
دمشق تنتظر قراراً بطيّ صفحة "دار الأسد": الأوبرا السورية على أعتاب تغيير تاريخي
كشف مدير أوبرا دمشق، المايسترو ميساك باغبودريان، أن الدار بانتظار مرسوم رسمي من الجهات المعنية لتغيير اسمها الذي ظلّ لعقود مرتبطاً بعائلة الأسد، مؤكداً أن نشاطاتها الدورية متوقفة منذ عدة أشهر، في انتظار إعادة هيكلة فنية وإدارية تتماشى مع المرحلة الجديدة التي تعيشها البلاد.
وكان الاسم الرسمي للدار، قبل سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر، هو "دار الأسد للثقافة والفنون". واليوم، يتطلع القائمون على هذا الصرح الفني لاعتماد اسم "دار أوبرا دمشق" أو ببساطة "أوبرا دمشق"، كعنوان جديد يتماشى مع روح التغيير والانعتاق من رمزية النظام السابق.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أوضح باغبودريان أن "الإشكالية الكبرى التي نواجهها حالياً تتعلق بالاسم الرسمي للدار"، معرباً عن أمله بأن يصدر قريباً المرسوم الذي يمنح الدار هويتها الجديدة بعيداً عن أي دلالات سياسية. وقال: "أوبرا دمشق هو الاسم الأنسب، والأكثر تعبيراً عن رسالتنا الثقافية".
وتعاني دار الأوبرا، التي افتُتحت عام 2004 كمركز رئيسي للفنون الموسيقية والمسرحية في سوريا، من حالة "جمود" في النشاط الفني منذ أواخر العام الماضي، حيث توقفت العروض الدورية التي كانت تشمل المسرح، الموسيقى، والفنون المعاصرة. ويعود ذلك، بحسب مدير الدار، إلى أسباب لوجستية متعلقة بالبنية التحتية، وأخرى إدارية مرتبطة بتأخر صدور الموازنة السنوية من وزارة الثقافة.
وأشار باغبودريان إلى أن التأخير في تخصيص الموازنة حال دون وضع برنامج فني لهذا العام، مؤكداً أنه تلقى وعوداً بالحصول على التمويل اللازم مع بداية شهر حزيران/يونيو، ما من شأنه أن يتيح إعادة إطلاق النشاطات الثقافية من جديد.
وفي ظل هذا التوقف، اقتصر نشاط الدار في الأشهر الماضية على استضافة فعاليات رسمية أو مناسبات خاصة، من بينها أمسية شعرية أقيمت مؤخراً بمناسبة "الاحتفال بالنصر"، وفق تعبيره.
وفي ما يخص الحريات الفنية، عبّر باغبودريان عن أمله في إنهاء ما وصفه بـ"قيود الفن" التي طالت مختلف المجالات الإبداعية، من المسرح إلى الموسيقى، مؤكداً أن المرحلة الجديدة يجب أن تكون منفتحة على الإبداع الحر واللامقيد.
ويأتي الحديث عن إعادة إحياء دار الأوبرا في وقت تعاني فيه البنية الثقافية في سوريا من تداعيات عقود طويلة من التراجع والتكلس، نتيجة ممارسات النظام السابق الذي هيمن على الفضاء الثقافي والفني عبر منظومة من القمع والمحسوبيات. وشهد قطاع الثقافة الرسمي والخاص تدهوراً ملحوظاً، انعكس في قلة الإنتاج وغياب الحريات وتراجع الدعم المؤسسي للفن المستقل.
فقد فرضت أجهزة الرقابة السلطوية سطوتها على كل ما يُنتج في الحقل الفني، كما تعرض عدد كبير من المثقفين السوريين، خلال العقود الماضية، للتهميش والمنع والملاحقة الأمنية، فيما اختار كثيرون المنفى أو واجهوا الاعتقال لمجرد تعبيرهم عن آرائهم أو إنتاج أعمال لا تروق للسلطات.
اليوم، ومع إسدال الستار على مرحلة امتدت أكثر من خمسة عقود من الهيمنة السياسية على الثقافة، ينتظر الفنانون السوريون أن تستعيد دار الأوبرا دورها الطبيعي، كمنصة حرة للفن الراقي، ومركز إبداعي يعكس تنوّع المجتمع السوري بعيداً عن كل أشكال التوظيف السياسي.