
تعاون أمني غير مسبوق بين أنقرة ودمشق: برنامج تركي لتدريب آلاف العسكريين السوريين
كشفت مصادر مطلعة نقل عنها موقع "الجزيرة نت"، أن تركيا بدأت بتنفيذ برنامج تدريبي واسع النطاق لقوات سورية، في خطوة وُصفت بأنها إحدى أبرز نتائج التقارب الأمني بين أنقرة ودمشق عقب توقيع اتفاق أمني مشترك في أغسطس/آب الماضي.
برنامج تدريبي لتعزيز القدرات السورية
وبحسب المصادر، يخضع حالياً نحو 300 سوري – معظمهم من العسكريين إلى جانب عدد من ضباط الشرطة – لدورات مكثفة في قاعدتين بوسط وشرق تركيا، ويُتوقع أن يرتفع العدد إلى خمسة آلاف عنصر في المدى القصير، على أن يصل إلى 20 ألف عسكري وشرطي على المدى المتوسط والطويل، في إطار إعادة بناء القدرات العسكرية والأمنية السورية وتعزيز التعاون الحدودي بين البلدين.
الاتفاق، الذي وقّعه وزير الدفاع التركي يشار غولر ونظيره السوري مرهف أبو قصرة في أنقرة بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ورئيس المخابرات حسين سلامة، يشمل تقديم أنظمة تسليحية ومعدات لوجستية، إلى جانب تدريبات متخصصة في مكافحة الإرهاب والهندسة العسكرية والدفاع السيبراني والدعم اللوجستي وإعادة التأهيل العسكري.
نحو جيش محترف ومركزي
يرى خبراء أن سوريا بحاجة إلى مؤسسة عسكرية مهنية جديدة تتجاوز حالة الفصائلية، وهو ما يجعل التعاون مع أنقرة ذا أهمية بالغة في مسار الاستقرار. ويقول الباحث عمر أوزكيزيلجيك من المجلس الأطلسي إن التدريب التركي سيساعد دمشق على بناء جيش أكثر احترافية ومركزية، مشيراً إلى أن الجيش السوري الحالي تشكّل من جماعات معارضة سابقة ويحتاج إلى نواة مدربة تدريباً أكاديمياً.
وأضاف أوزكيزيلجيك أن "تركيا وحدها هي الراغبة والقادرة على مشاركة هذه الخبرة والمعرفة العسكرية مع السوريين، وهو ما يجعلها ذات قيمة لا تُقدّر بثمن لسوريا"، مؤكداً أن المرحلة الراهنة "تتطلب دعماً فنياً لبناء جيش فعال".
أهداف مشتركة ومخاطر متقاطعة
يربط متابعون بين التدريبات والأهداف المشتركة في شمال وشرق سوريا، خصوصاً ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنظر إليها أنقرة باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني. ويعتقد المحلل السياسي مصطفى النعيمي أن تدريب الجيش والأمن السوري في تركيا يشكّل جزءاً من إستراتيجية دفاع مشترك بين البلدين، لافتاً إلى أن الحكومة السورية الحالية تسلمت مؤسسات أمنية وعسكرية متهالكة وتحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة.
وأشار النعيمي في حديث لـ "الجزيرة نت" إلى وجود تفاهم إقليمي ودولي على ضرورة إعادة الاستقرار إلى سوريا عبر "البوابات العربية والتركية"، موضحاً أن الأردن يقود الجانب العربي في التعاون الأمني والعسكري، فيما تلعب تركيا دوراً محورياً منذ انطلاق الثورة وصولاً إلى بناء المؤسسة العسكرية والأمنية السورية.
رسم خارطة طريق جديدة
يرى النعيمي أن هذا التعاون يعكس الحاجة إلى مواجهة المخاطر المشتركة وإنهاء ما يُوصف بـ"التهديدات المنطلقة من سوريا" عبر الوحدات الكردية وغيرها من التنظيمات المصنفة إرهابية في كل من تركيا وسوريا، متوقعاً أن تبرز قريباً خارطة طريق جديدة لإنهاء أزمة قسد ضمن محافظات حلب ودير الزور والحسكة.
وحول انعكاسات التعاون الأمني التركي السوري على علاقات دمشق مع واشنطن وموسكو، يؤكد محللون أن السياسة الخارجية السورية تسعى إلى الحفاظ على توازن العلاقات الدولية والانطلاق من مبدأ المصالح الوطنية، بما يتيح لها إعادة الاستقرار دون الدخول في محاور متصارعة.
بهذا البرنامج التدريبي الواسع، يتحول الاتفاق الأمني بين أنقرة ودمشق من مجرد تفاهم سياسي إلى مسار عملي لبناء مؤسسة عسكرية سورية محترفة، بما يعيد صياغة معادلة الأمن في الجنوب والشمال السوري على السواء.