فضل عبد الغني: النشيد الوطني في المرحلة الانتقالية اختبارٌ للشرعية لا مسابقة فنية
قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في مقال نشرته صحيفة "الثورة السورية"، إن اختيار نشيد وطني جديد في مرحلة انتقالية ليس مجرد عمل فني، بل مهمة سياسية واجتماعية عميقة تتطلب مقاربة تشاركية ومدروسة، لما تحمله الرموز الوطنية من أثر في تشكيل الهوية الجماعية وتعزيز المصالحة أو، في حال سوء إدارتها، تكريس الانقسام.
وأكد عبد الغني أن التجارب الدولية في مراحل التحول السياسي بيّنت أن شرعية الرموز لا تُستمد من سرعة القرار أو سلطته، بل من انبثاقها عبر أطر مؤسسية جامعة وتشاركية. فالعملية التي تؤدي إلى تبني نشيد وطني في مثل هذه السياقات يجب أن تقوم على مراحل واضحة، بدءاً من المشاورات العامة، وصولاً إلى التصديق التشريعي أو الشعبي، لضمان شرعية الرمز وتوافق المجتمع عليه.
واستعرض الكاتب النماذج المقارنة، مثل تجربة جنوب إفريقيا، التي اعتمدت لجنة متعددة التخصصات تضم فنانين وموسيقيين وأكاديميين وممثلين عن المجتمع المدني، ما مكّن من إنتاج نشيد وطني يعكس التنوع الثقافي والسياسي، ويجمع بين الجدارة الفنية والشرعية السياسية.
كما حذّر عبد الغني من الاقتصار على مسابقات تُدار ضمن الوزارات بمعزل عن آليات تشاركية ومجتمعية واسعة، مؤكداً أن مثل هذه المقاربات غالباً ما تُنظر إليها على أنها إقصائية وتفتقر إلى الشفافية. ويزداد هذا القصور عندما تُهمَّش الفئات المتضررة من النزاع أو تُستبعد من المشاورات، ما يُضعف أثر الرمز الوطني ويحوّله إلى أداة جديدة للصراع بدلاً من أن يكون جسراً للمصالحة.
وشدد الكاتب على أهمية إشراك فئات مجتمعية متنوعة في أي لجنة مختصة باختيار النشيد، من ملحنين وشعراء وخبراء في القانون الدستوري، إلى ممثلين عن الشباب والمجتمع المدني، لضمان تمثيل الهوية الوطنية بأبعادها المتعددة، وتحصين الرمز من الاستغلال السياسي مستقبلاً.
وختم عبد الغني مقاله بالتأكيد أن العملية المؤسسية الشفافة والمبنية على مشاركة حقيقية تخلق نشيداً وطنياً يُعزز الانتماء، ويمثّل أداة لترميم الثقة بين الدولة والمجتمع، لا مجرد شعار يُرفع. أما التعجيل والإقصاء، فهما وصفة مؤكدة لإنتاج رمز منقسم عليه، يفتقر إلى القبول العام والشرعية الرمزية، حتى وإن تمتع بجودة فنية عالية.