ستة أشهر من التحول: كيف أعاد الرئيس أحمد الشرع رسم ملامح الدولة السورية الجديدة..؟
ستة أشهر من التحول: كيف أعاد الرئيس أحمد الشرع رسم ملامح الدولة السورية الجديدة..؟
● أخبار سورية ٧ يونيو ٢٠٢٥

ستة أشهر من التحول: كيف أعاد الرئيس أحمد الشرع رسم ملامح الدولة السورية الجديدة..؟

منذ وصوله إلى سدة الحكم مطلع عام 2025، قاد الرئيس السوري أحمد الشرع مسارًا جريئًا لإعادة بناء الدولة السورية على أنقاض نظام استبدادي استمر لأكثر من نصف قرن، وخلال ستة أشهر فقط، اتخذ الشرع خطوات مفصلية شملت الإصلاح السياسي والمؤسسي، وإرساء قواعد العدالة الانتقالية، وإطلاق مشاريع اقتصادية طموحة، وفتح باب المصالحة الوطنية والعودة الآمنة للاجئين والنازحين. 


وشكل اللقاء التاريخي مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في نيويورك، في أبريل/نيسان 2025، ذروة هذا الحراك، إذ أعاد فتح صفحة جديدة في العلاقات السورية الأميركية بعد قطيعة استمرت أكثر من عقد.

يرصد التقرير التالي يرصد أبرز هذه التحولات ويستعرض رمزية كل خطوة في بناء سوريا جديدة.

- استعادة الحضور الدبلوماسي والانفتاح الإقليمي:
شهدت الأشهر الستة الأخيرة حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق. فقد أجرى الرئيس الشرع زيارات رسمية إلى كل من السعودية وقطر وتركيا والأردن ومصر والكويت والبحرين والإمارات العربية وفرنسا، كما استقبل وفوداً من الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ودول آسيوية وغربية ومنظمات دولية، وتُوّج هذا الانفتاح باستعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، وعودة معظم البعثات الدبلوماسية إلى دمشق، في مؤشر واضح على التغيير في صورة سوريا إقليميًا ودوليًا.

برز اللقاء مع الرئيس ترامب كأهم اختراق دبلوماسي منذ سقوط النظام البائد، حيث ناقش الجانبان سبل إعادة العلاقات الثنائية على أساس المصالح المشتركة، وفتح الأبواب أمام استثمارات أميركية في إعادة الإعمار، وشراكة أمنية في مكافحة الإرهاب، كما نجحت دمشق في تطبيع علاقاتها مع دول الخليج، وفتحت قنوات تعاون جديدة مع الاتحاد الأوروبي.

بعد اللقاء مع ترامب، أعلنت واشنطن عن بدء مراجعة شاملة لسياستها تجاه سوريا الجديدة. وتوالت رسائل الاعتراف بالحكومة الانتقالية من عواصم كبرى، فيما أبدت مؤسسات مالية دولية استعدادها للانخراط في خطة إعادة الإعمار. كما وافقت الأمم المتحدة على إرسال بعثة مراقبة مدنية لدعم العملية الانتقالية وضمان شفافيتها.


- تفكيك النظام القديم وبناء مؤسسات انتقالية
بادر الرئيس الشرع منذ الأيام الأولى بتفكيك البنية السلطوية للنظام السابق، فتم حل حزب البعث، وإلغاء الأجهزة الأمنية السابقة، وحل البرلمان ومؤسسات السلطة القائمة، وتجميد العمل بالدستور السابق.

وفي مارس 2025، أُصدر إعلان دستوري مؤقت، ينظم المرحلة الانتقالية، ويؤسس لمؤسسات حوكمة مؤقتة قائمة على مبادئ الديمقراطية، وسيادة القانون، والتعددية السياسية. وقد نص الإعلان على استقلال القضاء، وضمان الحقوق والحريات، وتشكيل لجنة دستورية لإعداد دستور دائم جديد للبلاد.

- انطلاقة قوية نحو العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية
بالتوازي مع التحولات السياسية، أُطلقت عملية عدالة انتقالية واسعة، إذ تم تشكيل هيئة وطنية للمفقودين والمختفين قسرًا، وأخرى للعدالة الانتقالية، تعملان على توثيق الانتهاكات السابقة، وجبر الضرر، وتقديم توصيات للعدالة والمصالحة، كما عقد مؤتمر حوار وطني جامع في دمشق، شاركت فيه أطياف متعددة من القوى السياسية والمدنية، ما مهّد لإطلاق مسار وطني جديد قوامه التوافق والمصارحة والمشاركة السياسية.

- دمج المؤسسات العسكرية وتوحيد القرار الأمني
من أبرز محطات المرحلة الانتقالية، توقيع اتفاق 10 آذار/مارس 2025 بين الحكومة الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). نص الاتفاق على دمج المؤسسات العسكرية والإدارية في شمال وشرق سوريا ضمن هيكل الدولة الجديدة، مع الحفاظ على خصوصية المناطق والإقرار بالتعددية الثقافية.

كما تم دمج الجيش الوطني السوري ضمن وزارة الدفاع الجديدة، لتوحيد القرار العسكري تحت سلطة مدنية، وإطلاق عملية إعادة هيكلة شاملة للمؤسسة الأمنية على أسس مهنية غير حزبية، بإشراف لجنة أمنية انتقالية مستقلة.

- انفتاح اقتصادي وشراكات دولية
في سياق الانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد التنمية، وقّعت سوريا في أبريل 2025 اتفاقية استثمارية مع تحالف شركات تقوده دولة قطر، لبناء محطات كهرباء بطاقة إنتاجية تصل إلى 5 آلاف ميغاواط، ما يُعد أول مشروع استثماري ضخم في سوريا بعد سقوط النظام السابق.

وبعد إصلاحات قانونية ومؤسساتية، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مايو رفع معظم العقوبات عن سوريا، استجابة لتقدم العملية الانتقالية، ما فتح الباب أمام عودة المساعدات والتعاون مع المؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

خاتمة:
لا يمكن اختزال ما تحقق خلال الأشهر الستة الأولى من حكم الرئيس أحمد الشرع بمؤشرات سياسية فقط، فالأهم هو الانطباع العام الذي بدأ يتشكل داخليًا وخارجيًا عن سوريا جديدة تتجه بخطى واثقة نحو الاستقرار، والتعددية، والمصالحة الوطنية، والعدالة.

ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً ومعقداً، فإن ما تحقق حتى الآن يعكس وجود إرادة سياسية فعلية للتغيير، ويفتح الباب أمام ولادة دولة سورية حديثة، تعيد الاعتبار للمواطن، وتطوي صفحة الاستبداد والدمار.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ