
بعد ستة أعوام ونصف .. بيدرسون يعلن مغادرته منصب المبعوث الأممي إلى سوريا
أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، الخميس، عزمه مغادرة منصبه بعد أكثر من ستة أعوام ونصف العام من قيادة الجهود الأممية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وذلك عقب تقديمه إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك.
وقال بيدرسون في كلمته للمجلس إنه يتنحى "لأسباب شخصية"، مشيراً إلى أنه كان ينوي ذلك منذ فترة، إلا أن "التغييرات الاستثنائية في سوريا وفتح فصل جديد" دفعته للاستمرار في منصبه خلال الأشهر الأولى من المرحلة الانتقالية، واصفاً تلك الفترة بأنها "شرف ومسؤولية" ساعدته في توجيه الجهود السياسية للأمم المتحدة نحو التغيير التاريخي الجاري في البلاد. وأكد التزامه بأداء مسؤولياته حتى آخر يوم في مهامه.
ودعا بيدرسون المجتمع الدولي إلى الوقوف بحزم إلى جانب سوريا ودعم المرحلة الانتقالية، محذراً من التدخلات الأجنبية، وقال إن نجاح المرحلة الجديدة "يتطلب أن تتحول الدولة إلى دولة لكل مواطنيها فعلاً لا قولاً"، مشدداً على أن الفشل في هذا المسار "قد تكون عواقبه وخيمة".
وفي إحاطته، قال الدبلوماسي النرويجي: "علّمتني تجربتي في سوريا أن الظلام يكون أحياناً أشد قبل بزوغ الفجر… لوقت طويل بدا التقدم مستحيلاً، حتى جاء فجأة. قليلون عانوا كما عانى السوريون، وقليلون أظهروا مثل هذا الصمود. اليوم لدى سوريا فجر جديد، وعلينا أن نضمن أن يصبح يوماً مشرقاً، فهم يستحقون ذلك".
وأعرب بيدرسون عن قناعته بأن الوحدة الوطنية في متناول اليد وأن النجاح ممكن رغم التحديات، إذا ما واجه السوريون صعوباتهم بـ"مفاوضات جادة وتسويات شجاعة"، محذراً في الوقت نفسه من أن البديل قد يكون بقاء البلاد "محاصرة إلى أجل غير مسمى، غير قادرة على التعافي أو إعادة البناء، أو الانزلاق إلى موجات جديدة من الصراع والتدخل الخارجي".
وأوضح أن السلطات الانتقالية في دمشق تواجه إرثاً ثقيلاً من "الحرب والاستبداد"، لم يقتصر على أنقاض المباني بل طال النسيج الاجتماعي والمؤسسات والاقتصاد المتهالك، داعياً إلى تقديم دعم مادي دولي واسع النطاق يتناسب مع الاحتياجات والطموحات السورية، بما في ذلك تحفيز القطاع الخاص وتخفيف العقوبات وضوابط التصدير وتسريع الإصلاحات وتحقيق الاستقرار السياسي.
سيرة ومسيرة دبلوماسية حافلة
وُلد غير أوتو بيدرسون في 28 سبتمبر/أيلول 1955 في أوسلو، وحصل على درجة عليا في الفلسفة، وبدأ مسيرته في السلك الدبلوماسي عام 1985. شارك ضمن الفريق النرويجي في مفاوضات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، ثم شغل مناصب عدة في الخارجية النرويجية.
عمل بيدرسون مبعوثاً أممياً إلى جنوب لبنان، ثم المنسق الخاص للأمم المتحدة في بيروت، وتقلّد لاحقاً مناصب أممية ودبلوماسية رفيعة بينها مندوب النرويج الدائم لدى الأمم المتحدة وسفيرها في بكين، قبل أن يعينه الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثاً خاصاً له إلى سوريا عام 2018 خلفاً لستيفان دي ميستورا.
وخلال سنوات عمله، قاد بيدرسون الجهود الأممية لتفعيل القرار 2254 وبيان جنيف 2012، ورعى اجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي انطلقت عام 2019، وواصل اتصالاته مع الحكومة والمعارضة والمجتمع الدولي سعياً لإيجاد تسوية سياسية شاملة.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، دعا بيدرسون إلى فتح فصل جديد من السلام والمصالحة والكرامة في سوريا، مؤكداً ضرورة دعم السوريين في تحقيق التغيير السياسي ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، زار دمشق والتقى الرئيس أحمد الشرع، حيث أكد الطرفان ضرورة مراجعة القرار 2254 بما يتلاءم مع الواقع السياسي الجديد، وأعرب بيدرسون حينها عن أمله في رفع العقوبات عن سوريا وتسريع المساعدات الدولية لإنجاح عملية الانتقال السياسي.
بهذا الإعلان، يختتم بيدرسون فصلاً حافلاً من الوساطة الأممية في الملف السوري، تاركاً وراءه إرثاً من العمل الدبلوماسي والسياسي الذي ساعد في تمهيد الطريق أمام مرحلة جديدة في تاريخ سوريا.