الوفاء للشهداء: كيف تحوّلت ذكرياتهم إلى مبادرات إنسانية
حظيت حملات التبرع التي أُقيمت مؤخراً في عدد من المدن السورية بتفاعل واسع، وتخللتها مواقف ولحظات مؤثرة حملت قصصاً وحكايات مرتبطة بذكرى الشهداء واستحضار معاني الوفاء لهم، في سياق التضحيات التي قُدّمت خلال سنوات الثورة.
وسعى العديد من أبناء البلاد إلى إبقاء ذكرى الشهداء حاضرة في تلك المبادرات، عبر إحضار مقتنيات شخصية تعود لهم وتحمل قيمة معنوية عالية، وتقديمها للتبرع، ليُفتتح عليها مزاد علني وصل في بعض الحالات إلى آلاف الدولارات وأكثر، في مشهد يعكس تقدير المشاركين لتضحيات الشهداء وما قدموه في سبيل سوريا والحرية.
وفي هذا السياق، برز مؤخراً موقف التبرع ببندقية الشهيد "عبد القادر الصالح" ضمن حملة «حلب ست الكل»، حيث وصل سعر المزاد على البندقية إلى خمسة ملايين دولار، متجاوزاً التوقعات.
ويُعرف الصالح بلقب «حجي مارع» نسبة إلى مدينة مارع بريف حلب التي ينتمي إليها، وهو قيادي سابق في صفوف الفصائل السورية التي قاتلت نظام المجرم المخلوع بشار الأسد، وقد استُشهد خلال مشاركته في الثورة السورية.
وسبق هذا الموقف مواقف أخرى لاقت تفاعلاً واسعاً، من بينها مشاركة أمّ شهيد في حملة «فداء لحماة»، حيث حضرت لتتبرع بالبدلة العسكرية لابنها الشهيد، إلى جانب جعبة وخاتم كانت قد احتفظت بهما استعداداً لخطوبته. وفي تلك اللحظة، خاطبها العميد جميل الصالح مؤكداً أن دماء ابنها غالية، وأن البدلة العسكرية ثمينة ولا يمكن بيعها أو شراؤها، لأنها لا تُقدَّر بثمن.
وأضاف أنه سيقدّم مبلغ خمسة آلاف دولار دعماً للحملة، وخمسة آلاف دولار أخرى للأم، إلا أنها شددت على أن يكون المبلغ مخصصاً لبناء الوطن وليس لها شخصياً، قائلة: «أنا بعطي ما باخد».
كما افتتحت ابنة الشهيد الملازم أحمد الخلف حملة «أربعاء الرستن» بالتبرع بالبدلة العسكرية لوالدها، حيث وصل سعرها إلى 15 ألف دولار بعد فتح مزاد علني لبيعها. وكان الخلف قد استُشهد على يد قوات نظام الأسد في أيلول/سبتمبر عام 2011 في مدينة الرستن، وهو صاحب المقولة الشهيرة:«إذا دخلت الدبابات إلى مدينة الرستن فاعلموا أني استشهدت».
ويعكس حرص السوريين على الحفاظ على هذه المقتنيات وإبداء اهتمام واسع بها، إضافة إلى القيم المالية المرتفعة التي حققتها في المزادات، عمق التقدير لكل من ضحّى بحياته في سبيل البلاد، على اختلاف أشكال التضحية. كما يشير ذلك إلى إيمان راسخ بأن للشهداء دوراً أساسياً في الوصول إلى النصر والحرية، والانتصار على الظلم والطغيان.
ويعكس استحضار ذكرى الشهداء في حملات التبرع الوفاء لتضحياتهم، ويؤكد دورهم في مسيرة تحرير سوريا، فيما تسهم مساهمة مقتنياتهم الرمزية في تعزيز البعد المعنوي للمبادرات ودعم جهود بناء الوطن، في حين أن هناك من يطالب بأن تكون هذه المقتنيات حاضرة في المتاحف الوطنية لتخليدها في ذاكرة السوريين وتراثهم الحديث.