادحة في السعي الى إلغاء الشعب السوري، خصوصاً بعد انكشاف أن القوة البرّية (الأكراد والملتحقين بهم) التي سلّحتها واشنطن وعوّلت عليها ضد «داعش» إنما هي نقطة التقاء الأميركيين والروس والأسد والإيرانيين. فاللافت في أحداث الأيام الأخيرة، أن هذه القوّة تركت الجبهة مع «داعش» لتدعم الهجوم الروسي - الأسدي - الإيراني على فصائل المعارضة.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٦
الأكراد.. الخاسر الأكبر في الحرب السورية

نراقب ما تقوم به الفصائل الكردية من تمدد على الحدود جنوبي تركيا، حيث نقضت الاتفاقات الموقعة مع المعارضة السورية، وقاتلت إلى جانب نظام الأسد في حربه ضد الشعب السوري.

الغريب في الموضوع هو أنه، وللسنة الخامسة، يحاول هذا النظام إنهاء الثورة مدعوما بعشرات آلاف المقاتلين من لبنان والعراق وأفغانستان وإيران وغيرها، ومدعوما بالسلاح من روسيا وإيران ودولة الإمارات ومصر، فماذا تعني إضافة بضعة آلاف من المقاتلين الأكراد على هذه المعادلة، وهل تعني أنها ستحسم هذه المعركة لصالح النظام وحلفائه؟

بالمنطق الاستراتيجي، الانتصار الذي يحققه نظام الأسد في الشمال هو مؤقت، وقد يحدث تراجع آخر للمعارضة في جنوبي وغربي دمشق، ولكن لن تدوم سيطرة النظام حتى أيلول/ سبتمبر القادم، ثم سيتراجع النظام، فهذا الهجوم هو عملية إعداد للمقاتلين من قبل إيران وروسيا استمرت لمدة عام كامل، حيث تم جلب آلاف المقاتلين، وتم تحضير معدات عسكرية كبيرة سببت حالة من الصدمة للمعارضة، وهي في العلم العسكري صدمة مؤقتة.

فمسألة حصار المعارضة في الشمال ستفرض عليها خيارا واحدا وهو القتال، وهذا يعني أن المعارضة ستجد نفسها موحدة في مواجهة هذه القوى جميعا التي ستدخل قسريا في لعبة الاستنزاف المباشر.

الأحزاب الكردية التي زجت بنفسها في الصراع إلى جانب النظام السوري في عموم شمال سوريا، يمكنها أن تخدع بسطاء الناس، وتوهمهم بأن الدولة الكردية أصبحت أمرا واقعا. وبأبسط قواعد المنطق، من سيقيم هذه الدولة؟ ومن سيقبل بوجودها على المستوى المحلي أو الدولي؟ وماذا تملك الفصائل الكردية في مواجهة العرب من جانب، وتركيا القوة الإقليمية من جانب آخر؟ وكم سنة ستقاتل الفصائل الكردية؟ وما هي الإمكانات التي تملكها حتى تتمكن من هزيمة دولة بحجم تركيا، إضافة إلى الثورة السورية؟ وسنضيف إلى القائمة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تريده أمريكا أن يبقى موجودا، وليس صحيحا أن هناك إرادة أمريكية للتخلص منه.

باختصار: تنظيم الدولة تريده أمريكا أن يبقى موجودا لاستمرار استنزاف إيران، وهو بالنسبة للأمريكان أهم من الأكراد الذين انتهى دورهم السياسي؛ ولذلك أرسلتهم إلى محرقة الحرب.

الأكراد تتعامل أمريكا معهم كمرتزقة رخيصة الثمن؛ لأن كلفة نقل المرتزقة من الدول الأخرى باهظة جدا، كما كانت تفعل أثناء احتلالها للعراق. وفي نهاية الحرب المفترضة خلال السنوات القليلة القادمة، سيكون الأكراد لوحدهم بلا نصير، فالجميع سيتعامل مع هذه الفصائل بأنها مارست الخيانة ضد سوريا وضد تركيا معا.

أنا أعلم أن تركيا قادرة على احتلال نصف سوريا في أسابيع، ولكن السياسة التركية سياسة عاقلة، وهي عندما تتريث، هي تريد أن يشعر السوريون بضرورة الاتحاد في مواجهة أعدائهم، وتريد من الأكراد أن يستعيدوا مكانتهم بأنهم جزء من الأمة، وأن وقوفهم إلى جانب أعداء الأمة التاريخيين لا يحقق لهم شيئا، وتريد من روسيا وإيران أن تدركا أن تغيير الجغرافيا هذا أمر كان يحدث في القرون الوسطى، ولن يحدث الآن، وتريد من أوروبا أن تدرك أن تركيا نقطة أساسية في استقرار العالم أجمع، وهذا ما يدركه الأوربيون الآن، والذين بتقديري هم في أقرب أوقاتهم من تركيا، وأيضا تريد تركيا من خلال صبرها أن تبلغ أمريكا رسالة واضحة، أن أمريكا تغادر المنطقة، وأن العرب والأتراك سيفتحون شرق أوسط جديدا، وبتقديري سيكون ذلك من خلال تعاون نشط مع دول أوروبية عديدة.

هنا أسأل.. أين هي هذه الأحزاب الكردية في المعادلة؟

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٦
الوعود والتوعد لا توقف صورايخ روسيا وغدر الغادرين

وعود تليها وعود ووعود باتت هذه الوعود كحبات مسكن لألام الشعب السوري وأوجاعه طيلة السنوات الفائتة من عمر الثورة السورية المباركة بعد تخاذل العالم أجمع عن نصرة الشعب السوري الثائر للحفاظ على نظام تلطخت يداه بدماء أطفال ونساء وشيوخ وشباب قتل واعتقل منهم الألاف وشرد الملايين في مخيمات النزوح وبلاد الجوار يعانون مايعانون من تشرد وجوع وبرد.

كل هذه الأم والشعب السوري صامد في وجه كل الخطوب فبعد اقتراب نظام الأسد من الانهيار جاءت القوات الإيرانية والحرس الثوري وحزب الله لتغير المعادلة العسكرية على الأرض لصالح نظام الأسد فما قدمت إلا ألاف القتلى من جنود الأسد وميليشياتها وصلت زمراً لطهران وضاحية بيروت فاستنجد الأسد بالروس وبدأت طائراتهم بقصف المدنيين وتدمير كل حياة في المناطق المحررة.

استهدفت الطائرات الروسية كل مؤسسات الثورة والمرافق العامة من أفران ومشافي طبية ومدارس ومعامل ومستوصفات حتى شاحنات الإغاثة والوقود والمواد التموينية لم تسلم من قصف الطيران الروسي لتزيد المعاناة وتشتت الشعب وتشرد الألاف فعاد النزوح من جديد حتى قاطني المخيمات نزحوا عنها في ريف حلب واللاذقية.

كل هذه الأحداث ومازالت الدول الصديقة للشعب السوري والتي ساندت بمواقفها ثورته منذ البدايات وأعلنتها بشكل رسمي وقوفها الى جانب قضية الشعب السوري وتوعدت بالدعم له ولمقاتليه في مايقابل دعم حلفاء الأسد له ولكن كل هذه الوعود حتى اليوم ماهي إلا كحبات المسكن تعطى للشعب السوري ليعيش على أمل تحقيقها ثم سرعان ماتتلاشى وتبدأ الوعود من جديد وهكذا تواليت والشعب السوري يقارع كل ميليشيبات الشيعة وطيران الأسد والروس ويناضل رغم كل الظروف مستعينا بالله وبعزيمة شبابه الأبطال ممن قدمو أرواحهم رخيصة في سبيل الذود عن الأعراض والأنفس والأرض.

ومع التغيرات الأخيرية في الساحة التي تزامنت مع مؤتمر جنيف 3 وتقدم الميليشيات الشيعية بدعم الغطاء الجوي الروسي في ريف حلب الشمالي وريف اللاذقية ودخول الوحدات الشعبية في عفرين وجيش " الثوار" على خط المواجهة ضد فصائل الثوار بريف حلب واستغلالهم للمعارك الدائرة مع الميليشيات الشيعية ليتقدموا ويسيطروا على عدة بلدات بريف حلب اخرها مدينة تل رفعت وتحت غطاء جوي روسي على مرأى دول الجوار والأصدقاء جاءت الوعود بتدخل عربي ووصلت الطائرات السعودية لمواقعها في مطارات تركيا فاستبشر الشعب السوري خيراً إلا أن هذه القوات لم تبدي اي تحرك حتى اللحظة والطيران الروسي يواصل استهدافه للمناطق المحررة  ليتيح لجيش الثوار السيطرة على ماتبقى من بلدات ريف حلب الشمالي في مارع وإعزاز واقتصرت مساعدة الأصدقاء على بضع صواريخ من نوع غراد وعشرات القذائف المدفعية التي استهدفت مواقع جيش الثوار في مطار منغ والتي لم تغني ولم تثمر أي تغيير في الوضع العسكري بل زادت من سخط الروس وحلفائهم وزاد القتل والدمار والتشرد .

كل هذه التطورات أوصلت الشعب السوري ليقين بأن الله وحده هو القادر على تغيير المعادلة على الأرض وأن الاوان بات للتمسك بالوحدة والعودة الى الله دون الإتكال على أي مساعدة من اي دولة صديقة أو شقيقة والتاريخ يسجل تلك البطولات التي سطرها السوريين بدمائهم في حين تخاذل عن نصرتهم من يدعون أنهم ناصري الإسلام والمستضعفين.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٦
عيون واذان (سورية ومن "يدعمها": أسمع كلامك يعجبني...)

لرئيس باراك اوباما اتصل بالرئيس فلاديمير بوتين هاتفياً واتفقا على مضاعفة الجهود الديبلوماسية والتعاون العسكري لتنفيذ وقف لإطلاق النار والسير نحو حل للأزمة السورية. في مؤتمر «المجموعة الدولية لدعم سورية» في ميونيخ الأسبوع الماضي اتفق 17 وزيراً على تقديم مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة ووقف «العمليات العدائية» خلال أسبوع، للوصول إلى وقف إطلاق النار.

أقول لهم ما سمعنا من أهل مصر «أسمع كلامك يعجبني، أشوف عمايلك أستعجب».

لو أن الكلام يحقق شيئاً لكنت وحدي حررت فلسطين، إلا أن المهم الأفعال، وهو ما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ميونيخ، ثم نسيه مع مَنْ نسي.

«العمليات العدائية» زادت بدل أن تنقص، والرئيس السوري بشار الأسد قال لوكالة «فرانس برس» أنه يريد استعادة السيطرة على بلاده بالكامل، ثم اعترف بأن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً. والنظام يتعامل مع السوريين على أساس قاعدة «مَنْ ليس معنا فهو ضدنا».

رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف تحدث عن «حرب باردة جديدة» نحن ضحاياها، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إن نسبة نجاح وقف إطلاق النار أقل من 49 في المئة، ثم أتبع كلامه بالدليل فَسِرْبٌ من 20 قاذفة روسية شن ضربات مكثفة على مناطق في ريف حلب أوقعت إصابات عالية بين المدنيين. وقرأت أن روسيا أرسلت الطرّاد «زليوني دول» المجهز بصواريخ متطورة من نوع «كاليبر» الى البحر الأبيض المتوسط من البحر الأسود ليُرابط قبالة الساحل السوري.

أيضاً وأيضاً، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن بشار الأسد واهمٌ إذا كان يعتقد أن هناك حلاً عسكرياً، وحضَّ الوزير كيري روسيا على الاكتفاء بقصف «داعش» وتجنب المعارضة والمدنيين.

في المقابل، قال قادة في المعارضة السورية في ريف حلب أنهم تسلموا صواريخ أرض - أرض جديدة.

تركيا بدأت قصف حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في ريف حلب حيث تدور «حرب عالمية» مصغرة، ثم طلب وزير خارجيتها مولود اوغلو من روسيا «وقف قصف المدنيين السوريين فوراً». وبين هذا وذاك وصلت طائرات مقاتلة سعودية الى قاعدة انجرليك في جنوب تركيا للمشاركة في القتال ضد «داعش» والإرهابيين الآخرين.

رغم كل ما سبق، دخلت قوافل المساعدات الإنسانية الى دوما المحاصَرة الى الشرق من دمشق. وهذا أعتبره إنجازاً، رغم إدراكي أن ملايين السوريين محاصرون في بلادهم، أو يأكلهم السمك في البحر، أو هم في معسكرات اعتقال اوروبية شبه نازية لمنعهم من دخول هذا البلد أو ذاك.

مرة أخرى، لو كان الكلام هو المطلوب لكان السوريون ينعمون بأمن وأمان، إلا أن «الحكي ما عليه جمرك» كما يقول السوريون واللبنانيون، والكرملين وعد بعد المخابرة الهاتفية بقصر الغارات على «الإرهابيين»، ولم يفعل.

مَنْ هم هؤلاء «الإرهابيون» في نظر الحكومة الروسية؟ هم كل مَنْ يعارض النظام، يستوي في ذلك «داعش» و «النصرة» وكل إرهاب آخر والمعارضة الوطنية التي لا تزال حبراً على ورق أكثر منها فعلاً على الأرض.

ليست عندي حلول قصر عنها أساطين السياسة في الشرق والغرب، فأتهمهم جميعاً بالكذب والتقصير، وربما التآمر على الشعب السوري، فهو ضحية العصر، وكم كنت أتمنى لو أنني عشت في زمن آخر فلا أرى مأساة مستمرة متفاقمة ضحيتها أهلنا.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٦
تل رفعت تغتصب وتغتصب وتغتصب ورجالاتها سيعيدون كرامتها من أيدي الغزاة

كانت ومازالت رمزاً للكرامة والرجولة والتضحية ،عروس شمالي حلب الأبية التي لبت نداء الفزعة برجالها وشبابها وشيوخها ونسائها وأطفالها تنادي لنجدة درعا وحمص وحماة وإدلب .

ضحت بالغالي والنفيس وقدمت خيرة رجالها وشبابها في سبيل نيل الحرية المنشودة والذود عن الأعراض ةعن بلدات ريف حلب بشمالها وجنوبها إذ واجهت قوات الأسد والأمن السوري وغطرستهم وحررت نفسها من رجسهم لتغتصبها جحافل عناصر تنظيم الدولة وتقتل وتعتقل وتسلب كما تشاء في مدينة طهر ترابها بدماء أبطالها ممن رفضو الضيم والذل والمهانة ليعيدوا ثورتهم على تنظيم الغدر ويعيدو الكرة ويحررون بلدتهم الصامدة من كل مامس عفتها.

دافعت تل رفعت عن بلدات ريف حلب الشمالي وتلقت الضربات والمجازر بكل صمود فكانت عروس الشمال الحلبي صبرت وصمدت في وجه كل المجازر التي ارتكبتها طائرات الأسد بحق ابنائها قبل ان تبدأ مرحلة القصف الروسي وتغدو تل رفعت محطاً لرحال قذائف غدرها وصارويخها البالستية والتي دمرت كل مافيها من حياة وأجبرت الألاف من أهلها للنزوح بعيداً عنها.

واليوم من جديد تغتصب تل رفعت على يد قوات سوريا الديمقراطية وجيش الثوار ممن عبروا اليها على جثث أبنائها وشبابها يستظلون بظل الطيران الروسي الغادر الذي قدم كل مايملك من دعم بمئات الغارات الجوية ليتيح لحزب البككة الكردي وجيش الثوار الغادر ليدنسوا عفتها من جديد بحجج واهية دنيئة على مراى ومسمع العالم أجمع ووأولهم من ادعوا أنهم دولاً صديقة جعلوا لأنفسهم خطوطاً حمراء وصفراء وخضراء فاغتصبت تل رفعت أمام أنظارهم دون أن يحركوا ساكناً.

تل رفعت لن تبكي وثوارها لن يبعدو كثيراً عنها فهاهم أبطالها يترقبون فجر ذلك اليوم القريب للعودة لدارهم وأرضهم ومدينتهم الصابرة ليحرروها من جديد ويقدموا الدماء التي طالما كانت رخيصة لأجلها فيمحون عنها دنس الغزاة ويحررون أرضها من رجسهم لتعود طاهرة نقية تغتسل بدمءا الشرفاء الأطهار من أبنائها .

اليوم ظهر لكل العالم مدى العمالة والتعاون الوثيق بين من يسمون أنفسهم ثواراً وبين الطيران الروسي وقوات الأسد وكلها اجتمعت بيد واحدة مع تنظيم الدولة لتحرق الريف الشمالي لحلب وتنهي ثورة أبطال قدموا كل مايملكون للصمود إلا أن التاريخ لن يرحم كل من تخاذل من قادة الثورة وخذل تل رفعت وكل من سولت نفسه أن يتأمر على دماء أبطالها ويخون العهد والدماء ويقدم نفسه رخيصة لأجل حفنة من الدولارات.

تل رفعت لن تنادي ولن تصرخ هذه المرة فأبطالها يشعرون بألمها يعتلج في صدورهم ويتربصون الساعة للزود والدفاع عنها وعن أعراضهم وأعراض المسلمين أجمع بعد كل هذا التخاذل والتواطىء مع ثورة شعب بات يدافع بجسده عن دين الله في الأرض وحكام أمتنا الإسلامية يرتعون في قصورهم يأكلون ويشربون من أجساد أطفالنا ودماء أمهاتنا.

تل رفعت لن تسامح كل من تخاذل لنصرتها وتأخر عن ذلك وستنهض يوماً لتحاسب كل خائن وتقول للعالم إن ثورة شعب قامت على الحق لن تركع إلا لرب العرش فهو كفيل بحفها ونصرتها وتسخير من يدافع عن حرماتها في وجه الطغاة الغازين.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٦
مصر أكبر من أن تطعن السوريين في الظهر

في تصريح طال انتظاره لمعرفة موقف مصر ودورها في الصراع الدموي الدائر حول سورية، ومن ورائها السيطرة على المشرق بأكمله، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن الحل العسكري في سورية أثبت خلال السنوات الماضية عدم جدواه، وأن الحلول السلمية هي المثلى.
لا يختلف اثنان على هذا الكلام الجميل الذي تكرره الدول والاحزاب والشخصيات منذ خمس سنوات، وصيغت في سبيل تجسيده أكثر من مبادرة مع بقاء العملية السياسية معطلة. وأكثر من مرة ألقى مبعوثو الامم المتحدة للسلام المسؤولية على نظام الأسد في تعطيل المفاوضات وآخرها تصريح دي ميستورا نفسه بعد إفشال محادثات جنيف٣.
وكان الأحرى بالوزير المصري الذي يعبر عن موقف دولة يكن لها العرب جميعا كل الاحترام ويراهنون عليها كأكبر قوة عربية في حماية أمنهم وصد الغزوات الخارجية عنهم أن يوجه مثل هذا الكلام إلى النظام السوري وطهران وموسكو الذين لا يزالون يراهنون بشكل مكشوف على سحق المعارضة وإخراجها من الصراع، أي على الحسم العسكري الذي يقف شكري ضده، لا على المعارضة التي تطالب بوضع حد للحرب التي يشنها النظام مع حماته الأجانب للاحتفاظ بالحكم وردع الشعب السوري عن المطالبة بحقوقه.
في هذا الظرف بالذات، حيث تهدد موسكو وطهران بالقضاء على المعارضة وتزج العاصمتان بكل قواهما إلى جانب نظام دمر بلده وشرد شعبه للبقاء أشهر إضافية في السلطة، ليس لكلام وزير الشقيقية مصر سوى معنى واحد: تشجيع الروس على الاستمرار في القتل ومباركة حملتهم الصليبية على السوريين والتنصل بالمناسبة من مسؤوليات مصر القومية والانسانية في الوقت نفسه والوقوف مع المعتدين على بلد كان دائما الظهير للشعب المصري في كل مواجهاته التاريخية.
بمثل هذه السياسية لا يمكن بناء عالم عربي متعاون ومتضامن ولا بناء أمن عربي. وبتخلي الدول الاكبر في المنطقة عن مسؤولياتها والتزاماتها، لا يمكن أيضا بناء أي نظام للأمن الإقليمي.
سامح شكري لا يساهم بتصريحاته هذه في إطفاء حرائق الحرب المتمددة ولكنه بالعكس يصب الزيت على النار بمقدار ما يشجع المعتدي على الاستمرار في اعتدائه. مصر تستحق دورا أفضل من هذا ويستحق شعبها احتراما أكبر لمشاعره وعواطفه ومصالحه الحقيقية من قبل حاكميه.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٦
هل نحن في مرحلة "الامتصاص" أم "التفكك" جراء الهجمة العالمية علينا !؟

أجد نفسي في مرحلة التخبط الحالية التي تمر بها الثورة السورية جراء الهجمة العالمية عليها بشكل غير مباشر و العدوان الروسي الذي اتخذ الشكل العلني و المباشر ، بين مشهدين أحدهما خيالي مصطنع و الآخر عبارة عن أمر جرى و عاصرته قبل عامين في ظروف مشابهة تقريباً .

و لايفارق المخيلة المشهد من فيلم "باتيروت " عندما قاد "والس" (ميل غيبسون) ثورة ضد البريطانيين و في أهم المعارك طلب من الجنود الهدوء و الثبات في الوقت الذي كانت الخيول تتجه صوبهم لتسحقهم ، و باللحظة المناسبة أشهروا الرماح و قتلت الخيل و خياليها ، وكانت بداية الانتصار ، و انتقلوا من مدافعين إلى مهاجمين .

ذلك المشهد الخيالي كان ، في حين يعصف في رأسي المشهد الذي لمسته في معارك القلمون عموماً و التي اشتهرت باسم معركة "يبرود" ومن ثم "رنكوس" حيث كانت الفصائل حينها مترددة بالمهاجمة لفترة طويلة رغم اليقين بالتحضيرات ضدها و رغم ذلك لم تهاجم ولم تتحضر حتى ، و عندما بدأت الحملة ( المشابهة تقريباً لحملة ريف حلب الحالية) ظهر التشتت و التهرب من المسؤوليات و التحصن في المناطق الخاصة بكل فصيل و لم يقاتل إلا من رحم ربي وسط تقطير بالذخيرة و السلاح ، حينها سقططت المدن بشكل متتالي حتى انتقلت الفصائل للجبال و من ثم تبخرت و لم يعد لها مكان .

وسط هذان المشهدان تدور حالياً الملحمة في شمال سوريا ، التي تتعرض للابادة و الفناء بايدي الروس و صمت العالم بأسره الذي أقسى ماخرج به هو تنديدات و مطالبات بالتوقف ، و تسريب بضع صواريخ "غراد" التي لاتغني و لاتسمن من جوع ، في حين يواجه من على الأرض أعتى الطائرات و أقذر الصواريخ .

ليس وحده العالم من خاننا ، و انما عزوف الكثير من الفصائل عن القتال و الاكتفاء بأهل الدار بالحماية و الدفاع حتى الموت ، هو من يوغل في الصدور ، و لايمكن التبرير بقلة السلاح و الذخيرة و نحن على يقين تام بتوافرها في منطقة حررت منذ سنوات ، و تكدس السلاح فيها لتوقف شبه تام للمعارك هناك اللهم بعض الاستنزافات مع داعش تارة و مع الوحدات الكردية تارة أخرى ، ومساعى في بداية الحملة الأخيرة التي قادتها ايران براً و روسيا جواً .

لا يمكن لأحد أن يجد تفسيراً لما يحدث في ريف حلب ، و كذلك من غير المستطاع ترجيح أي مشهد من المشهدين (الامتصاص) أم (التفكك)، فاليوم عندما لاتدافع عن منطقة القريبة منك فإنك بالغد ستهرب من منطقتك و ستجد نفسك أمام خيارين إما الهروب إلى الجبال أو الانصهار مع داعش أو الاكراد .

اليوم حلب و ريف اللاذقية و بعدهما ريف حماه و ادلب ، لا أحد مستثنى أو بعيد عن متناول يد العدو الذي يجد من تقهقرنا "الكيفي" مجالاً رحباً لمزيد من التقدم و التقدم إلى ما لانهاية .

اقرأ المزيد
١٤ فبراير ٢٠١٦
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الشعب!

قبل إجراء أول انتخابات رئاسية في مصر بعد الثورة، دار بيني وبين إعلامي مصري مخضرم من جماعة حسني مبارك حديث حول الانتخابات ومن سيفوز فيها، أحمد شفيق رئيس وزراء مبارك السابق أم محمد مرسي مرشح الثورة. وكان الرجل صريحاً، فقد قال لي حرفياً: "يجب ألا يحلم لا محمد مرسي ولا أي مرشح آخر محسوب على الثورة أن يقود مصر في قادم الأيام. وحتى لو فاز مرشح الثورة في الانتخابات، فلن يبقى طويلاً في منصبه، لأنه مرفوض داخلياً وخارجياً". فقلت له: ماذا تعني بـ"داخلياً" و"خارجياً"، فأجاب: "على الصعيد الداخلي، لن يقبل الجيش المصري، وهو أقوى مؤسسة في البلاد، أن يسلم مقاليد الحكم لأحد، حتى لو فاز بتسعة وتسعين بالمائة من الأصوات، وحتى لو كان مدعوماً من مائة ثورة شعبية. أما خارجياً، فلن يقبل أولاد عمنا الإسرائيليون بحاكم يختاره الشعب، خاصة إذا كان ذا صبغة إسلامية". طبعاً في عز المد الثوري آنذاك اعتبرت كلام الإعلامي المصري نوعاً من الهراء والعنتريات الفارغة على اعتبار أن الثورة في مصر لن تسمح لا للجيش ولا لإسرائيل ولا لأي قوة في العالم أن تخطفها. لكن يجب أن أعترف أنني كنت مغفلاً، ولم أعرف بعد أن التحالف الحاكم في العديد من الدول العربية المحيطة بإسرائيل يقوم على عامودين: الجيش العربي والعامل الإسرائيلي. بعبارة أخرى، فإن المؤسسات العسكرية الحاكمة في بلادنا ليست عدواً لإسرائيل، كما أوهمونا على مدى عقود، بل هي متورطة في تحالف وثيق مع إسرائيل، بحيث تؤمّن إسرائيل للمؤسسات العسكرية والأمنية العربية الوصول إلى السلطة والتشبث بها، بينما تقوم تلك المؤسسات بحماية إسرائيل من الشعوب العربية وإبقاء البلدان المجاورة التي يحكمها الجنرالات في حالة تخلف سياسي واجتماعي واقتصادي وصناعي.
على ضوء ما أفرزته الثورات العربية، وخاصة في المنطقة المحيطة بإسرائيل كسوريا مثلاً، لم يعد هناك مجال للشك بأن إسرائيل لن تسمح أبداً بسقوط الديكتاتوريات العسكرية والأمنية التي تكتم أنفاس الشعوب بكل أنواع الوحشية والفاشية والهمجية، كما يفعل النظام العسكري العميل في دمشق. ليس من مصلحة إسرائيل أبداً أن تصل أنظمة ديمقراطية إلى السلطة لا في سوريا ولا في أي بلد عربي محيط بإسرائيل. فقد جربت إسرائيل حكم الجنرالات في سوريا مثلاً على مدى نصف قرن، ووجدته مضموناً وآمناً وكلباً مطيعاً على صعيد تأمين الحدود الإسرائيلية وحمايتها من أي خطر شعبي، وعلى صعيد كبت أنفاس الشعوب في البلدان المجاورة بحجة التصدي لإسرائيل. لم يجد الإسرائيليون أفضل من الحكم العسكري الديكتاتوري كي يدوس الشعوب العربية، ويعرقل التنمية، ويُبقي البلدان التي يحكمها في حالة تخلف وتقهقر كي تنام إسرائيل قريرة العين، وكي تبقى الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وواحة الازدهار الاقتصادي والتكنولوجي والصناعي الأولى في عموم الشرق الأوسط العربي.
ماذا تريد إسرائيل أفضل من الأنظمة العسكرية لسحق الشعوب المجاورة ومنعها من التفكير في النهوض، أو تحرير الأراضي المحتلة؟ لاحظوا أن النظام الأسدي لم يسمح للطيور باختراق الحدود مع إسرائيل على مدى أربعة عقود، فما بالك أن يسمح لجندي سوري بإطلاق رصاصة واحدة باتجاه ما كان يسميه، ضحكاً على الذقون، بـ"العدو الصهيوني". لا عجب أبداً أن تكون إسرائيل وأمريكا أكثر دولتين في العالم تعارضان تفكيك الجيش السوري والمؤسسة الأمنية السورية. لاحظوا كيف دمرت أمريكا الجيش العراقي، وفككته لأنها كانت تجد فيه خطراً حقيقياً على إسرائيل، بينما ترفض رفضاً قاطعاً تفكيك الجيش السوري. لاحظوا أيضا كيف تحالفت إسرائيل فوراً مع روسيا التي جاءت إلى سوريا بدعم إسرائيلي واضح للحفاظ على النظام الديكتاتوري العسكري بشهادة الروس أنفسهم. ولو كان هذا النظام العسكري يشكل فعلاً خطراً على إسرائيل، لكان مصيره كمصير نظام صدام حسين الذي أطلق صواريخ سكود على إسرائيل، علماً أنه ليس على حدودها، بينما عمل الجيش السوري (جار إسرائيل) على إبقاء الحدود مع إسرائيل في حالة سكون قاتل على مدى نحو نصف قرن.
لا شك أن إسرائيل وحاميتها أمريكا تعلم جيداً أن نشوء أنظمة ديمقراطية حقيقية في البلدان العربية المجاورة لإسرائيل ستخلص شعوب المنطقة من التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والصناعي، وستجعلها منافساً قوياً لإسرائيل، لا بل خطراً كبيراً عليها. ولو تحررت شعوب المنطقة من ربقة الطغيان العسكري والمخابراتي الحاكم فهذا يعني بشكل أوتوماتيكي تحرير فلسطين. وقد قال المفكر الإسلامي الكبير محمد الغزالي ذات يوم: "إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها، ودمرت مجتمعاتها، وفرضت عليها الوهم والوهن، وشلت قدرتها على المقاومة، وأفسدت النفوس والأوضاع، فضاعت العدالة، واختلت موازين الاقتصاد، وانقسم الشعب إلى طوائف". انظروا إلى سوريا واحكموا.
لاحظوا عندما أدركت إسرائيل أن عميلها في دمشق لم يعد قادراً على حمايتها، جردته من أسلحته الاستراتيجية خشية وقوعها في أيدي نظام جديد لا يواليها. كما أنها أطلقت يد النظام بشهادة بشار الأسد نفسه ضد معارضيه ليفعل بهم وبالشعب السوري ما يريد. هذا ما قاله بشار للمثل السوري جمال سليمان في الشهور الأولى من الثورة، حيث أخبره بأن إسرائيل لن تقبل أبداً بإسقاط نظامه، وأنها أعطته الضوء الأخضر ليفعل ما يشاء. والهدف الإسرائيلي من وراء ذلك إنهاك سوريا وشعبها، بحيث لا تقوم له قائمة لعقود وعقود، فيما لو سقط حاميها في دمشق. بعبارة أخرى، إما أن تقبل الشعوب المحيطة بإسرائيل بأنظمة عسكرية ديكتاتورية كنظام الأسد، أو أن إسرائيل ستعمل على تخريب البلدان المحيطة بها، وتهجير شعوبها، وإعادتها عقودا إلى الوراء طبعاً بأيدي عملائها من العسكر والجنرالات العرب.
لاحظوا أن أكبر داعمي النظام السوري سياسياً وعسكرياً هو النظام المصري الذي، بدوره، عاد إلى السلطة بوجوه جديدة برغبة إسرائيلية أمريكية أولاً وأخيراً، كما أخبرنا الإعلامي المخضرم أعلاه. الطيور على أشكالها تقع. لا تقارنوا سوريا ومصر بتونس، فتونس ليست جارة لإسرائيل.
صدعوا رؤوسنا بشعار: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع إسرائيل"، فاكتشفنا متأخرين أن المعركة لم تكن يوماً مع إسرائيل، بل مع الشعوب العربية التي تهدد إسرائيل. انظروا فقط: كم قتل نظام الأسد من الإسرائيليين، وكم قتل من السوريين!

اقرأ المزيد
١٢ فبراير ٢٠١٦
الأحادية الروسية بعد فشل الأميركية

يكشف الفصل الجديد من فصول الحرب - المحرقة في سورية عن وجه لروسيا لم يسبق أن بلغ درجة القباحة، حتى أيام الستالينية في الاتحاد السوفياتي، بسبب رعاية موسكو التطهير العرقي والإثني والطائفي لمناطق واسعة في سورية، تحت ستار محاربة الإرهاب تارة، وبحجة استعادة الدور الروسي على المسرح الدولي مع حنين إلى شعارات محاربة الإمبريالية العالمية كما يقول مسؤولون روس، تارة أخرى.
فمشهد النازحين السوريين بعشرات الآلاف على الحدود السورية - التركية شمالاً، هرباً من القصف الروسي، ومن الفتك الإيراني بقرى ومناطق يدل على أن القيادة الروسية تتعطش لإثبات قوتها متوسلة قتل المزيد من المدنيين وتهجير من يسلم منهم على يد حلفائها من ميليشيات إيرانية وحليفة لطهران في شمال سورية، تعيث في الأرض فساداً وتطرد السكان من بيوتهم، لدفعهم إلى تركيا، تمهيداً لتعميق مشكلة اللاجئين في أوروبا التي تهدد كياناتها واقتصاداتها. كانت الحجة الروسية في الدفاع عن نظام بشار الأسد، في وجه المطالبة الغربية والعربية برحيله ضمن آلية قيام حكم انتقالي كامل الصلاحية وفق وثيقة جنيف 2012، أن من سيملأ الفراغ بذهابه هم المتطرفون و «داعش»، لذلك وجب القضاء على الإرهابيين قبل ذلك. إلا أن التدخل العسكري الروسي والإيراني في سورية كانت وجهته المعارضة المعتدلة التي كان يمكن الحل السياسي أن يشكل منها فريقاً مع بقايا النظام والمؤسسات بديلاً لنظام العائلة التي أنهكت سورية خلال أكثر من 4 عقود. وظهر جلياً أن ما قام به تحرك قوات النظام (القليلة العدد) بالاعتماد على الوجود الإيراني الميليشيوي الذي يشكل أساس القوات المدافعة عن الأسد، تحت غطاء الطيران الروسي هو تجنب الصدام مع «داعش»، والقضاء على الفصائل المقاتلة واجتياح المناطق التي توجد فيها. حتى أن هذه الميليشيات كانت تمر في طريقها إلى ريف حلب أمام أعين «داعش»، من دون الاشتباك مع الأخير.
لم تقتصر المفارقات في الخديعة الروسية على تلك الحجة الممجوجة حول من يحل مكان الأسد في حال رحيله. فموسكو تدعو منذ عام 2011 إلى حل سياسي لا بديل منه، ثم تمارس الحل العسكري. رفضت تدخل أي دولة عسكرياً على الأرض السورية حتى لو كان لفرض منطقة آمنة للنازحين، إذا لم تكن تحت مظلة الشرعية الدولية، لكنها أباحت لنفسها التدخل وبناء القواعد العسكرية من دون قرار دولي بزعم الاتفاق مع الحكومة السورية، وأخذت تهجّر السوريين من أرضهم، أصرت على أن مفاوضات الحل السياسي يجب أن تتم بحوار سوري - سوري من دون تدخل خارجي، وحين شكلت المعارضة وفداً موحداً إلى جنيف أخذت تتدخل في طبيعة الوفد لتملي من يشارك ومن لا يشارك. ادعت الحرص على وحدة سورية وحفظ مؤسساتها، لا سيما الجيش، لكنها ساندت لتقاطع مصالحها مع أميركا، القوات الكردية في الشمال، كي يقتطع الأكراد منطقة نفوذ، موازية لمنطقة نفوذ «داعش»، واستبدلت بمؤسسة الجيش جحافل الميليشيات الآتية من الفضاء الإيراني، وتولى الضباط والخبراء الروس قيادة هؤلاء في الجنوب والشمال، لاستعادة مناطق من الفصائل المقاتلة غير المصنفة إرهابية...
وحين أعلنت المملكة العربية السعودية استعدادها لإرسال قوات ضمن التحالف الدولي لمقاتلة «داعش» على الأرض السورية، من أجل أخذ العرب دورهم في القضاء على الإرهاب، بدلاً من استخدام هذه الحجة لبقاء الإيرانيين وأذرعتهم في بلاد الشام، لم يجد سيرغي لافروف حجة لإجهاض الفكرة سوى اتهام «بعض الدول بأنها تنطلق من كراهية شخصية للرئيس بشار الأسد». وهو يتكل بذلك على فقدان الذاكرة لدى مستمعيه، بأنه سبق له ولفلاديمير بوتين أن روّجا بأن بلادهما لا تدافع عن شخص الأسد وأنها لا تتمسك به. ذهب الاستعلاء به إلى الحديث عن 3 سيناريوات: حل وسطي عبر مفاوضات جنيف (يقصد به استسلام المعارضة لميزان القوى على الأرض)، أن ينتصر النظام عسكرياً، أو اندلاع حرب كبيرة يشارك عدد من الدول الأجنبية فيها، وهو يدرك أن ما من دولة في المنطقة تريدها باستثناء روسيا وإيران.
تطمح القيادة الروسية من وراء الخدع والتناقضات في سلوكها إلى «أحادية» سيطرتها على سورية، تحت ستار التمسك بالقانون الدولي، في زمن تراجع الأحادية الأميركية، ولو كان ذلك على حساب تدمير سورية. فإذا كانت الأخيرة فشلت بعد حرب العراق كيف يمكن أن تنجح الأحادية الروسية إذا كانت ستغرق في مستنقع يستولد الحروب على مراحل؟

اقرأ المزيد
١٢ فبراير ٢٠١٦
روسيا تبحث عن مكان لـ"الأكراد" على الآرض لفرضهم في السياسة .. فهل نجد "مناع+مسلم"في جنيف أم في ..!؟

لاشك أن التقدم الذي تقوم به وحدات حماية الشعب الكردية ممتطي "جيش الثوار" أثار من التساؤلات الكثير حول مبررات هذا الهجوم ، سواء على منغ و الاستحواذ عليها و الاتجاه صوب اعزاز ، في مخالفة "فادحة" لمهمتهم الأساسية المعلن عنها ألا وهي محاربة "داعش" وفق الاتفاق مع التحالف الدولي عموماً و أمريكا على وجه الخصوص ، والذي تم التسليح و الدعم على أساسه .

التقدم المفاجئ و المتسارع و المدعوم بلا هوادة من قبل روسيا هذه المرة ، هو الطريق الذي لجأت إليه روسيا لفرض هذه القوات كعنصر من المعارضة عسكرياً ، بعد أن فشلت سياسياً في ذلك ، نظراً للمعارضة الشديدة من قبل تركيا و المعارضة التي التئمت في الرياض ، و بالطبع ليس الحب ما يجمع روسيا ووحدات حماية الشعب الكردية ، إنما عبارة عن أداة لتشتيت المعارضة وايجاد خرق في صفوفها من تنظيم من الممكن أن يلبس كل الوجه المتوافرة إلا الوجه الوطني ، و أن يتحول لمطية الجميع والمهم أن لا يتوافق مع المستقبل الطبيعي للشعب الذي يدعى تمثيله .

الخليط الذي أوجدته روسيا و من قبلها الولايات المتحدة الأمريكية ماهو إلا لعبة اعتادوا على ممارستها طوال سني العبث في الشعوب و الدول ، و الغريب هو نجاحها الدائم في التطبيق وعثورها على لاعبين أعمت على أبصارهم بعض البنادق و قليل من القذائف مع بعض المداعبة لاحلام أبعد ما تكون حتى عن "المعجزات".

اليوم كل قطعة تقضم من الثوار لصالح القوات التي أطلقت على نفسها "العلمانية الديمقراطية" هي رصيد اضافي للضغط السياسي ، والوصول إلى حل نسبي بين طرفي الصراع المتوضح للعلن أنه بين روسيا و تركيا و الفعلي هو بين روسيا و أمريكا ، و مجرد حدوثه ستلفظ هذه القوات و ترمى إلى حيث أتت ، اذ من غير الممكن أن يتم السماح بحدوث أمر كهذا و لو وصلت الأمور إلى حد حرب وصفتها روسيا بـ"عالمية".

أقسى طموحات المعارض الذي كان يدعي السلمية "هيثم مناع" و صديقه الفاعل في التلون "صالح مسلم" الجلوس على مقعد في جنيف أو في أي مكان ، فهذا الكرسي يمثل له انتصار و شعور بالنجاح ، شعورٌ مؤقت سينتهي مع ظهور أول بوادر اتفاق عالمي على تقاسم المصالح و تصفيتها ، ليضيع "المركبون" كـ "فرق عملة" بين الصرافة .

لايعول كثيراً على التصريحات و لا الكلام الظاهر للعلن ، وفق منطق لعب الدول ،و لكن التصريحات تعكس بشكل أو بآخر نوعاً من التوجه ، و الألم التركي من التقدم للقوات الكردية قد وصل حد لم يعد للصبر مكان كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، ولايوجد عبارة "أغبياء" على جبينهم كما أعلن أمس ،ولكن لاتعني إلا حرب عسكرية أو تصعيد سياسي ، فمن الممكن أن يتحول إلى مهادنة معاكسة و مفاجئة مع روسيا ، وهذه الحركة الالتفافية ستكون كافية لضرب الأسس التي بنت عليه القوات الكردية و تطيح بها نحن مجاهل لايعرف آخرها سيما مع سعيها الدؤوب و المستمر لاستعداء كل محيطها و عمقها الشعبي .

إلى الآن تبدو الخطط تسير كما هو متوقع بالنسبة لروسيا و لاعبها المتلون "وحدات حماية الشعب الكردية" ، لكن صفة محاربي "داعش" و المتطرفين ستجد طريقها للزوال مع الاعلان و الاستعداد و يبدو أنه الجدي بامكانية ادخال قوات برية أي كانت و لكنها ستنهي مهمة القوات الكردية و تحولها لخصم كداعش و غيرها ، فهل يعي ذلك بعض مفكري "قوات ديمقراطية سوريا " أم أن ممثلية موسكو و الخريطة لـ"روج آفا" قد أنهت أي عقل لديهم.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى